افتتح رئيس مجلس الوزراء الأستاذ تمام سلام صباح اليوم الخميس، منتدى الاقتصاد العربي في دورته الـ 24 في فندق فينيسيا – بيروت بمشاركة أكثر من 500 مستثمر ورجل أعمال من 20 بلداً.
حضر حفل الافتتاح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل، ورئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، ووزير التربية والتعليم العالي الياس أبو صعب، ووزير التنمية الإدارية نبيل دو فريج، ووزير البيئة محمد المشنوق، ووزير الثقافة ريمون عريجي. كما حضر من مصر وزير الصناعة والتجارة المهندس طارق قابيل، ورئيس الهيئة العربية للتصنيع الفريق عبد العزيز سيف الدين، ورئيس لجنة الإعلام والثقافة في مجلس النواب د. أسامة هيكل. بالإضافة إلى النائب الأول لرئيس البنك الدولي د. محمود محي الدين، محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن العلاق، رئيس صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة في العراق عبد الباسط تركي سعيد، ووزير التخطيط والتعاون الدولي في اليمن د. محمد الميتمي. كما شارك في الافتتاح عدد من النواب اللبنانيين والوزراء السابقين وممثلو السلك الدبلوماسي وحشد من رجال الأعمال والمستثمرين ومسؤولي المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية والخبراء الاقتصاديين.
وتحدث في افتتاح المنتدى، الذي تنظمه مجموعة القتصاد والأعمال بالتعاون مع مصرف لبنان والمؤسسة العام لتشجيع الإستثمارات في لبنان (إيدال) وجمعية مصارف لبنان وإتحاد الغرف اللبنانية ومؤسسة التمويل الدولية (IFC)، كل من: الرئيس تمام سلام، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس اتحاد الغرف العربية نائل كباريتي، ورئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، ورئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه، الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي.
وهنا أبرز ما جاء في كلمات المتحدثين خلال حفل الافتتاح:
الرئيس تمّام سلام
استهل رئيس الوزراء تمّام سلام كلمته بتوجيه “تحية حارة إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يخوض اليوم مع إخوانه غمار تجربة تطويرية كبيرة، عنيت بها الخطة التي أُطلق عليها إسم “الرؤية الاقتصادية 2030″. وإننا نتطلع بكثير من الاهتمام إلى الخطوات الأولى في هذه المسيرة النوعية الطموحة، ونتمنى لها النجاح في تحقيق ما يعود بالخير على الشعب السعودي الشقيق”.
وتابع قائلاً: “بعد أسبوعين، ننهي للأسف عامين كاملين من الشغور الرئاسي، الذي يشكل إساءة بالغة للبنان واللبنانيين، ويعكس عجزاً مخجلاً للطبقة السياسية عن الخروج من أسر المصالح الداخلية والارتباطات الخارجية. وإن هذا التقصير المتمادي هو السبب الأساس لما تعاني منه المؤسسات من شلل وتعثر، مع ما يعنيه ذلك من تعطيل لعدد كبير من القضايا المتعلقة بحاجات اللبنانيين المباشرة والبعيدة الأمد. كما إنه يعكس أسوأ صورة ممكنة عن البلد، في وقت يحتاج لبنان إلى صورة توحي للمستثمر بالثقة التي لا وجود لها من دون استقرار سياسي. وإن هذا الواقع، هو أحد الاسباب الرئيسية لغياب النمو والتراجع الكبير في النشاط الاقتصادي، بالاضافة إلى الأسباب الخارجية وأولها الأعباء الكبيرة لملف النزوح السوري”.
وأضاف سلام: “شكلت المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية التي جرت يوم الأحد الماضي، فسحة مضيئة وسط الأجواء الملبدة المحيطة بنا، ومتنفساً للبنانيين المحرومين منذ سنوات طويلة من ممارسة حقهم الديموقراطي. إن هذه الانتخابات، التي نأمل أن تنجز بنفس السلاسة والنجاح في محطاتها الثلاث المقبلة، بثت بعض الروح في الحياة السياسية، وأعادت للمواطن حقه الطبيعي في اختيار من يمثله في إدارة الشأن العام، وأسقطت كل الذرائع عن عجز اللبنانيين عن خوض غمار الانتخابات بطريقة سلمية وحضارية. والأهم من كل ذلك، أن هذه الانتخابات، التي تمثل إِنجازاً لوزارة الداخلية وأجهزتها، أثبتت أن الدولة ومؤسساتها وقواها الأمنية قادرة على إدارة وحماية أكثر التحديات الإنتخابية صعوبة وتعقيداً، في حال توافر النية السياسية لدى الأطراف والقوى الوطنية”.
وأكد أنه “رغم كل الأوضاع الداخلية الصعبة والظروف الخارجية الأصعب، فإن ما يمتلكه لبنان من خصائص، وبنى مؤسساتية راسخة، ونظم تشريعية محفزة للاستثمار، ووضع نقدي متين، وقطاع مصرفي متقدم، واستقرار أمني كبير، وما يختزنه من خبرات بشرية تجعل منه مكاناً ملائماً للنشاط الاقتصادي والاستثماري بكل أشكاله. وهذه السمات نفسها هي التي تؤهل لبنان ليكون منصة انطلاق لمشاريع إعادة الإعمار في سوريا العزيزة، حين تصمت المدافع ويحين وقت السلام”.
رياض سلامه
تحدّث حاكم مصرف لبنان رياض سلامه عن بعض الأرقام التي يتطلّع إليها البنك المركزي لتقييم الوضع الاقتصادي الحالي فقال: “نتوقّع أن يحقق الاقتصاد اللبناني نمواً بنسب 2 في المئة في العام 2016 فيما اقتصاد المنطقة وبحسب صندوق النقد الدولي سينمو بنسبة 3 في المئة، لذلك نظراً للوضع الحالي في لبنان يعتبر مصرف لبنان أنّ هذا النمو مقبول نسبة لما يجري في المنطقة العربيّة من أحداث. كذلك نتوقّع أن تنمو الودائع بنسبة تراوح ما بين 4.5 و5 في المئة أي ما يوازي 8 مليار دولار في العام 2016 وهذا المعدّل يعتبر كافياً لتمويل القطاعين العام والخاص. أما على صعيد التسليفات فنتوقّع أن تنمو بنحو 5.5 في المئة عن العام السابق”.
وقال: “إنّ العجز في ميزان المدفوعات يشكلّ مكمن ضعف للاستقرار المالي في لبنان وحققٌّ هذا الميزان في الثلاثة أشهر الأولى من العام الحالي عجزاً بلغ 644 مليون دولار ناتج عن مدفوعات الدولة بالعملة الأجنبية. إنّما ما يطمئن السوق هو المستويات المرتفعة للاحتياط بالعملات الأجنبية لدى القطاع المصرفي ولدى مصرف لبنان، وأمام هذا الواقع نستطيع أن نؤكّد استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية وقاعدة الفوائد وهو ما يسمح لمصرف لبنان بمتابعة المبادرات التحفيزية التي أطلقها في المرحلة السابقة لتفعيل الطلب الداخلي وتنمية الاقتصاد اللبناني وخلق فرص عمل”. وأشار “إلى أنّ 67 في المئة من النمو في الاقتصاد ناتج عن رزم تحفيزية يطلقها مصرف لبنان”، لافتاَ “إلى أنّ هناك نظرة أوروبيّة تنصح القطاع المصرفي بدلاً من استعمال ضخ السيولة بشكل غير منظم (helicopter money) بأن يصار إلى توجيه هذه السيولة إلى قطاعات معيّنة كما فعلنا في لبنان”.
وأضاف: “أطلق مصرف لبنان مبادرات عديدة حيث زاد إمكانيات المصارف في دعم اقتصاد المعرفة والذي استقطب ما لا يقلّ عن 250 مليون دولار استثمارات من القطاع المصرفي وبفعل ذلك نشأت شركات تبلغ رسملتها أكثر من 600 مليون دولار وأدّى هذا القطاع إلى خلق فرص عمل”.
وأشار سلامه إلى أنّ مصرف لبنان ماض في دعم التسليفات المرتبطة بتمويل السكن والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتم منح أكثر من 130 ألف قرض سكني سمح للبنانيين بالتملك في وطنهم، وسيطلق مصرف لبنان قبل شهر حزيران تعميماً يتعلقّ بخلق صندوق للدين العقاري بحيث يوفّر إمكانية رسملة 40 في المئة من هذا الصندوق من القطاع الخاص وإطلاق 60 في المئة من السندات التي تتم تداولها في الأسواق”.
وأشار “إلى أنّ مصرف لبنان وضع بتصرّف الإبداع الفني اللبناني قروضاً تصل قيمتها الإجمالية إلى 180 مليون دولار بفائدة 1 في المئة تمكّن القطاع المصرفي بتمويل الإنتاج اللبناني على شكل طويل ومتوسّط الأمد وبفوائد منخفضة، وذلك نظراً لأهمية هذا القطاع الذي يحتاج إلى تطوير”.
وقال: “عزّز لبنان وجوده بالشمولية المالية في الداخل والخارج، وفي الأمس أعلنت الـ oecd رسمياً أنّ لبنان أتمّ كل ما يلزم من شروط في انخراطه في مكافحة التهرب الضريبي وهذا التصريح يسقط كل ما كان يقال أن لبنان سيكون على اللائحة السوداء، كما حُذف لبنان في اجتماع الـ “غافي” عن المراقبة المعزّزة وصار بلداً طبيعياً بمراقبة طبيعية. وبموجب هذه الأمور نؤكّد أن لا عوائق أمام القطاع المصرفي في علاقاته مع الخارج”. وشدّد “على أنّ القطاع المصرفي يقوم بكل ما يلزم للمحافظة على علاقاته مع الخارج، ولبنان بالنسبة للدول العربية حافظ على تواجده، والتحاويل من وإلى لبنان ستكون طبيعية”. كما أشار “إلى أنّ هيئة الأسواق المالية تحقّق تقدماً فيما يتعلّق بالبنية التشريعيّة للحصول على أسواق مالية شفافة” وقال: “قريباَ سنطرح المنصة الالكترونية بالتزامن مع خصخصة بورصة بيروت وهذه المنصة تؤمن التواصل للتداول في لبنان ومع الخارج وتؤمن سيولة إضافية للقطاع العام والقطاع الخاص”.
نائل الكباريتي
من جهته، قال رئيس مجلس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية نائل رجا الكباريتي: “الحديث عن الاقتصاد العربي الموحّد ضرب من الخيال، فلا يوجد ما يجمع الاقتصاديات العربية في كيان إقليمي سوى الإحصاءات المجمّعة عن أداء الدول العربية للخروج برقم واحد يمثّل تلك البقعة الجغرافية، للتعبير عن مؤشرات اقتصادية تعارف عليها العالم. وإلا لو كان هناك اقتصاد عربي، لما وجدنا تفاوت كبير في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بفجوة كبيرة مثلاً بين قطر مع جزر القمر”.
أضاف: “تعدّ المنطقة من أعلى معدّلات البطالة بين الأقاليم المختلفة في العالم، ولا يخفى ما لهذه الظاهرة السلبية من تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة، لمست المنطقة بعضاً من آثارها في موجة ثورات الربيع العربي”. وأشار “إلى تداعيات العوامل الخارجية التي تحدث تقلباتها في العديد من الاقتصاديات العربية، صحيح أننا في مرحلة تراجع الأسعار العالمية للسلع، لكنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تعاود الارتفاع ونتلقى ظاهرة التضخم المستورد، نتيجة لتقلبات أسعار السوق الدولية في مجالات الغذاء والطاقة وغيرها من السلع الحيوية”.
وقال: “إنّ الاقتصاد المتين المبني على قدرة اكتساب المعرفة ومواكبة التكنولوجيا وتسخير الطاقات للتنمية هو الاقتصاد المنشود، والذي يغدو مستقراً وحاسماً للمستقبل”، معتبراً “أنّ المعرفة أصبحت من أهم الأصول الرئيسية لأي نمو اقتصادي واجتماعي، وآن الأوان أن تتكيف الاقتصادات العربية مع الأوضاع الجديدة، بأن تملك القدرة على المنافسة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الجديدة، وأن تتحلّى بالابتكار في إيجاد السبل والأدوات التي تساعدها على التعامل مع هذا التغيير، فالمعرفة الفنية، والإبداع، والذكاء، والمعلومات أصبحت منتجات ذات أهمية تفوق أهمية رأس المال، أو المواد، أو العمالة. ومن الجدير بالذكر أن 50 في المئة من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات”. وشدّد “على أهميّة الاتجاه نحو التعليم المبني على المعرفة والعلوم الحديثة، وبناء جيل متعلم مواكب للتكنولوجيا وموفر له سبل البحث العلمي من جميع الإمكانيات المادية والمعنوية والتجهيزات وهو ما سيقود اقتصادنا إلى مضمار التقدم والنجاح، ويمكّن مجتمعاتنا ويجعلها أكثر قدرة على الإنتاجية، وسيحشد الطاقات الخلاقة التي ستزخر بها مجتمعاتنا العربية، وفق إستراتيجية مستقبلية واعدة لبناء اقتصاد عربي مبني على الابتكار والمعرفة”.
محمد شقير
بدوره، قال رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير: “ينعقد مؤتمرنا، والأوضاع في منطقتنا العربية تزداد تعقيداً، وهي تتدهور من سيء إلى أسوأ مع تصاعد الصراعات وتوسع الدمار والتخريب الممنهج، في ظل عدم وجود آمال تلوح باقتراب إسدال الستار عن المآسي التي تضرب بالعمق دولنا واقتصاداتنا. فالوطن العربي ليس بخير، واقتصاده يعاني. فبالإضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي، وتراجع الإنفاق الاستثماري، وضعف التجارة البينية، وارتفاع معدلات البطالة، وهي سمات أساسية تطبع الاقتصاد العربي بشكل عام، كان لهبوط أسعار النفط، انعكاسات حادة ليس فقط على الدول المنتجة للنفط إنما أيضاً على مختلف الدول العربية، لما للدول النفطية وخصوصاً دول الخليج من دور اقتصادي رائد داخل حدودها وخارجها”.
لكنه أشار إلى أنه “مع كل ذلك أعتقد أننا اليوم على عتبة تحول في مشهد الاقتصاد العربي، والحدث الذي يجب أن يركز عليه منتدانا هو إطلاق ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “رؤية المملكة العربية السعودية 2030″، التي تتيح للمملكة تحقيق نهضة اقتصادية وتنموية واجتماعية شاملة. ولا شك أن الخطوات والإجراءات والعناونين الطموحة والرائدة والجريئة التي تضمنتها الرؤية لن ينحصر مردودها الإيجابي على المملكة فحسب، إنما سيطال معظم الدول العربية بشكل مباشر وغير مباشر. لذا، يجب أن تشكل هذه الرؤية صدمة إيجابية ومثالاً يحتذى لكل الدول العربية، لأننا فعلاً بحاجة إلى رؤية عربية اقتصادية متجددة، وإعداد العدة للمرحلة المقبلة”.
وأضاف: “من هذا المنتدى، ندعو الحكومات العربية لإطلاق ورشة اقتصادية شاملة، تستهدف تنويع اقتصادات دولنا، بحيث لا يبقى النفط موردها الأساسي لاسيما بالنسبة للدول النفطية، وهذا من شأنه خلق مجالات استثمارية هائلة ومئات آلاف فرص العمل نحن بأمس الحاجة اليها لشبابنا. ويجب ان تستهدف الرؤية فتح المجال أمام القطاع الخاص العربي للعمل بحرية ضمن النطاق العربي عبر إزالة العقبات والعراقيل من أمام التجارة والاستثمارات البينية، والأهم اقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما يجب أن لا ننسى أن هناك أموراً كبيرة تنتظرنا، وأبرزها الورشات الهائلة لإعادة اعمار الدول التي دمرتها الحروب من سوريا إلى العراق واليمن وليبيا”.
وتابع قائلاً: “نحن في القطاع الخاص اللبناني رغم الظروف المؤسفة التي يمر فيها بلدنا، لا نزال نمتلك العزيمة والتصميم للسير إلى الأمام والعمل لإبقاء لبنان موجودا بقوة على الساحتين العربية والعالمية. وأغتنم هذا المنتدى، لأؤكد أن لبنان لا يزال يتمتع بميزات تفاضلية كبيرة على مستوى الاستثمار والأعمال، وليس سراً أننا نتحضر لمرحلة واعدة على المستوى الاقتصادي، في ظل ترقب ثلاثة مشاريع كبرى، هي: تطوير البنى التحتية في لبنان بعد إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتكلفة هذه العملية بمليارات الدولارات. والبدء بعمليات استخراج النفط والغاز، وهذا الأمر أيضاً يتطلب إنشاء بنية تحتية تكلفتها مليارات الدولارات. وإعادة إعمار سوريا التي ستمر حتما بلبنان”.
جوزف طربيه
تحدّث رئيـس جمعية مصارف لبنان ورئيس الاتحاد الدولي للمصرفيّين العرب د. جوزف طربيه فأشار “إلى أنّ القطاع الخاص بذل وما زال يبذل كل جهد ممكن لحفظ الاقتصاد الوطني وهدفنا الاستراتيجي هو استيعاب الانكماش وتمكين القطاعات الحيوية من التعامل بمرونة مع التحوّل الدراماتيكي في نمو الناتج المحلي من متوسط يراوح بين 7 و 8 في المئة الى متوسط يراوح بين 1 و 2 في المئة”.
وأكد طربيه “أنّ المؤسّسات الدولية، وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين ومؤسّسات التصنيف، تشهد بأننا نجحنا في اعتماد سياسات وقائية ملائمة، وفي إدارة مؤسّساتنا الإنتاجية بمهنيّة في كل هذه السنوات العجاف، وفي ظلّ صعوبات إقليمية ودولية صاعدة في وتيرتها وفي حدّتها. لكن، لا يمكن الطيران بجناح واحد، ولا يمكن التصفيق بيدٍ واحدة، فالمخاطر التي تهدّد اقتصادنا ومجتمعنا تزيد قرباً وتأثيراً، والحاجة صارت أكثر إلحاحاً لجهود جامعة تنجز الاستحقاقات المؤجّلة وتنتج سلسلة تطورات ملائمة، من خلال إعادة تصويب المسارات الدستورية والسياسية والمالية العامة”.
وتطرّق طربيه إلى المعطيات والتحدّيات التي يتعامل معها القطاع المالي والمصرفي في ظلّ الظروف القائمة محلياً وخارجياً، ومن أبرزها كثُر اللغط في شأن القانون الأميركي الهادف إلى منع ولوج “حزب الله” إلى المؤسّسات المالية وكيفية التعامل المصرفي مع هذا الاستحقاق، لذلك لا بدّ من التنويه بالمبادئ التي تحدّد أصول وآليات هذا التعامل. فهذا القانون موجّه وملزم لكلّ المؤسّسات المصرفية حول العالم تحت طائلة عقوباتٍ متدرجة، لا قدرة لأيّ مؤسّسة على تحمّلها كونها تصل إلى حدّ الخروج التلقائي من السوق. كذلك بادر البنك المركزي إلى تعميم آلية تطبيقية واضحة بحيث يتمّ التزام مقتضيات القانون لجهة لوائح العقوبات، والحؤول دون أيّ إستنسابيّة محلية تضرّ بمصالح أو حقوق الغير، حيث سبق للمصارف خوض تجربة التزام قانون “فاتكا” الأميركي أيضاً. كما يستلزم تحصين الجهاز المصرفي الالتزام التام بالمتطلّبات الدولية، وهذا ما تمّ تعزيزه، قبل أشهر، بالإنجاز التشريعي المتمثل بإقرار حزمة قوانين مالية مهمة للغاية. وهذا ما دفع مجموعة “غافي” للإعلان رسمياً بأن لبنان يستوفي كل الشروط المطلوبة من حيث القانون ومن حيث الممارسة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وسلاح الدمار الشامل”.
رؤوف أبو زكي
واستُهل الافتتاح بكلمة الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي، الذي قال: “نجتمع اليوم في ظل أزمة تاريخية يعيشها العالم العربي، تدمير سوريا واقتصادها، وحرب اليمن، وتقطيع أوصال العراق وشرذمة ليبيا، ووضع اقتصادي صعب في مصر، وتونس، وشلل سياسي في لبنان مع كل ما لذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية، وانكماش في معظم دول الخليج والمغرب العربي، وغير ذلك الكثير”.
وأضاف: “نلتقي اليوم في ظروف يصح فيها قول أمير الشعراء أحمد شوقي: “كلنا في الهم شرق”. وكلنا، هنا، تشمل قطاع الأعمال والمستثمرين العرب الذين يعملون غالباً في ظروف استثنائية، فما إن ينهضوا من أزمة حتى يواجهوا أزمة جديدة، وهذا الاستنزاف الدائم لطاقاتنا يمثل أكبر قيد على النمو، ويحرمنا من ميزة التخطيط الطويل وتحقيق التنمية المستدامة، بظل نمو اقتصادي متعثر وبطالة من الأعلى في العالم”.
وتابع: “يصعب التفكير في كيفية الخروج من هذه الأزمات أو توقع حلول سريعة لها، لكن لا بد من الأمل ومن النظر إلى بعض الإيجابيات، فسعر النفط عاد إلى الارتفاع التدريجي ولو ببطء لكن كان للأزمة النفطية الأخيرة فائدة تمثلت في دفع دول الخليج والجزائر مرة أُخرى إلى الاستفاقة من هناء البحبوحة النفطية وإعادة التركيز على ضرورة التنويع الاقتصادي وأحداث تغييرات أساسية في بنية الاقتصاد والإدارة والقطاع العام، وهو ما تجلّى بوضوح في رؤية السعودية 2030 واستراتيجية التحول الوطني، والتي يتوقع أن يكون لها انعكاسات مؤثرة على اقتصاد المملكة واقتصادات دول المنطقة عامة”.
وأشار أبو زكي إلى أنه “حتى عندما حُرم لبنان من الدور الذي كان يلعبه كصلة وصل بين أقطار المنطقة والعالم، فإن “الدياسبورا” اللبنانية الاقتصادية أكملت حمل الراية وتحولت في العقود الماضية إلى قوة فاعلة في تنمية بلدان الاغتراب لاسيما الأفريقية منها، علماً أن جميع اللبنانيين في بلدان الاغتراب يعترفون بفضل تلك المجتمعات، ولاسيما الخليجية منها، في نمو أعمالهم وفي الفرص التي فتحتها للشباب اللبناني في مرحلة عصيبة من تاريخ البلد. ولولا انفتاح الفرص الكبيرة للبنانيين في الخليج ولاسيما في السعودية الشقيقة فإن لبنان كان سيواجه أزمة اقتصادية واجتماعية حادة تعمق ما أصابه من جراء الحروب والأزمات. لذلك نقول وبصراحة إن من يريد تعكير علاقات لبنان مع السعودية والخليج إنما يعتدي على مصالح لبنان الاستراتيجية وعلى لقمة عيش ومستقبل عدد كبير من اللبنانيين”.
وختم قائلاً: “في ظل الانكماش الاقتصادي الذي يسود المنطقة تظهر العلاقات العربية – الأفريقية كمجالٍ رحب لتوسع كبير في المبادلات التجارية والتدفقات الاستثمارية بين المنطقتين. فالقارة الأفريقية هي اليوم على مسار نمو متسارع ولديها حاجات كبيرة ومتنوعة، وتتمتع بدورها بطاقات كبيرة توفر فرصاً واعدة للاستثمار والتصدير. ويمكن للبنان أن يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز العلاقات العربية – الأفريقية لما للجاليات اللبنانية في أكثرية الدول الأفريقية من معرفة باقتصاداتها ومن باع طويل في التعامل التجاري والاستثماري معها، وذلك بالتعاون والشراكة مع دول شمال أفريقيا التي تشكل ممراً طبيعياً إلى القارة السمراء. وتندرج في هذا الإطار مبادرة التعاون المصري- اللبناني لبلورة رؤية مشتركة لتنمية الصادرات المصرية واللبنانية إلى الأسواق الأفريقية، مرتكزة على التكامل بين القدرات الإنتاجية المصرية والقدرات التسويقية اللبنانية في الأسواق الأفريقية.
وفي ختام حفل الافتتاح تم تكريم وزير الصناعة والتجارة في مصر المهندس طارق قابيل، ورئيس الهيئة العربية للتصنيع في مصر الفريق عبدالعزيز سيف الدين، ورجل الأعمال السعودي د. عبدالله دحلان. كما أُعلن عن الفائزين بجائزة سعيد خوري للرواد والمبادرين من أصحاب المشاريع الناشئة.