افتتح نائب رئيس مجلس الوزراء التركي محمد شمشك، الدورة 12 من “الملتقى الاقتصادي التركي-العربي”، والذي تنظّمه مجموعة الاقتصاد والاعمال بالتعاون مع رئاسة مجلس الوزراء التركية واتحاد الغرف وتبادل السلع التركية، وسط حضور رسمي كبير وبمشاركة نحو 350 من كبار المسؤولين ورجال الأعمال العرب والأتراك.
استهلّت الجلسة الافتتاحية بكلمة ألقاها شمشك، أثنى فيها على أهمية الملتقى ومساهمته في تطوير وتقوية العلاقات العربية التركية. واستعرض بشكل موضوعي الأوضاع التي تعيشها تركيا والمنطقة العربية والشرق أوسطية عموماً. واعتبر أنّ التحديات الكبيرة التي واجهتها تركيا خلال السنوات الماضية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، عززت المناعة الاجتماعية والاقتصادية لتركيا، وبعثت برسالة قوّية حول قدرة هذا البلد على التأقلم مع المتغيرات والحفاظ على استقراره السياسي والاقتصادي في آن.
وفي رسالةٍ أخرى حول التغيير المرتقب في النظام التركي ليصبح نظاماً رئاسياً قال شمشك: “لدى تركيا إيمان راسخ في التغيير الديمقراطي، على عكس ما تحاول بعض وسائل الاعلام تصويره. ومن خلال الاستفتاء المرتقب على الدستور، سنعمل على صيانة وحماية نموذج الديمقراطية في تركيا؛ وهذا لا يخرج بأي حال من الأحوال عما عايشته الديمقراطيات العريقة في العالم (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية). إن التعديلات المزمع إدخالها على نظام الحياة السياسية في تركيا، ستزيد من استقلالية القضاء، وستمنح الشعب مزيدًا من الصلاحيات لتحديد من يراه مناسبًا للحكم، هذا بالإضافة إلى عدد من التعديلات الاقتصادية التي نرى أنها أصبحت ضرورية لنتحول من أفضل دولة على مستوى الدخل الفردي المتوسط، إلى دولة ذات مستوى دخل فردي مرتفع”.
وعن سياسة تركيا مع الدول العربية، أكد شمشك أنّ تركيا لن تتخلى عن سياسة الانفتاح والتعاون مع العالم، ومع جيرانها العرب بشكل خاص التي تجمعها معهم جغرافيا مشتركة وعدد من القضايا المصيرية.
وأضاف: “نحن مدعوون أكثر من أي وقت لتعزيز التعاون العربي التركي، ولاسيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وهناك تحديات مشتركة لا يمكن للأتراك حلّها بمعزل عن شركائهم العرب، والعكس صحيح. ويأتي ملف مكافحة الإرهاب في صدارة هذه القضايا، إلى جانب تحديات البيئة في المياه والطاقة، ومن ثمّ التعاون الاقتصادي والاستثماري الذي لا يزال محدودًا مقارنة مع الفرص القائمة”. وشدد على أن تركيا مستعدة للتعاون في كل المجالات، وبخاصة لجهة تعزيز القاعدة الإنتاجية للاقتصادات العربية، سواء بالخبرات التركية أو عبر الاستثمارات التركية المباشرة. كما توجه للمستثمرين العرب للاستفادة من الواقع الاقتصادي المتميز في تركيا، على النحو الذي حققه نظرائهم من الدول الأوروبية وغيرها. فالاقتصاد التركي تمكن من الحفاظ على متوسط نمو يقارب 5.9 في المئة سنويًا، متخطيا التحديات التي شهدتها تركيا في الداخل خلال السنة الماضية، وأيضا في الخارج منذ الازمة الاقتصادية الأخيرة”.
وخلص نائب رئيس الوزراء التركي، إلى التأكيد على أن تركيا ماضية في تأكيد دورها الريادي في قضايا المنطقة والعالم على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وهي ستكون ايضًا محورًا لقضايا أخرى لا تقل أهمية على صعيد الابتكار والتعليم، اللذين يشكلان عصب الثورة الرقمية بما تمثله من أهمية وثقل في المردود الاقتصادي لأجيال المستقبل.
اتحاد الغرف التركية:
وتحدث نائب رئيس اتحاد الغرف وتبادل السلع في تركيا حليم ميتيه، فقال: أن تركيا تتميز بوجود قطاع خاص ناجح وفاعل. وهذا يدعو إلى تعزيز الارتباط التركي مع المحيط الإقليمي، والعربي بشكل خاص الذي يمثل شريكًا طبيعيا، على الصعيدين الاقتصادي والثقافي للجمهورية التركية. واعتبر أنّ العلاقات الاقتصادية التركية العربية حققت نموا مهما خلال القد الماضي، لكنها ما زالت دون الطموحات، ففي الوقت الذي تصل الاستثمارت الأجنبية في تركيا إلى أكثر من 140 مليار دولار، فإنّ 10 في المئة منها فقط تأتي من الدول العربية، وبخاصة من دول الخليج العربي. وفي تأكيده على أهمية البيئة الاستثمارية التركية، وحفاظها على استقرارها رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، أشار ميتيه، إلى أن العام المنصرم شهد نموا في تدفق الاستثمارات إلى تركيا لتصل إلى نحو 12 مليار دولار، معظمها جاءت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها البلاد. في المقابل، هناك العديد من الدول التي واجهت تحدّيات اقل حدةّ ولم تستطع أن تحافظ على نموها الاقتصادي أو على جذب الاستثمار. واعتبر أن قطاعي الصناعة والسياحة يمثلان أفضل الفرص الاستثمارية في تركيا، إلى جانب القطاع العقاري. كما أن تركيا ترى في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية، فرصة حقيقية لتعزيز النمو في هذه الدول، والمساهمة في نشر الخبرات التركية في مختلف القطاعات.
الاقتصاد والأعمال
من جهته، أشار المدير التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال وليد أبو زكي، إلى انّ الملتقى نجح على المدى السنوات السابقة في أن يكون منصة رائدة تجمع بين صنّاع القرار العرب والأتراك، وبخاصة على الصعيد الاقتصادي. حيث كان للمنتدى بصمات واضحة في تعزيز التبادل التجاري بين الطرفين، والذي كان نحو 9 مليار دولار مع انطلاق الدورة الأولى للمنتدى، ليتضاعف هذا الرقم لاحقًا أكثر من ستة أضعاف، وسط توقعات بأن يرتفع حجم التبادل التجاري إلى نحو 70 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة.
وتابع، “شهدنا مؤخرًا تطورات بارزة في العلاقات التركية العربية، لعل أبرزها لقاءات القمّة التي عقدت مؤخراً بين القادة الأتراك ونظرائهم من دول الخليج العربي، وتحديداً مع كل من السعودية والإمارات وقطر، إضافة إلى إنشاء غرفة التجارة العربية التركية، وتأسيس مجلس الأعمال السعودي-التركي، وكل ذلك إن دلّ على شيء فعلى أن مسار العلاقات التركية-العربية تصاعدي وسريع”.
وخلص أبو زكي، إلى القول، أنّ الوقت الحالي يمثل فرصة كبيرة لتعميق الروابط الاقتصادية العربية مع تركيا، لا سيما في ظل تراجع الدور الأوروبي على هذا الصعيد. في المقابل، فإن على الجانب التركي توفير الضمانات التي يبحث عنها المستثمر العربي، إلى جانب تذليل العقبات المقيدة للاستثمار.
الصندوق السيادي التركي
وكانت كلمة لرئيس الصندوق السيادي التركي محمد بستان، تناول فيها استراتيجية عمل الصندوق والأهداف التي سيعمل لتحقيقها، من خلال الخبرات والشركاء المساهمين في تأسيسه. واعتبر أن الهدف الاستراتيجي للصندوق يكمن في دعم الاستثمارات ذات الصفة المستدامة، والتي تتركز بنوع خاص في قطاع البنية التحتية، والتعليم، والابتكار.
واختتمت الجلسة الافتتاحية، بحوار مفتوح مع نائب رئيس الوزراء التركي محمد شمشك، تناول فيه هواجس المستثمرين، وأيضاً الرؤية التي تعمل تركيا على تحقيقها من خلال سلسلة التعديلات المزمع إدخالها على نظام البلاد السياسي والاقتصادي.