بقلم: هشام كركي
أما وقد أنهت القمة العربية التنموية: الإقتصادية والإجتماعية دورتها الرابعة، التي عقدت أعمالها في بيروت بنجاح، فإن ما استطاع أن يحقّقه لبنان من استصدار بيان خاص عن القمة مستقلّ عن إعلان بيروت، يؤكّد على أهمية أزمة النازحين واللاجئين خارج أوطانهم الأم، ما يدلّل على الجهود التي قام بها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، في ظلّ ما تتخبّط فيه المواقف السياسية المتباينة للدول العربية المنضوية تحت إطار جامعة الدول العربية، وقد تظهّرت مفاعيلها في مستوى التمثيل على مستوى الملوك والرؤساء في القمة.
على الرغم من الجدل الدائر حول مستوى التمثيل، إلا أن حضور ممثلي الدول المشاركة ووفودها في الإجتماعات التحضيرية لكبار المسؤولين، والمنتديات التي سبقت إنعقاد القمّة التي ناقشت بنوداً غاية في الأهمية، أدرجت على جدول الأعمال، من أهمها ما رفعه القطاع الخاص العربي من توصيات، تمّ الأخد بها والموافقة عليها كنتيجة إيجابية ناجحة بالمعايير التنموية والإقـتصادية والإجتماعية، التي تحمل القمّة إسمها وعناوينها، بعيداً عن المحاور السياسية المثقلة بالخلافات العربية البينيّة.
ومن علامات نجاح القمة التنموية، ما أكده “إعلان بيروت” بإجماع المشاركين كافة، والبنود الحيويّة المعنيّة بتحريك وتسهيل العلاقات والتبادلات العربية البينية على كافة الأصعدة التنموية الإقتصادية والإجتماعية، كما الإلتزام بمقرّرات القمم العربية التنموية السابقة في دوراتها الثلاث المتعاقبة، والتأكيد على أهمية إزالة الحواجز والعقبات التي تحول دون تنفيذها، بما يُمكّن من استكمال مسيرة العمل الاقتصادي والاجتماعي والتنموي العربي المشترك ويخدم المواطن العربي ويُحسّن من مستوى معيشته.
ومن أحد أهم ما تمّ إعلانه، وإدراكاً بأهمية التطوّر التكنولوجي والمعلوماتي وما أحدثه من تغييرات كبرى في تنظيم الاقتصاد العالمي، وما أفرزه من تقدم في مجال الاقتصاد الرقمي الذي أصبح محركاً هاماً للنمو الاقتصادي العالمي، وإيماناً بأهمية ضرورة أن تواكب الدول العربية ثورة الاتصالات والمعلومات، تأكيد ” إعلان بيروت” على ضرورة تبنّي سياسات استباقية لبناء القدرات اللازمة للاستفادة من إمكانات الاقتصاد الرقمي وتقديم الدعم للمبادرات الخاصة، والتأكيد كذلك على أهمية وضع رؤية عربية مشتركة في مجال الاقتصاد الرقمي. وانطلاقاً من هذه القناعة أطلق أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، مبادرة لإنشاء صندوق للإستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأس مال وقدره مائتي مليون دولار أمريكي بمشاركة القطاع الخاص، ومساهمة دولة الكويت بمبلغ 50 مليون دولار، وكذلك مساهمة دولة قطر بمبلغ 50 مليون دولار من رأس مال هذا الصندوق.
وفي مجال آخر، يبرز التأكيد على ضرورة متابعة التقدم المحرز في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومتطلبات الاتحاد الجمركي العربي، أملاً في الوصول إلى سوق عربية مشتركة، وبذل كافة الجهود للتغلّب على المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك. وفي ذات الوقت التأكيد على أهمية دعم وتمويل مشروعات التكامل العربي واستكمال مبادرة المساعدة من أجل التجارة. وتأكيداً على أهمية الدور الحيوي والهام الذي تلعبه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء، واعتماد مشروع الميثاق الاسترشادي لتطوير قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من أجل ضمان اندماج اقتصاديات الدول العربية في ما بينها وخلق مزايا تنافسية في ظل التكتلات الاقتصادية الدولية، وصولاً إلى تحسين مستوى التشغيل وتخفيض معدلات البطالة، مؤكدين على أهمية وضع آلية متابعة وتقييم لتحسين ومراجعة السياسات والبرامج الموجّهة لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
في مجال الطاقة، أشار الإعلان لأهمية مصادر الطاقة في ظل التغيرات والتطورات التي تشهدها دول العالم قاطبةً وأهمية تنويع مصادر الطاقة، فقد تمّ إعتماد الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030 بُغية تحقيق التطوّر المستدام لنظام الطاقة العربي، انسجاماً مع أهداف الأجندة العالمية 2030 للتنمية المستدامة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وفي ظل التحدّيات التي تواجهها الدول العربية والتي أدت إلى زيادة نسب معدلات الفقر والبطالة، فقد أشار ” إعلان بيروت” إلى اعتماد الإطار الاستراتيجي العربي للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد 2020-2030 كإطار يعزّز من الجهود العربية الرامية لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في المنطقة العربية، بهدف خفض مؤشر الفقر متعدّد الأبعاد بنسبة 50% بحلول عام 2030. ناهيك عن الإيمان بأهمية توفير الرعاية الصحية لجميع فئات المجتمع نظراً لما يشكله ذلك من انعكاس إيجابي على المجتمعات، حيث يعدّ توفير الرعاية الصحية للجميع بمثابة وقود للاقتصاديات المستدامة، وقد تمّت الموافقة على مبادرة “المحفظة الوردية” كمبادرة إقليمية لصحة المرأة في المنطقة العربية، وذلك في إطار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، من أجل ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار.
وتكمن أهمية اعتماد توصيات القطاع الخاص العربي انطلاقاً من أهمية دوره في تمويل التنمية المستدامة في الدول العربية لتحقيق النهوض والتكامل الاقتصادي والاجتماعي المنشود، وارتكازاً على أسس هذه التنمية، فقد رحبت القمة بنتائج المنتدى الرابع للقطاع الخاص العربي الذي عقد على هامش القمة العربية التنموية في بيروت، والذي هدف إلى بلورة تطلعات القطاع الخاص العربي بُغية تعزيز دوره المنوط به، وكذلك تكريس الدور الفاعل للمرأة العربية في مجتمع الأعمال العربي وتضييق الفجوة بين الجنسين وخلق آليات أكثر فاعلية لزيادة وتنمية التجارة العربية البينية وتعزيز دور الابتكار ودعم ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في سبيل اقتصادات عربية أكثر احتوائية، وإطلاق عدد من المبادرات التي تصب في صالح تحقيق التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي العربي.
يبقى أن ترؤس لبنان للقمة العربية التنموية، يحمّله مسؤولية متابعة وتنفيذ مقررّات “إعلان بيروت” ومندرجاته، ما دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى وضع تصوّر آليّة عمل، لا سيّما في ما يخصّ تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية، من شأنه أن يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربيّة المتضرّرة على تجاوز محنها، ويسهم في نموّها الاقتصادي المستدام. وقد تمّ تحديد موعد لانعقاد اجتماعات في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بهدف مناقشته، وهذه المبادرة تحتاج إلى متابعة سيعمل عليها فخامة الرئيس، وصولاً إلى طرح موضوعها أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في الإجتماع الذي يعقده قبيْل قمّة تونس في شهر آذار المقبل.