المشاركون شددوا على أهمية الموازنة المراعية للنوع الاجتماعي: باتت حاجة اساسية وتتطلّب التزاماً سياسياً وآليات تطبيقية
افتُتِحَت في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي التابع لوزارة المال، ورشة عمل حول “الموازنة المراعية للنوع الاجتماعي”، ورأت نائبة رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية الوزيرة السابقة الدكتورة وفاء الضيقة حمزة في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية، أن “الأوان آن لتنزيه كل القوانين من اي نص مجحف في حق النساء”، مشددة على أن “لا تنمية شمولية” في لبنان “من دون إزالة كل العقبات القانونية” التي تحول دون المساواة بين المرأة والرجل.
وتناولت الجلسة الافتتاححية موضوع “النمو الاقتصادي والنوع الاجتماعي”، وشارك فيها، إضافة إلى حمزة، رئيسة السياسات الاجتماعية في منظمة اليونيسيف سارة هاغ ومنسّق مركز المساندة التقنية للشرق الأوسط التابع لصندوق النقد الدولي METAC ماريو منصور.
بساط
وألقت رئيسة معهد باسل فليحان لمياء المبيّض بساط كلمة ترحيب وصفت فيها الموازنة المراعية للنوع الاجتماعي بأنها “أداة أساسية لقراءة الموازنة العامة واستخلاص السياسات التي من شأنها أن تحقق المساواة بين الرجال والنساء، وهي تسمح بتوجيه السياسات الاقتصادية والمالية نحو المزيد من الشفافية والفاعلية لاسيما في مرحلة التخطيط المالي والسعي إلى إدارج المشاريع والبنود التي من شأنها أن تحسّن من وضع المرأة ومن تحقيق التنمية”.
وإذ اشارت إلى أن “الموضوع يأخذ بُعداً أشمل اليوم كونه أداة أساسية لتطبيق أهداف التنمية 2030″، رأت أن “الموازنة المراعية للنوع الاجتماعي تتطلّب التزاماً سياسياً وآليات تطبيقية تضمن إدراج البعُد الجندري في التخطيط، وتتطلّب أيضاً الوصول إلى الداتا والأرقام بطريقة سهلة ومتكاملة وتحليل الموازنات واستخراج المؤشرات والمشاريع المناسبة”.
ودعت إلى “اللحاق بقطار التحديث المالي في العالم، وإلى ايلاء موضوع النوع الاجتماعي أهمية إذ أنّه لم يعد اليوم ترفاً بل أصبح حاجة أساسية في كافة الميادين من أجل ضمان تحقيق مخرجات ومشاريع عادلة تضمن المساواة وتفسح المجال أمام المرأة لأداء دور فاعل في الحياة الاقتصادية”.
حمزة
ورأت حمزة في مداخلاتها خلال الجلسة الافتتاحية أن “أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، بشموليتها وطابعها العالمي وغير الفابل للتجزئة، وضعت كل الدول أمام تحديات كبيرة لأنها جمعت بين مجالات حيوية مختلفة، بيئية واجتماعية واقتصادية، ومطلوب من كل الدول مواءمة هذه االخطة مع أولوياتها”.
واشارت إلى أن لبنان الذي وافق على بنود هذه الأجندة العالمية، “مهتمّ على أعلى المستويات بتحقيق هذه الأهداف”، ولاحظت أن “أهمية موضوع المساواة بين الجنسين في أجندة التنمية المستدامة تتمثل في أنها تقاطعت مع كل الاهداف الـ17 للأجندة، إذ أن في كل هدف جانبا يتعلق بالمساواة بين الجنسين”. وأضافت: “كان هذا أمرا ًجديدا وحيويا بالنسبة إلى قضايا النساء، ولبنان تعاطى من هذا المنطلق مع هذه القضايا، ولذلك لاحظنا أخيراً اهتماماً كبيراً، وتم إقرار مجموعة من القوانين أو التعديلات التي الغت مواد تشكّل حالة شاذة، كما بالنسبة إلى قانون العنف الاسري وقانون العقوبات وموضع العمل المرن، ولكن هذا ليس كافيا وحده، فالمهم أن تتوافر مجموعة من العوامل وأن تتضافر الجهود عبر كل المؤسسات المعنية بقضايا المرأة”. ورأت أن “الجهود الكبيرة التي تقوم بها الهيئة الوطنية لشؤون المراة، وتخصيص وزارة في الحكومة الجديدة للتمكين الاقتصادي للمرأة والشباب، تشكّل بوادر إلى أن لبنان ماضٍ في إيلاء اهمية لموضوع المساواة بين الجنسين، ولكنّ المطلوب أكثر بكثير”.
وأضافت: “لقد آن الأوان لتنزيه كل القوانين من اي نص مجحف في حق النساء، إذ رغم كل الجهود، لا يزال هذا الإجحاف موجوداً في مجموعة من القوانين. فثمة فجوة في الأجور مثلاً، علماً أن قوانيننا في النصوص تنص على الأجر المتساوي للعمل المتساوي ولكن في الممارسة الفجوة لا تزال موجودة”.
وشددت على “أهمية وجود مساواة في القوانين على المستويات كافة، كقانون الجنسية وقوانين الاحوال الشخصية”، مشددة على أن “لا تنمية شمولية من دون إزالة كل هذه العقبات القانونية”.
وأشارت إلى أن العمل جارٍ حالياً على معالجة كل “المعوقات التي تواجه موضوع المساواة بين المرأة والرجل”، ومنها “تطوير القوانين وتحقيق المشاركة فلي صنع القرار والمشاركة الاقتصادية ومواجهة العنف ضد النساء بأشكاله كافة”.
ورأت أن “من المعوقات أيضاً الموروث الثقافي والأنماط الجندرية”، واعتبرت أن إزالة هذه المعوقات “تبدأ من المنزل، وثمة دور كبير على مستوى التربية”، مشددةً على ضرورة “تعزيز توازن العلاقات على مستوى الأسرة بين الرجال والنساء”.
منصور
أما منصور فقال إن مركز المساندة التقنية للشرق الأوسط التابع لصندوق النقد الدولي “يعمل على دعم الدول في تنفيذ سياساتها”. واضاف: “مساهمتنا في لبنان ودول المنطقة في مجال الموازنة المراعية للنوع الاجتماعي تتمثل في بناء البنية التحتية والموارد البشرية التي تتيح للحكومات تنفيذ السياسات المراعية للنوع الاجتماعي”. وأشار إلى أن “هذه السياسات لا تعني جهة حكومية واحدة بل الجميع”.
وشدد منصور على أن “لا سياسة واحدة للنوع الاجتماعي، بل على كل دولة أن تختار سياسة النوع الاجتماعي التي تلائمها، تبعاً لما يمكنها تحمله ولتأثير هذه السياسة على حياة الناس وعلى النمو”. واضاف: “الحكومات والدول يجب أن تصمم سياساتها الخاصة للنمو المستدام وعليها أن تختار المهم لها وكيفية تنفيذه”.
واعتبر ان “سياسات النمو المراعي للنوع الاجتماعي مهمة للنمو في الشرق الأوسط، في ظل تراجع النمو في المنطقة”. وأوضح أن “النساء لسن ناشطات في سوق العمل، إذ أن 25 في المئة فحسب من نساء المنطقة يسعين إلى عمل، كما إن ريادة الأعمال في الشرق الأوسط والمبادرة الفردية هي الأقل في العالم”.
وعن الخطوات العملية المطلوبة لمقاربة موضع الموازنة المراعية للنوع الاجتماعي، قال: “علينا أن نؤمن البنية التحتية لإدارة المالية العامة، وهي تتمثل في إجراءات تتيح قياس السياسات. فالقياس مهم وضروري للسياسات الجيدة، وهذا ما يقوم به مركز المساندة مع دول المنطقة”. واضاف: “ايا كان نوع السياسة المطلوب تنفيذها، الموازنة يجب أن تتضمن تركيزاً على النوع الاجتماعي، لجهة درس تبعات بنود هذه الموازنة وتأثيرها على الجوانب المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وعلى حياة الناس”.
هاغ
ورأت رئيسة السياسات الاجتماعية في منظمة اليونيسيف سارة هاغ، أن “إدراج برامج مراعية للنوع الاجتماعي في الموازنة أمر مهمّ، ولكن لا يمكن فصله عن مسألة أوسع هي تعزيز قوة الموازنة ككل في البلد، فالأهم هو التركيز على التخطيط الأفضل للموازنة بأكملها، والعمل على جعلها أكثر شفافية”. واستشهدت في هذا الإطار بـ”موازنة المواطن” الاتي تصدرها وزارة المال سنوياً من خلال معهد باسل فليحان.
من جهة أخرى، رأت هاغ أن “الحماية الاجتماعية اساسية للنمو المراعي للنوع الاجتماعي”. ولاحظت أن في لبنان “جهات حكومية متعددة تقدم خدمات حماية اجتماعية، ولكن لا توجد استراتيجية واحدة وسياسة واضحة للحماية الاجتماعية، وينبغي بالتالي وضع استراتيجية موحدة لتحديد مستقبل الحماية الاجتماعية”. وقالت إن “بعض برامج الحماية الاجتماعية في لبنان يفتقر إلى الفاعلية ويجب العمل على تصميمها وتنفيذها بطريقة أفضل”.
وأشارت هاغ إلى أن “مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة”، مشددةً على أن “توفير الحماية الاجتماعية يمكّن النساء من المشاركة أكثر في سوق العمل فيصبحن أكثر إنتاجية”. وأضافت أن “الحماية الاجتماعية تكون اساساً للنموّ الشمولي في دول عدة، وتسهل دخول الناس إلى سوق العمل”.