أقامت جامعة الروح القدس – الكسليك احتفالًا بمناسبة عيد شفيعها عشية عيد العنصرة، دعا إليه رئيسها الأب الدكتور هادي محفوظ.
استهل الحفل بقداس ترأسه الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمة، بمشاركة المطران بولس روحانا وأعضاء مجلس المدبرين في الرهبانية وعاونه فيه لفيف من الرهبان، وخدمته جوقة الجامعة بقيادة الأب يوسف طنوس، في حضور وزيرة المهجرين أليس شبطيني، النائب وليد الخوري، الوزير السابق مروان شربل، الوزيرة السابقة منى عفيش، المطران حنا رحمة، السفير الإيطالي ماسيمو ماروتي، أعضاء مجلس أمناء الجامعة برئاسة الدكتور الياس أيوب، ورؤساء جامعات وأعضاء مجلس الجامعة وأسرتها التعليمية والإدارية وحشد من الفعاليات السياسية والدينية والديبلوماسية والتربوية والإعلامية…
الأباتي نعمة
بعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الأباتي نعمة عظة تحدث فيها عن الروح القدس “روح الآب الذي أقام الابن من بين الأموات، وهو روح الابن القائم من الموت، المنتصر على خطيئة آدم، معطي الحياة، كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما. هو روح القوة الذي فتح أذهان التلاميذ ليدركوا حدث القيامة، ويعلنوه بشرى فرح وخلاص للعالم أجمع… الروح القدس هو شرط العبور إلى الملكوت، هذا ما أعلنه الرب على الجبل بقوله: “طوبى للمساكين بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات”. وشدد على “أن ما نشهده اليوم في مجتمعنا وفي العالم، يفضح ابتعاد الكثيرين عن روح الرب، ولهذا يدعونا قداسة البابا فرنسيس إلى تصفية حواشينا نحن المسيحيين من ترسبات روح العالم، إن ما نشهده من انقسامات وحروب وانحطاط أخلاقي لا يدل البتة على سيرنا وفق روح الله، ولكننا لا نأنف من التذكير بذلك”. وشكر الأباتي نعمة الأب الرئيس محفوظ وجمهور دير وجامعة الروح القدس والآباء المعاونين معتبرًا “أن ما حققوه دلالة على عمل الروح القدس في الحفاظ على هوية الجامعة الكاثوليكية وشهادتها في رقي التعاطي والتعامل والتنشئة والأخلاق في مستوى التضحيات من قبل الإدارة والأساتذة والموظفين، من أجل وثبة جبارة في أساليب التعليم وتأمين أفضل الأطر الأكاديمية للطلاب، في النهضة العمرانية، وفي كل قطاع ومضمار…”
الأب محفوظ
وبعد القداس، عرض فيلم وثائقي عن الجامعة، ثم ألقى رئيسها الأب هادي محفوط خطابه السنوي الذي حمل عنوان: “جامعة الروح والطريق”. وقال: “هي عبارة تأخذنا من واقعنا، من غليانه، ومن حماوة سباقات حياتنا اليوميّة ومخطّطاتنا، حاملةً إيّانا من حيث نحن، من نقطة وجودنا، لتحطّ بنا في مكان آخر، في هدأة مسيرة طويلة، فسيحة الرحاب. وسرعان ما يتّضح لنا أنّ تلك الطريق هي طريقنا، التي تنجلي معالمها، بشكل مطّرد، كلّما تأمّلنا فيها، بهدوء. وسرعان ما نتيقّن أنّ ذاك المكان الآخر، هو مكاننا الذي طالما نغفل عنه. بذلك، نستقي من تلك الطريق ديناميّة حقّ وحياة، ونعود، مجدّدًا، إلى نقطة وجودنا، وإلى الغليان الذي يتلوّن جوهره، حينها، بالهدوء”.
وأضاف: “فهذه الحركة الفكريّة لا تعني هروبًا، فلجوءً، إلى الترف الفكريّ، بل إنّ المراد هو العمل الفعّال من أجل الخير والنموّ، في الواقع المعاش. وظهر هذا السعي الوجوديّ إلى بلوغ هدف العمل، في السؤال الذي طرحناه على أنفسنا في عنصرة سنة 2013: “ماذا علينا أن نعمل؟”. وأردنا لذلك العمل فعاليّة كبيرة، فراح فكرنا ينشد الحقّ وينشد الحياة، وتمحور التفكير في عنصرة 2014 حول “جامعة الروح والحقيقة”، وفي عنصرة 2015 حول “جامعة الروح والحياة”. وها نحن، في عيد الروح، هذه السنة، يتمحور تفكيرنا حول “جامعة الروح والطريق”. فتكتمل، بذلك، ثلاثية المفردات التي عرّف بها عن نفسه، من هو “الطريق والحقّ والحياة” (يو 14: 6)، هو الذي يعطي رسالتنا معنًى، كجامعة مسيحيّة وكاثوليكيّة، تريد، بحسب تعليم الكنيسة الاجتماعيّ، النموّ والاكتمال والكمال لكلّ إنسان، بدون أيّ تمييز، وكلّ الإنسان، أي الإنسان في كلّ أبعاده. صحيح أنّ مفهوم الطريق يوقظ فينا حنينًا لتاريخ جامعتنا وخطواتها التي شهدت عبر السنين على “التطوّر في التواصل” فيها، ويحرّك فينا السؤال عن مستقبلها، ولكنّ هذا المفهوم بالذات، القديمَ جدًّا، يضعنا في رحاب أوسع، ويدفعنا، أيضًا، إلى تعميق التأمّل في إيمانها، وفي هويّتها وفي مبدأ العمل فيها”.
وتحدث الأب محفوظ عن مفهوم الطريق في الكتاب المقدس، لافتًا إلى “أنّ يسوع هو الطريق، وتتواصل تلك الطريق في الكنيسة، كما أشار إلى ذلك كتّاب العهد الجديد، وخصوصًا كاتب أعمال الرسل. هذا الاستنتاج يضعنا في أجواء إيمانيّة تجد امتدادها على طول تاريخ علاقة الله بالإنسان، منذ الخلق، وحتّى مستقبلٍ لا يعلم أحد تاريخَ نهايته. في قلب ذلك التاريخ الطويل، تلك الطريق الفسيحة الرحاب، تنخرط حياة كلّ إنسان، أي طريقه. فتبدأ في زمن معيّن، وتنتهي على هذه الأرض في زمن معيّن آخر، لتمتدّ، بعد الموت، في حضن أزليّة الله، الذي يعلو التاريخ، لأنّه سيّده. إذًا، إنّها طريق طويلةٌ، جدًّا، فسيحة الرحاب، جدًّا، وطريقنا الشخصيّة أو المؤسّساتيّة تندرج فيها”.
وتابع: “فهناك أمور، يتيقّنها كلّ واحد، قبل العودة إلى معطياته الإيمانيّة. نتيقّن أنّ كلاًّ منّا يسلك طريقه في الحياة، بدون أن يتحكّم فيها بشكل مطلق، فلا يعلم أيّ منّا ما يحمله حاضره أو غده إليه، بشكل يغيّر مسار طريقه. كلّ منّا، في مسيرته على طريق الحياة، مهما كان إيمانه، يتلفت حوله فيعي أنّه ليس وحده. فعلى طريق الوجود، نلتقي بعدد كبير من البشر… نرى كلّ إنسان وهمّه وعالمه. فنرى، على الطريق، السباق المحموم بين الناس والمجموعات، ونرى تضارب هموم النجاح لدى كلّ إنسان وكلّ مؤسسة وكلّ مجتمع، فيصير التفتيش عن خلاصة الهموم وخلاصة السباقات من أجل سير الجميع إلى الأمام، أي نموّ كلّ واحد ونموّ الجميع وخيرهم، أي نموّ الأنا ونموّ النحن، في آنٍ معًا. كلّ إنسان عالم، كلّ إنسان طريق، بل طرق، وكلّنا نتشارك الطريقَ نفسها. في العالم طرق، يفوق عددها ما مرّ وسوف يمرّ على الأرض من أناس”.
وأردف: “يولّد هذا المشهد فينا، تفكيرًا عميقًا في معنى الحياة، وتأمّلا في مظهر الحياة العبثيّ أحيانًا، فتختلف ردود فعل الناس تجاهها، من اليأس والاحباط واللامبالاة، إلى الانغلاق ضمن أفق الأرض، وبالتالي إلى قياس جميع الأمور وفقًا للأنا، إلى العمل بدينامية وتناغميّة من أجل الخير على هذه الأرض، خير الأنا وخير النحن. فنسأل الذاتَ عن أفضل طريق نسلكها للوصول إلى النجاح، لعيش الحياة حقًّا. وسرعان ما نتيقّن أنّ الأمانة لهويّتنا التي تريد الانتباه إلى كلّ إنسان ومحبّتَه حتّى العمق، والتي تبغي النموّ هي طريق النجاح وطريق الحياة الحقّة. فالهمّ الأوّل هو أن ننتبه إلى كلّ إنسان ونحبّه، وأن نعلم أنّه مهمّ بحدّ ذاته، كائنًا من كان، وأينما وُجد، لأنّنا جميعًا نتشارك الطبيعة الإنسانيّة نفسها، ولأنّ الكرامة الإنسانيّة أعطينا إياها بالتساوي، مهما كنّا وأينما وُجدنا. ليس هناك إنسان أهمّ من إنسانٍ آخر، مع العلم بأنّ هذا المبدأ لا يتعارض مع التفاوت والتمييز، في بنى المجتمع، بين موقع وآخر، بحكم خدمة الإنسان وخدمة المجتمع. احترام بنى المجتمع حميدٌ، أساسه الحقيقيّ يجب أن يرسو على الإقرار بتساوي جميع الناس، كلّهم، بدون أيّ استثناء”.
وأكد أن “الجامعة هي ميدان من ميادين الحياة. هي طريق لكثير من الناس، ولكلّ من هؤلاء طريقه. يأتي كلّ من أولادها إليها، أو يتعاطى مع آخرين في يوميّاته، بينما هو يحمل عالمه، فرحًا أو حزنًا أو أمرًا آخر، متأتّيًا من حياته في عائلته أو بلدته أو عمله أو أيّ أمر آخر. ويُضفي كلّ واحدٍ ما يكون قد حمله من محيط عمله، أي من الجامعة، على طريقه الخاصّة. الجامعة، كما هي حال القطاعات الأخرى في الحياة، لها مبادئ عمل خاصّة بها، وقد يجد الإداريّ والأستاذ والتلميذ، دليلاً أو دراسةً عن كيفيّة العمل في الجامعة، ولكن هذا لا يكفي للفرح وللنجاح. هنا، في جامعة الرّوح، نؤمن أنّ من الإيمان، والمعتقدات، والمبادئ، التي قد يعتبرها البعض ترفًا فكريًّا، وعالمـًا يمكن الاستغناء عنه، منها، تنشأ العملانيّة والواقعيّة اللّتان تقودان الإنسان إلى طريق الفرح والديناميّة والنموّ، وتفتح الأبواب مشرّعة أمام الإنسان، أو أمام المؤسسة، للنجاح”.
وأضاف: “هو الإيمان والتجوال الفكريّ في عالم المبادئ، اللذان يدفعان بجامعتنا إلى العمل اليوميّ الحثيث على طريق العمل الجامعيّ اللبناني، والإقليميّ والعالميّ. هو الفكر يدفع بنا إلى عدم الترف الفكريّ. فهناك واقع جميل نريد التعاطي معه، على عجل. نعي أنّ جامعتنا طريق من طرق التعليم العاليّ في العالم. كما نعلم أنّ طريق كلٍّ منّا، هي، الآن، على تلك الطريق. لذلك، نريد، كلّنا معًا، النموّ لها. ونعلم بأنّ نجاحها هو في الأمانة لهويّتها ولرسالتها، اللتين هما الطريق التي يجب أن تسلكها. والمؤسسات التي تجري الاعتمادات في الجامعات تنظر، بادئ ذي بدء، إلى مدى تطابق أعمال الجامعة مع هويّتها ورسالتها. نتيقّن، بفرحٍ، أنّ جامعتنا مسيحيّة، كاثوليكيّة، لبنانيّة، فهي تتجذّر في كلّ هُويّة من هذه الهُويّات، وهي، في الوقت عينه، انفتاحٌ على كلّ واحد غير مسيحيّ، وغير كاثوليكيّ، وغير لبنانيّ، بقصد نموّ جميع من هم على طريق حياتنا، من خلال ميدان التعليم العالي. وقد وضعت جامعتنا نصب عينيها التعاطي مع الآخر، كلّ آخر… وتعمّق الوعي أنّ كلّ ما يطاول الآخر الداخليّ ينعكس حكمًا على الآخر الخارجيّ، والعكس صحيح أيضاً. لست هنا لأُعدّدَ أحداثًا ونشاطاتٍ وانجازاتٍ، بل لأُلقي الضوء على بعض الخطوط الاستراتيجيّة الكبيرة، التي نضعها نصب أعيننا، ولأُسمّي بعضًا من المجريات الأخيرة التي تحقّقت في جامعتنا، والتي تعكس هذه الخطوط”.
وتابع: “أنجزت الجامعة هذه السنة مخططاتها الاستراتيجيّة وجوانب العمل فيها، في مختلف وحداتها الأكاديميّة والإداريّة، وتمّت مكننتُها في برنامج TK20. في هذا الإطار بالذات، أصبح فحوى المواد على الشبكة الالكترونيّة للجامعة. وراح فرقاء العمل فيها، يخطون الخطوة تلو الخطوة على طريق الجودة والتميّز. فحقّقت الجامعة قفزاتٍ نوعيّةً في عالم الاعتمادات، بفضل العمل المميّز للقيّمين على هذا القطاع، وما أعلنّا عنه سابقًا يتواصل في القسم الأوّل من متطلباته، أي الاعتماد الأميركيّ. فبعد تقديم تقرير أوليّ عن الجامعة، وتلقي الملاحظات الأوليّة حوله، تنتظر الجامعة زيارة اللجنة المختصة، للمباشرة الفعليّة في عمليّة الاعتماد المؤسّساتي الأميركيّ. ولكنّ اعتماد البرامج، خطا خطواتٍ حميدًة، إذ تمّت، خلال هذه السنة الجامعيّة، زيارات لجان فاحصة في إطار اعتماد ABET، لجميع برامج الهندسة وعلوم الكمبيوتر في الجامعة، في ثلاث كليّات: كليّة الهندسة، كليّة العلوم الزراعيّة والغذائيّة، وكليّة العلوم، وستعلن النتائج في الصيف المقبل. قسم الهندسة المعماريّة خطا أيضًا خطواته الأولى نحو البدء برحلة اعتماد NAAB. وفي تموز الماضي، أصبحت جامعة الروح القدس الجامعة الأولى في لبنان التي تحظى باعتماد MATRIX البريطانيّ للخدمات الطلابيّة، والذي هو قيمة مضافة تنضوي تحت رايته أشهرُ الجامعات البريطانية. وحصلت كليّة إدارة الأعمال والعلوم التجاريّة على BSIS. وتتهيّأ كليّات العلوم الإنسانيّة لتقوم EVALAG بتقييم برامجها. بفضل هذه الأعمال، تؤدّي الجامعة دورًا كبيرًا في النقاش الدائر حول مشروع قانون الجودة المقترح، وتتابع، مع مثيلاتها، العمل على ضمان الجودة، من خلال لجنة الجودة في رابطة جامعات لبنان”.
وفيما يختصّ بالتصنيف أو ranking، لفت الأب محفوظ إلى “أن جامعتنا تخوض هذا المعترك الجديد في منطقتنا، وهدفها، كالعادة، أن تظهر للخارج، كما هي حقيقة في داخلها. لذا تقوم الجامعة، بفضل القيّمين على هذا القطاع، ببلورة الاستراتيجية التي تجعلها، مرّة جديدة، وثّابة على طريق التميّز والنموّ في كلّ مضمار. وكذلك التموضع العالميّ الذي عملت عليه جامعتنا بشكل خاص في السنوات الأخيرة. فتضاعف حضور أعضاء العائلة الجامعيّة في المنتديات الدوليّة، كمشاركين فعليّين. كما شدّدنا على تخطي العلاقات الدولية بمعناها التقليدي، أي العولمة التلقائيّة (default internationalization)، الذي يقضي بتبادل الاساتذة والطلاب، لنبني سياسة علاقة دولية شاملة ومتعددة الأهداف (comprehensive and versatile internationalization). هذا ما حدانا على المضيّ قدمًا في ورشة عمل مختبر العولمة ضمن المجلس الأميريكي للتربية (American Council on Education). وتابع فريق عمل العولمة (Internationalization Task Force) في الجامعة، بجدارة، إدخال العالم في الحرم الجامعيّ، وعلى خلق ثقافة عولمة مع الفرقاء المشاركين للجامعة، وحتّى الأهل منهم. وصار التركيز أكثر فأكثر على دراسة نقاط اهتمام استراتيجية في نواح عدة من العالم، وتمّ توقيع اتفاقيّات مميّزة (signature partnerships). وصار تفعيلٌ لبرنامج الدراسة في الخارج (study abroad)، وأعطي كثير من الطلاب امكانيّة الاشتراك في صفوف عالميّة (global classrooms)، وصار العمل على تربية الطلاب ليكونوا مواطنين عالميّين (global citizens)”.
كما أشار إلى أنه “على الصعيد التكنولوجيّ، تواصل الجامعة تحديث شبكتها وموقعها الالكترونيّ وتنشط على وسائل التواصل الاجتماعيّ. ونشارف، في إدارة الجامعة الداخليّة، على عدم وجود معاملات ورقيّة، فغالبيّة المعاملات المتعلقة بالطلاب والاساتذة والموظفين والإداريين أضحت إلكترونيّة، وفاق عدد المعاملات الإلكترونية، حتى الآن، المائتي ألف. وإنّ بذلك إفادة للبيئة وللطبيعة. هذه الاستراتيجية الإلكترونية تلاقي الأجيال الحديثة التي هي أجيال إلكترونيّة بامتياز (Net generation)”.
وأضاف: “تضع الجامعة في محور تفكيرها واستراتيجيّتها، الأستاذ، وبالتالي التعلّم، والأبحاث والأحوال المعيشيّة. فلقد بحث مجلس الأمناء، منذ أيّام، أمرين مهمّين متعلّقين بالأساتذة، ليُصار إلى اتخاذ قرارات بخصوصهما في اجتماعات لاحقة، وهما، من جهة، زيادة كبيرة لعدد المتفرغين، بحيث يتسنّى لأساتذتنا تخصيص وقت أكبر للأبحاث، ومن جهة أخرى، الضمانات الصحيّة والتعويضات الماديّة للأساتذة خلال تفرغهم وبعد تقاعدهم. وأعود فأتوقف عند الأبحاث، وعند ذهنيّة بحثيّة نريدها مفعّلة بشكل خاص في جامعتنا، عند الاستاذ وعند الطالب”.
ورأى أنه “من ناحية أخرى، تابعت الجامعة طريق تحديث طرائق التعلّم. فبعدما تخطّى عدد الأساتذة الذين تبعوا دورات حول طرائق التعلّم الحديثة، مع جامعات اميركيّة وبريطانيّة، المئة، أنشأت جامعتنا برنامجها الخاص حول طرائق التعليم العالي الذي نال الترخيص من وزارة التربية والتعليم العالي، وهي تزمع على إطلاقه في القريب العاجل، بالتعاون مع جامعة نوريتش الأميركيّة. هذا الاهتمام الذي اظهرته جامعتنا بطرائق التعلّم والتعليم جعلها تحظى بقيادة مشروع E-TALEB القاضي بتحديث التعليم العالي في لبنان، مع عدة جامعات لبنانية وإقليمية وأوروبيّة، وهو المشروع الأوّل في Erasmus+ الذي يموّله الاتحاد الأوروبيّ في لبنان، بالتعاون مع وزارة التعليم العاليّ. في هذا السياق، قفزت الجامعة قفزة نوعيّة في التعلّم الالكترونيّ عن بعد، فتخطى عدد صفوف التعليم عن بعد الستين صفًّا، لحوالى الف طالب”.
وتابع: “في مؤازرة الأساتذة، موظفون وإداريّون، يتزوّدون بهذه الروحيّة من أجل خير العمل الجامعيّ في جامعتنا، ويمضون إلى الأمام، في طريقهم الجامعيّة، عالمين بأنّهم بذلك يخدمون القضيّة النبيلة التي هي قضيّة جامعتنا. بناءً على جميع الاستراتيجيّات التي ذكرتها حتى الآن، تفرح الجامعة بأنّ مسؤولين فيها، استدعوا ليكونوا في لجان تقييم، أو لجان فاحصة، لعمل الجامعات، في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركيّة. وتكثر المنابر الاقليمية والعالميّة حيث لمسؤولين في جامعة الروح القدس حضور مع آخرين”.
وشدد على اننا “نضع نصب أعيننا، كيفيّة تفعيل “رابطة القدامى”، فهم، في طريق الجامعة، من الماضي والحاضر والمستقبل. اسمهم مرتبط بها، يعلو كلّما علت، وتعلو كلّما علوا. هذه استراتيجيّة علينا العمل في مجالها بجهد كبير وتطوير سريع. عقدت خلال هذه السنة لقاءات متنوّعة للقدامى، ولكنّنا نتطلّع إلى مزيد من تنظيمها وتفعيلها. وهذا أمرٌ تداوله، بعناية كبيرة، مجلس الأمناء في اجتماعاته، منذ بضعة أيّام”.
وأكد “أن جميع هذه الأمور تصل إلى الطالب، كهدف رئيس لجودة التعليم العالي. فتبنى شخصيّته الثقافيّة والإداريّة والجامعيّة والحياتيّة. لذا نشطت الكليّات في إعادة دراسة برامجها، واعتمدت الجامعة، منذ أواخر السنة الماضية، خريطة جديدة للمواد الالزامية العامة فيها، فتضاعف عدد هذه المواد، وأدرجت فيها، على سبيل المثال، مادة الالتزام المدنيّ، ناهيك من حملة I am USEK … and proud to be. وتفرح الجامعة بما حصل عليه طلابها مؤخّرًا من جوائز في اختصاصاتهم أو في نشاطات شبه جامعيّة، مثل الرياضة. هي تفرح بهم، أيضًا، وعددهم يتضاعف في هذا المضمار، عندما تراهم حاضرين في جامعات أوروبيّة أو أميركيّة في تواصل مع كبرى الجامعات والكليّات التي عقدت معها جامعتنا اتفاقيّات تعاون مميّزة”.
ولفت إلى أنه قد أنشئت هذه السنة، “لجنة الأخضر” (green committee)، تأكيدًا على السياسة التي انتهجتها الجامعة منذ سنين. أمّا على الصعيد العمرانيّ، فتتابع الجامعة طريقها في النموّ، وخصوصاً بفضل أحبّاء فضلاء كرماء. فقد افتتحنا في تشرين الثاني الماضي، غرفة التداول التابعة لكليّة إدارة الأعمال والعلوم التجاريّة، والتي تبرّع بتجهيزها الدكتور سليم صفير، رئيس مجلس إدارة بنك بيروت. ولم تقف عطاءاته عند هذا الحدود، بل افتتحنا، منذ أيّام، مبنى سليم صفير، الذي يحتوي على المكاتب الإداريّة في كليّة إدارة الأعمال والعلوم التجاريّة، فتجدّد المبنى وزيد طابق عليه. كما تدارس مجلس الأمناء، في جلساته الأخيرة، كيفيّة إنشاء المجمّع الرياضيّ الكبير، في حرم الجامعة. ولا يسعني الاّ أن ألفت النظر إلى مدى اهتمام الجامعة بأن يكون حرمها مطابقا للمعايير التي تناسب ذوي الاحتياجات الخاصّة”.
وخلص إلى أننا “نقوم بهذه الأعمال، عالمين بما يحيطنا من تحدّيات، وخصوصًا بما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم كلّه. ولكنّنا نسير في طريقنا، إلى الأمام، بلا خوف، لأنّنا نؤمن بسيّد التاريخ، ونعلم بأنّ الخير الذي نزرعه في بيئتنا يرتدّ خيرًا علينا وعلى محيطنا وعلى العالم بأسره. نحن في لبنان، وفرحون بأنّنا كذلك، ولأجل خيره وخير العالم سوف نظلّ نعمل”.
وتحدث عن “”الاستراتيجيّات بنظام الحوكمة الجديد الذي اعتُمد في الجامعة، والذي بدأ يعطي ثماره اليانعة، أعني بذلك تشكيل أوّل مجلس للأمناء في صيف العام الفائت، بعد تثبيت القوانين الجديدة للجامعة منذ سنة تقريبًا. أريد هنا تعداد أسماء الأمناء: ايلي ايوب، جورج الترس، بسام ديب، مروان خير الدين، طوني آشر، سليم صفير، فادي شمعون، بيار شلالا، راي لحود، شارل الحاج، زياد حايك، شادي كرم، تريز انطون، جوزف صليبا، توماس صباغ، جايمس غافني، ويليام كليمنتس، بالإضافة إلى رئيس الجامعة.
وقال: “قمت بتعداد الأسماء لسببين. الأوّل، لأنّه أوّل مجلس أمناء في تاريخ الجامعة. والثاني، لأنّ هؤلاء الأشخاص، فردًا فردًا، ومجلسًا، مذهلون، ولأنّ الجامعة تعتبر أنّه جميلٌ أنّها التقت بهم على طريق وجودها… لقد قام مجلس الأمناء بخطوات عمليّة جبّارة تجاه الجامعة، على أكثر من صعيد. وإنّ قاعدة العمل التي يرسيها سوف تؤدّي، سريعًا، إلى متابعة الطريق، بقفزات نوعيّة، بفضل العمل الدؤوب والتوجيه العام الذي يؤمّنه هذا المجلس، فضلاً عن المؤازرة الفعليّة والعمليّة والماديّة التي يؤمّنها أعضاؤه”.
وأضاف: “في هذا الإطار بالذات، أريد التوجّه إلى قدس الأب العام الأباتي طنوس نعمه السامي الاحترام، الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، وهو الرئيس الأعلى للجامعة، لأشكره على نظرته الأبويّة إلى الجامعة، ولأنّه ارتضى أن يتبنّى مشروع القوانين الجديدة، ويطرحه على مجمع الرئاسة العامة. أشكره فيما أتيقن، يومًا بعد يومٍ، كم أنّ رهبانيّتنا تحظى بوجوده الطيّب والمحبّ على رأسها، في هذا القسم من طريق وجودها. معه، أشكر حضرة الآباء المدبرين الذين يولون الجامعة عنايتهم والذين وافقوا، مشكورين، على النظام الجديد للجامعة”.
وتابع: “السبت الفائت، كان الدكتور ايلي ايّوب المتكلّم الرئيس في حفل تخريج طلاب مدرسة وثانويّة دير مار انطونيوس حمّانا التابعة لرهبانيّتنا، وهو قد تبرّع بالقسم الأكبر لإنشاء مختبر للّغات فيها. قام بذلك، وهو من حمّانا وابن تلك المدرسة الرهبانيّة. وهو الآن رئيس مجلس الأمناء في الجامعة التابعة للرهبانيّة عينها. أذكر هذا، أوّلاً، لأعود فأشكره على من هو، وعلى ما يصنع من خير كبير وكثير تجاه الرهبانية وتجاه الجامعة، فهو فتح لها الأبواب مشرّعة في الولايات المتحدّة، وهو قام بتعريفها بالكثير من الخيّرين والطيّبين المؤمنين بكلّ قضيّة نبيلة. لكنّني أذكر هذا، هنا، أيضًا، لأبيّن أهميّة انتماء الجامعة إلى الأمّ الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، رهبانيّة القديسين شربل ورفقا ونعمة الله واسطفان وغيرهم، ورهبانيّة الأديار والمؤسّسات، في لبنان، وفي كثير من بلدان الاغتراب التي حلّ فيها اللبنانيّون. هي الرهبانيّة البلديّة التي وضعت اسم بلدها في اسمها. لذا ينتمي الكثيرون اليها روحيًّا، إذ يجدون فيها ما في وجدانهم من عناصر هويّتهم وحنين التقاليد التي نشأت فيهم. وهذا ما يدفع بالكثيرين إلى السير، بفرح، بجانبها وبجانب مؤسساتها، وبينهم الجامعة، مدركين أنّهم بذلك يحقّقون وجهًا من وجوه أصالة هويّتهم ورسالتهم. هي الرهبانيّة التي أسّست الجامعة، فهي، بذلك، ضمانةٌ في سيرها، بأمانة، على طريقها”.
وختم الأب محفوظ خطابه بالقول: “عدّدت هذه الأعمال والإنجازات في جامعتنا، شكرًا ونظرةً. شكرًا لكلّ من يتعب من أجل نموّ الجامعة، كلّ أستاذ، كلّ إداريّ، كلّ موظّف، كلّ طالب، كلّ قيّم عليها، وكلّ إنسان على اتصال بها، ويؤمن بقضيّتها النبيلة. ونظرةً إلى طريق الجامعة، من خلال الطريق الطويلة والفسيحة الرحاب. فالجامعة تحقّق “التطوّر في التواصل”، وتريد النجاح والتألّق، على الدوام. هي تعلم أنّ النجاح يشترط ذكاءً وحسنَ قراءة للواقع ومهارةَ إدارة، ولكنّها تعلم أيضًا أنّ قصّة النجاح في هذه الدنيا هي، قبل كلّ شيءٍ، قصّةُ روحيّةٍ، أو قصّةُ قلبٍ، متآخٍ مع الحقّ الجميل، ونابضٍ بالحياة التي ملؤها الديناميّة والفرح، ومفتّشٍ عن الطريق الطويلة والفسيحة الرحاب، الملأى اطمئنانًا وهدوءً. قصّة النجاح هي قصّة الطريق والحقّ والحياة. هي نظرة، من علُ، إلى جامعتنا الّتي تسير، وتسير، وتسير، لأنّها “جامعة الروح والطريق”.