نظم منتدى الفكر والأدب في مدينة صور لقاء حواريا مع النائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين بعنوان “تحديات الساعة نقديا واقتصاديا”، في قاعة الجامعة الإسلامية في المدينة، في حضور عدد من الفاعليات والشخصيات الثقافية والاجتماعية ونخبة من المهتمين في المجال النقدي والمصرفي والمالي.
افتتح اللقاء الذي أداره رئيس منتدى الفكر والأدب الدكتور غسان فران بالوقوف دقيقة صمت عن أرواح شهداء الوطن والمقاومة في ذكرى حرب تموز 2006، وعرض أبرز مواضع الضعف في الاقتصاد الوطني، وقال: “إذا كنا في لبنان نريد التحدث عن الموضوع النقدي والاقتصادي، لا يمكننا القفز فوق الواقع المرير الذي نعاني منه منذ سنوات طوال، فالنقد والاقتصاد عناوين مشتركة للواقع السياسي والإداري لنظام الحكم والدولة، وإذا كانت المقومات الاقتصادية للدول تعتمد على جملة قطاعات إنتاجية أو قوة سياسية وعسكرية أو مؤسسات مالية ونقدية جبارة، فإنها تتحكم بالأسواق في ما يعرف بالهيمنة أو العولمة بأشكالها المتعددة”.
أضاف: “لبنان يعيش في أحلك ظروفه السوداوية تشاؤما، فالزراعة إلى تراجع إنتاجا وتسويقا، عدا عما أعلن بالأمس القريب عن موت بحيرة القرعون، إضافة إلى مستوى التلوث المميت الذي ينعي مسبقا مشروع الحلم لكل الجنوبيين عبر عقود من الزمن، ألا وهو مشروع الليطاني، وإفراغه من فوائده ومردوداته، وأما الصناعة فلا داعي للكشف عن مآلاتها ومعاناتها، والكهرباء رغم مليارات الدولارات التي انتزعت من جيوبنا جميعا سابقا وحاضرا ومستقبلا، فلا أمل في أن نرى الضوء ولو بحده الأدنى في ظل دولة الفساد والمحاصصة، وأما النفايات فإنها تغرقنا جميعا، وفيما يتعلق بالخلوي، فإنه يعتبر الأغلى إقليميا وربما عالميا، وأما الإنترنت غير الشرعي، فهو مهزلة كوميدية بإخراج وإدارة رديئة، ومما يزيد في الطين بلة، هو غياب الموازنة العامة للدولة التي هي أبسط القواعد للحفاظ على النقد والاقتصاد”.
ورأى أن “ما يزيد من أزماتنا المتلاحقة هي القوانين الأميركية الجديدة التي اعتبرها البعض بمثابة القضاء والقدر، فتأتي كالصاعقة المدمرة تحت عناوين ضرب المقاومة التي يعرفون بأن لا حسابات مصرفية لها في لبنان أو أي مكان آخر في العالم، وبالتالي فإن المستهدف من هذه القوانين هي البيئة اللبنانية بكل أطيافها، وليست فقط البيئة الحاضنة للمقاومة، لأن إصابة أي مجموعة أو فئة لا بد وأن ترتد سلبا وبنفس المستوى على المجموعات والفئات الأخرى”.
شرف الدين
وأكد شرف الدين أن “قانون حظر التمويل الدولي ل “حزب الله” الذي أقر بالكونغرس الأميركي يهدف إلى الحد من نشاط الحزب على كافة الصعد، وبالتالي فرضت عقوبات على كل الأشخاص الذين يساهمون بمخالفة أحكام هذا القانون الذي حدد قناة المنار بشكل مباشر، إضافة إلى 99 إسما آخرين بعضهم متوفين وبعضهم أحياء يعيشون في لبنان وخارجه”.
وشدد على أن “أي قانون يصدر من أي جهة خارج لبنان، لا يصبح قانونا إلا إذا أقر بقانون لبنان، ويقر بعدها بطبيعة الحال عن طريق الجريدة الرسمية، وبالتالي فإن قانون حظر التمويل الدولي ل”حزب الله” لا يفرض علينا بشكل مباشر، بل هو يعنى بالمصارف الأميركية، ويفرض عليها عقوبات في حال تعاملت مع أي مصرف لبناني أو خارج لبنان يشمله القانون، إذ تبدأ المعاقبة بدفع 250 ألف دولار، ومن ثم تتدرج العقوبة لتصل إلى الحبس 10 سنوات لكل من يخالف القانون، وهذا القانون وضع العصا بيد المصارف الأميركية المراسلة، لأن النظام المالي العالمي مشبوك لدرجة أن كل مصرف يريد أن ينجز أي تسوية وأي مقاصة للدولار الأميركي عليه أن ينجزها عن طريق نيويورك، ومعنى ذلك أنه إذا قرر أي مصرف في لبنان أن يخرق هذا القانون، فالمراسل الذي يراسله من نيويورك يقول له إن ذلك من حقك، ولكن سنغلق عليك مجال إمدادك بالدولار، وهذا معناه عمليا أن المصارف عندما تغلق عليها مجال إمدادها بالدولار، فهي لا تستطيع أن تسلف ولا أن تفتح اعتماداتها، وهي لن تستطيع أن تفعل شيئا، وهذا ما حدث للمصرف اللبناني الكندي عندما أصدرت تهمة بحقه، اذ أغلقت المصارف المراسلة عليه، ويمكننا أن نعتبر أنه عندما تغلق هذه المصارف المراسلة مجال إمداد المصارف هنا بالدولار، فكأنما قد نزعت رئتين من شخص، وقلت له قم واركض، وهذه هي المخاطر لهذه الإجراءات”.
ولفت إلى أن “المصرف المركزي مدرك تماما للمخاطر التي تحملها الإجراءات المتعلقة بالقانون الأميركي، ولكن للأسف فإن بعض المصارف في لبنان تحمست لهذا القانون أكثر من اللازم في فترة كنا في البنك المركزي لا زلنا ننتظر ولم يكن مطلوبا من هذه المصارف أن تقوم بأي إجراء، ونحن لم نصدر أي تعميم قبل شهري نيسان وأيار، لأننا كنا ننتظر المراسيم التطبيقية، فالقانون إطار عام والمراسيم التطبيقية هي التي تحدد، وعلى أساسها نقوم بإجراءاتنا، فلا تستطيع أن تقوم بهذه الإجراءات حتى تكون محيطا بشكل كامل بكل مندرجات هذا القانون، إلا أنه وللأسف في الشهر الثالث والرابع من السنة التي هي فترة انعدام الوزن لدى المصارف، أخذت بعض المصارف بعض الإجراءات التي أزعجتنا وأربكتنا ودفعنا ثمنها، ولكن لم نكن نحن المعنيين، نحن قمنا بالإجراء السليم واللازم الذي يحفظ ويحترم القانون الدولي والقانون الأميركي، وفي نفس الوقت يحترم السيادة اللبنانية، عندما يكون هناك أي إسم على لائحة من هذه اللوائح من الأسماء ال 99، فحكما لا يستطيع المصرف أن يفتح له حسابا، ولكن هناك أسماء غير واردة في هذه اللوائح، فبأي حق يغلقون هذه الحسابات، وقد أغلقت حسابات لبعض الناس من دون أي وجه حق، ولكننا بادرنا وأعطيناهم حقهم، وبالرغم من أن بعض البنوك قد أخذت إجراءات مستعجلة وورطوا أنفسهم وورطونا معهم، إلا أنه عندما توضحت الصورة، تصوبت البوصلة بشكل مريح لكل الأطراف، بحيث أنها تحفظ كرامات الناس وسيادة البلد”.