افتتح صباح اليوم، المؤتمر السنوي الثامن للمسؤولية الاجتماعية للشركات بعنوان “ريادة الشباب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030” الذي تنظمه “CSR Lebanon” في فندق “فور سيزونز- بيروت” برعاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ممثلاً بنائبه محمد بعاصيري وحضور وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال النائب بيار ابو عاصي، وزير الدولة لشؤون المرأة جان اوغاسبيان، النائبين رولا الطبش و فؤاد مخزومي، وحشد من المصرفيين ورجال أعمال وممثلي هيئات اقتصادية ومهتمين.
القصار
استهل المؤتمر بكلمة مؤسس CSR Lebanon خالد القصار فرأى ان “المسؤولية الاجتماعية للشركات لا تكون عبر المساهمات الآنية، بل في الاستثمار الاستراتيجي والبحث والابتكار والتجديد”، لافتا الى “ان تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب من الشركات ان تكون على استعداد لدمج مخططاتها ومشاريعها المتعلقه بالاستدامة ومسؤولية الشركات بهذه الاهداف العالمية، وذلك لا يمكن ان يتم الا من خلال الانتقال من فهمها الضيق لأطر مساهمتها في المجتمع والبيئة، إلى الانفتاح على تغيير دراماتيكي في ادارة اعمالها يوميا ومقاربتها الاجتماعية والبيئية لاستراتيجيات أعمالها، وكذلك التفكير مليا بالغاية من وجودها في الاساس”.
وشدد على ان “مفهوم الاستدامة أو المسؤولية الاجتماعية للشركات، لا يتوقف على الشأن البيئي والاجتماعي، لا بل مسألة اساسية في مفهوم مسؤولية الشركات وهو محاربة الفساد بكل اشكاله، السياسي والاقتصادي والتلفزيوني والاجتماعي والأخلاقي، فساد الجمعيات التي لا تبتغي الربح وفساد الشركات وفساد في سرقة جهود الآخرين وتعبهم وأحلامهم، الفساد في الترويج للحفاظ على البيئة، ثم الاستثمار بمشاريع تدمر البيئة وتلوث الشاطئ، فساد استغلال المناصب”، مشددا على ان “الشركات التي تريد التزام المسؤولية الاجتماعية للشركات فعلا، عليها ان تتحمل قسطها من المسؤولية في محاربة الفساد كأولوية مطلقه ضمن برامجها”.
عربيد
ثم تحدث رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي شارل عربيد فرأى أن “المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات الأعمال هي زاوية جديدة لرؤية المصلحة العامة التي تشمل الجميع بخيرها، متجاوزة المدى المنظور إلى الأجيال المقبلة”.
ولفت الى ان “التوجهات التي اتبعها مصرف لبنان بتوجيه الحاكم رياض سلامة، كان لها الأثرالوازن في تشجيع المصارف ومؤسسات الأعمال على تخصيص جزء من مواردها لتطوير المجتمع والحفاظ على البيئة، التي تشكل ركيزة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، من هنا، تبلور مفهوم جديد للمواطنة الصالحة، طورته مؤسسات الأعمال التي رأت أن هذا المفهوم ليس حكراً على الأفراد، بل إن الشركات يمكن أن تطبق من خلال أدائها في داخلها وفي اتجاه الغير”، مشددا على أن “هذا الفهم الجديد والمتطور للمسؤولية الاجتماعية يحتاج إلى أن يصبح أكثر عمومية”.
أزهري
ثم تحدث رئيس مجلس إدارة ومدير عام بنك لبنان والمهجر سعد أزهري، فرأى أن المنتدى الثامن لـCSR Lebanon يكتسب كلّ سنة أهمّية متزايدة في تسليط الضوء على الدور الإيجابي والضروري الذي يلعبه المجتمع المدني بكلّ أطيافه في مجالات المسؤولية الإجتماعية والإنسانية. وأودّ في المناسبة أن أشكر المنظّمين والرّاعين وكلّ المشاركين في جلسات المنتدى على جهودهم في إنجاح هذا الحدث ورفع فعاليته إلى أعلى المستويات .
وأشار “أن ما يعزّز من أهمّية المنتدى هو تبنّيه لعناوين جديدة كلّ عام تواكب التطوّرات الحديثة في قضايا المسؤولية الإجتماعية للشركات. وينعكس هذا بالطبع على عنوان المنتدى هذا العام “SDGs and Millennials: Leaders of Sustainability”، الذي يتمحور حول جيل الألفية الجديدة ودوره الرئيسي في دعم أهداف التنمية المُستدامة. فالمعروف عن جيل الألفية الجديدة بأنه جيل ملمّ بتكنولوجيا المعلومات والحاسب الآلي، ولكنه أيضاً جيل واعٍ لقضايا التنمية الإجتماعية والإنسانية والبيئية ولديه القدرات الفكرية والعملية لتحقيق هذه الأهداف وبالتالي توفير مستقبل مشرق لهم وحياة هنيئة لسواهم في لبنان والعالم”.
ولفت “أننا في بنك لبنان والمهجر قمنا بالعديد من المبادرات التي تجمع جيل الألفية الجديدة مع أهداف التنمية المُستدامة. فقد تبنّى البنك الهدف الرابع وهو “هدف التعليم الجيّد” وجعله من صلب نشاطاته في المسؤولية الإجتماعية. وبالتحديد هناك أربعة نشاطات رياديّة جمعت بين جيل الألفية الجديدة والتعليم الجيّد: الأول هو برنامج “بلوم شباب” الذي يوجّه الطلبة نحو إختصاصات جامعية وفرص عمل تلائم مواهبهم وقد استفاد من البرنامج حوالي الـ 320,000 طالب وطالبة ، الثاني هو برنامج “Protect Ed” الذي يعلّم طلبة المدارس كيفية العيش في مجتمع خالٍ من العنف والعنصرية والمخدرات والإساءة إلى الأطفال كما استفاد من هذا البرنامج أكثر من 100,000 تلميذ وتلميذة بمشاركة 167 مدرسة، الثالث هو جائزة الـ “Hult Prize” التي ترعى منافسة للإبداع في المشاريع المتعلّقة بالربح الإجتماعي بين طلبة الجامعات ويتلقّى الرابح منهم جائزة 250,000 دولار لإطلاق شركة ناشئة لتطوير مشروعه أو مشروعها، والرابع هو مباراة الـ “Virtual Stock Exchange” التي تتضمّن مسابقات إفتراضية بين طلبة إدارة الأعمال والإقتصاد من ثماني جامعات لبنانية حول تعظيم المردود في أسواق الأسهم والسندات. ولا أبالغ القول أن هذه المبادرات لاقت إقبالاً ناجحاً وعزّزت رسالة البنك في مجالات المسؤولية الإجتماعية وقدّمت للمشتركين، خصوصاً الشباب منهم، خدمات قيّمة في مسارهم المهني والتنموي”.
وأضاف ” أن نشاطات البنك في المسؤولية الإجتماعية تتعدّى الهدف الرابع لتشمل معظم جوانب أهداف التنمية المُستدامة السبعة عشر. أذكر هنا بطاقة “عطاء” التي تساهم في نزع الألغام وزرع الأشجار مكانها حتى تعود الحياة للأراضي المتضرّرة، وقد تمّ حتى الآن “تحرير” حوالي أكثر من 230,000 متر مربع من الألغام والقنابل العنقودية. كما أذكر “بلوم بنك بيروت ماراتون” الذي يعمّم بنجاح ثقافة الركض والصحة والسلامة في لبنان والذي يدعم مختلف القضايا الإجتماعية والإنسانية والثقافية بمشاركة أكثر من 183 مؤسسة غير حكومية. وينسحب الأمر كذلك على العمل المؤسّسي داخل البنك، إذ لدى البنك العديد من السياسات والإجراءات التي تعزّز التنمية المُستدامة، أهمّها نظام عصري للحوكمة الرشيدة يحمي حقوق جميع أصحاب المصالح (Stake holders) والإنضمام – الأول بين البنوك – إلى مبادرة Investor for Governance Integrity وسياسة عدم التسامح (Zero tolerance) بشأن المخالفات الأخلاقية والمهنية وسياسة المساواة في الأجور بين الذكور والإناث العاملين في البنك، إضافةً إلى برامج بيئية تشجّع التدوير وتحدّ من الإنبعاث الحراري”.
وأكد أزهري إن القطاع المصرفي ككلّ كان وما زال من أكثر القطاعات عطاءً في المسؤولية الإجتماعية وفي تمكين جيل الألفيّة الجديدة. فقد قدّم القطاع حتى الآن حوالي الـ 15 مليار دولار من القروض المدعومة تضمّنت قروضاً سكنية وتعليمية وبيئية وغيرها. كما يوظّف القطاع أكثر من26,000 موظف وموظفة بلغ نسبة الموظفين منهم تحت الأربعين من العمر حوالي الـ 60% ويتمتّعون بإنتاجية وأجور هي الأعلى في لبنان. إضافةً، يقوم القطاع بإستثمار حوالي 365 مليون دولار في شركات التكنولوجيا الناشئة ضمن إطار تعميم 331 لمصرف لبنان الداعم لإقتصاد المعرفة، ويوفّر بذلك فرصَ عملٍ واعدة للمهارات اللبنانية في هذه القطاع الحيوي. هذا بالإضافة إلى رعايته للعديد من النشاطات الإجتماعية والثقافية والإنسانية التي تساهم بشكلٍ أو بآخر في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة في لبنان.
وختم مشيراً ” كلّنا يعلم الأهمية التنموية للمسؤولية الإجتماعية للشركات وضرورة تعزيز نشاطاتها في هذا الإطار.كما كلّنا يعلم الدور الذي يلعبه المجتمع المدني والمؤسسات غير الساعية للربح في توطيد الوفاق الإجتماعي، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة والتي تفتقر إلى وجودٍ فاعل للقطاع العام ومؤسسات الدولة. ومن المفرح جداً أن نرى أن هذا الدور وهذه النشاطات تنمو يوماً بعد يوم لما فيه خير للوطن والمواطن. ولكن ما نودّ أن نراه هو أن يعود القطاع العام ومؤسسات الدولة للعب دورهم الأساسي في دعم الأهداف المُستدامة للتنمية، أولّها من خلال تأليف عاجل للحكومة والبدء بإصلاحات هيكلية ترفع من نموّ الإقتصاد وقطاعاته الإنتاجية والتنموية”.
موهن
اما الرئيس التنفيذي لـ “المبادرة العالمية للتقارير” “جي.آر.أي” تيم موهن، فلفت الى ان “المشكلات كثيرة والحكومة وحدها لا يمكن ان تعالجها كلها، لذا فإن ثمة ضرورة لأن تساهم الشركات في معالجتها”.
وتحدث عن “اهمية تقارير الافصاح لدى الشركات والمعايير التي أطلقتها شركته لانتهاج الاستدامة وتتعلق بالمعايير البيئية وسلامة العمال وحقوق الانسان”، مشيرا الى “أن %92 من الشركات الـ 250 الاكبر في العالم تنشر تقارير الافصاح، وانه في العام 2016 تم استثمار نحو 23 تريليون دولار في شركات تستخدم العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية لتنفيذ اعمالها”.
وشدد على “أهمية تطبيق القوانين بغية إحداث تغييرات في مسائل عدة ومنها حماية البيئة ومحاربة الفقر وتحقيق العدالة للنساء والأطفال”، مؤكدا على “اهمية تطبيق المسؤولية الاجتماعية في الشركات والمصانع، وخصوصا حيال العمال والموظفين، وعلى أهمية تقارير الافصاح التي تعدها الشركات عن اعمالها حيال المسؤولية الإجتماعية في البيئة والإقتصاد”.
بجاني
وعبر كلمة مصورة، تحدث آلان بجاني باسم مجموعة “الفطيم” فرأى “ان CSR يتخطى لبنان منذ 8 اعوام ويوفر منصة للمناقشات ومساعدة الاشخاص على ان يأخذوا قرارات فاعلة”، مشددا على ان “الاستدامة باتت مسألة ضرورية جدا، و”الفطيم” تعتبرها من اهم التحديات وهي من ضمن رؤيتنا في كل المشاريع التي نقوم بها”.
ولفت الى ان “المجموعة تعتمد في عملها على اهداف التنمية المستدامة انسجاما مع الاجندة التي وضعتها الامم المتحدة عام 2015 والتي تضم 17 هدفا من اهداف التنمية المستدامة”، معلنا ان لديها “خطة عمل واضحة لتحقيق هذه الاهداف”، املا في ان “تكون اهداف المستدامة واقعا في 2030” .
واوضح ان “استخدام الطاقة المتجددة يساهم في تحقيق اهداف التنمية المستدامة، ونحن نعمل على تأثير أكبر في مجال التغير المناخي من خلال تحقيق هذه الاهداف”.
والتمانس
بدوره، سأل السفير الهولندي يان والتمانس “في اي بلد تريدون أن يعيش احفادكم بعد 25 عاما، في لبنان ينصح بعدم ارتياد بحره لما يمثله من مخاطر صحية، في لبنان جبال ملوثة بالنفايات، في لبنان يحتل المراتب الاولى عالميا في تلوث مياه الشرب، في لبنان يتوقع ان يتراجع معدل الاعمار فيه بسبب تلوث المياه والهواء والتربة، أم تريدون العيش مع احفادكم في لبنان تخطى كل هذه المشاكل وبات بلد الابداع، وهو الذي عرف بالفكر الريادي منذ عهود”، مشددا على ان “الوصول الى لبنان افضل يتطلب تخطي صعاب كثيرة منها تأثيرات اضطرابات المنطقة ومعالجة مشكلات الفساد والنازحين واللاجئين”.
وركز على “أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات في المساهمة في الاستدامة”، لافتا الى انها “يمكن أن تكون مكلفة في البدء، لكنها تؤمن منافع للقطاع الخاص على المديين المتوسط والطويل، ويمكن أن تدعم الابتكار”.
وإذ لفت الى أن “المستهلكين والعاملين في الشركات والمنظمات في الدول ذات الدخل المرتفع يلحون في مطالبة الشركات التزام المسؤولية الاجتماعية”، شدد على اهمية “التوعية في نشر هذا المفهوم والاستثمار في الشباب الذي يتمتع بكل المؤهلات ويعمل من دون حساب، لكنه يحتاج الى الثقة والامل بالمستقبل”.
بعاصيري
اخيرا، تحدث ممثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نائبه محمد بعاصيري، عن “الدور الحاسم الذي لعبه مصرف لبنان في الاقتصاد اللبناني من خلال تأمين استقرار العملة الوطنية وتحقيق النمو عبر المبادرات التي أخذها المركزي على عاتقه في موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات منها دعم فوائد قروض الاسكان على نحو آمن للشباب من الطبقات غير الميسورة فرصة الحصول على مسكن، اضافة الى اهتمامه بالبيئة، ودعم قروض التعليم انطلاقا من ايماننا بالموارد البشرية، ودعم اقتصاد المعرفة من خلال تعميم 331 لتمويل الشركات الناشئة”.
وقال: “هذه المبادرات وخصوصاً مبادرة دعم الإسكان لم تكن في إطار سياسة حكومية بل بمبادرة من مصرف لبنان، لا سيما في ظل فراغ دستوري على مستوى السلطات العامة (رئاسة الجمهورية وتأليف الحكومة)، الامر الذي لم يكن يسمح بتحقيق نمو بإستثناء ما تأمن من مبادرات مصرف لبنان”.
وإذ أشارالى “ضرورة مكافحة الفساد ووجوب المحاسبة والشفافية لأننا لا نريد أن يصير الفساد ثقافة”، اكد ضرورة ” الالتزام السياسي لمحاربة الفساد”.
وعقدت 5 جلسات عمل، الاولى بعنوان: قيادة التقدم في الاستدامة وتقييم آثارها والثانية: تطبيق اهداف التنمية المستدامة وتطوير الاستراتيجيات على المستوى المحلي. الثالثة: التجارب العالمية في تطبيق اهداف التنمية المستدامة والدروس التي يمكن الافادة منها. الرابعة: دور الجيل الحديد في ريادة التنمية المستدامة: مشاركة الشباب في تحقيق الاهداف العالمية.
واختتم المنتدى بجلسة حوار مفتوح خصصت للشباب وللاستماع الى مشاريعهم في حقل الاستدامة وأرائهم ونظرتهم للتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات ومناقشة دورهم في تحقيق أهدافها.