إختتمت “الوكالة الوطنية للاعلام” اليوم، مؤتمرها الدولي بعنوان “الاعلام ناشر الحضارات وهمزة وصل للحوار” برعاية وزير الاعلام ملحم الرياشي، في فندق هيلتون حبتور غراند – سن الفيل، بجلسة تناولت “أهمية الاعلام في تعزيز التواصل الاقتصادي” أدارتها الاعلامية رنا الحاج وتحدث فيها كل من: رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم فؤاد زمكحل، الصحافي الاقتصادي والأستاذ الجامعي ميشال مرقص، رئيسة تحرير “أراب ايكونوميك نيوز” فيوليت بلعة.
مرقص
وكانت مداخلة لمرقص بعنوان “الإعلام يعزز الاقتصاد”، تناول فيها “مقاربة في المفهوم والوظائف” رأى فيها: “عندما نقارب موضع الإعلام في مفهومه العام الشامل، نتوقف عند مرتكز أساس لهذا المفهوم، هو الإخبار. ويعني نقل العلم بحدث محدد، والسعي إلى نشره أي الإعلام به. وهي مقاربة بديهية من اشتقاق اللفظ والتماهي مع مضمونه أو مضامينه. لكن في الواقع، يبدو الإعلام فنا من فنون مقاربة شؤون الكوكب من توصيف الواقع إلى تمييز الخلل والتخطيط للمستقبل، نتيجة إسقاطات وتحاليل. هو علم فني وتقصي حقيقة وارتكاز على منطق، وأنواعه لا تحصى أهمها: السياسي، الإجتماعي، الإقتصادي، الفني، الأدبي، العلمي، الصحي، البيئي، التنموي، الرياضي، الفلكي، الأنتروبولوجي والتاريخي (والتاريخ هو إعلام رجعي)، الإعلام الديني، كما التوقع والإسقاطات إعلام مستقبلي وهكذا”.
ورأى أن “الإعلام الإقتصادي هو إعلام يواكب تطور تأمين الحاجة، ويلج ابوابها كلها بصدقية وحذر ومنطق، ويتمثل هذا الإعلام في علماء الإقتصاد والمدارس الإقتصادية، جميعهم وجميعها حاولوا أن يضعوا معايير لنشاطات الإنسان تؤمن حاجاته، وتكفي المجتمعات فتقضي على الحاجة القاسية أي الفقر، فالفقر هو حاجة الإنسان إلى مأكل ومشرب ومبيت وإلى تأمين عيشه الكريم . والمدارس الإقتصادية هي مذاهب إقتصادية تتوخى القدرة على التنفيذ بواسطة السلطة أو السلطان، وهنا تدخل السياسة، وتتنافس المدارس الإقتصادية والإتجاهات وتتضارب أهداف المصالح الخاصة ورؤوس الأموال سعيا إلى بقاء الأقوى، بلوغا إلى حصول صراعات سواء باردة – ما يعرف بالحرب الباردة – أو الساخنة، حتى بات العلماء والإقتصاديون والسياسيون يتوقعون حصول حروب مستقبلية حيث تتشابك الحاجة إلى مورد من الموارد الإقتصادية ومنها الماء، تماما كما حصل قبل آلاف آلاف السنين”.
وعن حقول الإعلام الإقتصادي قال: “لذا نحن، في الإقتصاد، نبحر في مجرة من النشاطات والتفاعلات بحيث يصعب فصل الحدث عن الحدث وسلخ العلاقة الإقتصادية المجردة عن بيئتها ومحيطها واقتلاعها عن جذورها وقد تداخلت بجذور عنكبوتية متنوعة، وهي تستمر في التشابك والإمتداد والتداخل بحيث صار الإقتصاد وجها من وجوه الحياة البشرية والمجتمعات كلها، يفعل ويتفاعل وينفعل،.
وأشار الى أن “الإعلام الإقتصادي يهدف إلى تحقيق رخاء الفرد والمجتمع وتصويب المسالك العرجاء والإتجاهات الخاطئة، إنه إعلام مسؤول، منطقي وواقعي، ولكنه في الوقت ذاته رؤيوي ذات رسالة تهدف إلى بناء سعادة المجتمع، فمن واجب الإعلام الإقتصادي، كما السياسي، أن يستهدف تحصين المجتمعات ويسعى إلى دعوة الحكام لتأمين رفاهية مجتمعاتهم أو مواطنيهم، والديموقراطيات في العالم لا تعني فقط الإقتراع بحرية لمن نراه يحقق طموحات الناخبين أو يتوافق مع أهوائنا، بل تعني الديموقراطية، حق المواطن في الوصول إلى ما يؤمن له العيش الكريم، أي أن يكون قادرا على تأمين أبسط مقومات العيش بلا ذل وإذلال. فالديموقراطية إذا هي تحقيق الإقتصاد الكافي للناس فلا تمتهن كراماتهم بسبب العوز والحاجة”.
وعن خصوصيات التحرير الاقتصادي قال: “لا شك في أن الإعلام الإقتصادي، هو إعلام خاص، يتوجه إلى نخب معينة من القراء، تشمل معنيين في شؤون الإقتصاد والتنمية والبيئة والديموغرافيا والتطور والنمو والإختراعات والإبداعات، وتتوزع فئات المعنيين، من المهتمين بالإعلام الإقتصادي، بين قارئ يحب الإطلاع على الإحداثيات في حقول الإقتصاد، وبين دارس لشأن اقتصادي، وخبير يبحث عن معلومة أو منظومة معلومات ومعطيات إقتصادية أو خبير في شؤون التوقعات الإقتصادية المستقبلية وما إلى ذلك”.
وختم: “كما أن الإعلام الاقتصادي سلاح لا يقل شأنا عن السلاح الحقيقي فالعالم يتبع سياسة البقاء للأقوى والأقوى هنا ليس هو الأصح أو الأكثر صوابا دائما، بل الأقوى في المفهوم المادي هو الأكثر قوة على الصمود في مواجهة التقلبات المالية والـدعايات الإعلامية والإشاعات المغرضة والمضاربات التجارية”.
زمكحل
بدوره، قال زمكحل: “نحن كرجال أعمال وسيدات لبنانيين في العالم، نظرتنا إلى الاعلام هي أنه رسالة وصورة شفافة وموضوعية وواقعية، وهو يسمح لنا أن ندور حول العالم ونحن في مكان وجودنا. إن الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع أوصل منذ عقود الحرف والكلمة والصورة والنجاحات اللبنانية حول العالم. الاعلام في نظرنا هو الباب الأول للاستثمار للمعلومات ولجذب المستثمرين والرياديين والشركات الدولية والاقليمية الى بلدنا. الاعلام هو المصدر الأول للمعلومات العامة والاقتصادية والمالية والرقمية. ومن دون شك هو يؤمن الترابط والتواصل بين المستثمرين الرياديين من ضمن البلد نفسه وعبر الحدود”.
أضاف: “في نظرتنا أن الاقتصاد هو سفينة والاعلام هو الشراع الاساسي لهذه السفينة وواجبنا كرجال اعمال هو ان نؤمن الهواء لنفخ هذا الشراع ونؤمن سير السفينة. الاقتصاد يعني استثمار يعني اعمال ومردود وافكار ونتائج ودراسات ووقائع. وبحسب رجال الاعمال الكبار في العالم تبدأ نقطة انطلاق الاقتصاد الذي هو التواصل والترابط بين رجال أعمال داخليين اقليميين وعالميين. فالإعلام يلعب دور همزة الوصل للافكار والابداع والرياديين.
من هذا المنطلق الاعلام هو المحرك الأساسي لاقتصاد اي بلد وهو السلاح البناء والمنتج لتنمية الاستثمارات والاقتصاد”.
وتابع: “نحن نتكل على الاعلام اللبناني لتصدير صورة بلدنا الايجابية وجذب الاستثمارات والمستثمرين. ونحن نؤمن بالتآزر التام بين الاقتصاد والأعمال والاعلام. يعني: واحد زائدا واحدا يساوي أكثر من اثنين، لأن الاقتصاد والاعلام يجب ان يكونا حياديين وشفافين بعيدا عن التوترات السياسية وهذه الشراكة الحقيقية المنتجة هي الوحيدة التي يمكن ان تعيد لبنان على الخارطة الاقتصادية والمالية والسياسية العالمية. ونحن بكل فخر كرجال أعمال لبنانيين في العالم زرعنا العلم اللبناني في كل ركن على الكرة الأرضية. على الاعلام تصدير صورة نجاحنا الاقتصادي في كل بيت في العالم”.
بلعة
أما بلعة فسألت في مداخلتها: “أين الصحافة الاقتصادية من لبنان اليوم؟ أزمات متراكمة تندفع بالجملة والمفرق، تسلب المواطن قدراته المعيشية، وتفقر المجتمع وتقضي على بقايا طبقة متوسطة، وتهجر شبابه في بطالة حقيقية ومقنعة. في هذا العرض، سأحاول أن أتناول دور اعلام اقتصادي يفترض ان يقوم على خدمة اقتصاد القطاع العام كما القطاع الخاص، الاقتصاد الكلي والفردي، اي اقتصاد المجتمع والدولة. من حيث المبدأ، تختلف قضايا الاقتصاد عن ملفات السياسة واستحقاقاتها. ففي الاولى، علم ومعادلات وأرقام، وفي الثانية مصالح وتقاطع مصالح ونظريات. لكن للاسف، في بلادنا، الاقتصاد يلحق بالسياسة لا العكس، لينطبع بسماتها ويفرز سياسات وخططا وبرامج على قياس عهود وحكام، خلافا لتصنيف دول العالم الذي يستند إلى قوة اقتصاد الدولة، ومتانة عملتها ومصارفها، وعلاقاتها التجارية الخارجية، وجاذبيتها الاستثمارية. والأمثلة كثيرة، من الولايات المتحدة الى اليابان والصين فالاتحاد الاوروبي”.
أضافت: “هذا الدور، بحاجة الى إعلام اقتصادي متخصص قوي وفاعل، يعرف كيف يتعامل مع المعلومات والدراسات والتقارير والبيانات، كي يشكل الرافعة الاسترشادية للاقتصاد الوطني، وللعاملين فيه، وايضا للمتعاملين معه. فهل نحن على هذا المستوى من المهنية؟”.
وقالت: “جولة على الاعلام الاقتصادي تكشف نقصا في التحرير المتخصص. فكم من الصحافيين والاعلاميين خضعوا لدورات تدريبية، أعادت ترتيب معارفهم وخبراتهم في مجال التغطية والمناقشة والتحليل ودراسة الملفات؟. لو كنا كصحافة اقتصادية في جانب التأهيل المشبع، لكنا حتما، أحدثنا علامة فارقة في ملفات الفساد، وهدر المال العام، والصفقات التي تعقد “على عينك يا تاجر”، بدل ان يقتصر الواقع على محاولات خجولة وفردية، وغير مدعومة أحيانا من جانب ادارات المؤسسات الاعلامية، بسبب وجود مصالح شخصية او مالية او حتى نزاعات. لهذا، لا نزال في لبنان، نطالب ونعاني من دون جدوى”.
وتابعت: “نعلم جميعا أن المطلوب كثير. غياب الموازنات العامة لـ 12 عاما، هو فضيحة غير مسبوقة في تاريخ الدول. عجز يتنامى، وسياسة اقتراض عقيمة ترفع منسوب الدين من الناتج الى خطوط حمراء يتحفظ عليها المجتمع المالي الدولي، ومعه ترتفع خدمة الدين، ما يعني إنفاقا غير مجد للسياسات المالية. لدينا ازمة نزوح احدثت فوضى عشوائية في الحياة المعيشية والاجتماعية، وانسحبت على سوق العمل التي ضاقت اساسا على العمالة اللبنانية. لدينا غاز ونفط يقبعان في قعر المياه الاقليمية، اي إهدار لثروة اللبنانيين، ومماطلة غير مبررة لاتخاذ قرارات سبقتنا اليها قبرص واسرائيل أقله بعشر سنوات. ببساطة، لم يصب اعلامنا الاقتصادي في معالجة توسع طارئ وقسري لاقتصاد الـ 4 ملايين نسمة، الذي بات يأوي ويطعم ويشغل 6 ملايين، من دون ان يبادر الى تحديث بنيته التحتية، ومن دون ان يعالج ارتفاع معدل الفقر الذي قد يكون تخطى ال 45%. عذرا لعدم الجزم هنا، لان لبنان لا يؤمن ربما بالارقام، لذا تغيب الاحصاءات الرسمية عن الكثير من احوال الاقتصاد، وربما اكثرها حساسية “عدد السكان”، وهي القاعدة الاساس لقياس أي من مؤشرات الاقتصاد”.
وسألت: “كيف نتناول قضايا الناس وهواجس المجتمع؟”، وقالت: “سؤال محق، فاللبنانيون متروكون من دون “لوبي” رقابي يوصل ما بين المعلومة والقرار الاقتصادي، يساهم في التثقيف ونشر الوعي، يبادر الى تعريف المجتمع بالتشريعات والاجراءات المتعلقة بحقوقه وواجباته. فدور الاعلام الاقتصادي استراتيجي في التنمية الشاملة، وفي ربط رجال الاعمال والاقتصاد والمؤسسات ببعضهم، وبالجمهور أيضا. كذلك له مهمة الكشف عن التجاوزات والمعوقات التي تعترض سبيل التنمية والتطوير، كسوء الادارة، وضعف القرار، والفساد المالي، وسوء استغلال الموارد. في الصحافة التقليدية، نقص هائل في حجم الاهتمام بالاعلام الاقتصادي. على أصابع اليد، يمكن ان نحصي الاعلاميين الاقتصاديين المتخصصين، الذين تركوا بصمات في تصويب انحرافات السلطة حين انتقدوا وكشفوا وقاتلوا دفاعا عن الصواب والحق، كذلك حين دعموا مسيرات التصحيح والاصلاح على ندرتها. فلا اقتصاد في الصحف، ولا برامج جدية في الاذاعات او التلفزيونات. كل ما لدينا، لوحات اعلانية، جامدة أو متحركة، تنقل كما من الاخبار التي “لا تضر ولا تنفع”، ومعظم الاحيان، من دون تفاعل او توقعات”. وبما أنني انتقلت الى الاعلام الالكتروني منذ العام 2014 حين أطلقت أول موقع إخباري إقتصادي متخصص مع تطبيق هو الاول من نوعه في المنطقة، أستطيع أن أبدي أسفا صريحا على صفحات داخلية في مواقع إلكترونية سياسية، تكتفي بنشر البيانات الصحافية حرفيا، او تمارس الصحافة الفضائحية، أو تسعى خلف الاثارة والتشويق معتمدة قاعدة “رجل عض كلبا”. وهي لا تزيح قيد أنملة عن التسرع في نشر المعلومة، حتى ولو على حساب المضمون. فلا تدقيق في صحة الخبر، ولا مراجعة لهول من أخطاء اللغة والقواعد وكأننا أمام جيل لا يتقن من الصحافة إلا ما تمنحه من لقب وعلاقات، متخليا وبعذر “التواصل” السريع، عن مهنية ورسالة وصدقية”.
وقالت: “علاقة الاقتصاد بالصحافة، يجب ان تكون في الاتجاهين. مؤسسات تحتاج تمويلا لتؤمن استمراريتها وتحافظ على كوادرها التحريرية، وقطاع خاص أو رسمي بحاجة الى منصة لترويج أفكاره ومنتجاته. أي شائبة تصيب تلك العلاقة، ستنعكس حتما في أساليب العمل، فتتحول لتنحرف نحو مخارج أخرى قد تكون في الابتزاز أو الضغط او حتى الاهمال. وهذا ما يفسر ربما، بعض اوجه الازمة المالية التي تعصف بمؤسسات الاعلام، والتي جعلت الصحافة الاقتصادية لامبالية ومتفرجة، بدل ان تكون قوة الضغط التي يعتمد عليها المجتمع لانتشاله مما قاده اليه، صناع القرار واصحاب المصالح”.
وختمت: “في الخلاصة، يجب الاقرار بأن هناك هوة عميقة ما زالت تفصل بين الاعلام الاقتصادي والتنمية. فإن لم نقر بوجودها، لن نسعى يوما إلى تضييق أفقها وصولا الى الهدف”.