أطلقت جامعة الروح القدس – الكسليك بالتعاون مع مياه تالايا مبادرة جامعة الروح القدس – الكسليك- تالايا USEK -talaya Waterfull initiative ، في حفل نظمته لجنة الأخضر Green Committee في الجامعة، في حضور نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني، النائب شوقي الدكاش، رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة وأعضاء مجلس الجامعة، رئيس مجلس إدارة مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية L.A.R.I الدكتور ميشال أنطوان افرام، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة مياه تالايا (شركة مياه ترشيش) مارسيل الحاج، رئيسة لجنة الأخضر الدكتورة سمر القزي عشقوتي، وحشد من الوجوه الاجتماعية والتربوية والبيئية… في حرم الجامعة في الكسليك.
وقد أتت هذه المبادرة انطلاقًا من حقّ الجميع في شرب مياه نظيفة، واحتراماً لالتزام الجامعة بكوكب أكثر استدامة. ومن خلالها سيتمكن كلّ فرد في الجامعة من شرب ماء عذبة طوال السنة، محترماً موارد بيئتنا القيّمة. ومع أفضل منظومة أنابيب مياه، ستؤمن لأسرة الجامعة مياه نظيفة عبر شبكة مؤلفة من خمس نوافير منتشرة في كافة أرجاء حرم الجامعة، حيث سيتمكن الجميع من شرب مياه منعشة طوال الوقت، وإعادة استخدام زجاجة الماء، للمساهمة بخفض عدد البلاستيك الذي يُرسل إلى مطامر النفايات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة هي سابقة وأولى من نوعها في المنطقة، إذ تساهم في المحافظة على صحة الإنسان من خلال حثه على ضرورة شرب كميات من المياه النظيفة يوميًا، فضلًا عن أنها تساهم أيضًا في الحد من استخدام عبوات المياه البلاستيكية وبالتالي الحد من التلوث البلاستيكي الذي بات يهدد بيئتنا أكثر فأكثر.
بعد النشيد الوطني، ألقت عريفة الحفل الطالبة ميليسا سيدي كلمة تلاها عرض فيلم وثائقي قصير عن المراحل التي سبقت للتحضير لهذه المبادرة والهدف من إطلاقها.
القزي عشقوتي
ثم تحدثت رئيسة لجنة الأخضر في الجامعة د. سمر القزي عشقوتي عن “التحدي الكبير في الحفاظ على بيئتنا وعلى جمال طبيعتنا، وفي احترام حق الإنسان بالبيئة النظيفة والمياه النظيفة، والأهم توعية طلابنا على أهمية الرؤية المستدامة من أجل مستقبل ناجح”، مشددة على أهمية الرسالة البابوية Laudato Si “حول العناية بالبيت المشترك” ومعتبرة “أن هذه المسؤولية ليست مسؤولية جماعة لا بل هي تقع على عاتق الجميع دون استثناء”.
وأضافت: “مشروعنا الذي نطلقه اليوم وهو حق الإنسان بالمياه النظيفة، وهو أحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ل SDGS ، ودعوتنا لطلابنا لاستعمال هذه المياه للتخفيف من ضرر البلاستيك على الصحة وعلى البيئة هو خير دليل على هذا الموضوع. كل هذه الأهداف حثتنا على وضع خطة عمل حول موضوع المياه وهذا المشروع هو أول نقطة في سلسلة مشاريع بيئية تتعلق بالمياه”.
وختمت: “التحدي قد بدأ وسنستكمل المشاريع التي حققناها حتى اليوم بالكثير من المشاريع الأخرى، انطلاقًا من إيماننا بجعل جامعتنا نموذجًا مصغرًا عن وطن نحلم التوصل إليه وبالتأكيد سنتوصل، لأنه لا مساكنة للإيمان والخوف، ولأننا نؤمن أنه يدًا بيد، وكل فرد من موقعه، نستطيع أن نحقق الكثير…”
الحاج
بدوره، ألقى الرئيس والمدير التنفيذي لشركة مياه تالايا (شركة مياه ترشيش) مارسيل الحاج كلمة أشار فيها إلى أنّه “منذ الثمانينات، قامت الشركات الكبيرة بدفع مليارات الدولارات للضغط لإقناع الجميع بأنّ شرب المياه لم يعد حقاً من حقوق الإنسان بل بات حاجة. كما ضغطوا كي تتخلّى البلديات عن واجبها لتأمين مياه شفة نظيفة إلى المنازل وأرادوا أن يتدخّل القطاع الخاص لتأمين مياه شفة آمنة. وهكذا، عملوا على أن تكون مياه الشرب متاحة للشراء من قبل المستهلك أكثر من ضمان حق الإنسان الأساسي في الحصول على مياه الشرب. فانعكس ذلك إيجاباً على الشركات الكبيرة وسلباً على البيئة. ومن جهة أخرى، أشارت آخر الإحصاءات أنّه يتم بيع سنوياً أكثر من 200 مليار عبوة مياه حول العالم وفقط عبوة من بين 6 عبوات يتم إعادة تدويرها. الأمر الذي يفيد الشركات الكبيرة ولكنه يضرّ بالبيئة. كما نشرت العديد من وسائل الإعلام العالمية تقارير عن الأضرار الصحية الناتجة عن العبوات البلاستيكية. لذا، حان الوقت لنتحرّك وإلاّ ستستمر الشركات الكبيرة بجني الأرباح وستتأذى البيئة وصحتنا على حد سواء”.
ثم أضاف: “جامعة الروح القدس- الكسليك هي أول جامعة في لبنان تبنّت مبدأ التنمية المستدامة وذلك بفضل جهود إدارتها وتحديداً اللجنة الخضراء فيها. وقد بدأ ذلك بحرم جامعي نظيف مليء بحاويات إعادة التدوير، وتنظيم الحملات التوعوية حول قضايا البيئة بين الطلاب، واعتماد الطاقة الشمسية كطاقة بديلة، واليوم تدشين خمسة ينابيع للمياه النظيفة. ومن خلال هذا المشروع، أصبح شرب المياه آمناً ومجانياً مسترجعاً مكانته كحق من حقوق الإنسان”.
افرام
وقدّم رئيس مجلس إدارة مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ومديرها العام الدكتور ميشال أنطوان فرام تقريراً حول التلوث في لبنان معرّفاً أولاً بالمصلحة التي تضمّ حالياً 12 مركزاً وكل مركز يضم فروعاً ومختبرات. أمّا شبكة محطات الرصد الجوي التابعة للمصلحة فهي الأوسع على نطاق أي وطن أو دولة، وتضم حاليًا 60 محطة على أن يزداد عددها ليبلغ 80 محطة في العام 2018. وقد فاز التطبيق الذكي التابع للمصلحة LARI-LEB مرتين كأفضل تطبيق ذكي في الدول العربية عامي 2016 و2017.
ثم عرض لجدول الأمطار للعامين 2016- 2017 مظهراً أنّ نقص الأمطار يتكرر من عام إلى آخر الأمر الذي يشكل مشكلة خطيرة على لبنان. وأشار إلى أنّ 60% من أراضي لبنان هي مهددة بالتصحّر وذلك وفقاً لدراسة أجريت حول التصحّر. بعدها، تطرّق إلى موضوع تلوث المياه حيث جرى أخذ عينات من مختلف المناطق اللبنانية، وقد أظهرت النتائج أنّ معظم العينات تحتوي على ثلاثة أنواع من الملوثات: تلوث معادن ثقيلة (زئبق، رصاص…)، تلوث كيميائي (نترات، كالسيوم، بوتاسيوم…) وتلوث جرثومي (جراثيم ناجمة عن مياه مجارير ونفايات). وخلال أزمة النفايات عامي 2015 و2016 قامت المصلحة بأخذ عينات من عصارة النفايات التي كانت متواجدة في مناطق الفنار – سد البوشرية والدكوانة على 3 مراحل: تشرين الأول 2015، كانون الثاني 2016 وآذار 2016.
كما أوضح إفرام أنّ المصلحة قامت بفحص مياه عدة أنهر (نهر شدرا، نهر الكلب، نهر بيروت، نهر أنطلياس)، وقد أتت جميع النتائج غير مطابقة للمواصفات جرثومياً وكيميائياً كما أنها تحتوي على الزئبق. كذلك، أجرت المصلحة تحاليل للمياه في مختلف مناطق الشاطئ اللبناني، وتراوح التلوث من خفيف ومقبول في شكا والبترون وجبيل والجية والدامور والناقورة إلى عالٍ جداً في العبدة وطرابلس والضنية وجونيه والرملة البيضاء وصيدا وصور. وأظهرت العينات التي أُخذت من عدة مواقع على نهر البردوني أنها ملوثة جرثومياً مع بداية ظهور للتلوث بالزئبق.
وختاماً، أشار إفرام إلى أنّ المياه المستعملة في بعض المطاعم غير مطابقة للمواصفات وأظهرت التحاليل أنّ 76% من عينات البوظة و100% من عينات مكعبات الثلج هي غير مطابقة للمواصفات. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى مياه المدارس والمستشفيات حيث أظهرت التحاليل أنّ عددًا منها غير مطابق للمواصفات.
الأب حبيقة
أما رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة فأعرب في كلمته عن “سروره بتدشين خمس نوافير لتأمين مياه شفة، صافية ونظيفة في الجامعة، هذه الجامعة التي حصدت، خلال هذه السنة، جوائز عالمية مهمة. فقد صُنّفت الجامعة الخضراء الأولى في لبنان كما حصلت على جائزة غايا العالمية للتنمية المستدامة، وذلك لأنها تنشّئ الطلاب على الطريقة المثلى للاستفادة من الطبيعة لتلبية حاجاتنا ككائنات بشرية والبقاء على قيد الحياة مع التفكير بالأجيال اللاحقة والتخلّي عن الأنانية القاتلة. إضافة إلى ذلك، صُنّفت جامعتنا بين أول ألف جامعة في العالم واحتلت المرتبة 651 عالمياً من بين 28 ألف جامعة”.
ثم أثنى الأب حبيقة على عمل الوزير الحاصباني الذي “أعطى خامةً استثنائية لمفهوم الدولة في الشأن العام، باعتراف الجميع، حيث كان مصدرًا للإزعاج الإيجابي، والإزعاج الإيجابي هو أن يهزّ ضمير القيميين على خدمة المواطنين ويدفعهم بالمثل إلى التخلي عن مدرسة الفساد والدخول في ذهنية المحافظة المتشدّدة على المال العام، والقيام بخدمة جميع المواطنين من دون أي تفرقة، بعيدًا من مفهوم الزبائنية والانتماء الحزبي الضيّق. كان ينفّذ بشفافية عالية سياسة رجل الدولة بكل ما للكلمة من معنى”.
وتابع بالقول: “نحن كلبنانيين ورثةُ الفينيقيين وTalaya تعني المياه في اللغة الفينيقية. وتجدر الإشارة إلى أنّ أوّل مؤسِّس لمدرسة فلسفية في التاريخ هو طاليس الفينيقي الذي انطلق من لبنان إلى مدينة ميليتوس في آسيا الصغرى وأسّس في القرن السادس ق.م أوّل مدرسة فلسفية. ويقول تياره الفلسفي بأنّ المياه هي أساس الوجود ولا حياة من دونها. واستذكر في كلامه النائب الرؤيوي موريس الجميّل حيث كان يدعو إلى مد أنابيب المياه إلى البلدان العربية المجاورة ومد أنابيب البترول من الدول العربية إلى لبنان ودفع الفروقات إلى خزينة الدولة اللبنانية لأنّ المياه هي الأغلى. فالمادة الأغلى في العالم ستصبح المياه، والحروب التي كانت تُشّن على البترول والمواد الأولية ستشّن في الآتي من الزمن على المياه. وشدّد في كلمته على أن لبنان هو واحة استثنائية في هذا الشرق المتصحِّر، ويذكره الكتاب المقدس أكثر من 70 مرة كبلد للجمال والفرح والمياه والحياة.”
ثم أردف رئيس الجامعة قائلاً: “أنعم علينا الله بكثير من الأمور، ولكن، للأسف، إنّ العمل السياسي الذي يمارسه بعض السياسيين هو فعل إجرامي بحق لبنان التاريخ والجغرافيا وبحق اللبنانيين. إلاّ أننا سنعتصم بالرجاء المسيحي الذي يتضاعف قوةً وزخماً في المصاعب والمحن وخيبات الأمل. وخيبات الأمل التي نعيشها تصبح بمثابة محفزّ لنا ولن تجرّنا إلى اليأس أبداً. وعلينا أن نعمل بعناد لكي نعيد هذا البلد صديقاً للحياة”.
وختم الأب حبيقة كلمته شاكراً “الدكتورة سمر القزي عشقوتي رئيسة اللجنة الخضراء في الجامعة والمنسقة السيدة داليدا صنيفر والطلاب الذين يشكّلون بطاقاتهم الذاتية واندفاعاتهم المنتفضة الموجة الخضراء التي ستُجدّد هامة هذا الشرق المتجعّدة بالبلايا والمصائب”. كما شكر بحرارة وامتنان السيد مارسيل الحاج وTalaya على هذا التعاون الواعد الذي هو فخر للجامعة التي لطالما شكّلت مساحة مميزة للتلاقي اللبناني الوطني ورأس الحربة في الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه في لبنان. وأكد أن الجامعة، بما تختزن من ثقافة نضالية، ستستمر بدون هوادة في هذه المعركة الفكرية والأخلاقية والوطنية والسياسية”.
حاصباني
وألقى الوزير حاصباني كلمة توجّه فيها للحضور بداية كنائب رئيس الحكومة، “لأنني كنت مسؤولاً وما زلت حتى اليوم وحتى إشعار آخر عن عمل اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة لأهداف الـ ٢٠٣٠. وترأست الوفد الرسمي للبنان في الأمم المتحدة لتقديم التقرير الأول للبنان عن التنمية المستدامة للـ ٢٠٣٠”.
وقال: “هناك 17 هدفًا لضبط إيقاع وإطار كل العمل المطلوب، لإنشاء مجتمع سليم ودولة متكاملة، إلى حد تشكيل الإطار المتكامل والشامل لأي استراتيجية من الممكن أن تضعها الحكومة، كاستراتيجية عامة للمستقبل على المدى البعيد والمدى القريب. وهكذا تُحل الكثير من المشاكل، لأننا سنعلم من أين يجب أن نبدأ. الهدف رقم ستة يعنى بالمياه النظيفة. وضمن هذا الهدف هناك ١٧ محورًا. وغالبية هذه المحاور أو جزء منها يتناول أهمية تواجد مياه شرب نظيفة لكل الناس، وكم هي أساسية في الحياة اليومية. وجزء كبير من هذه الأهداف يتناول أهمية معالجة والتعامل مع المياه الآسنة التي هي بمثابة قنبلة موقوتة لتدمير البيئة والصحة وإنهاء حالة المياه النظيفة إذا كان لدينا مياه نظيفة”.
وأضاف: “تكرس العديد من البلدان جهودها للحصول على مياه ليتمكنوا من شربها، أما نحن في لبنان، فلدينا الكثير من المياه ولكننا نصب الجهود لنلوثها ونعدم القدرة على استخدامها. وأنا كنائب رئيس الحكومة ترأست لجان مع بلديات لبنان كلها. وقد حضرت أكثر من 1200 بلدية هذه الاجتماعات، مع ممثلين من كافة الوزارات، لتحديد المتطلبات الأساسية للمشاريع الرئيسية في كل لبنان وعلى كل الأراضي اللبنانية. وكانت نتيجتها الوصول إلى مجموعة من المشاريع التي وجّهت الى مؤتمر سيدر الذي يعنى بتمويل كل هذه المشاريع. واكتشفنا من خلال هذه الاجتماعات وبشكل متكرر أن المشكلة الأكبر في كل بلدية من بلديات لبنان من دون استثناء هي الصرف الصحي والمياه النظيفة. فأقل من ٢٠٪ والبعض يقول ١٥٪ من مياهنا المبتذلة يكرّر أو يعالج، والباقي يذهب لتوسيخ الأنهار ولتدمير البيئة ولتلويث المياه الجوفية وتلويث بحارنا، للأسف. لذلك أقول لكم كوزير صحة عامة كل الذي نحاول أن نقوم به هو التوعية والتوجيه كما نحاول تفادي قدر الإمكان هذا الأثر على الصحة ونحاول أيضًا تأمين العلاجات لنستدرك الناس المتضررة من آثار المياه الملوثة على صحتهم على المدى البعيد وهي مسببة للأمراض السرطانية القاتلة، وهي على المدى القريب مسببة لبعض أعراض التسمم التي تعالج بطرق سريعة”.
وشدد على أنه “لذلك، حان الوقت لنتحمل المسؤوليات جميعاً لكي نصل إلى أهداف التنمية المستدامة في الـ٢٠٣٠ في القطاع الخاص والقطاع العام ومسؤولين. الاحظ اليوم أنه في كل حدث أو مشكلة في البيئة أو بالمياه تتوجه الناس للصحة، وهم على حق لأن آثارها على الصحة هو كبير. يقول البعض أن الوزير سيد وزارته ومسؤول عن كل شيء يحدث في وزارته. هذا المبدأ صحيح إدارياً وإجرائياً لكن ليس صحيح برسم السياسات العامة والتعاون بين الوزارات وتوزيع المسؤوليات كما يجب أن توزع. وإذا لم نبدأ من هنا لا نصل الى النتيجة السليمة التي نطمح لها”.
واعتبر أنه “تحمل وزارة البيئة ووزارة الطاقة والمياه مسؤوليات كبيرة حول خلق البيئة النظيفة من حولنا وحول تأمين مياه نظيفة للجميع وحول بناء وإنشاء وصيانة البنى التحتية للصرف الصحي. كل هذا يتوقف عند السياسة العامة للحكومة، على الموازنات التي يجب أن تؤمن، وعلى الاستثمارات في هذه البنى التحتية. تقع المسؤولية أيضاً على القطاع الخاص الذي يجب أن يتحلى بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية البيئية والصحية. وبالتأكيد ليست القضية فقط قضية ربح مادي بل هي أيضاً ربح إنساني واجتماعي. ومن هنا نصل الى التنمية المستدامة وفكرة الاستدامة، إن كان بالعمل والاقتصاد وان كان بالصحة والبيئة والمجتمع”.
ثم أشار إلى أنه “بالرغم من الصيت الذائع حول غنى لبنان بالمصادر المائية، فإن الأرقام العملية باتت تظهر وجود عجز بالميزان المائي مردّه إلى سوء إدارة ما تيسّر من مصادر، إما عبر غياب الإدارة الرشيدة أو بالاستثمارات الجائرة أو بهدر كميات كبيرة في البحر. فيغلب الشحّ والتقنين طوال السنة وتتهدد مجتمعاتنا بالأسوأ اذا نحن لم نبادر، خاصة مع ازدياد الحاجات المائية من مياه للشرب والاستعمال المنزلي نتيجة تضاعف عدد السكان وتبَدّل العادات والتقاليد الاجتماعية، إلى مياه للري نتيجة توسع القطاع الزراعي”.
ولفت إلى أنه “قد بينت دراسة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الصادرة في العام 2014 وجود عجز في مناطق استراتيجية عديدة من لبنان كسهلي البقاع وعكار والسهول الساحلية، حيث بلغ التدني بالمستوى البيزومتري في البقاع حوالي 30 مترًا وفي عكار بما معدله 10 أمتار، وبلغ ذروته في الكورة وطرابلس فنزل من 20 مترًا فوق سطح البحر إلى 20 مترًا تحته. هذا بالإضافة إلى أن معظم الخزانات المائية الساحلية تعرضت لتداخل مياه البحر وارتفاع في ملوحتها بما يؤدي ذلك إلى ضرر بالغطاء النباتي وبالبيئة بشكل عام”.
وأضاف: “بالنظر إلى العجز الذي يشهده لبنان حاليًا والأرقام والوقائع المبينة للعجز المستقبلي فإنه من المهم التفكير الجدّي بوسائل مجدية وعملية لتأمين موارد مائية إضافية ولحماية الموارد الموجودة والحفاظ عليها.
فيقتضي استخدام وسائل متاحة بدءًا بترشيد استخدام مصادر المياه والتخفيف من كلفة الطاقة المستعملة في الضخ، اعتماد تقنيات الري الحديث، استعمال المياه المبتذلة المكررة، تخزين كميات من مياه السيلان السطحي في فصل الغزارة لاستخدامها في فترات الشحائح وبالتالي التخفيف من استعمال مخزون المياه الجوفية الاستراتيجي وحصر استعماله في حالات الضرورة القصوى، اعتماد التغذية الاصطناعية للطبقات الجوفية من المسيلات السطحية، وغيرها من الوسائل التي اثبتت جدواها”.
وتابع: “هذا في موضوع الكمية، أما عن النوعية فحدث ولا حرج. فمصادر مياهنا للأسف تتعرض لكل أنواع التلوُّث بسبب غياب شبكات الصرف الصحي عن معظم أراضيه، إضافة إلى المكبّـات العشوائية واستخدام الأسمدة والمبيدات ورمي الزيوت والمحروقات في طبقات المياه الجوفية والأنهار ومياه البحر”.
وشدد على أنه “يأتي الحل أحيانا ليزيد على الطين بلة. فاللبناني، والذي من أهم أسباب استمرارية مشاكله، قدرته على التكيف مع المشكلة كبيرة، وبما ان قدرتنا على التكيف كبيرة نتأخر في إيجاد الحلول عادة، فتكيّفنا مع مشكلتي النقص والتلوث في مياه لبنان لنستعيض عن مياه الدولة بالمياه المعبأة، فيضيف إلى همنا همومًا. فنجد ان محلات تعبئة المياه تنبت كالفطريات مفتقرة في معظم الأحيان لأبسط قواعد السلامة والصحة والأمان، وتتحول ما كان يجب أن تكون قيمة مضافة إلى سلعة تنافسية رخيصة تتحدى القانون والنظم والاشتراطات الفنية، فتتدعي سد فراغ ما كان ليحصل لولا سوء الإدارة التي هي جزء منه”.
ورأى أنه “في ظل هذه اللوحة السوداوية، وبالرغم من كل شيء، نجد من يولي قطاعي المياه والبيئة الجدية اللازمة وما وجودنا هنا إلا خير دليل على التزام البعض بقضية الإنسان الأولى. وعلى رأس اللائحة كما دائمًا يبقى أحد صمامات الأمان قطاعنا الأكاديمي. فنستأنس به ليرشدنا ونلجأ إليه ليكون سندًا في قراراتنا ونطلب مؤازرته في وضع الخطط والمقاييس والإرشادات”.
ولفت إلى “أن التنسيق مع القطاعات المجتمعية كافة وخاصة الاكاديمية منها يقع في صلب مفهوم الإدارة المتكاملة للمياه والموصى باعتمادها في البيان الختامي لوزراء المؤتمر الدولي للمياه والبيئة لعام 1992 (ما يسمى بمبادئ دبلن). وكما حددتها الشراكة العالمية للمياه، فإن الإدارة المتكاملة للمياه هي “عملية تشجع على التنسيق الحوكمة في إدارة المياه والأراضي والموارد ذات الصلة، بغية تحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي على نحو عادل دون المساس باستدامة النظم الإيكولوجية الحيوية”.
وأضاف: “يهدف هذا المفهوم إلى تشجيع التغييرات في الممارسات التي تعتبر أساسية لتحسين إدارة الموارد المائية مستندا إلى مبادئ المساواة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية والاستدامة الإيكولوجية. ويشمل تطبيق المعرفة من مختلف التخصصات، فضلاً عن رؤية كافة أصحاب المصلحة المتعددين لوضع حلول فعالة ومنصفة ومستدامة لمشاكل المياه والتنمية وتنفيذها. وهو بالتالي أداة شاملة للتخطيط والتنفيذ التشاركي لإدارة وتنمية الموارد المائية بطريقة توازن بين الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، وتضمن حماية النظم الإيكولوجية للأجيال القادمة، عبر استخدام إجراءات منسقة ضمن بيئة تمكينية مناسبة لضمان حقوق ومصالح جميع أصحاب المصلحة من أفراد ومؤسسات وشركات القطاعين العام والخاص”.
وختم: “كما ان الإرادة السياسية والالتزام والاستثمار الكافي والاستقرار المالي والاسترداد المستدام للتكاليف هي من الشروط الضرورية للوصول إلى الإدارة المتكاملة للموارد المائية، كذلك موضوع تنمية القدرات وهو ما يقع حصرًا عليكم أيها السادة وما تقومون به على أحسن وجه”.
وبعد توزيع الهدايا التذكارية على المتحدثين، توجه الحضور لتدشين نوافير المياه المنتشرة في الحرم الجامعي.