اختتم مؤتمر الطاقة الوطنية اللبنانية بعنوان “تحريك عجلة الاقتصاد”، والذي افتتحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أعماله بسلسلة توصيات تلاها المستشار الاقتصادي الدكتور شربل قرداحي، وجاء فيها:
“أعلن التيار الوطني الحر، في 13 تموز الماضي عن خطته الاقتصادية للمرحلة المقبلة وعن رؤيته المتوسطة المدى على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وقد جاء الإعلان في سياق حلقة متواصلة من الاهتمام بالواقعين الاقتصادي والمعيشي، بدءا من وثيقة بعبدا التي أولت الشأن الاجتماعي حيزا مهما، مرورا بمؤتمر الشركات المتوسطة والصغرى الذي نظمته وزارة الاقتصاد والتجارة، وصولا اليوم إلى مؤتمر الطاقة الوطنية اللبنانية الهادف إلى تحريك عجلة الاقتصاد.
لحظت الورقة إجراءات قصيرة الأمد تساعد على تحريك الاقتصاد الوطني والدفع باتجاه الخروج من الانكماش الذي يضرب معظم القطاعات، مع تركيزها على الاقتصاد الحقيقي وعلى إحداث قفزة نوعية في النمو، تسمح للاقتصاد اللبناني بأن يتحول تدريجيا من اقتصاد يقوم على جذب الودائع بشكل مستمر لتمويل العجز المتراكم في الميزان التجاري والحساب الجاري والمالية العامة- مع ما يترافق مع هذه الاختلالات من مخاطر مالية وهجرة لليد العاملة الماهرة وتراجع في الإنتاج وارتفاع في الدين العام والخاص- إلى اقتصاد منتج للسلع وللخدمات الذكية وللتبادلات المفتوحة بعيدا من الاحتكارات، بما يؤدي الى ما يلي:
أولا، خلق فرص عمل مستدامة لليد العاملة الماهرة، ثانيا، خفض العجز التجاري (Trade Deficit) وعجز الحساب الجاري (Current Account Deficit)، ثالثا، تشجيع الابتكار والاستثمارات المنتجة التي لا تقود إلى الفقاعات (Bubbles)، رابعا، خفض الدين العام ورفع القدرة الائتمانية (Solvency) للحكومة وللقطاع الخاص، خامسا، لعب دور محوري في الاقتصاد الإقليمي، سواء مع الدول العربية أو مع الشركاء الأوروبيين في الضفة المقابلة من المتوسط.
لدى الاعداد للورقة الاقتصادية، وضع فريق العمل نصب عينيه ضرورة تطوير بيئة الاعمال وتحفيز النمو المستدام (من ضمن أهداف تتضمن تشجيع الاستثمار، وتأمين بيئة تنافسية لا يطغى عليها الاحتكار، ورفع المستوى العلمي، وتفعيل دور المرأة، وتطوير المناطق النائية وتلك البعيدة عن العاصمة وتجهيزها بالبنى التحتية اللازمة). من هنا نشأت فكرة عقد هذا المؤتمر، الذي يأتي في خدمة تحقيق الأهداف أعلاه، خاصة بما يتعلق بتطوير القطاعات الاساسية التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني والتي تمكنه من خلق فرص عمل لليد العاملة الماهرة ومن خلق قيمة مضافة تسمح بتصدير المزيد من الخدمات والبضائع.
الجامع المشترك بين القطاعات التي اخترناها هو توافر عناصر تنافسية قوية، كالتكنولوجيا المعتمدة، ووسائل الانتاج والتوزيع، وديناميكية العرض والطلب، وأهمية الكادر التنظيمي والمعايير. كذلك، تتميز القطاعات التي اخترناها بتداخل الاستراتيجيات والروابط بين القطاعين العام والخاص وبالعوائد المالية والاقتصادية التي تميز كل قطاع على حدى.
ساهمت مداخلات السيدات والسادة المشاركين في الندوات في تطوير رؤيتنا الى القطاعات المختلفة، كما في ابراز عناصر القوة التي يمكن البناء عليها لتطوير القطاعات المعنية وتلك المرتبطة بها. وقد كان لكل من القطاعات الكبرى حصة في التقييم والدراسة. فقطاع الموارد الاولية والاساسية (Primary Sector) حظي باهتمام لافت. كذلك حظي القطاع الصناعي وقطاع البناء (Secondary Sector) بالانتباه. وقد حضر قطاع الخدمات (على أنواعها من خدمات مالية وتأمين ومعلوماتية واتصالات وغيرها) (Tertiary Sector) في مداخلات المشاركات والمشاركين. وحظيت الخدمات والسياحة، لا سيما السياحة الدينية والسياحة الصحية، بالاهتمام الكافي لما لهذين القطاعين من خبرات متراكمة ومن امكانيات واسعة. ولأن المستقبل يحمل بذور السلام واعادة الاعمار في سوريا، خصص المؤتمر حلقة نقاشية حول اعادة الإعمار في سوريا، حيث وضع المشاركون خبراتهم ورؤيتهم بتصرف الحاضرين.
يتمتع اقتصاد لبنان بدرجة مرتفعة من التنوع في جميع القطاعات: الزراعة والصناعة والخدمات والاقتصاد المعرفي. لكن عدم إستغلال الاصول والامكانات بشكل كامل، كما توجه الاستثمار حصرا الى قطاعات معينة، اديا الى ارتفاع الواردات (Imports) والى انخفاض الانتاج الداخلي نسبة للإستهلاك إذ ان لبنان يستورد أكثر من 50% من احتياجات أبنائه.
ومن أبرز الميزات التفاضلية للبنان حرية الوصول إلى العديد من الأسواق القريبة، شرقا وغربا. لذا، يحتاج البلد إلى اتباع استراتيجية للنمو يقودها التصدير. تتاح كذلك للمنتجين اللبنانيين الفرصة لزيادة حصتهم السوقية في السوق المحلية. فعلى الرغم من تفضيل معظم المستهلكين اللبنانيين السلع ذات الجودة العالية والاسماء التجارية المعروفة، يمكن للمنتجين اللبنانيين رفع حصتهم في السوق المحلية بشكل كبير، عبر تحسين التصاميم وعبر اعتماد معايير دولية في مختلف مراحل التصميم والانتاج.
في ما يلي أبرز التوصيات العملية:
في الصناعة والـSavoir Faire:
– البدء بانشاء 3 مدن صناعية وتلزيم الأعمال لإقامة البنى التحتية اللازمة (من ضمن تمويل خاص أو تمويل حكومي او تمويل مشترك بين القطاعين العام والخاص) مع التشديد على تأمين الكهرباء والصرف الصحي البيئي والانترنت السريع، وتأجير الاراضي للصناعيين بأسعار متدنية بهدف خفض التكلفة.
– اعداد مشروع يسمح بالبيع في تلك المدن بتقسيط طويل الأمد وفائدة منخفضة.
– اقرار سلسلة من المشاريع الاساسية (طرقات، صرف صحي وغيرها) وتأمين التمويل اللازم (رأسمال مشترك بين القطاعين العام والخاص والاغتراب)، وإدراج الاستثمار في كل من هذه المشاريع في بورصة بيروت عبر اصدار سندات أسهم للبنانيين (توظيف ذكي في الاقتصاد).
– الاستفادة من المعاهدات التجارية الموقعة مع الخارج بهدف رفع التصدير، وحصر الإستيراد من هذه الدول عندما تسمح به المعاهدات.
في السياحة الصحية:
– اعادة تشكيل الهيئة الوطنية لإنماء السياحة الصحية: نقابات الأطباء، المستشفيات، الفنادق، مكاتب السياحة والسفر وجمعية اصحاب شركات التأمين بالإضافة الى وزارات الصحة، السياحة، الداخلية، الخارجية والمغتربين، الإعلام والبيئة.
– وضع خريطة طريق واضحة بالتنسيق مع كل المعنيين والسهر على تنفيذها.
– اعتماد أنظمة رقابة وضمان جودة الخدمات بنظام اعتماد المستشفيات الخاصة Accreditation).
– تشكيل لجنة تحقيقات طبية لمراقبة النتائج وتكون خاضعة لنقابة الأطباء ووزارة الصحة.
– الطلب من المستشفيات تثبيت جدول الأسعار الخاص بكل العمليات الاستشفائية والجراحية وإظهاره (تسعيرة) مع رقابة من قبل وزارتي الاقتصاد والصحة.
– التنسيق مع الأمن العام لتسهيل دخول الحالات المرضية (تأشيرات).
– التعاون مع وزارة الخارجية لتسويق السياحة الصحية عبر سفاراتنا في الخارج.
في السياحة الدينية:
– تطوير قاعدة الارقام والاحصاءات عن قطاع السياحة من اجل معرفة دقيقة وعلمية عن اداء القطاع.
– انشاء لجنة لها طابع تنفيذي بين رئاسة الحكومة ووزارات السياحة والثقافة والاشغال وبعض الوزارات الاخرى لاختيار مواقع اثرية في شكل دوري لاسيما طريق الفينيقيين البري لتأهيلها لاستقطاب سياح من الداخل والخارج.
– لحظ مشروع السياحة الدينية من ضمن موازنة العام 2018 لاستكمال المسح الشامل للمواقع الدينية التاريخية في لبنان.
– متابعة مشروع اعادة ترميم الكنائس الذي انطلق من 33 كنيسة على ان يشمل مواقع دينية اخرى في لبنان.
– التعاون مع المشروع الجديد الذي اطلقته وزارة السياحة لتسويق السياحة الدينية من خلال مكتب تسويق لبنان في باريس.
– اطلاق وزارة السياحة ورشة عمل في العام 2018 لتحقيق السياحة الدينية.
– تأهيل شباب وشابات بالتعاون مع احدى الجامعات اللبنانية على حساب وزارة السياحة والجامعة، ليكونوا ادلاء سياحيين متخصصين بالسياحة الدينية.
– رفع مشروع من وزارة السياحة الى مجلس الوزراء لتقديم الدعم واعطاء حوافز ضريبية للمشاريع السياحية الجديدة المرتبطة بالسياحة الدينية من خلال ايدال.
– التعاون مع وزارة الخارجية لتسويق السياحة الدينية عبر سفاراتنا في الخارج.
في التأمين:
– إنشاء هيئة ناظمة تتمتع بالصلاحيات المناسبة لإلزام شركات التأمين بتقييم المخاطر وإدارتها وتحديد المتطلبات المالية التنظيمية واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق الانتعاش المالي لهذه للمؤسسات.
– إلزام شركات التأمين بمعايير رأسمالية ترتكز على تحديد دقيق للمخاطر.
– رفع الحد الأدنى لشركات التأمين.
– إعتماد قواعد خاصة بعمليات الدمج والاستحواذ.
– إدراج شركات التأمين في بورصة بيروت تماشيا مع قواعد هيئة الأسواق المالية.
– إنشاء مركز مالي (Offshore) دولي بهدف تطوير تصدير الخدمات المالية إلى المنطقة وتوسيع نطاقه أو تعديل نظام الاوفشور في أسرع وقت.
– تنظيم الأسعار وتحديد معايير تشكيل الاحتياطي كي تبقى هوامش التسعير ملائمة لحسن سير أعمال الشركات على المدى الطويل.
– الحث على الزامية التأمين في لبنان بما يخفض الفاتورة عن الدولة والمواطنين.
في المصارف:
– رفع المبلغ الأدنى لرأسمال مصارف الأعمال Share Capital من 30 مليار ليرة إلى 150 مليار ليرة، وإعادة النظر بالمادة 153 من قانون النقد والتسليف بحيث يسمح لمصارف الأعمال بزيادة حجم استثمارها في القطاعات الإنتاجية نسبة لحجم أموالها الخاصة لتصل إلى 300% من صافي أموالها الخاصة المحلية الأساسية Net Tier 1 Capital (بدلا من 100% كما هو حاليا لجميع المصارف).
– إقرار التشريعات القانونية اللازمة لحماية حقوق الأقليات Minority Interest في رساميل شركات الأموال SAL بشكل عام وفي المؤسسات المصرفية Banks وشركات التأمين وإعادة التأمين Insurance and Reinsurance Companies بشكل خاص.
– إلزام كل المصارف Banks والشركات المالية Financial Companies وكل شركات التأمين وإعادة التأمين بأن تدرج في بورصة بيروت جزءا من أسهمها لا يقل عن النصف (50%) من قيمة الرأسمال، وتشجيع شركات الأموال الأخرى SAL التي يزيد عدد العاملين فيها عن 300 عامل ومستخدم على إدراج جزء من أسهمها بما لا يقل عن الثلث في بورصة بيروت.
– توفير البيئة الاستثمارية والبنية التمويلية، مع تنويع لمنظومتها، من خلال تحفيز رؤوس الأموال المرتقب تحويلها إلى لبنان، على تنويع استثماراتها (سندات دين عمومية أو للشركات، إكتتاب بالأسهم..)، وتشجيع إنشاء صناديق نهاية الخدمة Pension Funds.
– إنجاز الإجراءات التطبيقية اللازمة للمباشرة بوضع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP الذي أقر مؤخرا موضع التنفيذ، لاسيما في مشاريع بنى تحتية ذات طابع استراتيجي (الكهرباء بما فيها الطاقة المتجددة، النفط والغاز، النقل بما فيه شبكة قطارات، المياه بما فيها السدود والصرف الصحي، وتكنولوجيا المعلومات بما فيها الاتصالات).
– دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم SMEs باتجاه أن تصبح أكثر تخصصا وذلك بالعمل على تخفيض الفوائد المدينة Debit Interest Rates والتي تزيد من كلفة إنتاجها.
– إنشاء وحدة للقروض Credit Bureau أو توسيع مفهوم سجل المعلومات عن المقترضين Credit Registry (مركزية المخاطر).
– إنشاء نظام داتا معلومات Data Base لدى مصرف لبنان على غرار ما هو معمول به في فرنسا Fichier Bancaire des Entreprises (FIBEN) وفي دول أخرى، يكون مرجعا أساسيا لتصنيف الشركات وتقدير إمكانياتها على الالتزام بتعهداتها.
– إنشاء مركز أوف شور Offshore في بيروت للمؤسسات التي تعمل خارج السوق اللبناني.
في النفط والغاز:
– التعاون بين الوزارات في سبيل تطوير استراتيجية الطاقة التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه بطريقة تحقق التآزر بين القطاعات الإنتاجية داخل الاقتصاد اللبناني، وذلك من ضمن استراتيجية إنمائية وطنية شاملة يشكل فيها قطاع الطاقة أحد العناصر المحفزة للنمو الاقتصادي.
– تشجيع صناع القرار والجامعات والمعاهد على اعداد المهارات وصقل الخبرات المتعلقة بالانشطة في أعماق البحار والمناطق غير المستكشفة، والحفر، والتنقيب.
– تشجيع منظمات المجتمع المدني على المساهمة في نقاش عام بطريقة موضوعية من أجل تعزيز مستويات الشفافية والمساءلة والحوكمة، إذ أن ملكية الموارد البترولية تعود إلى الشعب اللبناني.
في تكنولوجيا المعلومات:
– إنشاء مجلس وطني لتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديد مبادرات النمو وإطلاقها، وإلاشراف على التنفيذ، وبناء فرص التمويل، وتنظيم الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
– تنفيذ مشاريع الحكومة الإلكترونية (e-Government).
– رفع القيود التنظيمية عن قطاع الاتصالات/ ليبان تليكوم.
العمل مع وزارة التربية والتعليم والعالي (المهندسين والمحامين..) لسد فجوة التعليم إلى العمالة (Education to Employment: E2E).
– إنشاء بوابة مواهب تكنولوجيا المعلومات التي تربط اللبنانيين محليا وعالميا لتبادل الخبرات وفرص العمل.
– إنشاء 3 مراكز تقنية (في الشمال والجنوب والبقاع) تتمتع بحوافز المنطقة الحرة.
– الافادة من التعميم 331 لتطوير وتصدير تكنولوجيات الأمان (IT security) وإنشاء محطة في وادي السيليكون للشركات الناشئة وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اللبنانية للتواصل مع الشركات العالمية.
– التعاون مع الجامعات للبحث والتطوير في 4IR (الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، البيانات الكبيرة Big Data..).
في إعادة اعمار سوريا:
– تسويق لبنان كبوابة لإعادة إعمار سوريا (تتمتع شركات البناء اللبنانية بخبرة كبيرة في أنشطة الإعمار).
– جذب المستثمرين الأجانب لإنتاج مواد في لبنان لتوريد جهود إعادة الإعمار، وخاصة بالنسبة للبضائع الضخمة المكلفة للنقل من البلدان البعيدة.
– جذب الشركات العالمية للانتقال إلى لبنان واعتماده منصة للانطلاق في استثماراتها في سوريا و بلدان أخرى مجاورة”.
وختم قرداحي: “لبنان بلد صغير لديه إمكانات كبيرة للنمو. إن الفوائد الاقتصادية الناجمة عن إجراء الإصلاحات اللازمة تفوق كلفة هذه الاصلاحات. لقد آن الأوان لكي يستفيد لبنان من أصوله (Assets) ويستغل مزاياه التفاضلية (Competitive Advantages) لخلق فرص عمل جديدة، ولرفع الصادرات ولتحفيز النمو. ترسم التوصيات الصادرة عن المؤتمر، والتي سيتم متابعتها من قبل المختصين ومن قبل جمعية الطاقة الوطنية اللبنانية (LNE)، الطريق إلى خلق الآلاف من فرص العمل لليد الماهرة، وتجعل اللبنانيات واللبنانيين يحلمون بإنجازات يمكن تحقيقها، وبنية تحتية وتكنولوجية متطورة، ومناطق نائية تعج بالناس والحياة، ومعاهد وجامعات تركز على البحث العلمي وعلوم المستقبل. نشكر جميع من ساهم وحضر وشجع انعقاد هذا المؤتمر، وندعو كل المهتمين الى التواصل معنا فهذا الحدث أردناه حلقة في عملنا الوطني الهادف الى تحديث اقتصادنا وتطويره وتوسيعه، حبا بلبنان وايمانا بقدرات مواطنيه وخبرائه والمستثمرين”.