افتتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المعرض التاريخي والتوعي الذي اقامته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تحت عنوان ” من جيل لجيل”، برعايته، لمناسبة العيد الـ157 لتأسيسها في le yacht club – الزيتونة باي، على واجهة بيروت البحرية.
وكان الرئيس عون قد وصل الى مقر المعرض، حيث كان في استقباله في الباحة الخارجية رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال نهاد المشنوق، المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان. وانتقل الرئيس عون يرافقه الرئيس الحريري والوزير المشنوق واللواء عثمان، الى قاعة المعرض حيث بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني تلاه نشيد قوى الامن الداخي عزفتهما موسيقى قوى الامن.
حضر الاحتفال عدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، قائد الجيش العماد جوزيف عون، قادة الاجهزة الامنية، سفراء عرب واجانب، عميد السلك القنصلي القنصل جوزف حبيس، وزراء الداخلية السابقون، قادة قوى الامن الداخلي السابقون، محافظ بيروت القاضي زياد شبيب وحشد من المدعوين.
والقى رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزف مسلم كلمة ترحيبية شدد فيها على “ان مؤسسة قوى الامن الداخلي استحقت ان تدخل التاريخ لأنها مستمرة في رسالتها التي تأسست عليها، واستطاعت ان تحافظ على الصورة الكلية التي جمعتها بمفهوم الوطن منذ نشأتها”.
اضاف: “اليوم تثبت هذه المؤسسة قيمة وجودها من خلال تناميها المستمر على صعيد الاداء والمستوى وانتشارها الاوسع على صعيد الوطن”، مشددا على “انها تؤكد للوطن والناس وللغد ان لا شيء يستطيع ان يثنيها عن اداء دورها الكامل بوجود ابطال احياء وشهداء لا يبخلون بذرة في سبيل نهضة وطن”.
اللواء عثمان
بعد ذلك، القى اللواء عثمان كلمة استعرض فيها مراحل تاريخ قوى الامن ودورها في الحاضر والمستقبل، وقال: “في ظل غياب كتاب تاريخ موحد للبنان، بقي تاريخ قوى الامن الداخلي عريقا وواضحا، لا خلاف عليه. وهذا التاريخ يعطينا حافزا لتحقيق مستقبل واعد. فانتم تعرفون قوى الامن الداخلي في وجهها الحضاري والمعاصر وتعيشون مراحل تطويرها ونموها. ومنكم من عاش جزءا من تاريخها ومرورها في ازمات عديدة وتحديات صعبة، وقد خبرتم قوتها المستمدة من القانون ومن الدور الفعال الذي تلعبه على الصعيدين الامني والاجتماعي. ولكن معظمنا لا يعرف تاريخ هذه المؤسسة العريقة التي كانت بدايتها في العام 1861، اي قبل 157 سنة. وتعددت التسميات التي اطلقت عليها، فكان اول اسم لها: “الدراكون”، وتم تبديل اسمها في العام 1862، اي بعد سنة ليصبح: “الضابطية”. وصار تدريبها على يد ضباط فرنسيين كانت قد استقدمتهم حكومة المتصرفية العثمانية في العام 1864، حيث لعبت “الضابطية” دورا مهما ما بين عام تأسيسها والعام 1918، تاريخ انتهاء الحرب العالمية الاولى. فهي كانت القوة الوحيدة المولجة الدفاع عن لبنان من الداخل وعند الحدود. وفي العام 1920 صار اسمها: “الجندرما اللبنانية”، تزامنا مع قيام دولة لبنان الكبير، وبقيت آنذاك تعمل تحت اشراف ضباط الانتداب الفرنسي حتى العام 1941 حيث اصبح اسمها الدرك بدلا من “الجندرما”. واستمر ذلك حتى العام 1959 تاريخ انشاء المديرية العامة لقوى الامن الداخلي التي تعرفونها اليوم. فكيف لا يكون التاسع من حزيران موعدااستثنائيا للاحتفال بتأسيس اول مؤسسة رفعت على مبانيها العلم اللبناني؟”
أضاف: “ان تاريخ مؤسستنا هو فخر لنا ولكل لبناني. نحن نتغنى بامجادها منذ تأسيسها فهي التي استطاعت ان تتجاوز اصعب الظروف خلال الحروب المتتالية التي مرت على لبنان وأبت الا ان تكون كالبنيان المرصوص بوجه العابثين، وبقيت دائما في نصرة الحق والعدل وواسطة لاعادة الحقوق الى اصحابها ليعم الامن على اللبنانيين كافة من دون استثناء. ونحن هنا اليوم كما تعلمون لنفتتح معرضا تاريخيا ما بين الماضي والحاضر لمؤسستنا بعنوان: “من جيل لجيل”. وفي هذه المناسبة وعرفانا منا بالجميل للجهد الشخصي الذي بذله النقيب المتقاعد المرحوم جوزف نعمه والد العميد الركن المتقاعد ادونيس نعمه، النابع من محبة فائقة ومسؤولية هادفة وتقديرا للمعاناة التي واجهها في جمع ارشيف لقوى الامن الداخلي وتدوين تاريخها قبل ان تطويه دفة النسيان، فمن هنا نثني على عمله شاكرين له الجهود والاندفاع. ولا ننسى الدور الاستكمالي الذي تقوم به جامعة الروح القدس الكسليك في هذا المجال مشكورة”.
وقال: “فخامة الرئيس، بين الماضي والحاضر المسؤولية واحدة، لذا نحن في تحد مستمر مع مواكبة التطور لنشكل حالة استثنائية في كيان الوطن، ولنكون استثمارا مربحا للجميع. فمهما اختلف الزمن يبقى الامن مطلبا ضروريا لا يمكن المساومة عليه. والنقلة النوعية المستمرة في قوى الامن الداخلي تسجل في تاريخنا مع الانتقال من الشرطة التقليدية الى مفهوم العمل الشرطي العصري اي من قوة شرطية الى خدمة شرطية. وكما يبين معرضنا بساطة العتاد الذي كانت قوى الامن الداخلي تعتمد عليه لتنفيذ المهام الجسام الواقعة على عاتقها، فضلا عن العديد المحدود التي كانت تتألف منه، والعتاد الحديث الذي نستخدمه حاليا في مهامنا فإن الفرق واضح. فعندما نتحدث عن تاريخنا، علينا ان نضع نصب اعيننا مستقبلنا المرتبط بالتحديث والتطوير. وقد بدأنا هذه الخطوة مع تحديث معهد قوى الامن الداخلي ليكون اكاديمية نموذجية تعتمد اساليب وبرامج تدريب تماشي التطور العالمي. وكان لا بد لنا ان نلجأ الى تطوير معداتنا وتجهيزاتنا التي تساعدنا في تنفيذ مهامنا الموكلة الينا، من اسلحة وتكنولوجيا ومعلوماتية. وعمدنا الى تطويع العنصر النسائي، والمفاجأة التي وجدناها في ارشيفنا ان اول سيدة دخلت الى قوى الامن الداخلي كانت السيدة عائشة خياط من صيدا، في العام 1930. وعمدنا ايضا الى التطويع التخصصي لنكون اكثر حرفية في الاداء، واضفنا الى ذلك تمارين تلحظ الجانب الاستباقي في الامن وتؤهل العناصر لكي تتعاطى مع اصعب الاوضاع الامنية واخطرها لاسيما التصدي لجرائم الارهاب ورصد الشبكات التجسسية وتفكيكها وتوقيف اعضائها، وملاحقة شبكات ترويج المخدرات والاتجار بالبشر وتوقيف الضالعين فيها بالجرم المشهود. ونحن نسعى دائما لتعزيز التنسيق القائم مع كافة الاجهزة الامنية، وبخاصة مع الجيش اللبناني. وفي المقابل ننفذ خطة استراتيجية وضعناها تحت عنوان: “معا نحو مجتمع اكثر امانا”، انتهجنا فيها رفع مستوى الكفاءة عند ضباطنا وعناصرنا وتفعيل الشراكة مع المجتمع المدني، وحصاد هذه الشراكة بات مثمرا خصوصا بعد تفعيل الدور التوعوي واعتماد وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فارتفع معها منسوب الثقة والاطمئنان الى مؤسسة تحفظ امن الناس وتراعي حقوق الانسان وتحترم القانون، واضعة الجانب الاخلاقي في قائمة اولوياتها. وقد تكرس ذلك في انشاء خدمة الشرطة المجتمعية التي انبثقت بعد دورات تدريبية متخصصة مواكبة للتطور المجتمعي بما يليق بمؤسسة عريقة، مع تعميم تجربة الفصيلة النموذجية التي تحققت بدعم ومساعدة الدول الشقيقة والصديقة العربية والغربية”.
وختم بالقول: “لكي نبقى في قلب التاريخ لا بد لنا من وقفة صدق مع النفس وتصويب الاخطاء التي لا يمكن ان تسلم منها اي مؤسسة. وبغية تصويب الامور فقد اصدرنا امرا عاما تم تعميمه على جميع ضباط قوى الامن الداخلي وعناصرها لنحضهم على احترام القانون والعمل بمنطوقه والالتزام بمضمون القسم الذي يؤدونه عند انخراطهم في المؤسسة، والتقيد بروحيته وعدم تجاوز حد السلطة او استعمالها خلافا لنص اليمين الصريح في ذلك القسم. فمن اجل بناء الدولة القوية التي نحلم بها علينا مكافحة الفساد والفاسدين. ونحن نقولها صراحة، اننا في قوى الامن الداخلي ماضون في محاسبة كل مرتكب، ولن نقف عند هذه الحدود، انما سنكون في المرصاد للفساد والفاسدين على مساحة الوطن. ونحن نعرف ان الرهان كبير على قوى الامن الداخلي، وسنبقى على قدر المسؤولية التي التزمنا بها لتطبيق القانون والحفاظ على النظام والسلامة العامة. واخيرا ليس هناك ارقى واجمل من ان يكون للامن عيد، فلولا الامن لسقطت كل الحسابات السياسية والاقتصادية والتنموية. عيد قوى الامن الداخلي هو عيدكم، هو عيد لبنان ولن نطمع في هذه المناسبة الا ارضاء الرأي العام والمجتمع وكسب ثقتهم.
عشتم فخامة الرئيس! عاشت قوى الامن الداخلي! عاش لبنان!”.
الرئيس عون
بعد ذلك، القى رئيس الجمهورية كلمة جاء فيها: “ايها الحضور الكريم، اسهب المدير العام لقوى الامن الداخلي في شرح مهام القوى الامنية، ولا يمكننا ان نضيف على ما قاله. الا اننا عندما ننظر الى الوراء، لنحو 157 سنة، نرى ان الظروف التي نشأت فيها قوى الامن الداخلي لم تكن دائما مريحة، ففيها نكسات كما فيها نجاحات. من بداياتها في ظل الحكم العثماني، ثم في مرحلة الحرب العالمية الاولى حيث تعرضت الى هزة كبيرة وقد أسهمت المجاعة في تفرق عناصرها. وفي العام 1920 عاد تمرينها على يد الضباط الفرنسيين. من هنا وما بعد تكونت قوى الامن الداخلي بشكل ثابت واصبحت في تقدم مستمر الى ان وصلنا اليوم الى هذه المرحلة التي تتميز بالتكنولوجيا والعلم والاستمرارية. والاهم هو انها تؤمن استمرارية الحفاظ على الامن، فهي تسهر ليل نهار. ونحن نهنىء في المناسبة جميع القوى الامنية وخصوصا التي تكافح الجريمة، على نجاحاتها الدائمة. فليس عندنا جريمة اليوم الا ويلقى القبض على المجرم الذي ارتكبها، ضمن 24 ساعة كحد اقصى واستثنائيا 72 ساعة”.
وأضاف: “هذا الامن الفعال يجب ان يستمر على الدوام. وانا اعرف ان القيمين على القوى الامنية قادرون على تحقيق ذلك، وهم مندفعون في سبيل خدمة الوطن. ومن جهتنا، فقد اعطينا الجيش القوة اللازمة والغطاء اللازم، فقام بدوره على سلسلة الجبال الشرقية حيث طهر المنطقة من الارهابيين. واليوم هناك تعاون وتنسيق بين الجيش وقوى الامن للحفاظ على الاستقرار والامن في لبنان”.
وقال: “ان الامن والاستقرار هما الاساس للازدهار، فإذا لم يكن هناك من امن واستقرار لا يأتي سائح ولا يبنى مصنع، ولذلك فاننا نعمل على الدوام من اجل تثبيت الامن والاستقرار في لبنان. ونحمد الله ان الامن مستقر الا ان قليلين هم الذين ينتبهون الى اين كنا واين اصبحنا. فالقضايا اليوم التي تشغل المجتمع اللبناني تشرد به في اتجاه اجواء نفسية متشائمة بينما الوضع ليس متشائما ابدا. ان الامن مستتب، والمواقف السياسية سليمة جدا سواء على مستوى الخارج او الداخل، لكننا لا نسمع في بعض الصحف الا الاخبار السيئة وهي تبنى على امور تافهة. ونحن نأمل في ان نتساعد جميعنا مع الاعلام في مسح الصورة المتشائمة عند الشعب اللبناني. نقول اننا سننفذ امرا ما، فيردون علينا انكم لن تقدروا. نقوم بتنفيذه، فيردون انه لن ينتج… من اين اتى هذا الرفض النفسي القائم؟”
وختم: “ان الامن والاستقرار ليسا كافيين، وعلينا اراحة الناس نفسيا، والاعلام مسؤول عن ذلك في الطليعة، لأنه اذا بدأنا بالتشاؤم لدى كل خطوة نقوم بها، فهذا دليل اننا اصبحنا شعبا فقد الثقة بنفسه وهو غير قادر على الخروج من ازماته. نحن نطمئن جميع اللبنانيين اننا معكم. اعيدوا الثقة بانفسكم وقدرتكم على متابعة حياتكم واعمالكم. كل الشعوب تمر بازمات لكن الازمات لا تذلل اذا ما يئس شعب. نحن لسنا بيائسين، بل اننا نسير امام شعبنا ولدينا ملء الثقة ان اي ازمة نعيشها سنخرج منها”.
جولة في المعرض
بعد ذلك، قدم اللواء عثمان هدية الى كل من الرئيس عون والرئيس الحريري والوزير المشنوق عبارة عن بندقيات كان يستخدمها افراد قوى الامن اللبناني، اميركية الصنع ويعود تاريخ تصنيعها الى مرحلة الحرب العالمية الثانية، قبل ان يقطع الجميع قالب حلوى للمناسبة.
بعدها، قص رئيس الجمهورية شريط المعرض ايذانا بافتتاحه، قبل ان يجول في ارجائه يرافقه الرئيس الحريري والوزير المشنوق واللواء عثمان، مستمعا الى الشروحات حول اقسامه والمعروضات فيه من ازياء عسكرية الى صور واسلحة وآليات استخدمها افراد قوى الامن الداخلي منذ نشأة المؤسسة. كما تضمن المعرض تاريخ قوى الامن من ارشيف النقيب الراحل جوزف نعمه وابنه العميد المتقاعد ادونيس نعمه. وفي ختام الجولة هنأ الرئيس عون والرئيس الحريري الوزير المشنوق واللواء عثمان على المعرض، ونوها بالجهد الذي بذل لتنظيمه.