افتتح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية عناية عزالدين في المعهد العالي للاعمال صباح اليوم، مؤتمر “اليوم العربي للشمول المالي 2018: تعزيز الشمول المالي عبر استعمال الخدمات المالية الرقمية في لبنان” في حضور نواب الحاكم ورئيس واعضاء لجنة الرقابة على المصارف وممثلي مؤسسات الاقراض الصغير وشركات التكنولوجيا المالية وممثلي مؤسسات دولية والمجتمع المدني.
طربيه
استهل المؤتمر بكلمة لرئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، فقال: “أود بداية أن أعرب عن بالغ اعتزازي، كرئيس لجمعية المصارف في لبنان، لمشاركتي معكم حفل افتتاح المؤتمر الذي يقام بمناسبة اليوم العربي للشمول المالي في المعهد العالي للأعمال (ESA) هذا الصرح الثقافي والأكاديمي العريق، برعاية وحضور سعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة، والسادة المشاركين من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية.
إن تحديد يوم عربي للشمول المالي له دلالات كبيرة لما يحمله هذا الموضوع من أهمية في وصول اكبر عدد ممكن من الناس الى الخدمات المالية المنظمة واستخدامها، بما فيهم ذوي الدخل المحدود وذوي الحاجات الخاصة على أنواعها. وقد فتحت الثورة التكنولوجية ابوابا واسعة للمصارف والمؤسسات المالية لايصال خدماتها بصورة سريعة الى العملاء اينما وجدوا، طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار ضمان متطلبات الامتثال من جهة، وتأمين ضرورات النمو المستدام من جهة أخرى”.
وأضاف: “يحتل لبنان موقعا مميزا على الصعيد العربي في موضوع الشمول المالي، يساعده في ذلك الانتشار الواسع للمصارف على كل الاراضي اللبنانية وتنوع الخدمات التي تقدمها والتي تتوافق مع حاجات كل الفئات العمرية والاجتماعية. وأظهرت أرقام البنك الدولي أن نحو 45% من اللبنانيين البالغين من العمر 15 عاما أو أكثر لديهم حساب فردي أو مشترك في مؤسسة مالية في نهاية العام 2017. ومرد ذلك الى ان المصارف اللبنانية منتشرة على كافة الاراضي اللبنانية، حيث بلغ عددها 65 مصرفا، تعمل من خلال شبكة فروع بلغت 1063 فرعا في لبنان، ومواقع الكترونية تؤمن خدمات مصرفية عبر شبكة الانترنت.
وقد نجح القطاع المصرفي خلال السنوات العشرة الأخيرة في توفير الاستقرار الاجتماعي عن طريق استمرار المصارف في تمويل الدولة والقطاع الخاص. كما أمن مصرف لبنان حزم التسليف التنموية حيث شملت التسليفات: قروض الشركات والقروض الشخصية خاصة التعليمية والسكنية، ووالتسليفات لقطاع اقتصاد المعرفة والقروض الصديقة للبيئة، بالاضافة الى التسليف المتناهي الصغر Microfinance التي تطال شرائح كبيرة من اللبنانيين بما فيها الفىات المهمشة. وتظهر الإحصاءات أن إجمالي التسليفات المدعومة الفوائد، الموافَق عليها خلال العشرة سنوات الماضية وصل الى ما يعادل 7,13 مليار دولار حيث شكلت حصة الصناعة من إجمالي هذه التسليفات 59 % مقابل 30 % للسياحة و 11 % للزراعة. كما ساهمت المصارف في إعادة احياء الطبقة الوسطى عن طريق تأمين التمويل الميسر لشراء المساكن بالتعاون مع مصرف لبنان والمؤسسة العامة للاسكان، لحوالى 131 ألف أسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية الى نحو 13 مليار دولار في نهاية العام 2017 ؛ وهي بمعظمها لمصلحة ذوي الدخل المحدود وبفوائد متدنية ومدعومة، بالاضافة الى أكثر من 6آلاف قرض سكني جديد في العام الماضي، وهو دليل إضافي على أن الاستقرار الإجتماعي هو من أولويات المصارف اللبنانية، حتى في ظل ظروف عدم الاستقرار السائدة في المنطقة. ومن ضمن استراتيجية الشمول المالي التي تنتهجها مصارفنا، عمدت هذه الاخيرة الى توقيع بروتوكولات خاصة مع مؤسسات كثيرة في القطاعين العام والخاص، بغية منح تسهيلات وخدمات مصرفية للمنتسبين اليها. ومع توطين رواتب الموظفين في المصارف، أصبح بامكان العملاء الافادة من كافة الخدمات والمنتجات المصرفية التي يحتاجونها لتحسين مستوى معيشتهم، وتأمين احتياجات أسَـرِهم في كافة مراحل حياتهم”.
وتابع: “تكملة لتوسع شبكة الفروع، طورت المصارف أنظمة الصرافات الالية البالغ عددها نحو 1800 صراف والتي استحدثت للقيام بعمليات الايداع والسحب النقدي والشيكات، اضافة الى تعزيز وسائل الامان في التجارة الالكترونية والدفع الالكتروني، واجراء عمليات مصرفية عبر الهاتف الخلوي. وبلغ عدد بطاقات الدفع والائتمان الموضوعة في التداول قرابة 3 مليون بطاقة. كل هذه الوسائل التكنولوجية سهلت عملية نشر الشمول المالي ووضعت لبنان في مقدمة الدول العربية على هذا الصعيد”.
وقال: “أما على الصعيد العالمي، فتحتل ظاهرة الشمول المالي أهمية كبرى. وقد سلطت خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للعام 2030 الضوء على أهمية الموضوع للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، وأهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة فى الخدمات المالية. وأرست منذ العام 2010 المبادىء الاساسية للنمو المستدام واهداف التنمية المستدامة، او ما يعرف بالـ:”UN Global Compact Principles وUN Social Development Goals.
وعمدت معظم الدول الى ادراج مبدأ الشمول المالي ونشر الثقافة المالية ضمن أجنداتها وأهدافها الاستراتيجية لتطوير مجتمعاتها.
وفي السياق نفسه، عمد مصرف لبنان الى اصدار التعميم الأساسي رقم 134 في شباط 2015، ولاحقا التعميم الوسيط رقم 458 في نيسان 2017 للتشديد على أهمية الشمول المالي والتعامل بشكل عادل وشفاف ومهني مع كافة فئات العملاء، إضافة الى أهمية نشر الثقافة والتوعية المالية، وتحديد آلية لتلقي المراجعات ومعالجتها بسرعة وفعالية، مما يعزز الشفافية وتاليا الثقة بين المصرف وعملائه، ويساهم في تمتين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي”.
وأكد أنه “على الرغم من تفاقم الاوضاع المالية في لبنان، من تصاعد المديونية والعجز في الموازنة نتيجة فقدان الاصلاحات والمعالجات المطلوبة، يبقى قطاعنا المصرفي اللبناني قادرا على تعميم الخدمات ونشرها على كل الفئات والشرائح في المجتمع، ونحن على ثقة بأن الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان قابل للمعالجة بالنظر الى مقومات كثيرة توفر المناعة للبنان، ومن أهم ركائزها القطاع المصرفي والمالي، وارادة اللبنانيين بتطوير بلدهم”.
وختم: “بهدف تعزيز الشمول المالي، المطلوب اليوم من الدولة اللبنانية الاسراع في إعطاء أولوية لتحسين مناخ وبيئة الأعمال في لبنان والاستثمار سريعا في مشاريع تطوير البنى التحتية، من تكنولوجيا الاتصالات وشبكات الاتصالات والكهرباء التي تشكل دعائم التطور والتقدم.
وفي المحصلة، يحتاج لبنان اليوم اكثر من اي وقت مضى، الى خطة وطنية شاملة للنهوض بالاقتصاد من ركائزها الاساسية استراتيجية وطنية للشمول المالي تشكل الرافعة الأساسية للتنمية وخلق فرص العمل واستثمار الطاقات الشابة تفاديا للهجرة التي تنهش كيان الوطن. آمل أن يخرج مؤتمرنا اليوم بتوصيات تخدم تطلعاتنا المشتركة لتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي والشمول المالي في لبنان”.
الحميدي
ثم تحدث رئيس صندوق النقد العربي عبد الرحمن الحميدي، فأكد أهمية إحياء “اليوم العربي للشمول المالي”، المعتمد من طرف مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، “إدراكا من المجلس الموقر لضرورة إدماج كل فئات المجتمع وشرائحه بالنظام المالي الرسمي، ولا سيما منهم الشباب والنساء، ورواد الأعمال، من خلال حماية حقوقهم وتعزيز معرفتهم ووعيهم بالأمور المالية”.
وشدد على “أهمية تطوير الخدمات المالية الرقمية لما تتيحه من فرص كبيرة، تساعد في التغلب على تحديات الانتشار المادي للمؤسسات المالية والمصرفية، وطرق تقديمها لخدماتها، حيث تظهر الدراسات أن تطوير الخدمات الرقمية سيساعد خلال السنوات المقبلة على تحقيق زيادة في عدد المشاركين بالنظام المالي الرسمي بنحو 1.6 مليار نسمة نهاية عام 2025، وزيادة بنحو 4.2 تريليون دولار من الودائع لدى المؤسسات المالية والمصرفية، وزيادة بنحو 2.1 تريليون دولار على شكل تسهيلات ائتمانية ومالية جديدة، ذلك خلال الفترة نفسها. كما تقدر هذه الدراسات فوائد الخدمات المالية الرقمية على الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 6 في المئة، وخلق وظائف جديدة تقدر بنحو 95 مليون فرصة عمل في أفق 2025”.
وأشاد “بما يقوم به مصرف لبنان من جهود كبيرة في مجال الشمول المالي، حيث أطلق العديد من المبادرات الاستباقية بهدف إرساء نظام مالي شامل مسؤول ومستدام أدى إلى توسيع رفاهية المواطنين الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة فرص العمل، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، وتحفيز القطاعات الإنتاجية، ودعم الاستقرار الاقتصادي والنقدي، ودفع عجلة النمو”.
وفي الختام، أكد “سعي صندوق النقد العربي الى تعزيز الشمول المالي في الدول العربية، والمساهمة في تطوير السياسات والإجراءات المتعلقة به، والارتقاء بمؤشراته من خلال المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في الدول العربية”.
عزالدين
ثم تحدثت الوزيرة عزالدين، وقالت: “يسرني أن أكون معكم اليوم في مؤتمر اليوم العربي للشمول المالي 2018 والذي يسلط الضوء على “استعمال التكنولوجيا والخدمات الرقمية في سبيل تعزيز الشمول المالي”. وفي هذا الاطار، لا يسعني الا أن أشكر مصرف لبنان على تنظيمه لهذا اللقاء الهام وعلى جهوده الحثيثة من أجل تعزيز الشمول المالي في لبنان ونشر الوعي حوله. ومما لا شك فيه أن جمع كافة الأطراف المعنية بهذا الموضوع للتواصل في ما بينها ومشاركة تجاربها في استعمال التكنولوجيا الحديثة سيكون له الأثر الأنجع في إيجاد الحلول البناءة لتحقيق الشمول المالي في لبنان”.
وأضافت: “نتفق جميعا على ما للتكنولوجيا الحديثة من أهمية في تحفيز الاقتصاد الوطني. فبعدما أكد البيان الوزاري لحكومة استعادة الثقة أنها تولي أهمية خاصة لقطاع تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات لما يمتلكه من قدرة تحفيز للاقتصاد الوطني ولكونه مدخلا أساسيا للاقتصاد الجديد المسمى اقتصاد المعرفة حيث لبلدنا إمكانات غير محدودة بما يملكه من رأسمال بشري وقدرة اللبنانيين المعترف بها دوليا على الإبداع والمبادرة والابتكار، وهو ما يدفعنا لتحسين الخدمات نوعا وكلفة وسرعة في هذا المجال، قامت وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بإطلاق مشروع الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في آذار الفائت برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقوامه تحويل الدولة بإداراتها ومؤسساتها المختلفة إلى مؤسسة رقمية تكون فيها البرامج الرقمية في الإدارات المختلفة قابلة للتواصل في ما بينها بدل أن تعمل كجزر متفرقة ومنعزلة كما هو الوضع عليه اليوم. فضلا عن ذلك، فقد تم إدراج هذا المشروع ضمن الإصلاحات التي التزم لبنان بتنفيذها في مؤتمر “سيدر”.
وتابعت: “غني عن القول إن مشروع التحول الرقمي سينقل لبنان من الطور التقليدي في التعاطي بين المواطن والإدارة الى طور أكثر حداثة وشفافية وأكثر انسجاما مع التقدم التكنولوجي الحاصل في عالمنا اليوم الذي تعتبر التكنولوجيا فيه المفتاح الأساس لإنجازات أكثر بكلفة أقل (make more for less)، حيث أن تكلفة العملية التجارية الإلكترونية أقل بعشرين مرة من تلك التي نقوم بها عبر الهاتف، وأقل بستين مرة من الخدمات التي نقوم بها وجها لوجه.
من هنا تكمن أهمية هذا المشروع بالنسبة للشمول المالي والذي من تعريفاته، أنه إدخال أو دمج للفئات المهمشة ماليا، والتي لا يسمح لها دخلها المالي المنخفض من الانخراط في عمليات النظام المصرفي، بالتعامل مع الجهاز المصرفي من خلال منظومة العمل الرقمية أو بمعنى آخر إتمام جميع التعاملات المالية بطريقة إلكترونية. فقد أظهرت بحوث البنك الدولي الخاصة بالمؤشر العالمي للشمول المالي للعام 2017 بأنه ما زال هناك نحو 1,7 مليار بالغ في العالم لا يمتلكون حسابات، أي ليست لديهم حسابات في مؤسسات مالية أو من خلال شركات تقديم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول وجميعهم يعيشون في البلدان النامية. ويمثل النساء 56% من إجمالي البالغين الذين ليست لديهم حسابات مصرفية.
كما تظهر البحوث أن الفجوة بين الجنسين في امتلاك الحسابات المصرفية ما زالت قائمة في البلدان النامية وهذه الفجوة التي هي بواقع سبع نقاط مئوية لم يطرأ عليها أي تغيير تقريبا منذ عام 2011. إن هذا الأمر لم يعد مقبولا في عصرنا هذا حيث أثبتت المرأة بأنها لا تقل كفاءة عن الرجل لا بل تتفوق عليه في أماكن عدة لا سيما إذا أعطيت الفرصة في العلم والاستقلالية المادية مثلها مثل الرجل”.
وأضافت: “من المعلوم أن تحقق الشمول المالي مرتبط بتوافر القدرة لدى الأفراد والمؤسسات على الحصول على الخدمات المالية واستخدامها بفعالية بطرق بسيطة وشفافة ومسؤولة وبأقل التكاليف. وهذا ما يجب العمل عليه في لبنان بالاضافة الى ضرورة انشاء بيئة حاضنة تشريعيا وسياسيا وتقنيا حيث يجب أن تترافق التكنولوجيا الرقمية بنظام متطور للمدفوعات وبنية تحتية متطورة وتشريعات ملائمة وإجراءات وقائية صارمة لحماية المواطن ومستخدم الخدمات الالكترونية”.
وقالت: “يهمنا أن نلقي الضوء على بعض الأسس التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والتي من شانها أن تخدم الشمول المالي:
1- تبني الاستراتيجية لمجموعة ضوابط ومعايير عالمية تراعي أهمية الأمن المعلوماتي الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي والسيادة الوطنية لا سيما وأن المعلومات (Data) تعتبر اليوم المادة الأولية في عصر الرقمية وإحدى أكبر ثروات الحكومات الحديثة.
2- تمكين المواطنين من انجاز ما يريدونه من خدمات عبر شبكات الانترنت (End to End) في مسار متكامل من لحظة طلب الخدمة الى لحظة الحصول عليها.
3- العمل على إنشاء منصات موحدة (Common Digital Platforms ) الأمر الذي من شأنه تسهيل التعامل مع المواطن وتعزيز تجربته الرقمية وتحسين جودة الخدمات المقدمة.
4- وضع الأسس لمراعاة الحفاظ على خصوصية المواطنين مع ضمان عدم الإساءة في استخدامها وعدم إعطائها لأي جهة إلا من خلال آلية واضحة تضمن الحصول على موافقة المواطن.
5- وضع أسس للتشاركية مع كل الأطراف ذات الصلة بالتحول الرقمي سواء داخل الدولة أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني والجامعات”.
وأشارت عزالدين الى أن الدراسات تؤكد أن “إشراك الناس في القطاع المالي الرسمي يسهم ليس فقط في تحسين معيشتهم وإنما أيضا في سلامة الأنظمة المالية ذاتها. فالأزمة المالية العالمية ألقت الضوء على هشاشة الأنظمة المالية وأهمية الربط بين الشمول المالي والاستقرار والنزاهة وحماية المستهلك المالي. ومن هنا، وانسجاما بما التزمت به حكومة استعادة الثقة أتممنا العمل في وزارة التنمية الادارية على مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومخططها التنفيذي، وقد تم الاعلان عن هذا المشروع في مؤتمر وطني يوم الثلاثاء الفائت برعاية دولة رئيس مجلس الوزراء. وفي خطوة من شأنها تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد تم اصدار قانون حق الوصول الى المعلومات في بداية العام 2017 رقم 28/2017. واللافت ان التجارب العالمية تظهر ان الدول العشر الاوائل في التحول الرقمي هي نفسها الدول الاوائل في العالم في مكافحة الفساد، ونتمنى ان يأتي مشروع الشمول المالي مكملا لهذه الثنائية بين الاستراتيجيتين المذكورتين.
إلا أن الاهم يبقى ان تكون مقاربتنا على هذه المستويات كافة مقاربة جوهرية تتوجه مباشرة الى المواطن اللبناني على اعتباره صلب هذه الاستراتيجيات والمشاريع. فكما ان المطلوب على مستوى التحول الرقمي ومكافحة الفساد هو اجراء المصالحة بين المواطن والدولة اللبنانية فإن المطلوب في مشروع الشمول المالي وغيره من المشاريع ذات الطابع المالي ان نعيد النظر في علاقة القطاع المصرفي بالناس، بالمواطنين. وايضا اعادة النظر بعلاقة القطاع المصرفي بالدولة. ويجب التوقف عن الاحتفال فقط بنمو هائل بالودائع وبعدد المقترضين من المصارف لان عدم مواكبة هذا النمو بسياسات مالية صحيحة وبرؤية اقتصادية انتاجية، من شأنه أن يخلق الأزمات المتتالية للاقتصاد اللبناني كما هو عليه الحال الآن”.
وختمت: “المطلوب اليوم ان تتحول العلاقة الى علاقة تخدم التغيير في وجهة الاقتصاد اللبناني باتجاه الاقتصاد المنتج والمسؤول الذي لا يعتمد حصرا على التحويلات من الخارج، اقتصاد يؤمن التنمية المستدامة العادلة والمتوازنة وذلك من اجلنا جميعا في مختلف القطاعات والمناطق والمستويات والطبقات الاجتماعية.
وأتمنى لمؤتمركم كل النجاح والتوفيق وأن تثمر جهودكم وجهودنا أعمالا تسهم في تطوير القطاع المالي والاقتصاد الرقمي بما يحفز التنمية المستدامة والحكم الرشيد”.
سلامة
أخيرا، تحدث حاكم مصرف لبنان، وقال: “إن الشمول المالي ينطلق في الدرجة الأولى من خلال الثقة بالنقد الوطني والقطاع المالي وتعزيز ثقة المواطن بالقطاع المصرفي. وقد ونتوقع ارتفاع التسليفات للقطاع الخاص بحوالي 2,5% لشهر آذار 2018 و5% في نهاية العام 2018 (نسبة لنهاية العام 2017)”. أما بالنسبة الى القروض المشكوك بتحصيلها والرديئة، فقد بقيت على حالها (أي ما دون 4% من مجموع التسليفات)، مما يدل على متانة الوضع الائتماني”.
وشدد على “اهتمام مصرف لبنان بتطوير انظمة الدفع واستخدام الوسائل الالكترونية وتوطين المعاشات لا سيما في القطاع العام، مما أدى لتقريب المسافة بين المواطن ومصرفه، وأتاح لشريحة كبيرة من الناس بأن يصبح لديها حسابات مصرفية تتمتع بالدقة والسرعة في تنفيذ العمليات”.
وأفاد أن عدد الحسابات المصرفية بلغ “حوالي 5 ملايين حسابا (حتى نهاية 2017)، وبلغ عدد المودعين، ثلاثة ملايين مودعا. ترافق ذلك مع إنشاء وحدة لحماية المستهلك لدى لجنة الرقابة، عملها ضروري لترسيخ الثقة”.
وأشار الى ان مصرف لبنان قد وضع أخيرا “إجراءات خاصة تأخذ في الاعتبار حق ذوي الحاجات الخاصة عموما والمكفوفين خصوصا في الاستفادة من الخدمات المصرفية والمالية”.
ولفت الى ان مصرف لبنان يقوم “من خلال منشوراته وعبر أدوات التواصل الاجتماعي بتثقيف وتوعية الجمهور حول دور مصرف لبنان والمنتجات التي يقدمها القطاع المصرفي بطريقة مبسطة وسهلة للجميع، ويشجع فتح فروع في المناطق خارج المدن”.
واختتم كلمته متمنيا النجاح لهذا اليوم، “يوم الشمول المالي”، ومعتبرا أنه “يوم يعني للبنان ولاقتصاده الكثير”.