استكمالاً لجولاتها التعريفية في المناطق اللبنانية، واصلت وزارة السياحة رحلاتها للإعلاميين، وحطت جولتها الثالثة في ربوع البقاع، بدءاً من بلدة تعنايل فمدينة زحلة ثم عنجر وآثاراتها التاريخية، تشجيعاً للسياحة الداخلية والإضاءة على المعالم السياحية والأثرية والدينية الداخلية.
وانطلق الوفد الإعلامي برفقة رئيسة دارة الإستقبال والإستعلامات في وزارة السياحة رشا أبوعليوي، التي وفرت كل سبل الراحة وسهلت عمل الإعلاميين في كافة محطات الجولة، فيما تولّت المرشدة السياحية جورجيت روحانا من شركة نخّال ترافل، الشرح المستفيض منذ إنطلاق الجولة وفي كل محطة منها.
المحطة الأولى من الجولة كانت بلدة تعنايل، حيث استضافت جمعية Arcenciel استراحة الفطور في مطعم “الخان المقصود” في مركزها، حيث تقدم المأكولات البيتية غير المصنّعة والتي ترمز إلى الأصالة والبساطة من خيرات الطبيعة الغنّاء.
واللافت في المركز ما يجسدّه من تعريف تراثي لبيوت الطين التي كانت رائجة تاريخياً في المنطقة، كما يبرز دور الجمعية في تنظيم وإقامة النشاطات ومهرجانات المونة البيتية الجاذبة للزوار من المنطقة وخارجها.
كسارة
بعد ذلك، انضم ممثل وزير السياحة سركيس مارديروسيان للوفد في زيارة لمصنع كسارة للمشروبات الروحية، حيث جال الوفد في أرجائه، لا سيما حيث خوابي النبيذ، المنظمة بتقنية وخبرة عالية، وقد تولّت رانيا شمّاس من قبل إدارة المصنع شرح عمليات حفظ النيذ ومراحل تصنيعه وتصديره.
مقام سيدة زحلة
ثم توجه الوفد إلى مقام سيدة زحلة والبقاع، وكان في استقبالهم خادم المقام الأرشمندريت إيلي أبي شعيا، الذي اشار أن المقام أصبح محجة لكل اللبنانيين على مختلف طوائفهم، وهو يرمز للسلام بين الأديان. كما تمّ إدراج مقام سيدة زحلة والبقاع وكاتدرائية سيدة النجاة على لائحة السياحة الدينية العالمية، من خلال كتاب وجهه وزير السياحة أواديس كيدانيان الى المطران درويش حمل الرقم 987/1 تاريخ 3/4/2018، أبلغه فيه بهذا الحدث.
ارتأى الزحليّون إقامة تمثال للسيدة العذراء على إحدى تلال زحلة، برزت الفكرة عام 1958، وتألّفت لجنة تعاقدت مع النحّات الإيطالي الشهير “بياروتي” لصنع تمثال “سيّدة زحلة والبقاع”، هذا التمثال يمثّل السيّدة العذراء حاملةً الطفل يسوع، مباركاً بيده اليمنى وحاملاً بيده اليسرى سنبلة قمح رمزًا لإنتاج البقاع؛ وتحمل العذراء في يدها اليمنى عنقود عنب رمزًا لإنتاج زحلة. تمّ تدشيّن التمثال في حزيران 1968، وهو أكبر وأجمل مشروع ديني سياحي لمنطقة زحلة والبقاع، وأكثرها تأهيلاً لزيارات السوّاح والمؤمنين، وهو أعلى برج في البقاع، يعلو 54 مترًا ويمكن من خلاله مشاهدة مناظر رائعة. هو مقام لسيدة زحلة والبقاع، في داخله مصعد يؤدّي إلى تمثال من البرونز بعلوّ عشرة أمتار للعذراء مريم. يقصده السوّاح والمؤمنون من زحليين وأجانب خصوصا في شهر أيار، شهر العذراء، من كل سنة.
الكاتدرائية
انتقل الوفد إلى كاتدرائية سيدة النجارة في مقر مطرانية الروم الكاثوليك، حيث كان في الإستقبال النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم الذي رحب بالوفد بإسم سيادة المطران عصام يوحنا درويش، كما تحدث الأب أدمون نحاس عن تاريخ بناء الكنيسة والظروف التي مرت بها وتطوير بنائها، فيما شرح المهندس إيلي عطالله الميزات والخصائص التي يتميز بها بناء الكنيسة والإكتشافات التي أظهرت تاريخيتها.
وتعتبـر مدينـة زحلـة أكبـر تجمـع مسيحـي في منطقـة الشـرق، وتتجمـع فيهـا مراكـز الطوائـف الرئيسيـة جميعهـا وبخاصـة المسيحيـة، وهـي: مركـز مطرانيـة الـروم الملكييـن الكاثوليـك في كاتدرائيـة سيـدة النجـاة منـذ 1720. ومركـز مطرانيـة الـروم الأرثوذكـس في كاتدرائيـة القديـس نيقـولاوس منـذ 1854. وفي زحلـة أكثـر من أربعيـن كنيسـة لمختلـف الطوائـف المسيحيـة عـدا الأديـرة للرهبـان والراهبـات والمـدارس التربويـة.
لقـد بنـى الزحليـون أولـى كنائسهـم حوالـي عـام 1700 فكانـت “سيـدة الزلزلـة” ومن ثـم بنيـت كنيسـة “مـار اليـاس المخلصيـة” وهـي ثانـي أقـدم الكنائـس، وفي حوالـي عـام 1720 بنـي ديـر “سيـدة النجـاة” ذو الفـن الهندسـي المعمـاري الجميـل والبرج العالـي. داخـل هـذا الديـر أيقونـة رائعـة للعـذراء قدمهـا ملـك بفاريـا لزحلـة. وحوالـي سنـة 1748 بنيـت كنيسـة مـار ميخائيـل ذات القناطـر الداخليـة الرائعـة ومن بعدهـا بنـت الرهبنـة الشويريـة ديـر مـار اليـاس الطـوق سنـة 1755 بعقـوده الرائعـة وهندستـه البديعـة إلى جانـب العديـد من الكنائـس والمـزارات .
بعد محطة الغداء في مطعم نبع عنجر، حيث أقامت وزارة السياحة مأدبة على شرف الوفد بحضور ممثل وزير السياحة سركيس مارديروسيان ورئيس بلدية عنجر والسيدة رشا أبوعليوي، توجه الوفد الى المدينة الأموية القديمة حيث قدمت روحانا شرحاً مفصلاً عن معالم المدينة القديمة وموقع عنجر الأثري.
عنجر
وفي عنجر استقبل رئيس بلديتها الوفد في دار البلدية، وألقى كلمة ترحيبية، شارحا فيها معالم البلدة وميزاتها، لا سيما تطويرها من بنى تحتية، وما تقوم به البلدية لإنمائها وتوفير سبل الجذب السياحي، ومدينة عنجر تُعرف أيضاً بحوش موسى، وهي عبارة عن بلدة لبنانية واقعة في محافظة البقاع إلى الشرق من لبنان، وهذه البلدة مأهولة بالسكان حيث يشكل الأرمن الأغلبية الساحقة فيها، كما يزور الأرمن من الشتات وكافة البلاد هذه البلدة في موسم الصيف، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة عدد سكانها إلى الثلث تقريباً، يرجع اسم المدينة الحالية إلى كلمة عين جره، وهو اسم أُطلق على الأراضي المجاورة لقلعة جره، حيث بنى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك هذه القلعة وذلك في القرن الثامن للميلاد، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه القلعة بقيت ماثلة حتى يومنا هذا على الرغم من إهمالها لفترات طويلة، وهي تتميّز بجمالها وعراقتها الأمر الذي دفع منظمة يونسكو إلى إعلانها كواحدة من مواقع التراث العالمية وذلك في عام 1984م، ويشار إلى أنه في عام 1939م جاء إلى المنطقة المجاورة لبقايا القلعة ما يقارب من 5000 لاجئ أرمني من تركيا، حيث أقاموا فيها البلدة العصرية الحالية، وقد سُمّيت حارات البلدة بأسماء القرى التي نزح عنها السكان. الأهمية التاريخية لمدينة عنجر الأثرية أُنشئت عنجرة بالقرب من أحد أهم منابع أو عيون نهر الليطاني، الأمر الذي منحها موقعاً مميّزاً واسيراتيجاً على خارطة الطرقات التي كانت تشقّ البقاع في القدم، حيث كانت تعتبر الوسيطة للعديد من المدن بحيث تشكل عقدة رئيسيّة تلتقي عندها الطرق التي كانت تصل مناطق سوريا الشمالية بشمال فلسطين على وجه التحديد، بالإضافة إلى الطرق التي كانت تصل الساحل بغوطة دمشق، ومن الأمور التي ساهمت في ازدهارها تفجر العين عند سفوح جبال لبنان الشرقية، وهي العين التي أعطت المدينة اسمها الحالي.
في الفترة بين 705-715 م، أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بإنشاء مدينة عنجر المحصنة على بعد كيلومتر واحد إلى الجنوب الغربي من نبعها المعروف باسم عين جرا، حيث استعان بعدد من المهندسين، والحرفيين، والصناع البيزنطيين، وكذلك السوريين الذين يمتلكون خبرةً في تقاليد العمارة والزخرف القديمة الموروثة، حيث استخرج الحجارة اللازمة لبناء المدينة من عدد من المقالع المجاورة، مثل مقالع بلدة كامد اللوز، وقد نقلوا إلى المدينة أعداداً من العناصر البنائية المهمّة مثل: الأعمدة، والقواعد، والتيجان والتعتيبات، حيث تم الحصول عليها من بقايا الأبنية الرومانية والبيزنطية التي عثروا عليها في الجوار.
في عام 744م، تعرّضت المدينة للتدمير على يد الخليفة مروان الثاني وذلك بعد انتصاره على منازعه إبراهيم بن الوليد في معركة دارت رحاها بالقرب من المدينة، وفيما بعد وتحديداً في القرن الرابع عشر تحوّلت المدينة إلى تلال من الأطلال والتراب وسط مساحات شاسعة من المستنقعات، وقد ظلت على هذه الحال حتى عام 1943م، وذلك عندما بدأت المديرية العامّة للآثار اللبنانيّة مجموعة من الأعمال الاستكشافية.
المحطة الأخيرة في الجولة كانت في مجدل عنجر، التي تستقطب قلعة البلدة وجامعها الأثريان السياح على مدار السنة، حيث يتوافد الزوار في مجموعات عرباً وأجانب، بالإضافة إلى الرحلات المدرسية من مختلف المناطق اللبنانية.
الصور بعدسة: جوسلين جريس