إدارة الشركات في مواجهة
تحديات التنمية المستدامة

د.نجوى أزهار

تواجه الشركات المعاصرة اكثر من اي وقت مضى ضغوطات من محيطها لكي تأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير أنشطتها على حياة الانسان. في الواقع، ان الأساليب التي تستعملها لتحويل واستهلاك كميات هائلة من الموارد الطبيعية أصبحت تهدد قدرة كوكبنا للحفاظ على ظروف حياة مناسبة، اذ أصبحنا جميعاً نعايش تغيرات المناخ، والمشاكل الصحية، وانعدام الأمن، ومخلفات التلوث،…
ومع ذلك فإننا لدينا الفرصة والقدرة على خلق نظام اقتصادي مختلف جوهرياً: هو نظام صناعي وتجاري قادر على استعادة النظم الإيكولوجية وحماية البيئة مع تشجيع مفهوم الابتكار وكذا العمل الجماعي. والشركات على وجه الخصوص هي المؤسسات الوحيدة القوية والخلاقة بما فيه الكفاية لتنفيذ التغييرات اللازمة. هذه الفرصة هي التنمية المستدامة.
لطالما اعتقد البعض ان التنمية المستدامة لن تكون أكثر من اُسلوب إدارة عابر أو موضة لن تصمد أمام اختبار الوقت. ولكن اتضح العكس كلياً، لان السياق قد تغير، إذ أصبح رأس المال البشري و رأس المال الطبيعي في قلب الاهتمامات، و ازداد الوعي بضرورة التغيير وأهمية ظهور ممارسات أكثر مسؤولية .
لهذه الأسباب وغيرها تُعدّ التنمية المستدامة فرصة مهمة للابتكار ودعوة جميع القوى الفاعلة في محاولات جدّية للتفكير والتخطيط لحلول عملية جديدة في المجالات الاجتماعية، الاقتصادية والبيئية. وتعتبر الشركات من أهم الفاعلين في التنفيذ العملي للتنمية المستدامة على مستوى حرفهم وأسواقهم.
في هذا السياق تكمن أهم التحديات بالنسبة للشركات في العمل على دمج التنمية المستدامة في قلب ثقافتهم واستراتيجياتهم وممارساتهم التجارية، وهذا يعني النظر في تأثير قراراتهم على الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة وهي المجتمع، البيئة، والاقتصاد.
و بذلك تصير الاشكالية المشتركة هي : كيف يمكن إدماج التنمية المستدامة بشكل عملي في إدارة الشركات؟ اشكالية يطرحها بالتأكيد عدد كبير من مدراء الشركات وأصحاب القرار والتي تحمل عدة استفهامات: ما هي مقومات و تحديات التنمية المستدامة؟ ما هي الضرورات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب من الشركات الالتزام؟ كيف يمكن للشركات ان تضع و تنفذ استراتيجية للتنمية المستدامة؟ ما هي الإجراءات التي يتعيّن اتباعها وما هي مفاتيح النجاح؟
يأتي كتاب “الشركة و التنمية المستدامة” ( مقتبسا عن أطروحة الدكتوراه: إدارة الشركات في مواجهة تحدّيات التنمية المستدامة) ليعطي إجابات للإشكاليات المطروحة من خلال ثلاثة أجزاء، يتمّ في الجزء الأول ربط العلاقة بين الشركة والتنمية المستدامة كمفهوم سوسيوإقتصادي لتسليط الضوء على تاريخ التنمية المستدامة، مقوّماتها و ركائزها ومختلف المعنيين بها وكذا لإبراز الأسباب التي تدفع الشركة إلى دمجه في إدارتها، وذلك قبل التوقف عند مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركة ومجالات تطبيقها. الجزء الثاني يقدم نظرة استراتيجية للتنمية المستدامة مفصلاً مراحل تنفيذها على أساس الاقتصاد المستدام، يتعلق الأمر هنا بإعادة ابتكار كيان الشركة والتفكير مجدداً في أهدافها و مقولاتها، في أساليب الانتاج و مواقع المكاتب والمصانع من أجل الوصول إلى مرحلة الإدارة المستدامة. أما الجزء الثالث فيعتبر رصداً للتجربة الميدانية التي تمّ من خلالها على أزيد من سنة إدماج استراتيجية تنمية مستدامة على مستوى شركة “تكنولوجيا التعليم التفاعلي” و التي تعتبر نتائجها مثمرة، في البداية تمّت مرافقة فريق الشركة في جميع المهمات والاجتماعات التي يقوم بها من اجل تكوين فكرة شاملة عن أهدافهم و طريقة عملهم و بالتالي التوصل إلى مراكز قوتهم ومراكز ضعفهم التي ستُبنى عليها الاستراتيجية. بعد بناء وتنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة بمشاركة جميع الفاعلين في المؤسسة، كان من الضروري قياس النتائج ومقارنتها بالسنوات السابقة من أجل التوصل الى أهمية الاستراتيجية ومدى مساهمتها في تطوير الشركة.
إجمالا فإن طموح هذا الكتاب هو اقتراح سُبلٍ ملموسة للشركات الراغبة في الاندماج في التنمية المستدامة مهما كان السوق او الاختصاص الذي تعمل عليه. التحوّل لن يكون سهلاً وهناك العديد من التحديات والعقبات لكون النموذج الاقتصادي المستدام يختلف كلياً عن النموذج الذي بنت عليه الشركات نجاحها الحالي. لذا فمن الضروري أن تندرج التنمية المستدامة في نظم الإدارات في أقرب وقتٍ ممكن من أجل ضمان الالتزام بسلوكيات وقيم مسؤولة سواء تعلق الأمر بالشركات أو بباقي الفاعلين المعنيين (الدولة، البنوك، شركات التأمين، الموزعون، المواطنون، جمعيات المجتمع المدني،…) لأن العالم بحاجة إلى تصميم نظام تجارة و إنتاجٍ يساهم في التنمية المستدامة، و بحاجة أكثر إلى شركات في وئامٍ مع العالم من حولهم وإلى شركات تعتبر التنمية المستدامة طبيعة ثانية لها، والتي في كل عمل تساهم فعلاً في خلق عالم أفضل لنا و للأجيال القادمة.
في اجواء المؤتمر العالمي للمناخ COP21 الذي عُقد مؤخّراً في فرنسا بحضور ومشاركة أكثر من 150 دولة، يعتبر تقديم هذا الكتاب خلال المعرض العربي الدولي للكتاب في بيروت فرصة مناسبة للنقاش والتحاور حول مدى أهمية الموضوع بالنسبة لمجتمعاتنا وكيفية الاستفادة منه. ولتكريس مفهوم الاستدامة والتشجيع على الممارسات المسؤولة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التكنولوجيا القديمة لن تعيق تحقيق مكاسب من الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بمنطقة الشرق الأوسط والعالم

دراسة “إيتون” الجديدة شملت أكثر من 120 صانع قرار في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة ...

بينكيو تكشف عن مراكز تجريبية في الإمارات والسعودية لاستعراض سلسلة بروجكتور السينما المنزلية

– بروجكتور بينكيو W5800 يرسي معايير جديدة لتقنيات العرض السينمائي بدقة 4K – ماسيف ميديا: ...

فالكون 3: إنجاز جديد لمعهد الابتكار التكنولوجي في دولة الإمارات

من المقرر إطلاق ميزات جديدة مثل التعرف على الصوت في يناير 2025. كشف معهد الابتكار ...