افتتح حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في فندق “فورسيزونز” بيروت ملتقى مكافحة الجريمة الالكترونية تحت عنوان “مكافحة الاحتيال والقرصنة الالكترونية في القطاعين المصرفي والتجاري في لبنان” الذي تنظّمه هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة وحماية الملكيّة الفكريّة لدى المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي وبالتعاون مع مجموعة “الاقتصاد والأعمال”.
حضر جلسة الافتتاح نحو 500 مشارك يتقدّمهم عدد من النواب وحشد من السلكين القضائي والأمني إضافةً إلى المسؤولين المعنيّين بالمعلوماتيّة لدى المصارف والشركات الماليّة وسائر القطاعات.
تحدّث في جلسة الافتتاح إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وأمين سرّ هيئة التحقيق الخاصّة عبد الحفيظ منصور.
سلامه
بدايةً تحدّث حاكم مصرف لبنان رياض سلامه فقال: “في ظل الانتشار الواسع لاستخدامات وسائل الاتصال الحديث ونظم التبادل الالكتروني واعتماد المؤسسات على النظم الحديثة في استخدام البيانات، فإن معظم التعاملات المصرفية والتجارية صارت تتم عبر وسائل الانترنت ما زاد من وتيرة الجرائم الالكترونية والاحتيال التي طالت المؤسسات المصرفية والشركات والأفراد في العالم”.
وأكّد سلامه “أنّ الجرائم الالكترونية تعد من الجرائم الخطيرة والمعقدة كونها جرائم عابرة للحدود الوطنية، وتستخدم فيها أحدث التقنيات ويكون مرتكبوها متخفين وخارج الدولة في أغلب الحالات، مما يتطلب في مواجهتها تضافر الجهود المحلية والعالمية على السواء. وبحسب تقرير اقتصاد المعلومات الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” في آذار 2015، تحت عنوان “إطلاق إمكانات التجارة الإلكترونية في البلدان النامية”، حلّ لبنان في المرتبة السابعة بين البلدان العشرة الأولى على مؤشر “الأونكتاد” في منطقة آسيا للعام 2014. لكنّ بالرغم من النتائج الايجابية التي يحققها لبنان في مجال الاقتصاد الرقمي، فإنّه ما زال يفتقر إلى البنية التشريعية مع غياب القوانين التي تصب في مجال التجارة الالكترونية وحماية المعلومات والبيانات، ومكافحة جرائم الانترنت وجرائم سوء استخدام أنظمة الكومبيوتر”.
أما على صعيد العمليات المصرفية والمدفوعات، فأشار سلامه “إلى أنّ لبنان حقق بالفعل تقدماً مهماً، حيث سعى مصرف لبنان وخلال العقدين الماضيين إلى تطوير المناخ التشريعي الضروري لتطوير التعاطي الالكتروني في القطاع المصرفي والمالي مشددا على الحماية وضبط التكلفة “. وقال: “اقترح مصرف لبنان في العام 1999 القانون رقم 133 الذي وسّع مهام المصرف المركزي في مجال الصيرفة الالكترونيّة بما أتاح له إصدار تعاميم تنظيمية لتطوير وسائل وأنظمة الدفع وبصورة خاصة العمليات المجراة عن طريق الصراف الآلي وبطاقات الإيفاء أو الدفع أو الائتمان، وعمليات التحاويل النقدية بما فيها التحاويل الالكترونية، وعمليات المقاصة والتسوية العائدة لمختلف وسائل الدفع والأدوات المالية. ومن أهم التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان في هذا المجال التعميم الأساسي رقم 69 تاريخ 30/3/2000 المتعلق بالعمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية وتعديلاته:عرّف العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية بشكل موسع، حصر ممارسة “العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية” بـالمصارف وسائر المؤسسات المسجلة لدى مصرف لبنان، حظر منذ حزيران 2013 إصدار النقود الالكترونية (Electronic Money) من أي كان والتعامل بها بأي شكل من الأشكال، (BIT COIN) ونظم في حزيران 2013 عمليات التحاويل النقدية بالوسائل الالكترونية، سواء كانت داخلية أو خارجية، التي تقوم بها المؤسسات غير المصرفي، كما حظر في شباط 2014 قبول التوقيع الالكتروني إلا عند توافر بعض الشروط مجتمعة منها وجود اتفاق صريح بين المؤسسة المعنية والعميل يبيّن المخاطر المحتملة عند اللجوء إلى التوقيع الالكتروني”.
وأضاف: “من التعاميم أيضاُ حصر القيام بالعمليات المصرفية بواسطة الأجهزة الالكترونية الجوالة بين مصرف معين وزبائن نفس المصرف المعني فقط، في مرحلة أولى، ثم عاد في 30/6/2015 فسمح بالقيام بالعمليات المصرفية بواسطة الأجهزة الإلكترونية الجوالة والثابتة بين زبائن مصارف مختلفة في حالة واحدة هي لتلقي طلبات التحاويل المصرفية من العميل وذلك وفقا لشروط محددة، وفرض التقيّد بعدة شروط منها وضع نظام ضبط داخلي فاعل لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والتعاون مع “هيئة التحقيق الخاصة” بشأن العمليات التي يشتبه أنها تخفي تبييضاً للأموال أو تمويلاً للإرهاب، حصر مقاصة البطاقات الائتمانية والمستعملة في لبنان بمقاصة محلية، وطلب مصرف لبنان في نيسان 2009 من المصارف والمؤسسات المصدرة لبطاقات الائتمان والوفاء إبلاغ صاحب البطاقة فور استعمال بطاقته”.
وختم سلامه معتبراً أنّ العنصر البشري المهني والمدرّب يشكّل أفضل حماية لمنع الجرائم المالية”.
اللواء بصبوص
ثمّ تحدّث المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص وقال: “أصبحت تقنيات المعلومات المدعومة بثورة الاتصالات وبأجهزة الكمبيوتر وبرامجها تشكّل أهميّة كبرى بالنسبة للعالم، لكن صاحب ذلك التطوّر في المقابل استخدام المحتالين والقراصنة التقنيات لتعزيز قدراتهم في تنفيذ عمليات الاحتيال والنصب المالي والمصرفي”.
وأضاف: “إنّ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنشأت مكتباً متخصّصاً بمكافحة الجرائم الالكترونيّة وجهّزته بأحدث المعدّات التقنية المتطوّرة وأخضعت ضبّاطه وعناصره لتدريب متخصّص وهي لا تزال تسعى إلى رفع مستواهم وكفاءتهم ليواكبوا التطوّر”.
وتحدّث اللواء بصبوص عن عمل مكتب مكافحة الجرائم الالكترونيّة حيث قال: واجهنا في مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة مشكلة غياب التشريعات والقوانين التي تنظّم عمل قطاع الانترنت وعدم وجود قانون خاص لتنظيم التوقيع الالكتروني أو لتحديد الجرائم الالكترونية وطرق مكافحتها والعقوبات المناسبة لها، فقد أثمر تنسيقنا مع النيابة العامة التمييزيّة عن إصدار تعاميم منها تعميم بمزوّدي خدمات الانترنت لحفظ معطيات حركة الانترنت التي تمرّ عبر خوادمهم (Servers) بغية ضبط هذه الحركة وتنظيمها ورفع الأدلّة الجرميّة وتعقّب المجرمين على الانترنت، وتعميم آخر هو عبارة عن إرشادات عامّة استباقيّة للوزارات والمصارف بهدف حماية أنظمتها وبرامجها من الاختراق بعد تهديدات مجموعة قراصنة تعرف باسم anonymous. كما طلبنا من هيئة أوجيرو بعد أخذ موافقة النيابة العامة التمييزيّة حجب المواقع التي تقوم ببيع سلع وهميّة أو تعود لشركات وهميّة أو احتياليّة وملاحقة أصحابها”.
وقال: “إنّ مواجهة الخطر المتنامي للجرائم الالكترونيّة يحتّم التعاون والتنسيق على كافّة المستويات بدءاً بتبادل المعلومات بين المصارف وأجهزة إنفاذ القانون المتمثّلة بقوى الأمن الداخلي والتواصل المستمرّ مع القطاعين العام والخاص ورفع مستوى الوعي لدى المصرفيّين والتجار والمواطنين. ومن واجب الحكومة رعاية هذا التعاون والعمل على تعديل أو صياغة التشريعات المتعلّقة بمكافحة الجرائم الالكترونيّة”.
منصور
واختتم جلسة الافتتاح أمين سرّ هيئة التحقيق الخاصّة لدى مصرف لبنان – نائب رئيس مجموعة “إغمونت” في العالم عبد الحفيظ منصور وقال: “واكب الانتشار الواسع لاستخدام شبكة الانترنت نموّ سريع في حجم التعاملات التجارية الالكترونية، وهو اتّجاه متوقّع استمراره بوتيرة تصاعدية خلال السنوات المقبلة لما تقدّمه الشبكة العنكبوتية من تسهيلات عمليّة وسريعة تتخطّى حواجز التوقيت الزمني على مدار العالم. إلا أنّ هذا الانتشار المتزايد تواكب مع بروز ظاهرة سلبية تندرج تحت عنوان الجريمة الالكترونية وعمليات الاحتيال والقرصنة”.
وأضاف: “هذه الجريمة الالكترونية التي نشط مرتكبوها خلال السنوات الأخيرة من خلال قيامهم بعمليات احتيال وقرصنة بطرق مدروسة ومعقّدة، انتهت بسرقة أموال الأفراد والمؤسّسات في وقت يصعب تعقّب وتتبّع مرتكبي تلك الجريمة نظراً لإخفاء هويّتهم الأصليّة باستعمالهم أسماء وروابط الكترونيّة مستعارة ومزوّرة يصبح معها استرداد تلك الأموال المسروقة شبه مستحيل. ولعّل أبلغ دليل على خطورة هذا النوع من الجرائم هو الإحصاءات المتوافرة لدى هيئة التحقيق الخاصة التي تبيّن أرقامها التزايد الناشط لتلك الجريمة خلال السنوات الأخيرة، إذ تعاملت الهيئة مع حالة قرصنة مالية واحدة في العام 2011 ليصل العدد منذ بداية هذا العام وحتّى تاريخه إلى 63 حالية وتراوحت قيمة المبالغ المقرصنة في تلك الحالات ما بين 1500 دولار كحدّ أدنى والمليوني دولار كحدّ أقصى”.
واعتبر منصور “أنّ خطورة هذا النوع من الجرائم يكمن في إمكانيّة تحويل الأموال المقرصنة الكترونياً بسرعة فائقة وعبورها إلى دول عدّة في خلال 24 ساعة، وهنا تكمن صعوبة تعقّب مرتكبيها ومعرفة هويّة المستفيد النهائي من هذه المسروقات. ما يزيد من خطورتها أيضاً هو احتمال ارتباطها بالمنظّمات الإرهابيّة التي شغلت العالم والتي تستنفذ موارد وجهود كبيرة لمكافحتها”.
وعدّد منصور الطرق المعتمدة لاستعادة الأموال المسروقة: أولاً: في حالة اكتشاف السرقة خلال 24 إلى 48 ساعة بعد حدوثها يمكن التقدّم من المصرف بطلب استرداد الأموال ويقوم المصرف بالطلب من مراسله توقيف الحوالة وإعادتها. ثانياً، مسار وحدة الإخبار المالي، وذلك من خلال هيئة التحقيق الخاصّة حيث تقوم الهيئة بالتواصل مع نظيراتها في الخارج والطلب منها تجميد الأموال المسروقة تمهيداً لاستردادها. ثالثاً، الاستعانة بمكاتب المحامين المحليّين وفي الخارج لتجميد الأموال سريعاً تمهيداً لاتّخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة لاستعادتها”.
وختم قائلاً: “نأمل إصدار تعليمات مصرفيّة أو اقتراح تعديلات على التشريعات التي ما زالت قيد البحث في مجلس النواب لا سيّما قانون التعاملات الالكترونية لأجل تحصين المصالح الخاصّة والعامّة”.