خلال شهر نيسان من العام الحالي، أقرّت الحكومة اللبنانيّة “برنامج الإنفاق الإستثماري” والذي يتضمّن إنشاء وتأهيل أبرز مشاريع البُنى التحتيّة في لبنان، بإجمالي تكلفة تبلغ حوالي 23 مليار د.أ.، على مدى 12 عاماً (2018-2030) مُقَسَّمة على ثلاثة مراحل يمتدّ كلٌّ منها على أربعة سنوات، ويضمّ ما يتخطّى ال280 مشروعاً. يُقدِّم التقرير الذي أنجزته وحدة الأبحاث الإقتصاديّة في بنك الإعتماد اللبناني نظرة عامّة عن مشاريع قطاع النقل ضمن برنامج الإنفاق الإستثماري والتي لها حصّة الأسد من الأموال الملحوظة لتنفيذ البرنامج، بكلفة تبلغ 7.38 مليار د.أ. أو ما يُساوي 32% من الكلفة الإجماليّة للبرنامج، وسوف تتوزًّع الإستثمارات في قطاع النقل على 24 مشروعٍ منفصلٍ، يُلقي هذا التقرير الضوء على أهمّ تَبِعاتها وآثارها الإقتصاديّة والبيئيّة.
يُعاني لبنان من أزمة إزدحام مروري مُستعصية بسبب سنوات مُتتالية من الإستهتار وغياب التخطيط المُدُني ومشاريع الإستثمار في البُنى التحتيّة الأساسيّة في البلاد. بالإضافة، وفي غياب الوسائل البديلة كشبكة شاملة للنقل العام والقطارات، تُشكِّل السيّارات الخاصّة النسبة الأكبر (أكثر من 86%) من أُسطول وسائل النقل في لبنان. ويُقدَّر العدد اليومي للسيّارات التي تدخل إلى بيروت عبر الأوتوستراد الشمالي ب300،000 سيّارة بحسب البنك الدولي، فيما تدخُل حوالي 200،000 و150،000 سيّارة من المدخلين الجنوبي والشرقي بالتتالي خلال كل يوم عمل. كذلك، يشهد عدد السيّارات في لبنان تزايُداً ملحوظاً عبر السنوات حيث بَلَغَ 783،000 في العام 1997 حين كان عدد السّكان حوالي 3.1 مليون ما يُعادل 0.25 سيّارة للفرد الواحد، ليصل إلى 1.4 مليون سيّارة في العام 2015 بحسب إحصاءات وزارة البيئة ل5.85 مليون نسمة (يشمل النازحين السوريّين)، أي ما يُوازي 0.24 سيّارة للفرد الواحد (يرتفع هذا المُعدَّل إلى 0.32 إذا ما إستُثنيَ النزوح السوري). ولِجَعل الأمر أكثر تعقيداً، جاءت أزمة النزوح السوري لتُلقي بثقلها على الأوضاع الإجتماعيّة، السياسيّة، البيئيّة، والإقتصاديّة، وبالتحديد وبشكلٍ ملموس، على البُنى التحتيّة المُهترئة أصلاً.
تُشكِّل أزمة السير والإزدحام المُزمنة حملاً ثقيلاً على الإقتصاد المحلّي بما لها من تأثيرات مُباشرة وغير مُباشرة عليه وبما تفرض من عوائق على النموّ وتحقيق الإمكانيّات والإستفادة منها. بالإجمال، تتراوح الكلفة الإقتصاديّة لزحمة السير في لبنان بحسب دراسات عديدة مُنجَزَة من قِبَل بعض الوزارات اللبنانيّة والمنظّمات الدوليّة ما بين 5% إلى 10% من الناتج المحلّي الإجمالي، وهو مُعدَّل مُرتفع جدّاً نسبيّاً بحسب البنك الدولي. وتبرز هذه التكاليف، المُترافقة مع تكاليف الفرص الضائعة، على عدّة صُعُد مثل: التجارة وحركة النقل، كلفة النقل (بحيث تُشير بعض الإحصاءات إلى أنّه بالإجمال، تُشكِّل تكاليف النقل 15% من مجموع مصاريف الفرد الواحد، وهي نسبة جدّ مُرتفعة مقارنةً بالأرقام المُسَجَّلَة في دول المنطقة)، مأساة التنقُّل، سلامة الطُرُقات (بحيث تُقدِّر منظّمة الصحّة العالميّة في تقرير حالة سلامة الطرقات عالميّاً للعام 2015 عدد الوفيّات نتيجة وضع حركة المرور في لبنان عند 1،088 خلال العام 2015 ونسبة الخسائر الناتجة عن حوادث المرور عند 3.2% إلى 4.8% من الناتج المحلّي الإجمالي، أي أعلى من تلك في مُعظم الدول الأُخرى حول العالم)، والإستثمار. وإلى جانب التأثيرات السلبيّة العديدة على الإقتصاد، يُمكن أيضاً مُلاحظة تداعيات حال الطرقات وقطاع النقل على المُستوى البيئي. فبحسب دراسة عائدة إلى وزارة البيئة، بالتعاوُن مع برنامج الأُمم المتّحدة الإنمائي وصندوق البيئة العالمي، يؤثّر قطاع النقل بشكلٍ كبيرٍ على تلوُّث الهواء، مُشكّلاً ما يزيد عن 40% من الإستهلاك الوطني للنفط وحوالي 23.6% من مجموع إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري في لبنان.
ويأخذ تقييم برنامج الإنفاق الإستثماري بعين الإعتبار ويحاول تحديد مدى تأثير الإستثمار على الأداء الوطني على مستويي إجمالي الإنتاجيّة الإقتصاديّة والتوزيع الجغرافي للنشاط الإقتصادي. بالإضافة، إنَّ مقاربة برنامج الإنفاق الإستثماري المُقترح ليست محدودة ضمن نطاق تعزيز النمو الإقتصادي وتنمية البُنية التحتيّة المحلّية، إنّما تلحظ أيضاً المخاطر والإنعكاسات السلبيّة للأزمات الإقليميّة على كامل الإقتصاد كما والفرص التي قد تنشأ بُعَيد إنتهاء هذه الأزمات.
وممّا لا شكّ فيه أنَّه سيكون لبرنامج الإنفاق الإستثماري تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الإقتصاد اللبناني لما له من مساهمة إيجابيّة في كلٍّ من مجالات: التوظيف وخلق فرص العمل (بحيث من المُقَدَّر أن يخلق ما يُقارب ال 62.65 مليون يوم عمل بحسب أرقام الدولة اللبنانيّة، أي ما يُوازي مجموع 248،611 فرصة عمل ~ 20،718 فرصة عمل سنويّاً على مدى إمتداد برنامج الإنفاق الإستثماري والبالغ 12 عاماً)، الإستثمار، التجارة وحركة النقل، والتماسُك الإجتماعي والحدّ من التفاوُت والفقر.
وأخيراً، يفنّد هذا التقرير الآثار الإيجابيّة لمشاريع برنامج الإنفاق الإستثماري المُنتَظَرة على البيئة. فإنَّ عمليّة إعادة تأهيل وتوسيع الطرقات من شأنها أن تُخفّف من الإزدحام على الطرقات الفرعيّة والأساسيّة خارج، على مداخل، وداخل منطقة بيروت الكبرى، ما سيؤدّي إلى تخفيف زحمة السير، ما سيُساهم بدوره في إنخفاض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري وبالتالي في تحسين نوعيّة الهواء. بالإضافة، فقد كَشَفَت تقديرات البنك الدولي أنّه من شأن مُخطّط النقل العام الموضوع ضمن برنامج الإنفاق الإستثماري أن يحدّ من الإزدحام بنسبة 16% في منطقة بيروت الكبرى، أي ما يُساوي تراجُع بأكثر من 45،000 في عدد السيّارات التي تتنقَّل على الطرقات في اليوم الواحد، ما يوازي إنخفاضاً في المُلحقات السلبيّة المُرتبطة به بنسبة 0.5% إلى 1% من الناتج المحلّي الإجمالي.