بقلم: المهندس جورج شبلي
تُعد البحوث الإجتماعية والسلوكية أمراً حاسماً لضمان الإستدامة البيئية وتحسين بيئات المعيشة البشرية. ولوضع المقال التالي ضمن منظور أوسع، أولا،ً سنعطي لمحة عامة حول التطورات العالمية حول جودة البيئة واتجاهات استخدام الموارد. ثانيا، سنتحدث عن القوى الدافعة العامة للتغير البيئي العالمي والتي ستتم معالجتها في ضوء التحولات الحرجة في تطور المجتمع البشري. ثالثا، سنصف في مقدمتنا موضوعات هذه القضية المحددة للبحث ودعم السياسات المتعلقة بالاستدامة البيئية على مستويات مختلفة مستوحاة من نهج نموذجي. أخيرا، سنناقش ضرورة التعاون المتعدد التخصصات والتطورات المرغوب فيها في علم النفس البيئي.
تعتبر الاستدامة البيئية قضية أساسية بالنسبة للمجتمعات البشرية في جميع أنحاء العالم في القرن الحادي والعشرين. وتحتاج جميع البلدان- على المدى القصير والطويل – إلى تأمين نوعية كافية من الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية وتنوع الأنواع النباتية والحيوانية، بما في ذلك البيئة المعيشية البشرية. ومنذ عام 1987، استُخدم مصطلح “التنمية المستدامة” للدلالة على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لبقائنا في المستقبل. في هذا المقال، سنركز على الاستدامة البيئية وعلاقتها بنوعية الحياة البشرية. سنركز على الصفات الإيجابية والسلبية لبيئات المعيشة البشرية بما في ذلك ما تقدمه الطبيعة للناس وماذا تفعل بهم وماذا يفعل الناس بالطبيعة وكيف يمكن تغيير هذا من أجل الصالح العام.
في العلوم الاجتماعية والسلوكية، كانت مواضيع تدهور البيئة ورفاهية الإنسان والسلوك البيئي مواضيع بحثية لعدة عقود مما أدى إلى إصدار المجلات مثل الاقتصاد البيئي Ecological Economics والبيئة والسلوك Environment and Behavior وأبحاث البيئة الإيكولوجية Human Ecology Review ومجلة علم النفس البيئي Journal of Environmental Psychology. وفي الآونة الأخيرة، تم توسيع علم النفس البيئي ليشمل مشاكل الاستدامة.
الاستدامة البيئية كمشكلة بالنسبة للمجتمع البشري
وفيما يتعلق بالاستدامة البيئية، يحتاج الباحثون الاجتماعيون والسلوكيون إلى فهم الحالة المتعلقة بالمشاكل المادية المختلفة والتطورات المتوقعة في استخدام الموارد البيئية. على الرغم من أن العديد من القراء قد يكونون على دراية بمجموعة من الأضرار والمخاطر البيئية، قد يكون من المفيد النظر إلى الصورة الحالية. الأخبار ليست كلها سيئة. يقدم هذا القسم نظرة عامة.
حالة الشؤون البيئية
وبعد 30 عاما من صنع السياسات البيئية، تم حل العديد من حالات التلوث الخطير. تم حظر الرصاص من وقود السيارات ومادة DDT (dichloro-diphenyl-trichloroethane) من المبيدات والأسبستوس من مواد البناء. اليوم، تتم معالجة النفايات السامة بقدر أكبر من العناية وقد تحسنت السلامة الصناعية بشكل كبير وأصبحت محطات الطاقة الكهربائية أكثر نظافة كما يتم استخدام الطاقة والمواد بكفاءة أكبر. لقد أصبح العالم أكثر حساسية عموما للحاجة إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ومع ذلك، ومع استمرار نمو السكان، يتزايد استهلاك المواد وتوسع الإنتاج التكنولوجي أكثر. ونتيجة لذلك تتناقص كمية ونوعية الموارد البيئية باستمرار. وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة والوكالة الأوروبية للبيئة، هناك قلق مستمر إزاء تفتيت الطبيعة وفقدان التنوع البيولوجي ونقص توافر المياه العذبة والصيد البحري الجائر والاحترار العالمي والظواهر المناخية القاسية وتلوث الهواء في المناطق الحضرية والضجيج البيئي. ويظهر أطلس برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP (2005): “كوكب واحد، كثير من الناس” صوراً حية للطريقة التي تنتشر فيها المستوطنات البشرية والبنى التحتية للطرق في المناطق السريعة التحضر في جميع أنحاء العالم.
أما في المناطق الأقل نموا في العالم، فإن الصورة البيئية قاتمة. فعلى سبيل المثال، تعتمد العديد من المجتمعات في أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الجنوبية اعتمادا كبيرا على خدمات النظم الإيكولوجية الطبيعية مثل الأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية والأرصدة السمكية ومختلف المنتجات الحرجية. فاحتياجاتهم اليومية للبقاء على قيد الحياة تصعّب عليهم النظر في القيم البيئية طويلة الأجل بشكل واضح. ويذكر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2006) أن الفقر قد زاد وانخفض متوسط العمر المتوقع في عدد قليل جداً من البلدان الأفريقية، في حين تدهورت البيئة. والفقر لا يقلل من قيمة الناس فقط بل هو أيضا مدمر للبيئات المحلية. ففي المناطق الأكثر فقرا في العالم، تشكل إزالة الغابات ونقص مياه الشرب النظيفة والفيضانات الساحلية وتلوث الهواء الحضري الشديد مشاكل بيئية رئيسية. وبالنظر إلى زيادة صيد الحيوانات البرية، خلصت مؤسسة Du Toit (2002) إلى أن الموارد البرية في أفريقيا ستُباد حتما من المناطق غير المحمية.
على مدى السنوات الخمسين الماضية، غيرت الأنشطة البشرية خدمات النظم الإيكولوجية الحيوية بسرعة أكبر وعلى نطاق أوسع مما كانت عليه في أي فترة من التاريخ. وهناك 15 من أصل 24 من خدمات النظم الإيكولوجية التي تم فحصها التي تدهورت أو تم استخدامها بشكل غير مستدام بحيث تنطوي الآن على مخاطر التغيرات غير الخطية التي سيكون لها عواقب هامة على رفاه الإنسان. ومن المرجح أن يؤدي تزايد الطلب على الغذاء والماء والأخشاب والألياف والوقود إلى تفاقم المشاكل الراهنة. حتى الآن، يتحمل سكان المناطق الحساسة في الشرق الأوسط وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى وجنوب آسيا عبء التدهور البيئي. تتطلب مجموعة فعالة من الردود لضمان الإدارة المستدامة للنظم الإيكولوجية تغييرات جوهرية في المؤسسات والحوكمة والسياسات الاقتصادية والحوافز والعوامل الاجتماعية والسلوكية والتكنولوجيا والمعرفة.
التطورات في استخدام الموارد البيئي
في بلدان العالم الأكثر ثراء، ساعدت عمليات التنظيف والابتكارات التكنولوجية والسياسات الاقتصادية على الحد بشكل كبير من الآثار البيئية للأنشطة البشرية، ولا سيما على المستوى المحلي لبيئات المعيشة البشرية. غير أن النمو المطرد في عدد السكان والاستهلاك والقوة التكنولوجية يتجاوز في العديد من المجالات التحسينات البيئية التي تحققت. في عام 2005، زاد عدد سكان العالم من 74 مليون نسمة إلى ما مجموعه 6.5 مليار، ونما استخدام النفط بنسبة 1.3٪ إلى 83.3 مليون برميل (أو 13.2 مليون متر مكعب) يوميا وبلغ إنتاج السيارات العالمية (باستثناء المركبات الثقيلة) ما مجموعه 64.1 مليون بينما بلغ إنتاج الصلب رقما قياسيا جديدا وهو 1.1 مليار طن.
ويرتبط النمو الكبير في استخدام الموارد البيئية بزيادة استخدام السيارات لنقل الركاب والبضائع منذ الحرب العالمية الثانية. وبالنسبة لبلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، أفاد شيبير Schipper (1997) بأن عدد المركبات لكل كيلومتر قد ارتفع باطراد منذ عام 1970 فصاعدا في البلدان الغربية. وازدادت الانبعاثات الكربونية خلال الفترة نفسها، مع بقاء نصيب الفرد في الولايات المتحدة مستقرا ولكنه أعلى بشكل ملحوظ من الأرقام ذات الصلة للبلدان الأخرى في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وبالنظر إلى المستقبل القريب، يلاحظ شيبير “أن السفر آخذ في الظهور بوصفه السبب الأساسي للنمو في انبعاثات الكربون في البلدان الصناعية الغنية. إن التغيرات في نمط الحياة المدفوعة في الغالب بزيادة المداخيل – وخاصة زيادة القدرة على الحركة – أدت باستمرار إلى ارتفاع انبعاثات الكربون، ولا تظهر الاتجاهات في قطاع السفر أي علامات للتشبع.” ويتوقع مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة أن عدد المركبات الخفيفة على الطرق سيزداد باطراد من مستوى عام 2004 من 750 مليون إلى مليار في عام 2020 وحتى 2 مليار في حوالي 2050. إن التوسع في استخدام المحركات يعني زيادة استخدام الطاقة وزيادة تلوث الهواء وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والضوضاء البيئية الواسعة الانتشار وتوسيع البنى التحتية للطرق.
وبالنسبة للعقود القادمة، يتطلع صندوق النقد الدولي إلى نمو مرتفع بشكل خاص في إنتاج المواد واستهلاكها في الهند والصين اللتين تستوعبان معا ثلث سكان العالم. ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادات كبيرة في استخدام المواد الخام واستخدام الأراضي في السكن والصناعة والبنى التحتية للنقل وعدد السيارات، وبصفة عامة زيادة في استهلاك الوقود الأحفوري واستخدام الطاقة النووية. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة تزيد عن 50٪ في عام 2030 في ظل سيناريو “العمل المعتاد”، وأن لا يقل عن 37٪ في إطار سيناريو “السياسة البديلة العالمية”.
موضوعات محددة للبحوث الاجتماعية والسلوكية
يمكن وصف العديد من المشاكل البيئية بأنها معضلة مشتركة. وهذه حالة اجتماعية يتم فيها توليد تكلفة أو مخاطر جماعية من خلال العوامل الخارجية السلبية المجتمعة لعدد من الأفراد الذين يتصرفون بشكل مستقل عن بعضهم البعض. وبعبارة أخرى، في أي معضلة مشتركة، قد تتجمع الآثار الخارجية للعديد من القرارات المثلى المتخذة بشكل فردي في حالة دون المستوى الأمثل جماعيا، والتي لا أحد يريدها في الواقع. ومن الأمثلة الحالية الوضحة استغلال مناطق صيد الأسماك من قبل مختلف مالكي السفن، وتلوث الهواء الحضري من خلال النقل الآلي وإلحاق أضرار واسعة النطاق بالنظم الإيكولوجية الطبيعية من خلال توسيع نطاق الترفيه والسياحة. ويصعب على نحو متزايد تقدير المعضلات المشتركة وإدارتها مع زيادة عدد الجهات الفاعلة الفردية وصغر الأثر الخارجي السلبي لكل فاعل. ومن ثم، فإن مجموعة كبيرة من الفاعلين يمكن أن تشكل تدريجيا “معضلات مشتركة كبيرة” دون أن تكون مسؤولة عن ذلك. إن المعضلات المشتركة مستعصية على وجه الخصوص عندما تقودها أنماط مؤسسية وثقافية كبيرة.
وتركز الكثير من البحوث حول المعضلات المشتركة على العوامل التي من شأنها أن تعزز التعاون الاجتماعي من أجل حماية الموارد المشتركة. الأسئلة الأساسية حول أي معضلة مشتركة هي: ما هي المشكلة ومدى خطورتها؟ أينبغي القيام بأي شيء بشأن المشكلة وأي أهداف سياسة ينبغي اعتمادها؟ أي تدخلات عملية ممكنة وكيف يمكن تطبيقها بشكل فعال؟ وما هي الآثار البيئية والبشرية المترتبة على آثار تدخلات السياسة العامة، وهل ستكون مقبولة بالنسبة الى الناس؟ هذه الأسئلة تتبع المراحل النموذجية الأربعة المذكورة أعلاه.
الموضوعات البحثية التي تم تناولها تحت عنوان “تشخيص المشاكل” هي الحكم على المخاطر البيئية والانزعاج من الضوضاء وتقييم نوعية البيئة الحضرية وخبرات الطبيعة. المواضيع التي تندرج تحت “التدخل العملي” هي العمليات السلوكية والدوافع وتغير السلوك البيئي بما في ذلك التفاعلات بين السلوك والتكنولوجيا. وتفيد إحدى المقالات عن الدروس العملية المستقاة من خمسة مشاريع بحثية متعددة التخصصات بإمكانية استخدام علم النفس في تحليل ودعم إدارة الجودة البيئية على المدى الطويل.
المخاطر البيئية والإجهاد والانزعاج
والاعتراف بوجود معضلة مشتركة يبدأ بتقدير التدهور الفعلي للسلع المشتركة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو مدى حساسية الناس للمخاطر البيئية التي تتطور ببطئ وقد تحدث نتائج فعلية بعيدة المدى. وهناك أسباب عديدة تدفع الناس لإعطاء المصالح الفردية على المدى القصير وزنا أكثر من المصالح المشتركة على المدى الطويل. و “قصر النظر” (أي الخصم الزمني والمكاني) وإنكار المشكلة هما من العوامل المهمة التي تساهم في خفض قيمة المصالح الجماعية التي لا يبدو فيها أن تخفيض العواقب على المدى البعيد له أثر واضح كما هو الحال بالنسبة لغيرهما من المخاطر (مثل المخاطر الصحية أو المالية).
والسؤال ذو الصلة هو مدى حساسية الأشخاص لضغوط بيئية معينة، وما هي تدابير السياسة التي يمكن التوصية بها للوقاية والتخفيف من المشكلة. يععطي ميدما في أحد مقالاته لمحة عامة عن تأثير الضوضاء البيئية، مع التركيز على الانزعاج من الضوضاء. على الرغم من أن الضوضاء ليست ثابتة بمعنى أن الضوضاء وآثارها سوف تختفي عندما يتم القضاء على المصادر، ولكنها في الواقع مصدر إجهاد المستمر لأنها ترتبط ارتباطا قويا بالقوى الدافعة التي يصعب تغييرها، مثل زيادة السكان وتنامي حركة النقل و الازدحام في المناطق الحضرية. والنتائج المعروضة مفيدة في إيجاد السبل المثلى للحد من التأثيرات الناجمة عن الضوضاء من خلال تقليل التعرض للضوضاء.
تقييم البيئة الحضرية والتجارب الطبيعية
بصرف النظر عن شعور معظمنا بالقلق إزاء “القضايا الكبيرة” كتلوث الهواء العالمي وتغير المناخ وتناقص التنوع البيولوجي، تتزايد حساسية العديد من الناس حول نوعية بيئتهم المعيشية وتوافر المناطق الطبيعية. وتعكس النزاعات المحلية بشأن الحاجة إلى مشاريع البنية التحتية والآثار البيئية المترتبة عليها، مثل توسيع المطارات والطرق الجديدة أو السكك الحديدية، قلق المشاركين إزاء التخفيضات الوشيكة في نوعية حياتهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو مدى تقييم المواطنين العاديين للبيئة المعيشية الحضرية مقارنة بالخبراء. يقدم الباحثون تقارير عن تقييمات متعددة السمات لجودة البيئة الحضرية من قبل الخبراء والأشخاص العاديين والتي تبين كيف يمكن أن تختلف تقييماتهم للأخضر الحضري (التنوع البيولوجي) في حين أن تقييمات تلوث الهواء في المناطق الحضرية قد يكون متفق عليها. والسؤال ذو الصلة هو مدى أهمية الطبيعة وكيفية تأثير تجارب الطبيعة على رفاهية الناس العامة. ويناقش باحثون آخرون الآثار المختلفة للتجارب الطبيعية على صحة الإنسان ورفاهه، ويؤكدون أهمية “الطبيعة بالنسبة للناس” من أجل التنمية المستدامة لعالم سريع التحضر. والاستنتاجات التي توصل إليها هذا العمل ذات صلة وثيقة بالسياسات البيئية الطويلة الأجل في المناطق الحضرية والريفية. ويمكن للمخططين أيضا الاستفادة من الإطار المفاهيمي وجدول أعمال البحوث المقابلة العمليات السلوكية والدوافع البيئية.
غالبا ما تكون المعضلات المشتركة عبارة مواقف ديناميكية تتطور بمرور الوقت، والتي قد تعتمد نتائجها على عدة عوامل وعمليات سلوكية. وبالتالي، من الصعب دراسة التنمية الفعلية لمعضلات مشتركة معينة تجريبيا. برزت المحاكاة الحاسوبية للمعضلات المشتركة بين عدة أشخاص وعوامل متعددة باعتبارها استراتيجية تكميلية لفهم وإدارة النمو وانحدار الموارد المشتركة كدالة للسلوكيات الاستهلاكية الفردية. يثبت الباحثون فائدة المحاكاة الحاسوبية لدراسة معضلات الموارد البيئية. وتظهر البيانات أن مصير الموارد المشتركة يرتبط ارتباطا وثيقا بظواهر سلوكية متميزة، مثل قصر النظر والعادات والتقاليد الاجتماعية. فإنه يبين أيضا مدى فائدة تكوين فكرة أولية (محاكية) بشأن استخدام الموارد المشتركة، بغية تحسين توفير واستخدام السلع المشتركة. تقدم الأبحاث منظوراُ جديداُ لتحديد السلوك البيئي وافتراض أن هذا يتأثر بدوافع متعددة أو إطارات الهدف. يميز المؤلفون بين أهداف المتعة والكسب والأطر المعيارية الأخلاقية، والتي قد تحدد طريقة الناس في معالجة المعلومات وتشكيل المواقف. ويؤكد ليندنبرغ وستيغ أن السلوك البشري يعتمد على دوافع متعددة قد تكون أو لا تكون متعارضة. كما يناقشان كيف يمكن أن تستند سياسات تغيير السلوك إلى نظرية تأطير الأهداف.
تغيير السلوك البيئي والتكنولوجيا
ولتجنب التهديد باستنفاد الموارد البيئية، تم افتراح مجموعة متنوعة من مناهج تغيير سلوكيات المستخدمين، مثل توفير بدائل تقنية وقواعد تنظيمية وحوافز مالية ومعلومات وأمثلة اجتماعية و / أو تغيير تنظيمي (مثل دي يونغ De Young ، 1993 ؛ جيلر Geller ، 2002؛ جيلر وآخرون Geller et al. 1982؛ غاردنر & ستيرن Gardner & Stern ، 2002؛ ستيغ & فليك Steg & Vlek ، في الصحافة؛ فليكVlek ، 2000). وأيا كانت الاستراتيجيات التي تؤخذ في الاعتبار، فإن فعاليتها تعتمد إلى حد كبير على التشخيص الصحيح والضبط نحو محددات السلوك الفعلية: ما هي الأهداف والدوافع ذات الصلة، وإلى أي مدى تتعارض هذه العوامل؟
يمكن تشجيع التغييرات في السلوكيات البشرية من خلال معالجة معارف الأفراد والمجموعات الفردية والمعتقدات والأفضليات، على سبيل المثال، من خلال التسويق والإعلانات واستراتيجيات المعلومات. غير أن “إدارة جانب الطلب” قد يكون لها آثار محدودة. ويمكن أيضا أن تحدث التغيرات السلوكية والتكيفات عن طريق تعديل حالات الاختيار من خلال “إدارة جانب العرض”، أي عن طريق تغييرات في نظم توفير كاملة، في البنى التحتية المادية والتكنولوجيا، وكذلك في التسعير.
يقيّم غارلينغ وشكيتما مقاربة قسرية وغير قسرية نحو الحد من استخدام السيارات في المناطق الحضرية. ويخلص المؤلفان إلى أن التدابير القسرية اللازمة ولكن غير الشعبية قد تصبح أكثر قبولا عندما تقترن بتدابير غير قسرية مثل توفير بدائل سفر جذابة وبرامج للنقل العام. ويستكشف ميدن، كايزر، وماكالي في مقال أربعة أدوار للتكنولوجيا، على التوالي، كوسيط ومكبّر ومحدد ومروّج للسلوكيات الهامة بيئيا. ويظهر المؤلفون كيف أن الآثار البيئية للمنشآت التقنية والمركبات والمعدات تعتمد إلى حد كبير على سلوك المستخدم الفعلي، وكيف يمكن لهذه التقنيات تشكيل أو تعزيز أو تقييد السلوك من خلال ميزات محددة للبيئة التقنية. وتتمثل إحدى النتائج في أن الآثار الصافية (الدائمة) للحلول التقنية للمشاكل البيئية غير واضحة إلى حد كبير دون النظر إلى مختلف التصورات والتفاهمات واستخدام مختلف الناس المرتبطين بها.
البحوث متعددة التخصصات ومستقبل علم النفس البيئي
ونظرا لتعقيد العديد من المشاكل البيئية، لا مفر من التواصل والتعاون الكافي بين الباحثين من مختلف الخلفيات التأديبية. ويقال هذا بسهولة أكبر من القيام به، كما هو واضح بالفعل من مقال ميدن وآخرون. يناقش الباحثون الدروس العملية من مختلف المشاريع المتعددة التخصصات للبحوث البيئية. ويجمع المؤلفون بين البحوث المتعددة والمتعددة التخصصات، مما يشير إلى ضرورة التعاون بين مختلف العلماء وكذلك بين العلماء وصانعي السياسات، كما يوصي المؤلفزن بإجراء تغييرات تنظيمية في البحوث الجامعية.
تقيّم بعض التجارب الوضع الحالي لعلم النفس البيئي في ضوء مشاكل الجودة البيئية على المدى الطويل التي يواجهها المجتمع وتقترح إيلاء المزيد من الاهتمام البحثي إلى “القضايا الكبيرة” مثل تدمير الموائل والانقراض السريع للأنواع الحيوانية والنباتية المختلفة. ويتشاطر العلماء الرأي القائل بأن التعاون المتعدد التخصصات ينبغي أن يجري على مستويات مختلفة من التحليل – من مايكرو إلى ماكرو، أو من محلي إلى عالمي. و “إذا كان لهذا المجال تأثيرات على العالم الحقيقي بالشكل الذي سعى إليه دائما، فإنه يجب أن يتحرك نحو مشاركة أكثر جدية مع صانعي السياسات”. يرتبط هذا مع استنتاج واحد ومقلق بشأن تأثير الممارسة والعلم على التغيير العالمي: “يجب على العلماء القيام بتحليل أفضل وفهم ديناميات لتفعيل عملية دمج العلم والممارسة، كعلماء ولكن أيضا كإعلاميين ومشاركين في هذه العملية”.
ملاحظات ختامية
وبالنسبة للمجتمع ككل، فإن تحليل المشاكل واتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات وبرامج التدخل السلوكي لها أهمية خاصة فيما يتعلق بتغير المناخ الناتج عن الاحترار العالمي القسري. هذه المعضلة البيئية الشديدة والضخمة متجذرة بقوة نتيجة استخدام الوقود الأحفوري على نطاق واسع لتشغيل العديد من المنشآت الآلية والمركبات والمعدات. وبدون تغييرات تقنية و / أو سلوكية كبيرة، فإن زيادة النمو السكاني وزيادة الثراء ستزيد من كميات المحركات الحالية وبالتالي انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بها.
لا يمكن مناقشة جميع المواضيع الرئيسية لبحوث الاستدامة في مقال واحد. أحد الموضوعات التي تستحق المزيد من الاهتمام البحثي هو اتخاذ القرارات البيئية المهمة والحاسمة في إدارة أي معضلة مشتركة. وغالبا ما يعاني صنع القرار دون مساعدة من القيود المعرفية والتحيزات، فضلا عن التشوهات الاجتماعية.
وقد يكون اتخاذ القرارات التنظيمية أقل توازنا بسبب علاقات القوة والحاجة السياسية والنفسية للالتزام باستراتيجيات التنمية المعتمدة في وقت مبكر. نقاط الاتصال لبحوث القرارات البيئية هي تعريف المشكلة وتقييم السيناريوهات متعددة السمات واتخاذ القرارات من قبل عدد من الأحزاب والحكم على المخاطر على المدى الطويل. قد يستفيد المحققون من التقاليد القديمة في أبحاث القرارات السلوكية وقد يستخدمون مجموعة كبيرة من الطرق والخبرات للقيام تحليل القرار المنهجي.
وثمة موضوع هام آخر هو “تقييم الفعالية” للسياسات البيئية، وهو ما قد ينطوي على تغييرات سلوكية أكثر أو أقل تكلفة، فضلا عن التغيرات في الظروف البيئية. وقد تؤثر التغيرات السلوكية و / أو البيئية تأثيرا كبيرا على رفاهية الإنسان، ويمكن تقييم ذلك من حيث التغييرات النوعية في نوعية حياة الإنسان. ويمكن تقييم نوعية الحياة بدورها على خلفية التصنيفات القائمة للاحتياجات والقيم الإنسانية المختلفة.
كمشكلة اجتماعية دائمة، تغطي الاستدامة البيئية بيئات المعيشة الحضرية والموارد الطبيعية والحياة البرية ومناطق الاستجمام، وبطريقة شاملة – المناخ المحيط والظروف المناخية لجميع أشكال الحياة. ويحذر وينتر وكافا (2006) بوضوح من أن النزاعات على الموارد الطبيعية والظروف البيئية تهدد السلام والإستقرار بين الدول ويمكن أن تفعل ذلك بشكل متزايد في المستقبل القريب. ولضمان الأمن البيئي والاستدامة، يجب أن يكون الهدف العام للسياسة العامة عكس اتجاه التدهور البيئي التدريجي محلياً وعالمياً. وتتمثل بعض التطلعات الرئيسية فيما يلي: (1) حماية توافر الموارد الأساسية، (2) حماية صحة الإنسان من الظروف المحفوفة بالمخاطر البيئية، (3) ضمان نوعية كافية من بيئات المعيشة البشرية، (4) حماية المناطق الطبيعية وحياتها البرية، و تعزيز المزيد من الانسجام بين الإنسانية و الطبيعة. وتوفر العديد من الأهداف البشرية السلوكية المستمدة من هذه الأهداف العامة الكثير من العمل لصانعي السياسات البيئية في مجالات متنوعة مثل توليد الطاقة وتربية الماشية وإنتاج الأغذية واستهلاك الأسر المعيشية والسياحة والنقل. واعتماد هذه الأهداف على مستويات مختلفة هو مسؤولية صانعي السياسة. وما هي الطريقة التي يمكن التعامل بها مع الأهداف المعتمدة على أفضل وجه،والظروف التي يجب الوفاء بها لضمان فعالية السياسات؟ هذه مسائل البحث والتنمية المتعددة التخصصات، التي يجب أن يتزايد فيها دور العلوم الاجتماعية والسلوكية إلى حد كبير.