سر نجاح رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم يكمن في الإرادة وادارة الازمات وقبل كل شيء المثابرة
حاضر رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد زمكحل عن موضوع “لبنان: مختبر إقتصادي وإستثماري ريادي” في القصر البلدي في العاصمة الفرنسية باريس، بدعم من الجالية اللبنانية في فرنسا فأكد “أن العالم يتغير من حولنا، ولا يزال يتغير بسرعة فائقة في إتجاهات متعددة، وغالبا ما لا يمكن التنبؤ بالتوقعات التي باتت غير معروفة”.
وقال زمكحل: “تتغير الإقتصادات العالمية، الأوروبية، الإقليمية والعربية بسرعة، في صميم مشروع إعادة الهيكلة ومرحلة إعادة التنظيم الرئيسية. كما يتم إعادة هيكلة الشركات الخاصة اللبنانية أو غيرها من الخدمات المالية والتجارية والصناعية والتقنية والخدمات … بغية مواكبة أكبر مقدار ممكن من هذه التغيرات المتعددة التي يصعب إدارتها، من الناحيتين المالية والبشرية”.
وشرح “لم يعد بإمكاننا إدارة مجتمعاتنا واقتصاداتنا بالطريقة عينها كما كنا منذ بضع سنوات. فنقاط القوة وميزاتنا التنافسية السابقة، هي عوامل النجاح الرئيسية لدينا، لكنها لم تعد صالحة، وربما قد تصبح نقاط الضعف لدينا اليوم. ولذلك فمن الأهمية بمكان، أن يُنظر إلى خططنا وإستراتيجياتنا وأهدافنا بانتظام، بحيث تتكيف مع ظروف البيئة الإقليمية والعالمية (في خضم الاضطرابات التي نشهدها بين الفينة والأخرى) من أجل المثابرة والنمو”.
عوامل النجاح
وأوضح عوامل النجاح الرئيسية لرجل الأعمال اللبناني في العالم كالآتي:
“1- شخصيته: من الأهمية بمكان، إعطاء أهمية كبيرة لرجل الأعمال اللبناني نفسه، من خلال طابعه، معنوياته، مثابرته، تعليمه (ثقافته الأكاديمية)، وقدرته على إيجاد الفرص الضرورية والمؤاتية التي دفنها في الأزمات أو التي لم يتسن الإفصاح عنها قبلا، وقوته في التعامل مع جميع أنواع الصعوبات، ومثابرته التي لا حدود لها ولا تشوبها شائبة، وقوته الدائمة التي لا تعترف بالهزيمة، وقدرته على تقديم التضحيات المالية، والأسرية، والإجتماعية …
2- أفكاره / إبداعه: الأفكار هي من الأسس الضرورية لنجاح الشركات اللبنانية، في هذا السياق، يجب أن يكون للفكرة الإبداعية عوامل نجاح رئيسية عدة، إذ يجب على صاحب المشروع (المهني) أن يستند إليها، ولكن من الضروري أيضا إعداد العوامل الرئيسية لنجاح هذا المشروع. في هذا السياق، إن منظم الأعمال اللبناني يعرف جيدا كيفية إيجاد الأسواق، وخلق الطلب، وهو يتمتع بقدرة لا مثيل لها على الوصول إلى هذه الأسواق، وإلى هدفه، وعملائه المحددين. كذلك إن ابتكاره وإبداعه يلعبان دوراً مهماً في نجاح أفكاره.
في السياق عينه، إن صاحب المشروع، في كثير من الأحيان يؤسس شركته وفق فكرة بسيطة، فيجيب على الطلب (من قبل الزبائن) الذي يزيد له فرص نجاحه وإستمرارية شركته.
من جهة أخرى، إن رجل الأعمال اللبناني في العالم يكون دائما قادراً على تحديد رؤيته، إبداعه، إبتكاره، وقوته الإقتصادية، كما هي الحال في قطاعات الأزياء، الإعلان، التسويق، البحث، التكنولوجيا IT، الخدمات والمطاعم … بعبارة أخرى، إن رجل الأعمال اللبناني يُدرك من خلال إنفتاحه على العالم، وتجربته المتنوعة المزروعة في جميع أنحاء العالم، أن يكون صاحب الأفكار الخلاقة، فيستثمرها في معرفة متطلبات السوق وميزاتها التنافسية المتعددة.
3 – سرعة التكيف والتاقلم لقد نشأ رجل الأعمال اللبناني في العالم، ولسوء الحظ في بيئة غير مستقرة، وقد كان قادراً على نحو دائم على التكيف بسرعة مع جميع أنواع السيناريوهات الإيجابية أو السلبية. كذلك كان دائماً قادراً على تحديد الفرص التي دفنها في الأزمات. لذا كان يعتمد على نفسه، ومن دون دعم من الدولة أو غيرها، بل أمكنه سد الثغرات في البنية التحتية:
في هذا السياق، بعدما تم قطع الكهرباء، إستطاع أن يستبدلها بمولدات الطاقة الخاصة، وإستعاض عن مياه الدولة المياه بحفر خزانات المياه الخاصة. ولما قُطعت الإتصالات السلكية واللاسلكية، إستثمرت في الأقمار الصناعية الخاصة، ممهداً (معبدا) الطرق حول منزله ومن أمام الأعمال التجارية التي يمتلكها. كذلك حتى يمكن القول أن رجل الأعمال اللبناني يعمل على إيجاد حل لمشكلة القمامة كي لا تعوق أعماله. لذا فإن هذه السرعة في التكيف والتاقلم مع الأحداث، والمثابرة، هي فطرية أي في صلب شخصية رجل الأعمال اللبناني، وتُعتبر ربما ميزة تنافسية كبيرة تفسر نجاحه دوليا.
4 – إتصالاته وتواصله: إن أحد معايير النجاحات العالمية يستند إلى عامل “الاتصالات والتواصل”. فمن هو أفضل من رجل الأعمال اللبناني الذي يعرف كيفية التوفيق بين هذين العاملين، وهما جزء من ثقافته وطابعه. فاللبنانيون عموماً، يتحدثون اللغات الثلاث الأكثر إنتشار في العالم وهي: الفرنسية والإنكليزية والعربية، ويفهمومنه في العديد من البلدان وفي جميع القارات. ويمكن للبنانيين العثور على الأصدقاء والمعارف في كل ركن من أركان العالم من دون إستثناءات … الأمر الذي يجعله في كثير من الأحيان لا يُقهر ولا يُهزم.
إستراتيجية رجل الأعمال الإنمائية
لسوء الحظ، إذا لم نتطور، لن نتقدم إلى الأمام … بل نعود إلى الوراء. فمن الأهمية بمكان في سبيل تطوير المنتجات والأسواق والبلدان والقارات، وأساليب العمل والإنتاج والمنافسة …أن نبقى على قيد الحياة ونستمر في النمو. فإذا أخذنا هذه المعايير المركزية وعملنا على تكييفها مع مفاهيم رجال الأعمال اللبنانيين في العالم، سنفهم بسهولة أكبر معنى نجاح هؤلاء في عالم الأعمال.
فالتنمية ضرورة وليس اختياراً لرجل الأعمال اللبناني في العالم. صحيح أنه يخلق، يختبر، يبدأ عملياته في لبنان … ولكن بسرعة جدا يُدرك أن الناتج المحلي الإجمالي (في لبنان) لا يزيد عن 50 مليار دولار، فيما يبلغ عدد سكانه نحو 4 ملايين شخص، ولا يمكن أن تنمو سوقه المحلية بسهولة (ولا سيما في ظل الظروف المتقلبة التي يشهدها لبنان). لذا فإن تصدير بضائعه ومنتجاته ومعرفته هو غريزي (يعيش هذا المفهوم مع اللبناني منذ نشأته على وجه الأرض) وسرعان ما يصبح ضرورة، بمجرد أن يشعر بالضيق في سوقه المحلية ….
الضعف: الفردية والانانية
صحيح أن صاحب المشروع اللبناني يتمتع بمزايا عديدة سبق ذكرها، لكن لا يمكننا تجاهل بعض نقاط الضعف هذه. والأهم من ذلك هو شخصيته الفردية والانانية، التي يمكن أن تضر به في كثير من الأحيان، ويجب علينا أن نتعلم العمل في مجموعات وكفريق مندمج، وخلق التآزر الإنتاجي، والتحالفات الإستراتيجية، لأن هذا سيكون بمثابة نقطة إنطلاق، والسماح لتطوير أكثر من ذلك بكثير، معا وليس بشكل فردي فقط.
الإقتصاد اللبناني متخصص وليس جماهيريا
إن اقتصادنا اللبناني ينبغي النظر إليه على أنه إقتصاد متخصص حيال جودته، وخلق الأفكار، والمنتجات المبتكرة، والمفهوم، والعلامة التجارية … والتي تشكل نقاط القوة التي يجب أن نعتمد عليها. في هذا السياق يجب اعتبار لبنان اليوم “مختبرا” إقتصاديا وتجاريا وصناعيا وخدماتيا حيث يستطيع رجل الأعمال اللبناني أن يخلق الأفكار والمفاهيم والمنتجات والعلامات التجارية وطرق الإدارة و”المختبر”. وفي الوقت عينه لدينا الخبرات الكافية لمواجهة أسواق كبيرة … ونشكل أرضاً خصبة، بحيث نخلق، ونبتكر، ونعمل على تدريب الموارد البشرية لدينا بغية تصدير معرفتنا، وأفكارنا ومنتجاتنا وشركاتنا … إلى جميع أنحاء المنطقة وخصوصاً نحو الأسواق المحتملة الكبيرة، ونحو القارات السريعة النمو مثل الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية ……
لبنان يمكن أن يُنظر إليه على أنه سوق صغيرة من 4 ملايين شخص (لدينا مليونا لاجئ سوري) لكن في رأيي المتواضع، أن ذلك يُمكن أن يُنظر إليه من باب القوة لا الضعف، إذ يجب أن يُعتبر لبنان بوابة مميزة لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها وحتى أفريقيا. فلبنان، يُمثل مسيرة إقتصادية غنية حيال الطلب المتزايد باطراد، وزيادة القوة الشرائية. ليس سرا، ولكن حقيقة أن معظم الشركات الخاصة المحلية لدينا تعمل وتنمو وتستمر من خلال فروعها الإقليمية والدولية.
على الصعيد الإقليمي، صحيح أن الصراع الإقليمي العربي نراه لا يزال مستمراً، فيما تداعيات الحرب في سوريا لا تزال تؤثر على بلدنا، وإقتصاده، وعلى التوازن الإجتماعي فيه، وعلى أمنه على نحو كبير… لكن يجب علينا أن نأخذ في الإعتبار أن كلفة إعادة إعمار سوريا، قد تجاوزت 500 مليار دولار، وهي سوف تمر عبر لبنان. فعندما ترفرف حمائم السلام في الربوع السورية، ستكون مشاريع الإعمار في طريقها إلى هذا البلد المدمر، فيكون أول الفائزين (من أصحاب المشاريع الإعمارية لسوريا) من يحمل غصن الزيتون في يد، ومجرفة إعادة البناء في اليد الأخرى. ولا بد من الوصول إلى هذا المشروع الإعماري الكبير في أقرب وقت.
إستراتيجية لبنانية ثلاثية الابعاد
بناء على ما تقدم ينبغي على قادة الأعمال في جميع البلدان التركيز على تطبيق إستراتيجية “ثلاثي الأبعاد”: التنويع والتطوير والتوظيف الابتكاري:
– التنويع: في سبيل خلق وإقتراح منتجات جديدة، خدمات جديدة والوصول إلى أسواق مختلفة وعملاء مختلفين.
– التطوير: التحرك نحو أسواق جديدة، قارات مختلفة، بلدان، مناطق عديدة …
– التوظيف الابتكاري الموارد البشرية الكفوءة: جزء من مسؤولية عملنا هي الموارد البشرية المؤهلة، ذات الخبرات المتخصصة، بحيث يمكن تصديرها إلى جميع أنحاء العالم.
من الأهمية بمكان إقامة شراكات متميزة مع قادة الأعمال اللبنانيين في العالم، وخلق تآزر منتج لتطبيق إستراتيجيات إنمائية جديدة. وعلينا أن نتبادل معرفتنا وخبراتنا ومنتجاتنا وخدماتنا بحيث يمكن لكل واحد منا أن ينوع أنشطته بشكل مستقل أو مشترك من خلال نظام للتحالف الإستراتيجي على المدى القصير، المتوسط والطويل.
من جهة أخرى، نحتاج إلى زملائنا الدوليين (رجال الأعمال) بأن يطوروا أعمالهم نحو أسواق جديدة، وهم بالتأكيد بحاجة إلى التوسع نحو الأسواق الشرق اوسطية والافريقية
في هذا السياق، نحتاج إلى بعضنا البعض (في كل العالم) كي ننطلق معا نحو الأسواق المتنامية: أميركا، أفريقيا وآسيا. علماً أن لدينا خبرة فائقة منذ أجيال عدة ونسير قدما في هذا الشأن منذ فترة طويلة. كذلك إن مواردنا البشرية، وأيدينا العاملة المؤهلة وذات خبرات عالية يجب أن تتواصل من أجل تبادل المعلومات، والإستفادة من التكنولوجيا المتطورة، بغية توظيفها (من قبل الجانبين اللبناني والدولي) في العمل النخبوي الذي نسعى إليه.
موقفنا من الأزمة العربية
إن قادة الأعمال اللبنانيين في العالم في العالم كانوا دائما وسيظلون بعيدين عن التوترات السياسية الداخلية أو الإقليمية أو الدولية. وتتمثل أهدافهم (كرجال الأعمال اللبنانيين في العالم) الرئيسية أساسا في النمو، وتنمية الأعمال، والموارد، والإبداع، والتركيز على ريادة الأعمال، والإستثمار، وخلق أفكار جديدة، وتعزيز التجارة مع البلدان والشعوب الأخرى.
كذلك تركز إستراتيجية رجال الأعمال اللبنانيين أيضا على بناء أوجه التآزر الإنتاجية والتعاون الفعال مع الشركات الأخرى، بعيداً عن الصراع، والحروب الساخنة أو الباردة، والضغوط السياسية على أنواعها. علماً أن أساس علاقاتنا مع البلدان الأخرى في العالم يبقى دائما اقتصاديا وتجاريا، وهو مبني على تشجيع الإستثمار والتبادل الثنائي، والتنسيق الناجح.
ونشدد على أن قادة الأعمال اللبنانيين في العالم تركوا وطنهم لغرض وحيد هو تحسين ظروف معيشتهم، وزيادة دخلهم، بحثا عن مستقبل أفضل وأكثر أمنا لعائلاتهم، بعيدا عن أي اعتبارات دينية أو طائفية أو سياسية. وعملوا بجد لإيجاد مكانتهم ومكانهم في الإقتصادات الصعبة، والإندماج في البلدان المضيفة، في ظل إحترام قوانينها وقيمها وآدابها.
وقد أندمج رجال الأعمال اللبنانيين في البلدان المضيفة وإستثمروا في الشركات التي اسسوها في هذه البلدان، وعملوا بجد من أجل نمو هذه الشركات، ومن أجل التنمية الشاملة لإقتصادات البلدان المضيفة. ونحن فخورون بإنجازاتهم ومساهماتهم في الإقتصادات المحلية والإقليمية والدولية. وينبغي ألا تكون هذه الإيجابية اللبنانية بأي حال من الأحوال بمثابة عنصر مساومة أو أداة ضغط لأغراض سياسية، بل على العكس، يجب إعتبارها حمائم السلام التي تحوم فوق المدن (في العالم) التي تُبنى بجهود المستثمرين اللبنانيين اسوة بأصحاب الأرض.
لقد قام رجال الأعمال اللبنانيين في العالم ببناء جسور بين البلدان والحضارات والقارات. لا يمكن لأحد أن يدمر ما لديه من عقود من السنوات للبناء … يمكننا الاعتماد بثقة على هؤلاء باستمرار لإعادة بناء جسور التواصل الشفافة، مما يتيح لهم مهمة وقف النزف الناجم عن السياسات، وإزالة الجراح وفض النزاعات والحروب، ولا سيما تحويل الكراهية بين الأشقاء والصراعات العميقة إلى صداقات صادقة وشراكات مثمرة.
في المحصلة
وختم زمكحل قائلا: “فرنسا هي البلد الصديق والنبيل الذي إحتضن اللبنانيين في قلب محنتهم قخفف عنهم أزماتهم وساعدهم في سنوات الحرب الماضية، وهو لا يزال يقوم بهذا الدور النبيل في كل مرة يتعرض فيها لبنان للمخاطر. في هذا السياق، إن لبنان الذي صدر الأبجدية الى انحاء العالم، كما صدر الاخشاب، يواصل تصدير أفضل موارده البشرية إلى كل الأرض، وحان الوقت لبناء اقتصادنا وخلق أفكارنا وإبداعاتنا خارج حدودنا.
وأضاف: “إختتم بالقول بصوت عال وواضح أن قادة (رجال) الأعمال اللبنانيين معروفون في العالم لأنهم الأسرع في تجاوز المعوقات، وقادرون على التكيف والتطور في مواجهة جميع أنواع السيناريوهات. صحيح أن عملية بناء الاقتصاد مؤلمة هذه المرة، لكننا واثقون اننا سوف تكون قادرين على أن تثبت مرة أخرى للعالم مرونة لا تضاهى وخصوصا ان لدينا هبة من السماء هي معرفة كيفية إغتنام الفرص في ظل الأزمات والتعلم من تجاربنا الشخصية.
لبنان بالتأكيد بلد صغير، ولكنه يتعامل مع البلدان العظيمة، فبلدنا هو البلد الذي أتيحت له الفرصة العظيمة في التعامل مع العظماء في ظل اليد الإلهية التي تحمينا. إن بلدنا رسالة، أرض مباركة، لن نتركها رغم المخاطر والصعوبات. فسر النجاح يكمن في الإرادة وادارة الازمات وقبل كل شيء المثابرة!”.