- القدرة الوطنية على تخطي الأزمات هي قوة البلد على التعافي من الكوارث، والاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر وإدارتها في عالم متغيّر
- المخاطر التي تواجهها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متنوعة وتتراوح بين الكوارث الطبيعية والحوادث المرتبطة بالبشر
- استناداً الى مصادر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يمكن أن تصل كلفة النتائج السلبية الناشئة عن كارثة كبيرة الى 20% من إجمالي الناتج المحلي لأيّ بلد
في تقرير صادر بعنوان “بناء القدرة الوطنية على تخطي الأزمات” (Building National Resilience)، أشارت بوز ألن هاملتون الى أن العدد المتزايد من الكوارث الطبيعية والناتجة عن تدخلات بشرية حول العالم، من الهزات الأرضية والفيضانات الى الهجمات السيبرانية التي استهدفت مؤخراً بعض المؤسسات، يُبرز حاجة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تبني إطار عمل لاعتماد خطة “القدرة الوطنية على تخطي الأزمات”. ويشرح هذا التقرير أن القدرة الوطنيّة على تخطي الازمات هي قوة البلد على التعافي من الكوارث، والاستفادة من فرص السوق وتجنب المخاطر وإدارتها في عالم متغيّر.
وتشير البيانات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى أن كلفة النتائج السلبية الناشئة عن كارثة كبيرة يمكن أن تصل الى 20% من إجمالي الناتج المحلي لأيّ بلد. وكان تفشي فيروس إيبولا في العام 2014 قد أظهر التناقض الصارم في إمكانية “القدرة الوطنية على تخطي الأزمات” في التأثير في الأحداث الكارثية. وكانت سيراليون قد سجّلت أعلى معدّلات الإصابة بالعدوى في أفريقيا حيث أصيب 8706 أشخاص، ناهيك عن أعلى ثاني معدّل وفيات، بينما تمكّنت نيجيريا من احتواء المرض فلم يتجاوز عدد الإصابات العشرين شخصاً مع ثماني حالات وفاة. كيف يمكن تفسير الاختلاف في النتائج بين بلدَين في غرب أفريقيا؟ يكمن الجواب في القدرة الوطنية على تخطي الأزمات.
في بلدان الخليج العربي، تكلّف الهجمات السيبرانية الحكومة حوالى مليار دولار أميركي سنوياً، وفق منتدى الأمن السيبراني في علوم البيانات والكمبيوتر (ICS Cyber Security Forum). وليست هجمات فيروس شامون المتعددة على الوكالات الحكومية السعودية وهجمات فيروس غوس على البنوك اللبنانية في العام 2012، سوى مثالٍ عن قدرة الهجمات على تهديد النظام البيئي للمنظمات والأوطان ليس فقط في دول مجلس التعاون وإنّما أيضاً عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قاطبةً.
منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، تدفّق أكثر من مليون لاجىء إلى لبنان، وهو عدد يوازي ربع سكان البلد تقريبًا، ما أدّى إلى استنفاد الخدمات الاجتماعية، وزيادة الضغوطات المفروضة على نظام البنية التحتية المحليّ، كما تسبّبت هذه الظروف بتراجع الوضع الاقتصادي في دولة تعاني أصلاً من ضعف اقتصادها.
ومن هذا المنطلق، يُساهم اعتماد استراتيجية “القدرة الوطنية على تخطي الأزمات” المُعدّة بإتقان في تحديد المخاطر بشكل مسبق، لا سيّما الأشدّ تأثيرًا بينها من الناحية الاستراتيجية لدرجة عجز الدولة عن تحمّل أعبائها. وبفضل هذه الاستراتيجية، ستتمكّن الحكومة من تحديد القدرات الجوهريّة اللازمة للحفاظ على السلامة العامة والأمن، وتعزيز البنية التحتية الأساسيّة، بالإضافة إلى الاستعداد لمواجهة حالات الطوارئ، وتجنب العواقب التخريبية على الصعيد الوطني.
وقال نبيه مارون، نائب الرئيس التنفيذي لدى بوز ألن هاملتون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “المخاطر التي تواجهها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متنوعة، وتتراوح بين الأحداث الطبيعية كالفيضانات والعواصف الرملية، والحوادث المرتبطة بالبشر. نحن نشجع حكومات المنطقة على جعل “القدرة الوطنية على تخطي الأزمات” جزءاً أساسياً من برامجها الاستراتيجية في السنوات المقبلة لمواجهة تلك المشاكل التي تشكّل مصدر قلق حقيقي لكل الاقتصادات الناضجة”.
وتشير بوز ألن هاملتون الى أن الطريقة الأفضل لتصميم استراتيجية القدرة على تخطي الأزمات وفق الحاجة تقضي بتبني إطار عمل متكامل وتطبيقه. وكنقطة انطلاق، يمكن الاعتماد على الخطوط العريضة للقدرة الوطنية لمواجهة الكوارث التي أصدرها البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي تلقى تقديرا كبيرا في المجتمع الدولي.
وتشير بوز ألن هاملتون الى أنه بهدف تطوير أطر عمل متكاملة ووفق الحاجة للقدرة الوطنية على تخطي الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتعيّن مراعاة ثلاثة محاور أساسيّة:
- تحديد القطاعات الحساسة للأمن الوطني: يتعيّن الاقرار بأن “الأمن” ليس مجرّد عمل عسكري ولا يرتبط فقط بتطبيق القانون، بل هو متعدد الأوجه ويتضمن أبعاداً مثل أمن الماء والغذاء والاقتصاد والبيئة والمعلومات.
- تأسيس قدرة الحوكمة: تبدأ قدرة الحوكمة الوطنية باستراتيجية واضحة حيال مستقبل أكثر مرونة. هذا يعني أنه من خلال تنسيق السياسات والعمليات، وإرساء بروتوكولات الاتصال ومعطياتها التحليليّة وأنظمة وضع التقارير والمتابعة، يمكن للوطن التكيف مع الظروف المتغيّرة.
- بناء القدرات الوظيفية: لا يمكن تحقيق القدرة المتزايدة على تخطي الأزمات من خلال قدرات الحوكمة المعززة لوحدها. فالأمر يتطلّب تحوّلات طويلة الأمد في القدرات الوظيفيّة المتداخلة. ويمكن أن يتضمن ذلك استمرارية اعمال الحكومة خلال الأزمات وإدارة المخاطر والطوارىء واتصالات الأزمات وأنظمة حماية البنية التحتية ووسائل جمع المعلومات الاستخباراتيّة وتشاركها.
وتقول روزا دونو، مسؤولة إدارية أولى لدى بوز ألن هاملتون، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “لدى اكتمال تصميم إطار عمل “القدرة على تخطي الأزمات” يُصبح التطبيق مجرّد إجراء طويل الأمد، لكنّ إرساء إنجازات واضحة وقصيرة المدى يتيح قياس التطوّر. يُقبل العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ضمنها لبنان، على تغيير كبير، وتتبع سياسات تحوّل وطني تحدّد المحاور الرئيسية للنمو في السنوات المقبلة. وبفضل خارطة طريق القدرة الوطنية على تخطي الأزمات تكتسب الحكومات خطوات عمليّة لتبدأ هذه المسيرة ومعها التحفيز اللازم للاستمرار”.
وتنصح بوز ألن هاملتون بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن تأخذ بعين الاعتبار أن استراتيجيات القدرة على تخطي الأزمات لا يمكن حصرها في قانون واحد أو سياسة حكومية واحدة، بل إن التشريعات والترتيبات المؤسساتية ستبث رؤية القدرة على تخطي الأزمات والمبادئ في كل القوانين المعنية ووظائف الحكومة الروتينية. وللنجاح في تحقيق أهدافها، يتوجّب على حكومات المنطقة تطوير خرائط طريق وفق الطلب والموافقة على رؤية تتماشى مع أولوياتها الوطنية وتتضمن مشاركة الحكومة المركزية، والسلطات المحلية والجهات المعنية من القطاع الخاص، وفي بعض الحالات المجتمع بأسره.