شهدت العاصمة اللبنانية بيروت صباح اليوم الخميس افتتاح الدورة 27 لـ “منتدى الاقتصاد العربي”، بحضور راعي المنتدى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ورئيس مجلس الوزراء المصري د. مصطفى مدبولي، على رأس وفد مصري رفيع من القطاعين الحكومي والخاص، باعتبار أن مصر ضيف شرف المنتدى، حيث ضم الوفد وزراء الاستثمار د. سحر نصر، وزير البترول والثروة المعدنية المهندس طارق الملا، وزير الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة د. محمد شاكر المرقبي، وزير التجارة والصناعة عمرو نصار، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات د. عمرو طلعت، وزير القوى العاملة محمد سعفان، ورئيس اتحاد الغرف المصرية أحمد الوكيل.
وحضر حفل الافتتاح أكثر من 600 مشارك من 23 دولة، يتقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة، وزراء ونواب لبنانيون حاليون وسابقون، وسفراء، ورؤساء مصارف وشركات لبنانية وإقليمية ودولية ورجال أعمال من مختلف أرجاء البلدان العربية.
سعد الحريري
رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري أشار في كلمته خلال افتتاح المنتدى إلى أن “منطقتنا تمر بظروف حرجة ودقيقة تتطلب تعزيز التواصل والتعاون المشترك. وفي هذا السياق يأتي اجتماع اللجنة العليا المصرية اللبنانية الذي يهدف إلى تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق لتعزيز الاستثمار والتعاون المشترك بين لبنان ومصر”.
ولفت إلى أن “الاهتمام بقضايا الشباب وتأمين فرص عمل لهم أصبح قناعة راسخة وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون إصلاحات. وانطلق من التجربة المصرية في مجال الإصلاح الاقتصادي ليقول إن طموحات مصر في هذا المجال بمثابة قدوة علينا التمثل بها في لبنان. آملاً انتقال ما أسماها “عدوى” إلى جميع البلدان العربية، لاسيما مخاطبة المواطنين بصدق ومكاشفتهم بحقيقة المشاكل التي يواجهها البلد وقضايا الفساد”.
وتابع الحريري قائلاً إنه “بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سدّة الرئاسة في مصر، أخذ المبادرة وقرّر بالتعاون مع فريق عمل كبير أن يغير وجهة مصر، وهذا ما قام به بالفعل على الرغم مما تواجهه عموماً أية عملية تغيير من صعوبات لأن الناس اعتادت على ما نسميه “المنطقة الآمنة” وبالتالي تخشى التغيير”. وتحدث الحريري عن الوضع الراهن في لبنان، مصرحاً: “بلغنا مرحلة متأخرة وعلينا تحديث قوانيننا الخروج من الأزمة، وهو ما باشرنا به بالفعل ونقاسي على غرار ما قاسته مصر قبل ثلاثة أعوام في جميع المجالات، وما نحاول القيام به في لبنان فعلياً، هو ما قامت به مصر. ونحن في لبنان أمام خيارين، إما الانهيار الاقتصادي أو الاقتداء بالتجربة المصرية للوصول إلى ما نصبو إليه”.
ونوّه بأن “الصين وصلت إلى ما هي عليه نتيجة لعمل مستمر منذ ثلاثين عاماً. وقد حددت لنفسها هدفاً واضحاً وهو أن تكون أول دولة في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي. وهكذا مصر ستعود في غضون عشرة أعوام إلى ما كانت عليه، وتطور المستقبل لما فيه مصلحة الشباب المصري، وهذا ما يجب علينا أن نقوم به في لبنان، ونأمل أن تسهم اللجنة العليا المصرية اللبنانية في ذلك. وهذه “العدوى” يبدو انها انتقلت إلى دول الخليج التي نشاهد التحولات التي تعيشها”. لافتاً إلى أنه “على غرار مبادرة الحزام والطريق الصينية، علينا أن نبني مثل هذا الطريق بين الدول العربية.
وختم الرئيس الحريري بالقول: “إن لبنان يواجه تحديات جمة، إلا أننا مصرون، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وأنا على مواجهتها. ولا أنفي في هذا المجال صعوبة العملية إنما هي غير مستحيلة إذا ما كان علينا محاربة الفساد والهدر، فكل يوم يمر من دون تطوير قوانيننا هو اكبر مجالات الهدر، ومبلغ الـ 40 مليار دولار التي انفقت على الكهرباء هو خير مثال على الهدر”. مؤكداً على “عدم الرد على الأصوات المنتقدة للإصلاحات، فما نقوم به يهدف إلى تأمين مستقبل للشباب اللبناني”. ومستذكراً يوم وصول الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى سدة رئاسة مجلس الوزراء وكان البلد مدمّراً وعمّر لبنان… “وإننا سنعمّر هذا البلد”.
مصطفى مدبولي
أعرب رئيس الوزراء المصري د. مصطفى مدبولي عن سعادته بالمشاركة في أعمال “منتدى الاقتصاد العربي” في دورته السابعة والعشرين، والذي تتشرف مصر بكونها ضيف الشرف له هذا العام، متقدماً بالتهنئة إلى “مجموعة الاقتصاد والأعمال”، مُمثلة برئيسها التنفيذي رؤوف أبو زكي. الذي نجح في تحقيق الاستدامة لهذا الحدث على مدى 27 عاماً.
وأشار إلى أن لبنان يواجه حاليا تحديات شبيهة لما واجهناه، وبالعمل الدؤوب، سيتمكن لبنان من تجاوز كل هذه التحديات.
وعرض مدبولي أهم الجهود التي بذلتها مصر خلال السنوات الأخيرة لتحقيق الاصلاح الاقتصادي في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الشاملة والمستدامة، فمُنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد في يونيو 2014 ، رُسِمَت ملامح واضحة للانطلاقة كان أساسها تثبيت أركان الدولة وضمان استقرارها وأمنها داخلياً وخارجياً، ثم تلا ذلك ملفات خاصة بأبعاد اجتماعية؛ لضمان الاستقرار الداخلي الذي تزامن مع برنامج طموح لإصلاح الاقتصاد وتبنيه لإجراءات اتصفت بالجرأة والوضوح، وأضاف أن المخطط المصري يضع لأول مرة البُعد المكاني كمكون أساسي في خطط التنمية، جنباً إلى جنب مع البعد الزمني للخطة والتغيرات القطاعية؛ فقد كان التركيز على خلخلة الكثافة السكانية وضخ استثمارات ضخمة من خلال إطلاق 20 مجتمعاً جديداً؛ وهو ما أدى بالفعل إلى اتساع الطاقة الاستيعابية للاستثمار في مصر، والذي رصدته وأكدت عليه التقارير الدولية. وتحدث عن استراتيجية التنمية المستدامة والتي جاء في إطارها برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأت الحكومة في تنفيذه اعتباراً من نوفمبر 2016.
وأكد مدبولي أنه رغم صعوبة التحديات، إلا أن مصر بدأت بالفعل تجنى بعض الثمار والنتائج الايجابية للإصلاحات والجهود المبذولة خلال الفترة الأخيرة، وجاء أهمها في تحقيق الاقتصاد المصري أعلى معدل نمو سنوي منذ عشر سنوات بلغ 5,3 في المئة خلال العام المالي 17/2018، ونمت الصادرات غير البترولية من 15 إلى 17 مليار دولار، بنسبة زيادة 12,7 في المئة في عام 17/2018، كما حقق ميزان المدفوعات فائضاً بلغ نحو 12,8 مليار دولار، وارتفع كذلك حجم احتياطيات النقد الأجنبي من 14,9 مليار دولار في يونيو 2014 ليصل إلى 44 مليار دولار في فبراير 2019؛ لتُغطي حوالى ثمانية أشهر من الواردات السلعية بعد أن كانت تغطي ثلاثة أشهر فقط.
وأضاف مدبولي أن الحكومة تستهدف أيضاً رفع معدلات النمو الاقتصادي بشكل تدريجي من 5,3 في المئة في العام 17/2018 إلى 8 في المئة بحلول عام 21/2022، وتعزيز دور الاستثمار الخاص في دفع هذا النمو بمواصلة الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال، خاصةً ما يتعلق بميكنة إجراءات تأسيس الشركات وتبسيطها وخفض تكلفتها، والتوسع في المناطق الحرة وإنشاء 12 منطقة استثمارية جديدة، وتأسيس منصة شاملة لتحفيز بيئة ريادة الأعمال، من خلال أربع ركائز أساسية هي: التمويل، وتأهيل رواد الأعمال، ومراكز خدمة ريادة الأعمال، والإصلاحات التشريعية والتنظيمية الجديدة، وكذا الاستمرار في تحديث الخريطة الاستثمارية، وتحديث بيانات الفرص الاستثمارية، بما ينعكس على جذب استثمارات خاصة تقدر بحوالي 200 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، وزيادة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بحوالي 47 مليار دولار.
وأشار مدبولي إلى أن الحكومة تُولي كذلك أهمية بالغة لتعزيز تنافسية قطاع الصناعة، بما يحقق زيادة معدل النمو الصناعي من 6,3 في المئة 18/2019 ليصل إلى 10,7 في المئة 21/2022، وذلك بالتركيز على إتاحة الأراضي الصناعية بأسعار تنافسية، وتبسيط إجراءات التراخيص الصناعية، والتوسع في المجمعات الصناعية المتكاملة بإنشاء 13 مجمعا صناعياً جديداً.
وأوضح رئيس الوزراء أن كل هذه الجهود المستهدفة في مجال تحسين بيئة الأعمال، تستهدف بالدرجة الأولى توفير حوالي 900 ألف فرصة عمل سنوياً، وقد نجحت الحكومة خلال السنوات الاربع الماضية في توفير 4 ملايين فرصة عمل، أسهمت في خفض معدلات البطالة إلى حوالي 8٫9 في المئة، لافتاً إلى أن الحكومة تولي أيضاً أولوية لتحسين مستوى معيشة المواطنين، بإنشاء 14 مدينة جديدة من مدن الجيل الرابع على مساحة 450 ألف فدان، بما يؤدي إلى زيادة الانتشار العمراني وتخفيف الضغط على الخدمات المتوفرة في المدن القائمة، إلى جانب الانتهاء من تطوير جميع المناطق غير الآمنة، والتي ستنتهى هذا العام، بتوفير 200 ألف وحدة سكنية تقريبا، لأهالينا سكان هذه المناطق، إضافة إلى التوسع في تقديم وحدات الإسكان التي تلائم مختلف فئات المواطنين بإنشاء 750 ألف وحدة سكنية بمشروع الإسكان الاجتماعي، إضافة إلى حوالي 400 ألف وحدة أخرى بالإسكان المتوسط، وتنفيذ 5000 كم بشبكة الطرق القومية، وتحسين خدمات مياه الشرب بتنفيذ 265 مشروعا، فضلاً عن 594 مشروعا لتطوير خدمات الصرف الصحي، والتوسع في شبكات الأمان الاجتماعي بتغطية 60 في المئة من السكان تحت خط الفقر في برنامج “تكافل وكرامة” بحوالي 18 مليون مواطن.
كما أشار رئيس الوزراء إلى أن تعزيز الابتكار وتطور بيئة الأعمال هو أهم ممرات العبور بالاقتصاد المصري نحو الاندماج الفعّال في الاقتصاد العالمي، ولذا فتسعى الحكومة المصرية للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة. وأوضح أنه إلى جانب الإجراءات والإصلاحات التشريعية والمؤسسية التي تم اتخاذها لتهيئة بيئة الأعمال الداعمة للشراكة مع القطاع الخاص، تعمل الحكومة كذلك على خلق الفرص وفتح مجالات متعددة للاستثمار المشترك، ومن بين هذه المجالات برنامج الطروحات الحكومية الذي تسعى الحكومة من خلاله لطرح 23 شركة حكومية في البورصة في مدة تتراوح بين 24 و30 شهراً، بإجمالي حصيلة متوقعة تصل إلى حوالي 4,5 مليار دولار، في إطار المرحلة الأولى من البرنامج وبقيمة سوقية تصل إلى ما بين 2-3 مليار دولار.
وأشار مدبولي إلى أن الدولة أنشأت صندوق مصر السيادي؛ حيث صدر في شهر أغسطس الماضي قرار السيد رئيس الجمهورية بإصدار القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر السيادي (برأس مال مرخص به 200 مليار جنيه ورأس مال مدفوع 5 مليارات جنيه مصري)، وتستهدف الحكومة المصرية أن يكون هذا الصندوق إحدى الآليات الفاعلة لتعزيز الاستثمار المشترك مع الصناديق السيادية والمؤسسات المالية الكبرى الدولية؛ لضخ رؤوس الأموال وتوفير التمويل للمشروعات الداعمة لتحقيق التنمية المستدامة.
وأضاف مدبولي أن التمويلات الموجهة للشركات الناشئة في السوق المصرية واصلت نموها بشكل ملحوظ، وبلغ إجمالي التمويلات التي جرى ضخها في الشركات الناشئة بمصر خلال العام الماضي وفق تقرير نشره موقع “باتريك أفريقيا” نحو 67 مليون دولار، مقارنة بحوالي 36,9 مليون دولار في 2017.. وتقترب مصر من سد الفجوة التمويلية القائمة بينها وبين الدول الأخرى الرائدة إقليميا.
وأشار إلى أن مصر في الوقت نفسه تؤمن بأهمية التكامل بين مبادرات التنمية المختلفة، وأن تأتي جهود الدول منسجمة وداعمة لهذه المبادرات، وفي هذا الاطار تقدم مصر للعالم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمركز لوجستي واقتصادي عالمي يسهم بفاعلية في تطوير حركة الملاحة والتجارة الدولية، ويفتح آفاقاً استثمارية رحبة في مجالات متنوعة وواعدة، خاصة في قطاعات: النقل والطاقة، والبنية التحية، والخدمات التجارية؛ ليكون محور قناة السويس رابطاً تجاريا واقتصادياً يتكامل مع مبادرة الحزام والطريق ويربطها بإفريقيا.
ومن هنا.. فإن مصر بالتالي تُعد محور الانطلاق، ليس فقط للسوق المصري والاقليمي، وإنما لخدمة أسواق كبيرة في المنطقة تشمل إلى جانب المنطقة العربية إفريقيا وأوروبا وبعض الشركاء، وذلك بحكم الاتفاقات والمعاهدات التجارية مع هؤلاء الشركاء.
وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن السفير أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، أوضح فى كلمته بالمنتدى، أن الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين تقدمت كثيرا في الأربعين عاما الماضية، ويبقى التساؤل بين شعوبنا العربية، متى نتقدم مثل هذه الدول؟، والإجابة واضحة جدا، فهذه الدول كانت تعمل طوال هذه السنوات بانضباط، شديد، وجدية، تصل إلى حد القسوة في بعض الأوقات، ولذا نحن ليس أمامنا إلا العمل بجدية وانضباط، وأن يكون هدفنا هو الوطن، ثم الوطن، ثم الوطن، وليس أي مصالح شخصية أخرى.
أحمد أبو الغيط
أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط لفت إلى أن “ثمة محاولات تجري في عدد من دول المنطقة لتحويل الإمكانيات العربية، وهي كبيرة وواعدة، إلى “معادلة نجاح”. والأهم أننا نلمس جميعاً تصاعد الإدراك، لدى الحكومات والشعوب، بأن التنمية والنجاح الاقتصادي هما قضية بلادنا وأمتنا في هذا العصر، فمن دون تنمية تأخذ هذه المنطقة إلى أفق جديد من النمو والازدهار ستظل المجتمعات العربية بعيدة عن الاستقرار الحقيقي، وسيبقى أمننا مُهدداً، إذ أن التنمية هي خط الدفاع الحقيقي للحفاظ على تماسك المجتمعات واستقرارها”.
كذلك، “هناك اقتناع بأن الشباب هم قلب هذه التنمية العربية، هم الإمكانية الحقيقية لهذه المنطقة، إن بقيت معطلة تعطلت مسيرتها، وإن تم تحريكها وتحفيزها وإطلاقها انطلقت المنطقة إلى فضاء الإنجاز والتفوق. فالعالم العربي شاب في معظمه، هذه حقيقة ديموغرافية، لكنها لا تجد ترجمة لها في الواقع الاقتصادي والتنموي، إذ لا زال الشباب العربي طاقة كامنة تنتظر من يوظفها. ولا يكفي خلق الوظائف، مع أن المنطقة في حاجة إلى نحو 50 مليون وظيفة بحلول منتصف هذا القرن، وإنما ينبغي خلق الوظائف الملائمة لتعليم الشباب وخبراتهم، إذ أن نسب البطالة ترتفع بشدة في أوساط شباب المتعلمين، وهي ظاهرة لا يمكن أن نقف إزاءها مكتوفي الأيدي، ذلك أن أبعادها تتجاوز كفاءة الاقتصاد إلى ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلدان العربية. والثابت أن الاقتصاد الجديد في عصر ما يُعرف بالثورة الصناعية الرابعة يرتكز في الأساس على الابداع والابتكار كمولد للقيمة المضافة، والمدن العربية مدن شابة وبإمكانها أن تكون مدناً مبتكرة، لكن ذلك يحتاج هذا إلى إصلاحات مؤسسية جوهرية في نظم الاقتصاد العربية من أجل إطلاق المنافسة، وتوفير التمويل للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وجذب الاستثمار في المجالات الإنتاجية التي تُساعد على نقل التكنولوجيا والخبرات، وليس فقط تحقيق الأرباح السريعة. وإن غايتنا المنشودة هي منتج عربي يحمل قيمة مضافة معتبرة، وقابل للتصدير والمنافسة عالمياً”.
وأشاد أبو الغيط بأن “هناك إدراكاً متزايداً بأهمية تطوير آليات العمل التنموي المشترك على صعيد العالم العربي، وهو ما انعكس في مجموعة القرارات الصادرة عن كل من أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة والتي عقدت في بيروت، وإن المبادرات والاستراتيجيات التي أقرتها قمة بيروت تمثل رقماً هاماً في معادلة النجاح الاقتصادي العربي، كوضع رؤية عربية مشتركة في مجال الاقتصاد الرقمي، واعتماد الميثاق الاسترشادي لتطوير قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وذلك إيماناً بالدور الحيوي الذي تلعبه هذه المؤسسات في تنمية الاقتصاد”.
محمد عبده سعيد
رئيس اتحاد الغرف العربية محمد عبده سعيد أشار إلى أنه “في الوقت الذي ما تزال فيه دول عربية تخوض غمار التغيير، حققت العديد من البلدان العربية قفزة هامة على صعيد التنمية المستدامة عبر اعتماد سياسة التنويع الاقتصادي، خصوصا لجهة التركيز على القطاعات عالية القيمة المضافة والقطاعات التصديرية وقطاعات الاقتصاد المعرفي، لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة. وفي الواقع إن القرارات المهمة التي صدرت عن القمة الاقتصادية التنموية والاجتماعية الرابعة التي احتضنتها بيروت مطلع هذا العام، تشكل أرضية خصبة للانطلاق، كونها فتحت الطريق مجددا نحو رسم معالم الخارطة الاقتصادية العربية الجديدة”.
وأضاف: “يحتاج العالم العربي، إلى تعزيز الاستثمار في الطاقات البشرية، لاسيما في والصحة والطاقات الشبابية الواعدة، كما ولا بد من تعزيز الاعتماد على الاقتصاد الرقمي الذي من شأنه أن يسهم بأكثر من 3 تريليونات دولار في نمو الناتج المحلي العربي. لذا هناك ضرورة لوضع موضع التنفيذ رؤية الاقتصاد الرقمي العربي التي تم إقرارها في قمة بيروت وتم إنشاء صندوق لها بقيمة 200 مليون دولار”.
مختتماً بالقول: “لا بد للحكومات العربية من تعزيز دور القطاع الخاص ليكون المحرك والمشغل الأكبر للأيادي العربية، أيضا لا بد للعالم العربي أن يغير من نهجه الاقتصادي وأن يبني تحالفات اقتصادية عربية – عربية من أجل تأمين تنمية متوازية قد توفر لشعوبنا حياة أفضل ضمن الصراعات العالمية”.
جوزف طربيه
بدوره، اعتبر رئيس جمعية مصارف لبنان، ورئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، د. جوزف طربيه أنه “في ضوء التطورات الحاصلة والمرتقبة، من المتوقع ان تستمر الضغوطات والتحديات للمصارف العربية المتمثلة في استمرار التباطؤ في نمو الودائع والتراجع في نوعية الاصول. كما يعاني عالمنا العربي بشكل عام من معدلات منخفضة من التنمية الاقتصادية. هذا عدا عن دفع رؤوس الاموال العربية الى المزيد من الهجرة، وترسيخ البيئة الطاردة للاستثمار في الوطن العربي. في وقت تشكل مستويات الديون السيادية خطراً حقيقياً في ظل اتجاه أسعار الفوائد الى الإرتفاع عالمياً ومحلياً. امام هذا الواقع، علينا ان نعيد صياغة خطط التنمية الاقتصادية والاصلاح في منطقتنا، وذلك من خلال تنويع مصادر النمو، والدخول في جيل جديد من الاصلاحات، وتشجيع تنمية ريادة الاعمال وتعزيز مصادر التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الناشئة، وتنمية اقتصاد المعرفة كمحرك اساسي للنمو”.
منوهاً الى ما يقوم به لبنان حالياً من اصلاحات في اقتصاده وماليته العامة ومحاربة الفساد وتحسين مستويات الحوكمة، بالقول: “ان لبنان يواجه في الواقع استحقاقات ملحة على صعيد المالية العامة للدولة اذ الحقت الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية في المنطقة وتدفق ما تجاوز المليون لاجئ سوري اليه هرباً من اتون الحرب في بلادهم اضراراً فادحة في الاقتصاد اللبناني. ولا يزال لبنان يناضل ليسترد عافيته من ثقل هذه الاحداث حيث باتت الخزينة اللبنانية مثقلة بالديون التي تفاقمت وتيرتها في السنوات الاخيرة مما يتطلب معالجات قاسية بدأت الحكومة اللبنانية بمناقشتها من خلال مشروع الموازنة العامة المرجو أن تتمثل فيه حزمة التدابير التي تتخذها للتخفيف من نسبة العجز. إن المطلوب اجراءات تؤدي الى تغيير مهم في جانبي النفقات والواردات من الموازنة من شأنها، من جهة، تحقيق خفض جوهري في الانفاق العام، وخاصة لجهة اعتماد سياسة تقشف حقيقية وترشيد الانفاق ووقف الهدر، ومن جهة ثانية اتخاذ تدابير إجرائية من شأنها تحسين الايرادات الضريبية وضبط التهرب الضريبي وتحسين الجباية”.
وركز طربيه على النقاط التالية:
أولاً، إن القطاع المصرفي في لبنان يأمل ان تنجح الدولة الللبنانية بتعهداتها باقرار الموازنة العامة الإصلاحية الموعودة، مع التحسب لحجم الصعوبات التي تواجهها من مختلف المتضررين من التدابير الجديدة.
ثانياً، ان التصحيح المالي يتطلب خفض عجز الموازنة الى مستويات مقبولة جرى التعهد بها في خطة سيدر واستطراداً تأمين التوازن المالي، مما يستوجب اعادة هيكلة القطاع العام وخفض حجمه وترشيد انفاقه وتحديثه لزيادة فعاليته ومكافحة الفساد وتحسين الجباية.
ثالثاً، لا يجب ان يشعر المجتمع المالي، ومن خلاله المودعون في المصارف، او حاملي سندات الدين السيادي اللبنانية، ان البلاد مطية للشعبوية، اشارة الى الاصوات التي ترتفع بين حين وآخر، مطالبة بصورة مباشرة او غير مباشرة بجدولة الدين العام او اعادة هيكلته او ما شابه ذلك من آليات عدم التسديد عند الاستحقاق، او مخالفة القواعد المتبعة في الاسواق المالية الدولية، إذ ان ايفاء لبنان بالتزاماته المالية هي ركن اساسي من سياسته المالية.
رابعاً، ان القطاع المصرفي في لبنان هو اللاعب الاساسي في حياة لبنان الاقتصادية، فالتمويل الذي قدمه للدولة اللبنانية امن استمرار قدراتها، والتمويل الذي قدمه للإقتصاد الوطني يتجاوز حجم الناتج القومي، وهو أخيراً وليس آخراً من عزز بايداعاته احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، مما ساعد على الحفاظ على الاستقرار النقدي طيلة ربع القرن الماضي ولجم التضخم وحفظ القوة الشرائية للرواتب والاجور واصحاب الدخل المحدود. لذلك يجب عدم استسهال التعرض للنظام المصرفي وودائعه بالضرائب الموسمية عند كل مناسبة كما حصل في العام الماضي، عند فرض الازدواج الضريبي على تكليف دخل المصارف من الفوائد، وكذلك رفع معدل الضريبة على فوائد الودائع الى 10 في المئة هذا العام، مما يؤثر على تدفقات راس المال الى لبنان، ويضعف من قدرة القطاع المصرفي في تأدية دوره التمويلي، وينعكس سلباً على أسعار الفوائد وعلى كلفة تمويل الاقتصاد اللبناني.
رؤوف أبو زكي
رئيس مجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي استهل كلمته بالترحيب بضيوف المنتدى، لاسيما الوفد رفيع المستوى من مصر ، وعلى رأسهم دولة رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولي ووزراء الاستثمار والبترول والكهرباء والاتصالات والصناعة والتجارة والقوى العاملة، و أصحاب المعالي الوزراء. منوهاً بأن “مشاركة مصر بوفد رفيع المستوى في منتدانا الجامع يعطي دفعاً قوياً للعلاقة التاريخية بين بلدينا. وتأتي هذه المشاركة في أعقاب التأييد البرلماني والشعبي الشامل الذي حظيت به الإصلاحات الدستورية، وفي ظل النهضة العمرانية والإنمائية غير المسبوقة التي تشهدها مصر. من هنا، جاء اختيار مصر لتكون ضيف شرف المنتدى لدورة العام 2019 لنتيح الفرصة للاطلاع على ثورة الإصلاح والتنمية والاستثمار والعمران، والتي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي صاحب الرؤية والإرادة وقائد نهضة مصر الحديثة، والذي يسعى من خلال تولّيه رئاسة الاتحاد الأفريقي لنقل التجربة النهضوية المصرية إلى القارة السمراء، ولتطوير العلاقات العربية – الأفريقية، وهو ما تواكبه مجموعة “الاقتصاد والأعمال” من خلال مؤتمرات تعزيز الاستثمار والتجارة بين العالم العربي وأفريقيا، وكان آخرها في دبي وأديس أبابا والقاهرة”.
وتابع قائلاً: “نتوقف أمام الوضع المتأزم للمالية العامة في لبنان والذي أصبح موضع قلق شامل، وقد توافقت القوى السياسية على ضرورة الإسراع في إيجاد الحلول التي تبدأ بإقرار موازنة اصلاحية عادلة في اعباءها على الجميع وبالتالي وضع حد للأزمة قبل أن يقع السقف على الجميع. لكن ما يبعث على التفاؤل قرب بدء أعمال الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، والسعي الحثيث لإطلاق مشاريع “سيدر” لتطوير البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية والتي ستشكل قاطرة لاقتصاد لبنان الحديث. علماً أن هذه المشاريع بانتظار الإصلاحات التي يسعى الرئيس سعد الحريري، الذي يمثل قيم الوسطية والاعتدال ويواجه التحديات الجمة بإرادة صلبة، وبدعم من فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب لإنجازها. ولا بد هنا من توجيه التحية لسعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة للدور الكبير الذي لعبه ولسنوات طويلة في الحفاظ على الاستقرار النقدي ودعم النمو الاقتصادي”.
وختم أبو زكي: “إن العالم العربي يمر بمرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، وأصبحت خريطة المنطقة مختلفة عمّا نعهده وعما كنا نحلم به، وسبب ذلك أن القوى الطامعة حوّلت المنطقة إلى ساحات نزاع واستنزاف للموارد وإحباط للأجيال المقبلة. لكن إذا أردنا أن ننظر إلى الوجه الآخر للعملة، نجد الكثير من التطورات الإيجابية. ويأتي في مقدمة هذه التطورات النهضة الكبيرة في السعودية وما حققته من إصلاحات جريئة، كما نتطلع إلى مصر ونهوضها الثابت بفضل القيادة الشجاعة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ويكفي التنويه بأن مساحة العاصمة الإدارية الجديدة توازي سبعة أضعاف مساحة العاصمة الفرنسية ومؤهلة لتستوعب أكثر من ستة ملايين نسمة. كذلك نتابع باهتمام التطورات الحاصلة في دول الخليج، وهناك الجهود العراقية الجادة لإصلاح الحكم ومكافحة الفساد وإعادة الإعمار وتوطيد المصالحة الوطنية، ونتمنى أن يؤدي كسر الجمود الطويل في كل من الجزائر والسودان إلى بداية مرحلة ازدهار ونموّ مستدام. كما نتمنى جميعاً عودة السلام والاستقرار إلى سوريا وليبيا واليمن”.
تكريم
يذكر أن حفل افتتاح المنتدى شهد تكريم كل من: الرئيس سعد الحريري، الرئيس مصطفى مدبولي، أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، رئيس اتحاد مصارف الكويت عادل الماجد، الأمين العام التنفيذي لمنظمة “اسكوا” د. رولا دشتي.