وقّعت جامعة الروح القدس – الكسليك، ممثلة برئيسها الأب البروفسور جورج حبيقة مذكرة تفاهم مع مركز أي بي تي للطاقة (IPTEC) ممثلا برئيسه الدكتور طوني عيسى، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، حول “بناء مصنع تجريبي لإنتاج الديزل البيولوجي من زيت القلي المستعمل: مصدر للطاقة المتجددة والمستدامة والصديقة للبيئة”، في حرم الجامعة الرئيسي في الكسليك.
وحضر حفل التوقيع نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية البروفسور جورج يحشوشي، عميد كلية الهندسة في الجامعة الدكتور بربر الزغندي، ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي السيدة جيهان سعود، مدير مركز أشير للابتكار وريادة الأعمال في الجامعة الياس أبو فاضل، رئيسة اللجنة الخضراء في الجامعة الدكتورة سمر قزي عشقوتي، رئيسة قسم هندسة الكيمياء والبترول في كلية الهندسة الدكتورة نانسي زغيب.
عيسى
بداية ألقى د. عيسى كلمة تحدث في مستهلها عن ارتباطه العاطفي الوثيق والعميق بالجامعة وبالرهبانية اللبنانية المارونية منذ الصبا.
ثم لفت إلى أنه “من خلال هذه الاتفاقية “إنّما نقدّم إطارًا نموذجيًا ومتقدمًا حول نسج العلاقات التكاملية والتشاركية بين القطاع الأكاديمي والعلمي والبحثي، وبين القطاع الخاص وسوق العمل. فالشراكة التي نعلنها اليوم تتعدّى حدود التعاون العلمي والبحثي، لأنّها لا تكتفي بهذا القدر، بل تنطلق من البحث العلمي وتأخذه مباشرة نحو مشروع عملي وتنفيذي منتج ومفيد في كل الاتجاهات والنواحي العلمية والعملية والتثقيفية”.
وأضاف: “إن هذا المشروع يأتي في صلب استراتيجية أي بي تي النفطية ومركز أي بي تي للطاقة الذي هو الذراع العلمي والبحثي لأي بي تي. منذ العام 2012 أطلقنا الحملة الوطنية لخفض تلوث الهواء في قطاع النقل عبر ترشيد استخدام الطاقة. وما تزال هذه الحملة مستمرة بالتعاون مع شركاء كثر في القطاعين العام والخاص ومع المنظمات الدولية. وقد نفّذنا العديد من المشاريع وحملات التوعية، حيث نركّز على تحسين نوعية الوقود المستخدم، ونشجع على استخدام مصادر الطاقة النظيفة والأقل تلويثًا والصديقة للبيئة”.
واعتبر “أن الشراكة التي نعلنها اليوم مع الجامعة والتي نبدأها بمشروع إنتاج الديزل البيولوجي من زيت القلي المستعمل، هي جزء لا يتجزأ من مضمون الحملة الوطنية التي نستمر في تنفيذها. إن التفاصيل التقنية والعلمية للمشروع هي مفصّلة في اتفاقية الشراكة التي نوقّعها وفي الكتيّب التعريفي الذي نوزّعه. ونأمل من هذا المشروع النموذجي والرائد أن يحقّق النتائج الملموسة أو المحسوسة التالية: نشر الوعي والمعرفة ليس فقط حول المضار البيئية والتلويثية المتأتية من عدم التخلّص بشكل مناسب من مخلّفات زيوت القلي النباتية بعد استعمالها، بل أيضا” التوعية حول ما يمكن لهذه المخلّفات أن تحقّقه إذا ما تم تحويلها إلى مادة الديزل البيولوجي كمصدر نظيف ومستدام للطاقة؛ التوصل مع الجهات الوزارية والرسمية المختصة إلى إقرار اعتماد مادة الديزل البيولوجي رسميًا في لبنان، كواحدة من مصادر الطاقة النظيفة والبديلة والمتجددة، وتشجيع استخداماتها وتعميمه في كل القطاعات (إما عبر جعله إلزاميا” وفق نسب محددة أو عبر اعتماد نظام حوافز له)؛ أن ننتج الديزل البيولوجي عمليًا وإن بكميات محدودة، وأن نستخدمه في المولّدات والمحرّكات في الجامعة وفي محطات منتقاة من شبكة محطات أي بي تي في كل لبنان، وذلك كمصدر جديد للطاقة في لبنان، فنكون القدوة في هذا المجال، بمعنى أن يؤدي ذلك إلى زيادة فرص اللحاق بنا من القطاعات الأخرى عبر القيام بمشاريع مماثلة، كما يؤدي إلى تحرّك المراجع الحكومية لتنظيم هذا المصدر الطاقوي، بحيث يمسي الديزل البيولوجي المستخرج من زيت القلي المستعمل واقعًا لا مجال للتراجع فيه، ويضاف رسميًا إلى مصادر الطاقة المعتمدة في لبنان؛ وأن نضمن استدامة مشروعنا وتوسيع نطاقه عبر قيامنا بتسهيل انتقاله في مرحلة لاحقة إلى شركة ناشئة تولد من رحم مركز ريادة الأعمال في الجامعة، بحيث يمسي مع الوقت مشروعا” ذات قيمة اقتصادية وتجارية واسعة…”. كما أثنى على دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دعم المشروع وتوفير أفضل فرص النجاح له.
الأب حبيقة
ألقى رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة كلمة رحّب فيها برئيس شركة IPT الدكتور طوني عيسى، مهنئاً إيّاه على “عمل الشركة المميّز لأنها لا تهتم ببيع المحروقات ومشتقاتها وجني الأرباح فحسب، بل تولي أهمية كبرى للشق البيئي والعلمي- البحثي، لاسيما وأنّ الدكتور عيسى حائز على دكتوراه في الحقوق الأمر الذي يجعله مدركاً تماماً لقيمة البحث والمعرفة المحرّرة والمؤنسنة للإنسان. وهكذا تمكّنت الـ IPT من خلق موجة جارفة لكي يصبح العلم مرادفاً للاستهلاك المعقلن والصديق للبيئة. من هنا، أدعو أن تتمثّل الشركات الأخرى بهذه الشركة الفريدة”.
ثم أثنى على “هذا التعاون القائم مع مركز أي بي تي للطاقة، علماً أنّ جامعتنا قد صنفت الجامعة الخضراء الأولى في لبنان وبين أولى عشر جامعات في الشرق الأوسط. وعند ولوج الحرم الجامعي، يمكن للزائرأن يلاحظ على الفورمدى المساحات الخضراء فيه، وهذا ما يكشف عن مدى التزامنا الثابت بمخططات الحفاظ على البيئة”. واعتبر أن “لبنان هو آية في الجمال، وأنا على يقين أنّه ليس هناك بلد آخر في العالم يتحداه بالجمال الطبيعي الذي أعطاه إياه الخالق. ولكن، للأسف، اللبناني قد شوّه بشكل ممنهج ومضطرد هذه الجمالات الطبيعية لأنّ همّه الأول لم يكن الحفاظ على هذه اللوحات الخلابة الممهورة بتوقيع الطبيعة، إنّما تحقيق إنتاجية مدرة للأموال، أقل ما يقال فيها متفلتة وغير معقلنة”.
كما تابع الأب حبيقة بالقول: “ولد مفهوم التنمية المستدامة في العام 1987 في تقرير الأمم المتحدة الذي وضعته رئيسة وزراء النروج آنذاك، وهو يعني أن يلبي الانسان حاجاته الأساسية من موارد الطبيعة، ولكن من دون أن يستنفدها أوأن يشوهها، واضعا نُصب عينيه حاجات الأجيال اللاحقة. وكما يقول البابا فرنسيس في رسالته Laudato si أي” كُنْ مُسَبَّحًا”، إنّ كوكبنا مريض ومشرّد بين الناس المهمّشين والفقراء. من هنا يتعاظم اندهاشنا من أن نرى في لبنان شركة نفطية تتخطّى مبدأ تحقيق الأرباح لتهتم بالشق البحثي والبيئي”.
ثم أردف قائلاً: “صُنّفت جامعة الروح القدس من بين أفضل جامعات العالم وبين الجامعات الأولى الخمس في لبنان بحسب مؤشرQS World University Ranking 2019. كما حصلنا على جائزة GAIA العالمية تقديراً لعملنا الدؤوب في مجال الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، خصوصاً لجهة فرز النفايات من المصدر، واستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة النظيفة، واستخدام المركبات الكهربائية لتخفيف التلوث. وجاءت هذه الجائزة كدعمٍ دولي لنا لنتابع مسيرتنا البيئية في هذا البلد الذي يعتبر رمز الحياة والجمال والخَضار. بيد أن حضارتنا الاسمنتية قحَّلت بساتينه وصحَّرت تلاله. لبنان بأمس الحاجة إلى إعادة ترميم أخلاقي. وعلى رجال السياسة أن يكونوا القدوة الصالحة أمامنا عبرفرض احترام القانون والحفاظ على مكوّنات هذا البلد الذي يشكّل مرجعية عالمية للتعددية والجمال الطبيعي”.
وختم الأب حبيقة شاكراً القائمين على “هذا المشروع الذي يحوّل النفايات المطبخية إلى مصدر لتوليد الطاقة النظيفة، على أمل أن نكون قدوة أمام الآخرين في ظل أزمة النفايات المستفحلة في لبنان. والأمر الذي يؤلمنا أكثرهو أن نشهد على تميّز الأدمغة اللبنانية وتألقها في العالم في شتى المجالات، وعلى تعطيل الأدمغة وحرفها عن المسار العقلاني في لبنان بسبب الفساد المتجذر والمزمن والممأسس في دوائر الدولة كافة. مَن مِن المغتربين بوسعه أن يتجرأ ويعرض برامجه التطويرية للبنى التحتية في لبنان بدون أن ينهشه حتى العظام القيِّمون على هذه المخططات في الدولة اللبنانية بفرضهم خوات خيالية على المردود والأرباح ؟ من هنا دعوتنا إلى أن تكون هذه الخطوة حجر الأساس لتعاون واعد بين القطاع المعرفي والبحثي الجامعي والقطاع الخاص. وختاماً، تتلخّص هذه الشراكة بكونها مغامرة علمية للحفاظ على البيئة وتربية أجيالنا على المحافظة على الأرض، كمساحة جميلة ولائقة للإنسان وتسليمها إلى الأجيال اللاّحقة بأبهى حُلّلها”.
حول المشروع وأهدافه
“إنتاج الديزل البيولوجي من زيت القلي المستعمل: مصدر للطاقة المتجددة والمستدامة والصديقة للبيئة” هو مشروع من تنظيم وتنفيذ جامعة الروح القدس-الكسليك (USEK) ومركز أي بي تي للطاقة (IPTEC) بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ، يهدف إلى إنشاء مصنع تجريبي في مركز الجامعة لإنتاج الديزل البيولوجي من خلال جمع زيت القلي المستعمل وإعادة تدويره، على أن يصار إلى تقاسم الإنتاج بين الجامعة والمركز، بحيث يمزج الديزل البيولوجي مع الديزل الأخضر بهدف استعماله في مولدات الكهرباء في الجامعة في حين تخصّص شركة أي بي تي النفطية بعض محطاتها من أجل بيع هذه المادة مباشرة.
سترافق المشروع حملات توعية واسعة وحوافز عدة لتشجيع المشاركة. وستُتّبع معايير الجودة في كافة المراحل، كما سيقوم المنظمون وبالتنسيق مع المؤسسات الوزارية والعامة المعنية بالعمل على دعم وتشجيع استخدام وقود الديزل البيولوجي في لبنان وهو مصدر بديل للطاقة أقلّ تلوّثاً من المازوت النفطي يمكن مزجه بنسبة حوالي 10% إلى 15% مع مادة الديزل الأخضر وبالتالي تشجيع استخدام الطاقة المتجددة والنظيفة وتقليل الانبعاثات الضارة.