أطلق وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل سلسلة مواقف ومبادرات ورسائل خلال جلسة حوار مفتوح معه في “ملتقى لبنان الاقتصادي” الذي افتتحه رئيس الوزراء سعد الحريري صباح أمس، ونظمته “مجموعة الاقتصاد والأعمال”.
وركزت مداخلات أبي خليل على محاولة “وضع حد نهائي لحملة التضليل والتشكيك التي تستهدف إعادة تعطيل هذا الملف الوطني تحت شعارات الشفافية ومكافحة الفساد”. وطرح امكان نقل الغاز عبر انابيب برية عبر سوريا إلى تركيا والأردن ومصر، إضافة إلى الاعلان عن “اهتمام عدد مقبول من كبريات الشركات العالمية بدورة التراخيص”، داعيا الشركات الخليجية ورجال الأعمال إلى “المساهمة في قطاع الغاز اللبناني”. وأعلن أنه سيطرح “مبادرة إنقاذية لمشكلة الكهرباء”.
خارطة الطريق
استهل أبي خليل كلامه بالتنويه بخروج لبنان من أزمته السياسية بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة ائتلاف وطني حققت انسجاما واسعا بين مختلف القوى السياسية، تمثل بإقرار مرسومي البلوكات النفطية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والانتاج في أول جلسة لها، “وهو الأمر الذي سمح بإطلاق دورة التراخيص الأولى التي افتتحت في 2 شباط الماضي، وسيكون يوم 31 آذار الحالي الموعد النهائي لاستقبال طلبات التأهيل المسبق للشركات، على ان تعلن النتائج في 13 نيسان، لتبدأ مرحلة استقبال عروض الشركات على الرقع المعروضة للمزايدة والتي تنتهي في 15 أيلول المقبل”.
وقال: “إن هيئة إدارة قطاع البترول ستقوم بعد ذلك وخلال شهر واحد بتقييم العروض ورفع تقريرها متضمنا الفائز المبدئي للوزير، الذي يرفع تقريرا للحكومة التي تبت بهذا الملف خلال شهر”. وأمل “أن تكون فترة الاستكشاف قصيرة خاصة بوجود المسوحات الجيوفيزيائية التي سمحت لنا بمعرفة مكنونات قعر البحر والمكامن الواعدة”.
حملات التضليل
وعما يقال عن سرية المعلومات وعدم وجود شفافية، اعتبر أن “كل ما يساق في وسائل الإعلام في هذا الخصوص غير صحيح على الإطلاق”. وشدد على أن “المنظومة التشريعية اللبنانية تتمتع بمعايير شفافية مرتفعة على امتداد مسار الأنشطة البترولية”. وقال: “لدينا ثلاثة مستويات متعلقة بالحوكمة والشفافية، الأولى هي هيئة إدارة قطاع البترول والثانية تتمثل بوزير الطاقة والمياه والثالثة هي الحكومة، إضافة إلى رقابة مجلس النواب”.
وسأل: “كيف يمكن أن نصل إلى حالة يتواطأ فيها مجلس مكون من 6 أعضاء ووزير الطاقة ومجلس وزراء مكون من 30 وزيرا؟”.
وذكر أن “نموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج الذي يدعون انه سري ولم يسمح حتى للوزراء بالاطلاع عليه إلا قبل 48 ساعة من إقراره، موجود لدى اللجان والكتل النيابية، وكذلك لدى الوزراء في الحكومة السابقة والأحزاب السياسية التي يمثلونها منذ ثلاث سنوات. كما أنه منشور في الجريدة الرسمية وعلى موقع هيئة إدارة قطاع البترول. وهذا النموذج الذي أقره مجلس الوزراء غير خاضع للتفاوض والتعديل. وكل ما ينقص النموذج ليكتمل هو عناصر المزايدة التي سنعرفها بعد انتهاء دورة التراخيص، وسيتم إعلان اسم ائتلاف الشركات الفائز وشروط الاستثمار. أما دفتر شروط دورة التراخيص الأولى فهو واضح ويتضمن تفاصيل المزايدة الحاصلة والتعاقد الثانوي من خلال مناقصات عمومية”.
واعتبر أن “الكلام عن السرية هو اجتزاء في غير محله لمواد في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج تهدف إلى المحافظة على معلومات الشركات السرية بمنأى عن منافسيها، وليس للأمر أي علاقة بعدم اطلاع اللبنانيين على شروط الاستثمار”.
وأضاف: “ذهبنا أبعد من ذلك بهدف زيادة الشفافية، ووضعنا ما يسمى السجل البترولي، الذي يفرض على كل شركة تملك حقا بتروليا عرض أسماء مالكيها. وإذا كان التخوف هو أن يصبح النافذون والسياسيون ملاك حصص في هذه الشركات، فإن هذا الأمر سيكون مكشوفا في السجل البترولي، مع التشديد على أننا نتطلع إلى انخراط اللبنانيين في القطاع النفطي وبناء شركات قادرة ومؤهلة”.
ونوه “بالجهد المبذول في مجلس النواب لوضع معايير مبادرة الشفافية العالمية ومعايير إضافية في صلب القوانين اللبنانية عبر اقتراح قانون لتعزيز الشفافية في قطاع البترول، مقدم من النائب جوزف المعلوف، وقد ساهمت هيئة إدارة قطاع البترول في إعداده، إضافة إلى أن الحكومة اللبنانية، أعلنت نيتها الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية”.
وأعاد التشديد على أن “لبنان اعتمد نظاما متقدما لتقاسم الإنتاج”، مشيرا إلى أن “حصة الدولة تنقسم إلى ثلاثة أجزاء تتمثل في الإتاوة والبترول المنتج والضرائب على أرباح الشركات والضريبة على الأرباح الموزعة”.
الحدود البحرية
وعن المفاوضات المتعلقة بالحدود البحرية مع الدول المجاورة، قال أبي خليل “إن الوضع يختلف بالكامل بين دولة وأخرى، فسوريا هي دولة شقيقة ولم يتم تطوير النقاش معها نتيجة الأزمة التي تمر فيها. أما قبرص فهي دولة صديقة، وهناك اتفاق مبدئي معها لم يتم إقراره بعد في مجلس النواب، والنقاش مستمر معهم، ولكن إسرائيل هي كيان عدو، وقد أعلن لبنان حدوده البحرية معها وتم إبلاغ الأمم المتحدة بذلك”.
واعتبر أن “قيام إسرائيل بترسيم مختلف لحدودها البحرية، اعتداء ورقي لا تستطيع إثباته. وهناك مساع قامت بها والادارة الأميركية، لكنها متوقفة حاليا بعد تغير الإدارة الأميركية”. وأضاف: “ما أريد تأكيده هو أن لبنان متمسك بكل إنش مربع من مياهه البحرية ومتمسك أيضا بكل موارده النفطية وغير النفطية الموجودة ضمن حدوده البحرية، ولن نتهاون إزاء أي جزء من هذه الموارد”.
وشدد على أن “معظم الثروة النفطية اللبنانية موجود ضمن الحدود البحرية اللبنانية التي لا لبس حولها، مما يعني أننا نستطيع المضي قدما في مشروعنا من دون إبطاء. ونحن لدينا حق سيادي بأن نقوم بالحفر في أي نقطة داخل حدودنا البحرية، وثمة آليات تتيح التعامل مع الإنتاج من المكامن العابرة للحدود”.
دعم الاقتصاد اللبناني
وردا على سؤال عن مدى مساهمة قطاع البترول في تنمية الاقتصاد اللبناني، قال أبي خليل إن “لقطاع البترول فوائد تطال مختلف القطاعات، لعل أهمها قطاع الكهرباء الذي يستفيد من خلال توفير الغاز بسعر منخفض، بما يساهم في خفض الفاتورة النفطية والعجز في الميزانية وتقليص التلوث”.
وشدد على “ضرورة التنبه لعدم تحويل اقتصادنا إلى اقتصاد مبني على صناعة البترول، بل يجب أن يساعد قطاع البترول على تنمية كل القطاعات الأخرى كالصناعة والخدمات والتكنولوجيا وغيرها”.
وأشار إلى أن “الفوائد المنتظرة ستبدأ بالظهور مع مباشرة الشركات عملها في مرحلتي الاستكشاف والتطوير، حيث ستقوم باستثمار مبالغ تصل إلى مليارات الدولارات. وحددت المنظومة اللبنانية سقفا عاليا للمكون المحلي، إذ تنص على أن يكون 80 في المئة من العاملين في قطاع النفط والغاز من اللبنانيين، كما منحت الشركات اللبنانية تعاملا تفضيليا بنسبة 5 في المئة على البضائع المراد شراؤها و10 في المئة على الخدمات”.
وأضاف: “القطاع المصرفي سيستفيد من وجود فروع لشركات البترول في لبنان. كذلك يستفيد قطاع الخدمات السياحية من فنادق ومطاعم وتأجير سيارات، بالإضافة إلى قطاعات أخرى كالمحاسبة والمحاماة والنقل والطيران من هذه الأجواء الاستثمارية الايجابية”.
وعن قدرة لبنان على تسويق الغاز، قال أبي خليل “إن لبنان ليس جزيرة طبيعية مثل قبرص ولا جزيرة سياسية مثل إسرائيل، وهو موجود في غرب آسيا وشرق المتوسط، ولديه علاقات طيبة مع كل الدول باستثناء إسرائيل، مما يعني أن لبنان يمكنه نقل الغاز إلى تركيا وأوروبا عبر سوريا، كما أنه مرتبط بخط الغاز العربي، مما يتيح له الوصول إلى الأردن ومصر واستعمال منشآت تسييل الغاز المصرية. كما يمكنه أيضا بناء منشآت تسييل خاصة به في حال وجود كميات غازية كبيرة”.
وشدد على أهمية استخدام الغاز في تلبية حاجات السوق المحلية وبخاصة لتوليد الكهرباء “والذي سيكون له انعكاسات اقتصادية إيجابية كبيرة”.
ورد على ما يتردد في الإعلام عن مئات مليارات الدولارات من العائدات وتوظيف الآلاف من اللبنانيين، فقال إن “المسوحات وتحليلاتها تشير إلى وجود مخزون غازي وربما نفطي أيضا بشكل واعد، وهو ما أدى إلى اهتمام الشركات بالعمل في لبنان. أما الدخول بتحديد حجم المخزون والعائدات فهو أمر سابق جدا لأوانه، وقال إنه لا يريد أن يرفع من آمال اللبنانيين ولا أن يخفضها، وما نحتاج اليه هو تقديم أرقام دقيقة لكي تأتي الشركات وتبدأ العمل”.
قضية الكهرباء
وردا على سؤال عن استخدام الغاز لحل مشكلة الكهرباء، قال “إن إجمالي استهلاك لبنان كل أربع سنوات يقدر بنحو تريليون قدم مكعب من الغاز (1TCF)، مما يعني أن حقلا واحدا بطاقة إنتاج 5 تريليون قدم مكعب يلبي هذه الحاجات لنحو 20 عاما”.
وشدد على “خطورة تأثير النزوح السوري على قطاع الكهرباء، حيث يستهلك النازحون السوريون بحسب التقديرات الأكثر تحفظا نحو 486 ميغاواط من الكهرباء، أي ثلث إجمالي الانتاج الحالي البالغ 1600 ميغاواط، أي ما يمثل 5 ساعات تغذية يوميا، وتبلغ كلفته نحو 333 مليون دولار سنويا. أما ما تقدمه الدول المانحة Donors في هذا المجال فلا يتجاوز 2 مليون دولار سنويا. ولذلك أقول دائما أن الجهة المانحة الوحيدة هي لبنان”.
وأضاف: “لبنان رفع قدرته الإنتاجية منذ العام 2012 بنحو 443 ميغاواط، وفي المقابل بلغ الطلب الإضافي بسبب النزوح السوري 486 ميغاواط”. وأعلن انه ستتم زيادة التغذية بالتيار الكهربائي بعد إدخال معملين جديدين إلى العمل قريبا.
وقال ان “الوزارة بصدد إعداد خطة إنقاذية ستعرض على مجلس الوزراء تتضمن استخدام الغاز المسال في توليد الكهرباء، مشيرا إلى تطور مهم في هذا المجال يتمثل في تطور التكنولوجيا المستخدمة في التغويز (إعادة الغاز المسال إلى حالته الغازية) ما أدى الى تخفيض كبير في التكلفة، وهو الأمر الذي يسمح بالتفكير بإنشاء محطات عائمة للتخزين والتغويز مقابل معامل توليد الكهرباء وذلك بدلا من بناء خط أنابيب ساحلي، كما لدينا خيارات أخرى متعددة”.