بقلم: د. عدنان يوسف
رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
أصدرت مجموعة الثلاثين مؤخرا دراسة قيمة وهامة للغاية للقطاع المصرفي تحت عنوان “السلوك والثقافة المصرفيتين: تغير دائم في العقلية”. تضمنت الكثير من القضايا الهامة المرتبطة بمخاطر السلوك والثقافة السائدة في المصارف وعلاقتها بالمشاكل التي قد تمر بها.
ومن وجهة نظرنا، فأن أهمية هذه الدراسة تنبع من كون صدورها جاء متزامنا مع مرور الذكرى العاشرة للأزمة المالية العالمية 2008-2009، وهو يعني أنه بالرغم من مرور نحو عشر سنوات على هذه الأزمة إلا أن العديد من البنوك العالمية المعروفة لا تزال تعاني من حالة عدم الثقة في أعمالها وذلك بسبب عدم تصحيح مسار السلوك والثقافة الذي مثل أحد الأسباب للانهيارات التي شهدتها.
في هذه الدراسة، تركز مجموعة الثلاثين على سؤالين أساسيين: (1) ما مدى التقدم الذي أحرزته الصناعة المصرفية في مجال الثقافة والسلوك منذ الأزمة المالية؟ و (2) إلى أين نحن ذاهبون من هنا؟ أي ما هي المجالات التي يجب على البنوك مواصلة التركيز عليها، وما هي الأسئلة المستجدة التي يجب التفكير في الإجابة عليها للمضي قدمًا؟
ومن دون شك، فأن البنوك والجهات الرقابية في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية، زادت من الاهتمام بالسلوك المصرفي وثقافته. ونتيجة لذلك، سعت البنوك إلى تنفيذ مختلف التطويرات لتحسين سلوكها وثقافتها. وقد تم بالفعل عمل الكثير في مختلف جوانب الصناعة المصرفية. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال الصناعة المصرفية تعاني من سمعة سلبية كما تقول الدراسة، ولا تزال الثقة فيها بحاجة إلى إصلاح لأن حالات الفشل الخطيرة في مجال السلوك المصرفي وثقافته لا تزال مستمرة في العديد من الأسواق. وتتطلب استعادة الثقة بذل جهود متواصلة في كافة جوانب الصناعة المصرفية. وعلى صعيد السلوك والثقافة، يجب أن تشكل مجالس الإدارة والإدارة العليا في البنوك نماذج يقتدى بها.
لذلك، ناقشت الدراسة بالتفصيل جملة من القضايا المتعلقة بالتقدم المحرز في مجالات رئيسية معينة مثل عقلية السلوك، والمساءلة العليا والحوكمة، وإدارة الأداء والحوافز، وتطوير الموظفين، والثقافة وإدارة المخاطر السلوكية وصلاحيات الجهات الرقابية والمنظمين ومعايير الصناعة. ويقدم التقرير توصيات للصناعة في اثني عشر مجالًا يرى أنه لا تزال هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود والاهتمام بشأنها:
التوصية الأولى تتعلق بضرورة قيام مجالس إدارة البنوك بإعادة تقييم هيكل الحوكمة لديها لضمان وجود لجنة خاصة تابعة لمجلس الإدارة تمتلك صلاحية الرقابة على سلوك البنك وثقافته. والتوصية الثانية تدعو مجالس الإدارة والإدارات العليا للعمل بشكل أوثق مع مختلف وحدات الأعمال ورؤساء الوحدات الجغرافية والوظيفية من أجل تعزيز توافر وجودة البيانات والنظرات المعمقة بخصوص إدارة السلوك والثقافة في منظماتهم. والتوصية الثالثة تدعو البنوك للنظر في التأثير المحتمل للحوافز الضخمة على آليات المكافآت لديها. وفي نفس السياق تدعو التوصية الرابعة البنوك لتفكيك الصلة بين أهداف المبيعات الكمية والمكافآت لموظفي المبيعات من أجل تقليل الضغط عليهم الذي قد يؤدي إلى سوء السلوك، ومساعدة الموظفين على تحديد أولويات تلبية احتياجات العملاء.
أما التوصية الخامسة فهي ترى أنه ينبغي على البنوك استكشاف الطرق للاحتفاء بنماذج يحتذى بها في السلوك في منظماتها، سواء في القرارات المتعلقة بالأعمال أو في المواقف الفردية. والتوصية السادسة ترى أنه على البنوك السعي لتعديل الهياكل التنظيمية لديها بحيث تعكس الدور الأساسي والمكمل الذي تلعبه الإدارة الوسطى في ترسيخ الإصلاحات الثقافية وتعزيز القيم في المستويات الأدنى من المنظمة، بينما التوصية السابعة ترى أنه ينبغي على البنوك أن تبذل الجهود لتشجيع التنوع والشمول في مكان العمل عن طريق تطوير وتغيير معايير التوظيف وممارسات تنمية قدرات الموظفين.
أما التوصية الثامنة فهي تتحدث عن ضرورة قيام البنوك بتعزيز بيئة “السلامة النفسية” التي تشجع الموظفين على التحدث بما لديهم من ملاحظات ورفع القضايا للإدارة العليا والمشاركة في إبداء الرأي دون خوف من العقاب. كما يجب عدم السماح بأنماط الإدارة التسلطية أو العدوانية. واستكمالا لها تتحدث التوصية التاسعة عن أهمية وضع آليات تأديبية ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لمخالفات السلوك لضمان أن يأخذ الموظفون هذه الإجراءات على محمل الجد. والتوصية العاشرة ترى أنه ينبغي على البنوك أن تركز على توظيف الأشخاص الذين ينسجمون في ثقافتهم مع أهداف البنك وقيمه وذلك لتعزيز مساعيها في خلق الثقافة الصحيحة للمنظمة، مع الإقرار بأن التوظيف هو عنصر حاسم في خلق الثقافة الصحيحة. بينما تدعو التوصية الحادية عشر البنوك إلى مواصلة جهودها من أجل جعل مخاطر السلوك في خط الدفاع الأول، كبقية أنواع المخاطر التي تواجهها، لضمان إن هذه المخاطر يتم تعيينها وإدارتها ضمن إطار سليم وفعال. وتدعو التوصية الثانية عشر البنوك لتوضيح وتعيين أدوار ومسؤوليات مراقبة مخاطر السلوك عبر مختلف وظائف الخط الثاني في المنظمة مثل وظائف الموارد البشرية والمخاطر والامتثال.
وأخيرًا، ومع استمرار الصناعة في تعزيز سلوكها وثقافتها ومعالجة الثغرات العالقة، تحتاج البنوك إلى تحليل التحديات الجديدة الآخذة في الظهور والاستعداد لها بصورة جيدة، على سبيل المثال الطبيعة المتغيرة للعوامل المؤثرة في السلوك والثقافة، خاصة مع دخول التحول الرقمي. كذلك الطبيعة المتغيرة لشعار “العميل أولا” وتجنب تضارب المصالح مع الشركاء الأخرين. كما أن عليها أن تطور مؤشرات كمية ونوعية لقياس الثقافة والسلوك في مؤسساتها، وأن تكون هناك درجة من الشفافية في الإفصاح عن الجوانب المهمة فيها للجمهور لتعزز ثقة العملاء فيها.