أطلق نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحّة العامة المهندس غسان حاصباني “استراتيجية قطاع الصحة” الجديدة في لبنان، وذلك خلال رعايته افتتاح “ملتقى بيروت الدولي للصناعة الصحية” الذي تتشارك في تنظيمه وزارة الصحة العامة ومجموعة الاقتصاد والأعمال، في فندق فينسيا بيروت.
حضر جلسة الافتتاح أكثر من 500 مشارك يتقدمهم وزير الثقافة غطاس خوري ورئيس اللجنة الصحية البرلمانية النائب عاطف مجدلاني والنائب جوزف معلوف والأمين العام الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية د. محمود فكري وممثّل البنك الدولي بيتر بيتس وعدد من السفراء، إضافة إلى رؤساء نقابات الجسم الطبي وهي المستشفيات والأطباء والصيادلة والمختبرات ومصانع الأدوية. كما شارك في الافتتاح حشد من أصحاب الشركات العاملة في لبنان في القطاع الصحي والتأميني والجامعي.
حاصباني
وفي كلمته في الجلسة الافتتاجية أكد وزير الصحة العامة غسان حاصباني على أهمية اختيار موعد انعقاد الملتقى وذلك كما قال لسببين، الأول هو أن لبنان وبرغم كل التجارب الصعبة التي مرّ، ويمرّ فيها، حافظ على مستوى متقدم في قطاع الصحة على المستويين الإقليمي والدولي. أما السبب الثاني، فهو أننا أردنا أن نُطلق عملية تفاعل إيجابية بين جناحي قطاع الصحة وهما الجانب الاستثماري – الاقتصادي والجانب الطبي بكلّ تفرّعاته وميادينه ابتداءً من المستشفيات والأطباء وشركات الأدوية مروراً بشركات التكنولوجيا وصولا إلى شركات الطب الحديث والنقابات والاتحادات والمؤسسات. وأضاف أنه أردنا أن نوفّر لكم جميعا منصّة طبية دولية تتيح الاطلاع على مستقبل قطاع الصحة العالمي وتسليط الضوء على مدى تقدّم خدمات الصحة في لبنان وسياسات الوزارة ومدى جاذبية القطاع للاستثمارات المحلية والدولية.
وإذ شدّد الوزير حاصباني على قوة لبنان المستمدة من أبنائه، أكّد فخر لبنان كذلك بعلاقاته الدولية ويراهن عليها للمحافظة لا على صحّة المواطنين واللاجئين فحسب، بل أيضا على قدراته التنافسية الدولية ضمن خارطة الاقتصادات العالمية. وبيننا اليوم في هذا الملتقى، أصدقاء حقيقيون يمثّلون أبرز منظمات ومؤسسات المجتمع الدولي، ونحن فخورون بصداقاتهم مع لبنان. ونحن نتطلع إلى مواصلة وقوف منظمات ومؤسسات المجتمع الدولي إلى جانبنا كما هي الحال مع منظمة الصحة العالمية، وكذلك كافة المنظمات والدول المانحة والداعمة للبنان.
وأضاف حاصباني أنه على الرغم من صغر مساحة لبنان، وكونه خارجاً من حروب واحتلالات، والداخل في أزمة نازحين لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لها، والواقع تحت ضغوط متزايدة محليّة وإقليمية، استطاع بفضل مؤسساته الصحّية ومهارات أبنائه من الأطباء والخبراء والمتخصصين أن يحافظ على مرتبة متقدمة على المستوى العربي في الخدمات الصحّية، حيث أنه الرقم واحد عربيا ويحتل عن جدارة المركز الأول كما يحتل مرتبة متقدمة عالميا. هذا مع العلم أن لبنان لا يزال يرفد أكثر بلدان العالم تقدما في المجال الطبي بأشهر الأطباء والبحّاثة والمخترعين والمبتكرين ورواد الأعمال.
ونوّه وزير الصحة العامة بقدرات لبنان الكافية لاستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية في هذه الصناعة، بما في ذلك المجال الاستشفائي وصناعة الأدوية والسياحة الاستشفائية وغيرها من المجالات، مؤكداً التطلع إلى مواصلة دورنا الريادي إقليميا، من خلال تدعيم اقتصادنا الحرّ الذي يشجّع الاستثمار، ويؤمّن حماية الملكية الفردية بقوة الدستور، ويستند إلى منظومة استثنائية من المهارات الطبية والعلمية والتكنولوجية والشباب والشابات من أصحاب الأفكار والمشاريع الريادية. والأهم، ذكّر حاصباني أننا مصمّمون على تعزيز الشفافية وبناء مؤسسات رسمية وخاصة قوية وعلى مستويات عالية من الاحترافية والمهنية، وتطوير قوانين جديدة كفيلة بتعزيز الثقة وخلق المناخ الملائم للاستثمار في القطاع الصحي، واعداً بمواصلة ورشة تطوير القوانين والقرارات التنظيمية والمراسيم التطبيقية بالتعاون مع السلطة التشريعية، ليكون هذا القطاع دائما على أهبة الاستعداد لمواكبة التطورات الاقتصادية.
وأثنى حاصباني كذلك على الموارد التي ميّزتنا منذ الاستقلال وما زالت هي الأساس في قوة اقتصادنا، وهي ليست موارد طبيعية بل موارد بشرية تستند إلى المهارات في كافة الميادين وإلى أطباء لامعين في لبنان والعالم، وإلى رجال أعمال ناجحين ومندفعين خلف أحلامهم. وعلى الرغم من تواضع قدرات الدولة، إلا أن القطاع الخاص برهن عن تميّزه من خلال نجاح المراكز الاستشفائية والصناعة الدوائية وباقي المجالات.
وتابع قائلاً إن لبنان تجربة فريدة من نوعها في هذا العالم الغارق في الأزمات والحروب والانقسامات إنه رسالة فريدة وتجربة نموذجية أيضا لدول كثيرة تعاني اليوم من التطرف والعنف والانقسامات وتعصف بها الحروب. لبنان شهادة حيّة على أنه حتى المنتصر في الحرب مهزوم، ولا بديل عن احترام الآخر والاحتكام الى القانون والمؤسسات لبناء الأوطان.
وختم مشيراً إلى أننا على مشارف ثورة اقتصادية رابعة تُعيد صياغة معالم الحضارة الإنسانية بعد الثورتين الصناعيتين والثورة الرقمية والصناعة الصحية ستكون في صميم هذه الثورة. وثمة مقدمات لبزوغ فجر هذه الثورة الرابعة في المجال الطبي، ومن أوجهها تطورات علم الجينوم والنانو والتكنولوجيا البيولوجية المُدمجة بالتكنولوجيا الرقمية والاتصالات السريعة إضافة الى الطباعة الثلاثية الأبعاد. وهذه كلها ستُحدث تطورا في الصناعة الصحية خلال السنوات الأربعين المقبلة، يوازي كل التطورات التي حدثت خلال الأعوام الأربعمئة الماضية. وأضاف أنه من الواضح أن الطب عن بُعد، وطباعة الأنسجة والمراقبة الالكترونية المعتمدة على الاتصالات النقالة وغيرها من التطبيقات تجعل الطب اقرب من المريض أكثر من أي يوم مضى، وستمكننا من توفير فرصة لإطالة عمر الإنسان ورعاية صحته وزيادة إنتاجيته في المجتمع والاقتصاد. ولبنان يواكب هذه الثورة بخطى ثابتة، إذ أنه من أوائل البلدان التي تتلقف التكنولوجيا الطبية وتسخّر فوائدها لمصلحة الإنسان.
وأعلن الوزير حاصباني عن إطلاق “استراتيجية قطاع الصحة” الجديدة في لبنان التي ستساهم بتأمين التغطية الاستشفائية الشاملة، وتوفير كلفة الاستشفاء على المواطن والدولة في آن معا، وتأمين فرص استثمار كبيرة تجعل من لبنان نموذجا للتنمية الصحية يُحتذى به، ومصدر فخر لنا جميعا وللمنظمات الدولية التي تدعمه.
فكري
من جهته، بدأ المدير الإقليمي لمكتب الشرق الأوسط لدى منظمة الصحية العالمية د. محمود فكري كلمته بالحديث عن حجم الإنفاق على الأدوية والأجهزة الطبية وغيرها من التكنولوجيات الصحية والذي يتراوح ما بين 20 و60 في المئة من ميزانيات الصحة خاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في إقليم شرق المتوسط. وقال إن الحصول على التكنولوجيات الصحية المضمونة الجودة والمأمونة والفعالة لا يزال تحدياً كبيراً لا بد من التصدي له. لما لذلك من أثر مباشر على قدرة البلدان على تحقيق التغطية الصحية الشاملة والغايات المتعلقة بالصحة في أهداف التنمية المستدامة وسعياً إلى تحسين إمكانية الوصول إلى هذه الموارد القيّمة. فإن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط يتبنى إستراتيجية في هذا السياق تقوم على أربعة محاور: الأول تعزيز القدرات الوطنية وهذا أمر بالغ الأهمية لتقدير الاحتياجات من التكنولوجيات الصحية بشكل ملائم وتحديد أولوياتها على النحو الذي يكفل إتاحة التكنولوجيات الأساسية للجمهور، والثاني ضمان تمخّض التكنولوجيات الصحية من أكبر قدر ممكن من الفوائد الصحية العامة وبتكاليف ميسورة. والمحور الثالث تشجيع التكنولوجيات الصحية السليمة علمياً والتي تتواءم مع الاحتياجات المحلية، وتحظى بالقبول لدى كل من المرضى والعاملين الصحيين والتي يمكن الاستفادة منها والاحتفاظ بها باستخدام موارد ميسورة التكلفة. والرابع تعزيز المهام التنظيمية المتعلّقة بالمنتجات الطبية وذلك بإخضاع أصحاب المصلحة للمساءلة عن ضمان مأمونية تلك المنتجات وجودتها وفعاليتها.
وأضاف فكري مشيراً إلى التشابه ما بين المحاور الأربعة والأهداف المنشودة للملتقى لافتاً إلى أن الفرصة سانحة أمام جميع الخبراء هنا للتعرّف على مختلف الأفكار التي يمكن أن تسهم في تعزيز الجهود التي نبذلها على الصعيد الإقليمي، إذ إنكم تمثّلون الأطراف الفاعلة الرئيسية في تحديد ما يستطيع الإقليم تحقيقه من إنجازات في هذا السياق والسبل الممكنة لتحقيقها مع الأخذ في الاعتبار القيود التي قد تحول دون ذلك.
وأكد فكري إن القطاع الصحي آخذ في النمو والمساهمة في توسيع فرص الوصول إلى التكنولوجيات الصحية وهذا القطاع لا يعمل فقط على تحسين إتاحة المنتجات الطبية الأساسية ولكنه يساعد أيضاً من خلال إجراء البحوث على فهم السبل المتاحة لخلق بيئة ملائمة من شأنها أن تنقل فوائد الابتكارات والتكنولوجيات حتى تستفيد منها أشد الفئات ضعفاً وحرماناً. وهنا يمكن لهذا الملتقى أن يساعد على دراسة التحديات الماثلة أمام هذا القطاع وإمكانية التغلّب عليها لتحقيق نتائج مجدية وذات مغزى للنظم الصحية. كما يوفر منبراً لأصحاب المصلحة للانخراط في نقاشات مثمرة حول موضوعات مشتركة وذات أهمية مثل الحوكمة والسياسات وتحديث خدمات الرعاية الصحية، والتمويل الصحي وخطط التأمين الصحي والابتكار في الرعاية الصحية والإنتاج المحلي ونقل التكنولوجيا وهذا يعتمد على مدى استعداد دول الإقليم لتبني تلك التكنولوجيات وتطبيقاتها في الممارسات التقنية في المنطقة.
وذكّر بجهود الحكومات اليوم لتحسين فرص حصول السكان على الرعاية الصحية اللائقة حيث أصبحت فيه التغطية الصحية الشاملة غاية رسمية على الصعيد العالمي يتعين تحقيقها بحلول عام 2030، فقد باتت الشراكة القائمة على الشفافية والمساءلة بين الحكومات وقطاع المنتجات الصحية أمراً بالغ الأهمية.
وأكد يقينه خروج هذا الملتقى بتوجيهات واضحة من شأنها النهوض بالتكنولوجيات الصحية في لبنان وسائر بلدان الإقليم. آملاً أن تنتهي النقاشات والمداولات إلى خارطة صحية واضحة السبل والتي يمكن أن يسلكها لبنان ليصبح بلداً رائداً على مستوى الإقليم في هذا القطاع.
أبوزكي
وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبوزكي قد تحدث في مستهل الجلسة فقال إن هذا المُلتقى يمتاز بمستواه المتقدّم حيث تمّ تنظيمه بحرفية ومهنيّة علمية وتقنيّة وذلك بفضل التعاون المثمر والفعّال بين وزارة الصحة ومجموعة “الاقتصاد والأعمال”. وتوجّه بالشكر والامتنان إلى دولة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المهندس غسان حاصباني الذي أثبت، تابع أبوزكي، وخلال أشهر قليلة أنه رجل قيادة ورجل إدارة ورجل سياسة. وقد باتت له وخلال فترة قصيرة، بصمات وإنجازات في مجالات عديدة وأولها الشأن الصحّي.
وأضاف أبوزكي أن لبنان تمكّن رغم الأزمات من المحافظة على قوة وحداثة القطاع الصحّي، وما زال بحق يشكل “مرجعية طبّية” في المنطقة بفضل العنصر البشري المتمثل في الطبيب والصيدلي والممرض وأصحاب الاختصاصات المكمّلة، وهذه الطاقات اللبنانية تنتشر في بلدان العالم وفي كبريات المستشفيات والمراكز الصحّية. ولا شك أن لبنان مؤهّل لأن يكون مركز الرعاية الصحّية الأوّل في المنطقة، ومركزاً للأبحاث الطبية وحاضنة للعلماء وأشهر الأطباء والشركات سواء في الطبابة الجراحية أو في الأجهزة أو في الخدمات التكنولوجية والمعلوماتية.
ولفت إلى أن الإستراتيجية الصحّية المتكاملة التي أعدّها دولة الرئيس حاصباني تأتي لتظهر مثل هذه القدرات والمزايا نظراً إلى شموليتها مختلف الحلقات والمكوّنات المُترابطة للجسم الطبّي لكن هذه الخطة تتطلّب جهداً كبيراً على مستوى الوطن من خلال تحسين مناخ الأعمال وجذب الإستثمارات المحلية والخارجية، في ظلّ إستقرار سياسي وأمني.
وأشار إلى أن هذا المُلتقى الذي نأمل وبتعاون وزارة الصحة العامة أن يُصبح حدثاً دورياً، هو حلقة في سلسلة من المؤتمرات والمُلتقيات التي تنظّمها مجموعة “الاقتصاد والأعمال” في لبنان والخارج والتي تجاوزت الـ 300 مؤتمر في 30 دولة.
وفي ختام جلسة الافتتاح كرّمت مجموعة الاقتصاد والأعمال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة غسان حاصباني لجهوده وعطاءاته للنهوض بالقطاع الصحي.