نظّم مختبر صوفيا التابع لقسم الفلسفة في كليَّة الفلسفة والعلوم الإنسانيَّة في جامعة الرّوح القدس – الكسليك حلقة بحث ماستر في فلسفة الدين، بعنوان “العنف والدين”، في حضور النائب الأول لرئيس الجامعة الأب البروفسور يوحنا عقيقي، عميد الكلية الأب البروفسور جان رعيدي، وجمع من الآباء والأساتذة والطلاب.
فياض
استهل المؤتمر بكلمة لرئيسة قسم الفلسفة في الكلية ومديرة مختبر صوفيا البروفسورة ماري فياض، أعربت فيها عن سرورها “بافتتاح النشاطات الأكاديمية للمختبر لسنة ٢٠١٨ – ٢٠١٩، وذلك للتفكير معاً في إشكاليّة راهنة تخصّنا جميعًا ألا وهي: “العنف والدين””.
وتوقفت في كلمتها عند نقطتين: النقطة الأولى، “تتمثّل بتسليط الضوء على النشاطات الأكاديمية المُوَزّعة على أربعة محاور، والتي تهدف الى تنمية القدرات المعرفيّة والفلسفيّة لطلابنا وتطوير مهاراتهم التحليليّة والنقدية وإلى إعلاء راية الفلسفة، أمّ العلوم كافّة. أما النقطة الثانية فتتناول لمحة عامة موجزة عن روزنامة نشاطاتنا هذا العام”.
ولفتت إلى أن “الجزء الأول من النشاطات سيتضمن محاضرات متخصصة سيلقيها أساتذة باحثون في المختبر أو أساتذة زائرون من جامعات أخرى في لبنان أو في الخارج. أما الجزء الثاني فسيشمل مؤتمرات ذات مواضيع معمّقة، كمحاضرتنا اليوم، في حلقات بحث متعلقة بالدراسات الفلسفية، المخصصة لطلاب الماستر والدكتوراه في الفلسفة. هذا وسيتضمن الجزء الثالث من النشاطات قراءات معمّقة لكتب فلسفية تعود لفلاسفة مهمين غير واردين في برنامج التعليم، وذلك في “دائرة القراءات الفلسفية” التي أسسها مختبرنا في أيار ٢٠١٨. ويتناول الجزء الرابع ابحاثا سيعدّها أعضاء وباحثون متخصصون في مختبرنا، والمنوي نشرها في كتاب جماعيّ”.
الأب عقيقي
ثم كانت مداخلة للنائب الأول لرئيس الجامعة وأستاذ مادّة فلسفة الدين الأب البروفسور يوحنا عقيقي تناول فيها مسألة العنف في الأديان، جذوره الإنسانيّة والنفسيّة والاجتماعيّة وبخاصّة الكتابيّة.
وعالج الأب عقيقي موضوعه من زاويتين إنسانيّتين اثنتين تميّزان الإنسان العاقل والمؤمن. المصدر اللغويّ للعنف والجذور الطبيعيّة للإنسانيّة العاقلة كما لفظتها ألسنةُ البشر على مدّ العصور، اليونانيّة منها على وجه الخصوص من حيث إنّها اللغة التي أعطت جذر العنف violence ڤي Bi وڤيا Bia ثمّ ڤيوس BioV والتي تعني فيما تعني أصلًا الحياة وقوّة الحياة وإرادة الحياة بكلّ ما في ذلك من ديناميّة وإقدام وقدرة على المجابهة والتحدّي حتى القتال من أجل البقاء، لكي تتماهى أخيرًا والموت على حدود الكائن. وهذا ما عبّر عنه هيراقليتوس في قوله إنّ “اسم القوس حياة وعمله الموت” (48)، وذلك تشديدًا على قوة الجهد اللازم للوصول إلى الهدف المنشود حيث لا فرق بين موت وحياة، إذا يكون موت أحدهم سببًا ونتيجة لتمسّك آخر بحياته والعكس صحيح. كما أنّه يشرح في مقتطفات أخرى كيفيّة انفصال الكائنات عن بعضها ذكورًا وإناثًا بفعلي العنف والضرورة، دون الحديث عن كره ما أو عدوان شرس، أو غضب مرضيّ إقصائيّ بل هي شرعةٌ حياتيّة للبقاء والاستمرار، تمامًا كما فعلت الآلهة الإغريقيّة في مخيّلة الرائيين والملهمين أمثال هوميروس وهزيودوس.
لا يبتعد السامي كثيرًا عن الموضوع إذ يعود لسان العرب ومعه مقاييس اللغة بكلمة عنف إلى الأنف والآنف السابق، والذي كان والذي قد يأتي ويتكرّر. ومنها العنفوان، “وعنفوان الشباب أوّله”، من أنفوان في قلب الهمزة عينًا، وهي حالة إنسانيّة إذ عبّرت عن شيء فعن هذه النزعة التكوينيّة للدخول إلى الحياة والتشبّث بها دون خنوع أو إذلال.
وبعد استعراض تحليليّ نقديّ لبعض اجتهادات فلسفيّة يختصرها نيتشه بإيجاز مُسهب فنراه يكرّر هيراقليتس ألمانيًّا ورومنسيًّا مُدخلًا كلمتي تعنيف Verletzungواستغلال Ausbeutung إلى جوهر معنى الحياة، أي أنّها من صلب طبيعة الحياة Sie gehört in’s Wesen des Lebendigen وليست كما يظن ّالبعض أنّها واقع مجتمع ناقص وبدائيّ.
أمّا دور الديانات فيتمظهر في إدارة هذا العنف الوجوديّ إذ يلحقه تارة بالله وطورًا يجد جذورَه في ضعف بشريّ ناقص وخاطئ. وللمحاولات والتحاليل العلميّة، إن لسيغموند فرويد أو لجورج غوسدورف، أكثر من رأي في الطرق الممكنة للتخطّي والإستيعاب وضبط النفس حتى تسامي النزعة العنفيّة إلى ما هو أفضل.
وفي موضوع منابع العنف الدينيّ أو الناجم عن ممارسات دينيّة مشبوهة وضالّة تحدثت الطالبة جاندرك شلالا عن العنف في الكتاب المقدّس من منظور يهودي تلمودي، والطالب جوزف خطّار عن العنف في الإسلام كما أنتجته ممارساتُ الاخوة المسلمين منذ التأسيس حتى اليوم.