الحريري: علينا تحويل التحديات إلى الفرص، وتحية تقدير لسلامه والقطاع المصرفي اللبناني
طربيه: تكلفة إعادة الإعمار في الدول التي دمرتها الحروب والنزاعات يناهز الترليون دولار
الجراح: للقطاع المصرفي العربي دور كبير في إعادة الإعمار
شقير: إعادة الإعمار عملية ضخمة وتكاليفها المالية هائلة
سلامه: مقررات بازل III تعيق عملية إعادة الإعمار
افتتح رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري منتدى “تمويل إعادة الإعمار – مابعد التحولات العربية” الذي نظمه إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب في مركز بيروت للمعارض، قصر Pavillon Royal – بيال.
شارك في المنتدى نخبة من القيادات المالية والمصرفية والمنظمات العربية والدولية إضافة إلى رؤوساء الهيئات الإقتصادية في لبنان يتقدمهم حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه، ورئيس إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، الدكتور جوزف طربيه رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية ورئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وأمين عام إتحاد المصارف العربية الأستاذ وسام حسن فتوح.
طربيه
و كانت كلمة الإفتتاح للدكتور طربيه مما جاء فيها: “يواصل إتحاد المصارف العربية مسيرة لقاءاته ومؤتمراته الرامية إلى حشد القيادات الحكومية والمصرفية والمالية والإقتصادية لمتابعة ومناقشة التطوّرات الإقتصادية والمالية العالمية والعربية، وإنعكاساتها، وما خلّفته من تحديات أمام إقتصاداتنا العربية وقطاعاتنا المصرفية العربية.
وفي هذا الإطار، يأتي مؤتمرنا اليوم تحت عنوان “تمويل إعادة الإعمار ما بعد التحوّلات العربية”، إنطلاقاً من الدمار الكبير الذي لحق ولا يزال بعدد من الدول العربية، بإنتظار فجر جديد من الأمن والأمان والإستقرار.
وكما تعلمون، فإن الدمار الناجم عن الحروب الطاحنة في المنطقة العربية، قد طال المجتمع والإنسان والبنى التحتية من طرق وجسور ومحطات إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة والمياه والمرافق الحيوية، والممتلكات العامة والخاصة، بالإضافة إلى القطاعات الإقتصادية والإنتاجية دون إستثناء. وهذا الحجم من الدمار في الحجر والبشر يستلزم تأمين أموال طائلة لإعمار ما تهدّم. ولا يمكن إعادة هذه الدول إلى ما كانت عليه قبل الحروب دون توفّر هذه الأموال.
أضاف: وإنه ليس من الصدفة أن ينعقد هذا المؤتمر على أرض لبنان، البلد الذي مرّ خلال نصف القرن الماضي بفتن وحروب داخلية وخارجية دمرت بنى تحتية ومدن وقرى بما فيه قلب بيروت التجاري، كما هجرت سكان ومؤسسات وتركت وراءها أرضاً محروقة ونفوساً مجروحة. ثم نهض لبنان من كبوته كطائر الفينيق، وما كان هذا النهوض ممكناً لولا برامج إعادة الإعمار، للنفوس أولاً من خلال عودة الوفاق السياسي والمصالحات في القرى وتعويض المهجرين، ولولا إعادة إعمار البلاد من خلال رؤيا اقتصادية وضعت أسساً للنهوض الاقتصادي والعمراني وقادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأمن لها التمويل من داخل لبنان ومن خارجه، فحفظ له لبنان العرفان بالجميل.
إن العالم العربي اليوم أمام تكرار للمشهد المآسوي، ولكن بأحجام وأضرار ومآسٍ تفوق التصّور.
وتابع: إنّ تكلفة إعمار البنى التحتية في الدول العربية التي دمّرتها الحروب والنزاعات بحسب الإسكوا تبلغ حوالي تريليون دولار، وأن الخسائر الصافية في النشاط الإقتصادي تجاوزت ستماية مليار دولار ما يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية، كما أدّت إلى عجز في الماليات العامة لهذه الدول بلغ حوالي 250 مليار دولار بين عامي 2011 و 2015.
وختم: إننا نتكلم عن إعادة إعمار البشر والحجر معاً، فالسلام قادم حتماً ولو بعد حين، ومن هذا المنطلق نكثّف جهودنا في إتحاد المصارف العربية ولا سيّما منذ بداية التحوّلات في منطقتنا العربية لرصد تطور الاحداث والتحضير لمجابهة ارتداداتها المالية والإقتصادية ووضع الخطط المستقبلية لتلعب مصارفنا دورها كقاطرة لعودة النمو الاقتصادي ومكافحة الفقر والبطالة، ومعالجة مشكلة النزوح التي باتت عبئاً إقتصادياً وانسانياً على كافة الدول العربية، والعمل على وضع صيغ التعاون الجدّي لإعادة إعمار وبناء الاقتصادات التي دمّرتها الحروب.
ودورنا كمصارف عربية يتمحْور أمام هذه المعضلة حول تأمين التمويل، وخصوصاً بالنسبة لمشاريع إعادة البناء والإعمار، وذلك بإعتبار أن المصارف العربية لديها الإمكانات والكفاءات والموارد البشرية، إنما ينقصها عودة الأمن والإستقرار، وفقدان الإستراتيجيات الحكومية للتعامل مع مجريات الأحداث.
الجراح
ثم ألقى الجراح كلمة، جاء فيها: “أراد إتحاد المصارف العربية من عقد هذا المؤتمر أن يستبق الأمور ويسير جنباً إلى جنب مع المساعي الإقليمية والدولية لوضع حدّ͈ للحروب والنزاعات بإنتظار إطلاق مشاريع إعادة إعمار وبناء ماهدّمته هذه الحروب. حيث للقطاع المصرفي العربي دور كبير في إعادة البناء والإعمار، وفي هذا المجال لا بدّ من دراسة كيفية تمويل إعادة الإعمار من حيث المبالغ المطلوبة ومصادر تأمينها وتكلفتها وشروط الحصول عليها، ولا بد من التركيز على الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع المصرفي العربي للمساهمة في التخفيف من هذا العبء الضخم، وذلك بالإستناد إلى إمكاناته المالية الكبيرة، ومدى مساهمتها بشكل خاص في تمويل القطاعات الإنتاجية التي دمرتها الحروب كالصناعة والزراعة والطاقة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى إمكانية مساهمته في إعادة إعمار المساكن والبنى التحتية.
أضاف: إن الهدف من هذا المؤتمر بالنسبة لإتحاد المصارف العربية، هو مشاركة القطاع المصرفي العربي في وضع الإستراتيجيات والسياسات التمويلية المطلوبة لتأمين الأموال اللازمة لتسريع عجلة الإعمار والتنمية، وذلك عبر آليات وهندسات تمويلية طويلة الأجل متفق عليها من قبل المصارف والحكومات. كما نسعى من خلال هذا المؤتمر إلى دعوة مصارف القطاع العام لمناقشة وسائل وآليات وهياكل تمويلية غير تقليدية، تستفيد من التجارب الدولية العديدة في إعادة إعمار ما بعد الحروب، خصوصاً وإننا أمام فرص إستثمارية تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.
وتابع: وأنتهز هذه المناسبة، لأشير إلى ان الموجودات المجمعة للقطاع المصرفي العربي بلغت 3.4 تريليون دولار في نهاية العام 2016، وأصبحت بالتالي تشكًل حوالي 140% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، وبلغت الودائع المجمعة حوالي 2.2 تريليون دولار، كما تشير التقديرات إلى أنّ حجم الإئتمان الذي ضخّة القطاع المصرفي العربي حتى نهاية العام 2016 قد بلغ حوالي 1.9 تريليون دولار وهو ما يشكل 77% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، محققاً نسبة نمو 8% في نهاية العام 2015.
وختم: أمام هذا الواقع، وفي مواجهة تحدي إعادة البناء والإعمار، علينا أن نعمل على صياغة توجهات لهذا المشروع الإعماري الكبير، بما يساعد على الإستفادة المتبادلة من الإمكانات والموارد المتوافرة لدى دولنا العربية ككتلة إقليمية قادرة على الإستمرار والتواصل، وأن نضع نصب أعيننا بناء الكوادر البشرية المؤهلة للمشاركة في إعادة البناء والإعمار، حيث تقدّر خسارة دولنا العربية بسبب هجرة العقول العربية بأكثر من 1.7 مليار دولار سنوياً، وهذا الأمر يتطلب بيئة سياسية وأمنية مناسبة ومستقرة تحمي طبقات المجتمع الأقلّ دخلاً، وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة، وتحفظ إستقلال الأوطان وأمنها ومستقبل أجيالها”.
شقير
كما ألقى رئيس الغرف اللبنانية محمد شقير كلمة، أكد فيها: ” إن موضوع إعادة بناء وإعمار ما دمرته الحروب والنزاعات العربية، هي قضية ضخمة وتكاليفها المالية هائلة وهي تقدر بمئات مليارات الدولارات.
وأوضح: لذلك نحن كقطاع خاص نرى أن هذا المنتدى اليوم يشكل محطة أولى وأرضية أساسية لابد منها، لإطلاق دينامية أكبر بمشاركة المصارف المركزية والصناديق العربية وحكومات الدول العربية، لرسم إستراتيجية إعادة البناء والإعمار وكيفية كلفتها، لطرحها على مؤتمر دولي يخصص لهذا الموضوع.
أضاف: بالنسبة لنا كقطاع خاص لبناني، وبما لدينا من خبرات كبيرة في هذا المجال، جاهزون للمشاركة بفعالية في عملية إعادة الإعمار، ونحن خلال الفترات الماضية تواصلنا مع الكثير من مؤسسات القطاع الخاص العربية والأجنبية لخلق شراكات ضخمة وبمواصفات عاليمة تكون على قدر حجم هذه العملية.
إننا نعي جيداً أهمية هذه الإندفاعة التي تأتي في وقتها ونساندها بكل إمكاناتنا، لأن التداعيات الإقتصادية والإجتماعية لهذه الحروب لم يسلم منها أي بلد عربي حتى البلدان التي تتمتع بالإستقرار والأمن والأمان.
وختم: لذلك الجميع مطالبون بأن يكونوا شركاء أساسيين في هذه العملية، أولاً لرفع الدمار والخراب وإعادة البناء والإعمار والأمل، وثانياً لتحقيق النهوض والنمو والإزدهار لدولنا والإستقرار والمعيشة اللائقة والبحبوحة لشعوبنا.
سلامه
ثم كانت كلمة سعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه، مما قال فيها إن النظام المصرفي في العالم، وفي ضوء مقررات بازل -3 سيصعب عليه بمفرده تمويل إعادة بناء الدول العربية التي عاشت وتعيش حروبا. وعلى كلّ دولة تكوين إمكانياتها الذاتية، مما سيرتب كلفة على شعوبها.
وأضاف، وإن نظرنا إلى لبنان، فقد كان الناتج المحلي في العام 1974 حوالي 8 مليار ليرة لبنانية أي ما يساوي 3,5 مليار دولار وكان الدين العام حوالي 52 مليون ليرة لبنانية أي ما يساوي 22,6 مليون دولار وكان سعر الليرة مقابل الدولار الأميركي 2.3 وكانت الفائدة على سندات الخزينة بالليرة لسنة واحدة 3.73% في العام 1977.
ولولا الحرب لكان الناتج المحلي حافظ على معدلات نموه السنوية بحدود 6% ولكان حجم الاقتصاد اللبناني وصل الى ضعف ما هو عليه اليوم أي حوالي 100 مليار دولار، ولولا الحرب أيضا لكان تم احتواء الدين العام ضمن مستويات مقبولة.
وتابع، أدت الحرب إلى ارتفاع الفوائد وانهيار العملة. ففي عام 1985 وصلت الفائدة على الليرة اللبنانية الى الـ 37% وعادت في الـ 2016 الى نسبة الـ 5.35% . وبالنسبة الى الدولار، الارتغاع كان من الليرتين و 35 الى 2420. اتكّل لبنان على الدعم الخارجي، العربي والدولي أيضا، انما كان المصدر الأهم لتمويل القطاع المصرفي ومصرف لبنان.
وختم، سعى لبنان الى إعادة بناء الدولة وإعادة تنظيم المداخيل وتثبيت الليرة اللبنانية حماية للقدرة الشرائية التي كانت انعدمت في الحرب. الحد الأدنى للأجور بالدولار وصل في العام 1987 الى الـ 18 دولار في الشهر واليوم اصبح بحدود الـ 450 دولار شهريا. تقدّر الأضرار والتكاليف الاقتصادية للحروب الثلاثة الأهم (ليبيا- اليمن- سوريا) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمئات المليارات وهي بالتأكيد فرصة للاستثمار حينما يحل السلام.
الحريري
وتحدث أخيراً الرئيس الحريري، ورأى أن “هذا المنتدى بحد ذاته يختصرنظرتنا للمستقبل القائمة على تحويل التحديات إلى فرص. اليوم دولنا العربية تشهد أزمات وتحديات على كل الصعد: السياسية، الأمنية، الإقتصادية والإجتماعية. وهناك نظريات كثيرة حول كيفية نهاية كل هذه الأزمات. ولا أود أن أغوص في كل هذا النظريات ومع إحترامي لها، لكني أريد أن أقدم مقاربة إذا سمحتم لأن أسميها مقاربة على الطريقة اللبنانية لهذا الأزمات.
وقال: الطريقة اللبنانية في مقاربة الأزمات ناتجة عن كون لبنان واللبنانيين مروا بكل هذا الأزمات والتجارب والمصاعب قبل كل المنطقة بحوالي 30 سنة وكما يقول المثل “أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة”.
أضاف: نحن في لبنان عرفنا كل المصائب: الحروب الداخلية، الميليشيات والتدخلات الخارجية، الإحتلال، الوصاية، الدمار والتهجير وكل الفظائع وفي النهاية إكتشفنا أمرين: ليس لنا سوى بعضنا البعض وقدرنا أن نعيش سوياً وإعادة إعمار بلدنا.
وتابع، أن في النهاية، من سوريا إلى العراق إلى ليبيا واليمن سيصلون إلى نفس النتيجة وسيعيشون مجدداً مع بعضهم البعض، ويعيدون إعمار بلادهم عاجلاً أم آجلاً وأعتقد أنه إذا إحتسبنا مجموع ورش إعادة الإعمار فقط في هذه البلدان العربية الأربعة نصل لقيمة إجمالية مئات آلاف مليارات الدولارات.
أضاف: هناك ملاحظتان أساسيتان، أولاً إن حجم ورش الإعمار المطلوبة في العالم العربي يفرض عليكم مزيداً من الإنفتاح والتعاون بين كل القطاعات المصرفية العربية وبين المصارف العربية في كل الدول، والملاحظة الثانية، إن حجم هذه الورش الإعمارية يتطلب منا جميعاً أن ننخرط في التوجه العالمي نحو تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص. نحن في لبنان واعون لأهمية هذا الوضع ونعمل لإنجاز قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتابع: إنكم تعلمون أن القطاع المصرفي اللبناني كان دائماً الرافعة الأساسية والمساند الأول للإقتصاد اللبناني في أًصعب الظروف وشكل عامل ثقة لطمئنة جميع اللبنانيين.
وهنا أريد أن أوجه تحية خاصة لمصرف لبنان وللحاكم رياض سلامة ولكل القيادات المصرفية اللبنانية اللذين واجهوا بكل كفاءة التحديات المحلية ويعززون اليوم الثقة بلبنان بفضل إلتزامهم بالقواعد والقوانيين الدولية التي نؤكد اليوم مجدداً حرصنا على تطبيقها للبقاء ضمن المنظومة المصرفية العالمية وبالتالي ضمن الإقتصاد العالمي.
وختم: أملنا أن تبدأوا بوضع خارطة طريق لورش الإعمار العربية، أولاً مشاركتكم بتمويلها وثانياً بالتعاون المطلوب بين المصارف العربية وثالثاً وأخيراً وليس آخراً، للشراكة بينكم وبين القطاع العام في العالم العربي.