احتفلت جامعة الروح القدس – الكسليك بتخريج حوالى 1510 طالبًا وطالبة، أطلق عليهم رئيسها الأب البروفسور جورج حبيقة “فوج الفرح 2018″، حاملي شهادات الإجازة والماستر والدكتوراه من الاختصاصات كافة في الحرم الرئيسي وفي فروع الجامعة الثلاث. وقد جرى خلال الحفل منح دكتوراه فخرية للنائب نعمة افرام، تقديرا لمساره العلمي والوطني والروحي والثقافي والسياسي والاجتماعي، وإنجازاته الكبيرة في حقول متنوعة.
حضر الحفل قدس الأب العام نعمة الله الهاشم الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية والرئيس الأعلى للجامعة، والآباء المدبرون في الرهبانية، والنائبان أنطوان حبشي وشوقي الدكاش، ونقيبة المحامين في باريس ماري إيميه بايرون ممثلة بالمحامي جان ماري بورغوبورو، وعدد من الآباء، وأعضاء مجلس الجامعة، وجمع من المقامات الروحية والقضائية والحزبية والعسكرية والأمنية والسياسية والجامعية والتربوية والبلدية والاختيارية والمدنية وأهالي المتخرجين…
بدأ الحفل بدخول موكب الأساتذة والمتخرجين، تلاه النشيد الوطني اللبناني، ثم تلا الأب حبيقة صلاة لمباركة الاحتفال.
فرح
قدّمت الحفل الإعلامية إليز فرح التي قالت: “تختصر عبارة “عام مضى” أشهرًا طويلة من التعب، أيّامًا غير معدودة من التحضير، ساعات مضنية من الدرس ولحظات لا تنتسى من الخوف والهم، وكلّ ذلك لوجهة وحيدة هي ميناء الأمان حيث الانطلاق برحلة جديدة مرتكزة على بوصلة الروح القدس. إنّها البوصلة التي قادت على مدار أعوام متتالية، أعدادًا لا تحصى من المتخرجين وجعلتهم يحملون جوازات سفر الى أصقاع العالم مختومة بالمعرفة والتفوق والصلابة وأدبيات العيش في أوطان الآخرين…”
اسطفان
ثم ألقت الطالبة سارة اسطفان كلمة المتخرجين، فقالت: “أقف أمامكم اليوم مليئة بالثقة والعزم والتصميم وخصوصاً الانتماء. فأنا أنتمي إلى هذه العائلة وقيمها ورسالتها؛ أنتمي إلى هذا الحرم الجامعي الموقر وصفوفه وأساتذته ودروسه الأكاديمية وزملاء الدراسة. إنّ الوقت الذي قضيته هنا كوّن شخصيتي وجعل مني الشخص الذي كنت آمل أن أكونه يومًا ما. أينما ستأخذني سبل الحياة، أعلم أن هذا الانتماء وهذه القيم ستبقى راسخة فيّ دوما”.
الأب حبيقة
وبعد وقفة موسيقية قدّمتها نجمة المسرح الغنائي كارين رميا، ألقى رئيس الجامعة الأب حبيقة كلمته بالمناسبة، وقال فيها: “وأنا أجول بناظري على أفواج متخرجينا سنة 2018، أراني مندفعا تلقائيا إلى تسبيح الله، مصدر الوجود ومصبه، مُصعِّدا إليه أبهى آيات الشكر وأعطرها على نعمة الحياة والطاقة الادراكية التي وهبنا إياها لكي نبحث ونطارد المجهولات ونتلقن ونعي ونعقل بدون كلل ولا سأم، مبتهجين بجزيئات المعارف التي تعكس لنا قبسا من حقيقة الله المطلقة. وأنا أرنو إلى أفواج المعرفة الواعدة هذه، يحمِلُني شعور الامتنان إلى كل واحد من الرهبانية اللبنانية المارونية، أكان رئيسا سابقا أم نائب رئيس أم عميدا أم مدرسا أم إداريا، وإلى كل أستاذ عميد ومدرس وموجه وإداري، ساهم، بكفاءة عالية، في إيصال هذه الأفواج إلى حيث هي عليه من علم واندفاع وشغف وأحلام وانتظارات. وشكري العميق أسوقه إلى رأس هذا الهرم الإداري الكبير، إلى الرئيس الأعلى لجامعتنا، قدس الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم، على مده لنا، بسخاء وفرح، بكل ما أوتي من زخم إنساني وروحي وعلمي، يشكل الرافعة الأساسية لجامعة الروح القدس الكسليك، لتبقى، على الدوام، المنارة المعرفية الهادية في لبنان والمشرق، والحاضنة المحفِّزة لأهل الريادة”.
وقال: “ها أنا أقف للمرّة الثانية هنا، أمام الملتقى النوعي، كمؤتَمنٍ على الإرث التربوي الجامعي، لأقول لكم، إنني شديد الحرص على مواصلة ورشة الجودة والامتياز، كي تبلغ جامعة الروح القدس الكسليك، جامعتكم، مرتبة متقدّمة ومرموقة بين صروح التعليم العالي، وكي تتربع على عرش الجامعات الرائدة في العالم. وها هي جامعتكم اليوم، بفضل هذا الجهد التراكمي، منذ سنوات، تُصنَّف من قبل GreenMetric World University Ranking 2017 الجامعة الخضراء الأولى في لبنان وبين الجامعات الخضراء العشر الأولى في الشرق الأوسط. وتتويجا لسياسة جامعتنا في تنشئة الأجيال الصاعدة على حُبّ الطبيعة والمحافظة على البيئة ومواردها وتوسيع المساحات الخضراء وفرز النفايات من المصدر والاستفادة من الطاقة الشمسية في توليد الطاقة النظيفة وحماية الحرم الداخلي من ثاني أوكسيد الكربون، تتويجا لكل هذا المسار، مُنحت جامعتنا في الخامس من شهر حزيران الفائت جائزة Gaïa العالمية، على يد أمير مونتنيغرو ووفد أوروبي رفيع المستوى. والحدث القمة في الاعتراف الدولي بمكانة جامعتنا الأكاديمية، صنفتنا، منذ فترة وجيزة، المؤسسةُ البريطانية الشهيرة المتخصصة في ترتيب الجامعات في العالم Quacquarelli Symonds (QS) World University Rankings بين الخمس جامعات الأولى في لبنان، وبين الــــ 651 جامعة رائدة في العالم على 28000 جامعة في العالم”.
وتوجّه إلى الخريجين بالقول: “لا أغالي البتة إن قلت إننا في شرق ممزق ونازف ومشرد ومعذب. شعوبه تتدافع هائمة في مواكب الموت، تفتش عن الحياة في ثقافة الاحتضار، وتلهث وراء حقوق الانسان وكرامته وحريته في مسالك القهر والقمع والاذلال. في وجه هذه اللوحة القاتمة، أنتم مدعوون لأن تكونوا موجة الفرح في تفاؤلكم وعنفوانكم وتطلعاتكم. لا تقيموا أيَّ صداقة مع الخوف. من يخَفْ يمتْ كل لحظة، ومن لا يخافُ يموتُ مرة واحدة. فقد نهلتم من جامعة الروح القدس منهجية تبديد الأوهام وإفشال الفشل وتطويع الخيبات لمنطلقات جديدة واعدة، ومقومات المغامرات العاقلة، وطرائق صناعة الغد، وفنَّ الابتهاج بنعم الرب والمحافظة على الوجه البشوش ضمن منظومة الضحك الراقي وحُبّ الحياة. أودّ أن أمدَّكم بفلسفة الفرح، فلا تقولوا ماذا يجب أن أفعل لكي أحصل على الفرح؟ بل قولوا: كيف لي أن أتزوَّد بالفرح، كطاقة دافعة، لكي أُقدم على العمل والإنتاج والتغيير للأفضل والأَخْير والأجمل. قديماً ربط سقراط الفرح بالحكمة، وربطه أفلاطون بالخير والفضيلة والأخلاق، واتخذت الميتولوجيا الإغريقية الإله ديونيزوس رمزاً للفرح، ثم جاء في “سفر الجامعة” في الكتاب المقدس: “أن لا خير للإنسان سوى أن يفرح وتطيب نفسه في حياته”. وفي رسالة مار بولس إلى أهل فيلبي، دعوة صريحة لعيش الفرح، عندما قال: “افرحوا بالربّ كلّ حين، وأقول لكم أيضاً: افرحوا (فيلبي 4: 4)، وعندما ربط، في رسالته إلى أهل قورنتس، مفهوم الفرح بالعطاء: “إن اللّه يحبّ من يعطي بفرح”. ويقول أيضا القديس أغسطينوس: “إن شئتَ أن يكونَ فرحُك ثابتاً باقياً، إلتصق بالله السرمدي، ذاك لا يعتريه تغييرٌ بل يستمرّ ثابتاً إلى الأبد”. وفي الخلاصة، تُجمع أقوال الحكماء على أن الفرح ليس شيئاً جاهزاً قدر ما هو حصيلة جهاد عنيد، يبذله الانسان، ويحوّله إلى حالة من سرورٍ وجودي يُحدث فرقاً في حياته وفي حياة من حوله”.
ثم تابع بالقول: “افرحوا بالحياة كما هي، فتتحول إلى الصورة التي ترغبونها فيها. افرحوا بلبنان، بلدِكم ووطنكم، مساحةً فريدة لبشرية تتصالح على الدوام مع ذاتها في تآلف الاختلاف. افرحوا بلبنانَ، موطنِ التناقضات الجميلة، ومنبَتِ الأزمات المتناسلة أبدا من ذاتها، التي تجعل من بلدكم أنجع وسيلة لمعالجة الرتابة والضجر والسأم. افرحوا بالآخر المختلف الذي تتقاسمون معه العيش المشترك، فهو الطريق إلى ذاتكم، وهو يُثري وجودكم، ويعقلن ردّات فعلكم، ويُنزِل معكم التعدديةَ الفرِحة إلى الساحات العامة، لتزرعوها حرية، واحتراماً، وحباً، وخيراً، وحقاً وجمالاً. افرحوا حتى في الآلام التي قد تواجهونها، فهي تمحِّصُكم في أتّونها لكي تستحقوا العبور إلى القيامة. افرحوا في التجربة مهما قست، فهي امتحانٌ لصدق خياراتكم. ازدادوا فرحاً في الضيق، وحولوه إلى مخاض الولادة الجديدة. افرحوا إن أنتم ضعفاء، فتتعلمون أن عظمة الانسان تقيم أبدا في الهشاشة. افرحوا بالمهنة التي اخترتموها، فهي جواز عبوركم نحو التفوّق وتحقيق الذات. افرحوا بآبائكم وأمهاتكم الذين أعطوكم ذواتهم وكل ما يملكون لكي تحصلوا على المعرفة وتنطلقوا في الحياة وتصيبوا النجاحات وتختبروا فرح الوجود. افرحوا بجامعتكم التي حضنتكم سنين طويلة لتردّ الأمانة إلى ذويكم بعد أن شاركتهم أحلامهم في تنشئتكم وتأهيلِكم إلى الحياة، وتدريبكم على الانخراط في المجتمع وقيادته إلى مستويات أفضل”.
وختم الأب حبيقة كلمته قائلاً: “أنتم محظوظون الليلة، أن يكون خطيب تخرّجكم، من جسّد الفرح في كلّ مراحل حياته، فهو عاش فرح المعرفة والاختبار العلمي، وهو مصدر فرح العائلات التي تشكل الجسم الإداري والعملي في مؤسساته المتنوّعة، في لبنان والخارج، هو مصدر فرح الناخبين الذين أعطوه صوتهم بزخم وسخاء… هو الشاب أمامكم الذي أقصى معنى اليأس من حياته النشيطة، وجسّد المثال الأعلى لمن هو في سنّكم… هو الذي عمل بفرح وإيمان ورجاء، وتجاوز المصاعب بفرح، وتحمّل المسؤوليات بفرح، وأعطى الناس بفرح، عنيت به سعادة النائب المهندس نعمة افرام…”
الدكتوراه الفخرية
وقبل منحه الدكتوراه الفخرية للنائب افرام، ألقى الأب حبيقة كلمة عرض فيها لمساره العلمي المتألق ولحياته المهنية المحفوفة بالنجاحات، متطرقًا أيضًا إلى عمله في الشأن العام وعمله الوطني والإنساني…
ومما قال: “يسرني هذا المساء أن أقدم لكم جميعا شخصية فذة مقصوبة من هذا الجبل الأشم، يحمل في مطاوي وجدانه صلابة شعب عاشق للحرية، ومدمن على الكفاح من أجل حقوق الانسان، ومطارد عنيد للمعرفة والعلم، ومناضل لا ييأس ولا يستكين دفاعا عن رسولية كيان لبنان كمساحة حرة لشعوب معذبة وهائمة في شرق ظالم ومظلوم، إنه خطيب حفلة التخرج هذا المساء، سعادة النائب المهندس نعمة فرام…”
افرام
وبعد تسلّمه الدكتوراه الفخرية، ألقى النائب افرام كلمة قال فيها: “إحساس غريب ينتابني وأنا أقف أمامكم هذا المساء… وأنا، وكأنّها البارحة، كنت طالباً أبحث عمّا تبحثون عنه اليوم. عندما طلب منّي الأب الرئيس البروفسور جورج حبيقة أن أتكلّم في حفل تخرّجّكم، لم أتوقّع أن تشكّل لحظة كتابتي لهذه الأسطر- وأنا الذي لم أعتد الكتابة بل التحدّث من القلب – فرصةً، لاستعادة شريط حياتي منذ طفولتي حتّى اليوم. لم أكن أعلم أنّ اليد الخفيّة التّي أمسكت بيدي من حينه، هي مثابرة إلى هذا الحدّ. عنيدة هي، لكنّها أنيقة، حنونة، ومحبّة. لم أكن أدرك أنّ لكلّ انسان قدراً. طريقاً. ورسالةً… سمّوها ما شئتم، عليه أن يعيشها”.
وأضاف: “وأنا استعرض شريط ذكرياتي، استوقفتني لحظة معيّنة، أعتقد تعود إلى أوّل أيام مراهقتي، حين كان يعنّ في بالي سؤال، راح يتكرّر باستمرار: عمّا تبحث يا فتى في حياتك. السعادة أم الحقيقة؟ ما هو الأهمّ لديك؟ لم يفارقني قرع هذا السؤال، فبات هاجساً لم يبارحني، إلى حين قررت بوضوح وثبات، وبنوع من الفدائيّة والعنفوان، أن أفّتش عن الحقيقة. السعادة ليست همّي أجبت نفسي. أنا جاهز أن أفقدها. وأنا مستعد حتّى أن أرذلها، بحثاً عن الحقيقة. آنذاك، كانت الحقيقة بالنسبة إليّ هي أن أعرف كلّ شيء. أن أفهم كلّ شيء. كيف، ولماذا، ومتى، وأين؟ كم كنت مشغوفاً بالمعرفة هذه، في هذه المرحلة من حياتي. اعتبرت أنّ الاطّلاع عليها، يكمن في تجميع المعلومات، وربطها، وتحليلها. والالمام بها، يجعلني أفهم كيف تسير الأمور، وكيف تصّنع الأشياء. عشقت علم الفلك والطيران والميكانيك والكيمياء… في رحلتي البحثيّة نحو الحقيقة، اكتشفت أنّ المعرفة رياضة فكريّة وتهذيب للدماغ في طرق استعماله. وبعد مرور سنوات على هذه الحال، اكتنزت درايةً لا بأس بها في مواضيع علميّة مختلفة. وبطريقة طبيعيّة، رحت أبحث عن الواحد في التنوّع، وعن الرابط في الخلق. وعاد الصوت في داخلي يسأل، لماذا؟ أين المنطق في هذه العظمة؟ أين التناسق؟ ما هي الفكرة التي تربط كلّ شيء. لم أستطع أن أتجاهل البصمات الجليّة التي كانت تتكرّر، في كلّ ما أجمع من معلومات علميّة…”
وتابع بالقول: “من دورة الكواكب إلى الدورة الالكترونيّة. من الحقل المغناطيسيّ إلى حقل الجاذبيّة. من حياة النجوم إلى مسيرة المؤسّسات. من طيف الضوء والحرارة إلى طيف الموسيقى. من تعاقب الفصول إلى مراحل الحياة البشريّة. من الدورة الدمويّة إلى الدورة الاقتصاديّة. ترسّخت في قلبي وعقلي قناعة أنّ الخلق والمخلوقات لا يخضعون إلى نظريّة الصدفة. واقتنعت كامل الاقتناع، أنّ بصمات الخالق الواحد واضحة، دون أدنى شك، في الخلق كله. حينها دخلت في مرحلة من البحث عن معرفة جديدة. معرفة ذلك المهندس المبدع الخالق لهكذا بناء. وخلصت إلى نتيجة مذهلة: كما أنّ الخالق واحد، كذلك قد يكون هدف الخلق أيضاً واحد. ولا شكّ أنّ في هدف الخلق هذا، يلعب الانسان دوراً أساسيّاً…”
واعتبر أنّ “معرفة يسوع الخاصّة من خلال دخوله في تاريخنا، وهبة الروح القدس ملهم العقول، وتأمّل حقيقة يسوع ابن البشر من جيل إلى جيل، كوّن لي الحلقة المفقودة لإكمال المسيرة. السفر في الحقيقة. رحلة سنين ضوئيّة. بالتعرّف إلى يسوع، نفهم أنّ الحقيقة المطلقة لا نكتشفها إذا فتشنا عليها فقط، بل تعطى لمن يستحقّها…وهذا مفهوم جديد. الحقيقة هذه، هي حقيقة من الخالق، ” لأنّ المدعوين كثيرون والمختارون قليلون” على ما قاله متّى الرسول. حقيقة تخرج من القلب، تستنبط من الجوف، من الأحشاء، بالاختبار وليس بالخبرة. حقيقة تحرّر. حقيقة تملئك بحكمة الروح ونقاوة البصيرة وصفاء السلام، فتدخل بفرح عظيم وسعادة ألوهيّة. الحقيقة هذه تخفى عن الكثيرين منا. حقيقة لا تكتمل إلّا بالتجرّد والمحّبة والغفران. حقيقة تشرب من الفداء والتجردّ، وتفيض فرحاً وسعادة. حقيقة تتغذّى بالحبّ والغفران، وتبعث على الأمل والرجاء. هذه الحقيقة لا تزول لتأتي غيرها، بل تنمو بذاتها نحو الكمال”.
وختاماً، توجّه إلى المتخرجين بالقول: “إليكم أيها الأحبّة وأنتم تخرجون من عالم منظمّ وأنيق، إلى فوضى سوق العمل والحياة المعقّدة، أقول لكم في خلاصة رحلتي الأوليّة هذه: انّ كلّ شيء متناسق ومتواصل. نعيش ضمن أبعاد عدّة، لكن مترابطة، فهي من خالق واحد ولحظة واحدة. تعلّمت أنّه عندما بدأ الانسان يفهم قوانين الطبيعة، في القرون التنويريّة، بدأت تتدحرج عروش الملوك والسلاطين. فمهما علت شؤون السياسة، تبقى قوانين الطبيعة والإنتاج والاقتصاد أقوى. فشاء من شاء وأبى من أبى، إذا لم نصلح الإنتاجيّة في وطننا، لن يقف نمو الدين العام ولن نفلت من الانهيار الكبير. وتعلّمت أنّ المعرفة الحقيقيّة تقّرب من الايمان الصافي، وتبعد عن التزمّت والأصوليّة. فالمعرفة الحقيقيّة تنضح سعادةً ومحبة وسلاماً. ولأن لكلّ انسان وزنات ورسالة، ولأن الأوطان الراقية هي أرض خيّرة ومساحة خصبة لتفجير طاقات أبنائها وابداعاتهم، بالله عليكم أقول لكم وأنتم تدخلون عالماً يتخبّط بالحقد والجهل، أن تلتزموا بناء الوطن بتناسق تام مع قوانين الطبيعة وصفاء المعرفة وإلهامات الروح… فلن يكون لبنان بعد اليوم علامةً للفشل. ولن يكون لبنان بعد اليوم بلداً عاجزاً عن إدارة شؤونه. وطن عبء على مواطنيه وخيبة لمحبّيه. وطن يرهن أولاده بدين لأجيال قادمة، ويصل مستوى اليأس بين شبابه الى حدّ الانتحار الجسديّ. لا تقبلوا بعد اليوم أن باسم الطائفيّة والسياسة الضيّقة، ينقض كلّ ما تعلمتموه. لا تقبلوا بعد اليوم ألاّ تكون الإنتاجيّة، في صلب ميثاق عيشنا المشترك. ويكون التنوّع في الوحدة غنىً لكلّ واحد من أبناء لبنان. وشهادة حيّة في العالم، على قدرة أبناء الله الواحد، ومعاً، في تشييد مستقبل واعد. هكذا نبني وطناً يكون فيه “الانسان أولاً”، لأنّه محور الخلق وأرقاه. ويكون لبنان وطن سعادة الانسان ونموّه من ضمن مسيرة كونيّة نحو نهاية الزمن… وإلى ما ورائه المهيب!”
توزيع الشهادات
وفي الختام وزّعت الجوائز التقديرية على الطلاب المتفوقين: جائزة موسى بو فرح، جائزة نقابة المحامين في باريس، وجائزة نقابة المحامين في كان، ثم جرى توزيع الشهادات على المتخرجين والتقاط الصورة التذكارية وشرب نخب المناسبة.