نظم مكتب نائب رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك للشؤون الثقافية، بالتعاون مع مركز دراسات وثقافات أميركا اللاتينية مؤتمراً بعنوان “شجاعة الغيرية”، بمناسبة اليوم العالمي للتنوّع الثقافي، بحضور المتحدث الرئيسي سفير الأرجنتين في لبنان موريسيو أليس، ممثل وزير التربية والتعليم العالي سهيل مطر، رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك ممثلاً بنائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية الدكتور جورج يحشوشي، نائب رئيس الجامعة للشؤون الثقافية البروفسورة هدى نعمة، نائب رئيس الجامعة للعلاقات الدولية الدكتورة ريما مطر، مدير مركز دراسات وثقافات أميركا اللاتينية السيد روبرتو خطلب، وعدد من السفراء والقناصل والمدراء العامين وأعضاء مجلس الجامعة والآباء وحشد من أهل الفكر والإعلاميين والطلاب.
نعمة
بداية، ألقت نائب رئيس الجامعة للشؤون الثقافية البروفسورة هدى نعمة، كلمة أشارت فيها إلى أنّ “انعقاد المؤتمر يأتي بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي واستكمالاً “لـوثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية”، التي وقّعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في 4 شباط 2019 في أبو ظبي… وأراد منظمو المؤتمر أن يدعموا التنوع الثقافي، لاعتباره حاجة ملحّة، وأن يقدموا تعريفاً أكثر وضوحاً عن مفهوم الأخوّة التي، وبحسب البابا فرنسيس، “تعبّر أيضًا عن الاختلاف الموجود أصلاً بين الإخوة، على رابط الدم والولادة الذي يجمعهم، ورغم وحدة العرق والطبيعة البشرية واللغة الجامعة”.
ثم أضافت: “وفي هذا المناخ، يعالج المؤتمر مقوّمات وأبعاد موقف معتدل وعادل، يكون بعيداً عن الأحادية القسرية وصلباً في وجه التوفيقية المستضعفة. ويعبّر عن “التزام المجتمعات كافة بالاعتراف “بكرامة الإنسان المتساوية” من غير تفرقة أو تمييز. إنّ الالتزام المرجو، الذي يشكّل محور بحثنا، يتطلب “شجاعة الغيرية”، بعبارة أخرى، يستدعي الاعتراف الكامل بالآخر وبحريته المطلقة”.
يحشوشي
أما كلمة رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك فألقاها نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، الدكتور جورج يحشوشي، أشار فيها إلى “أنّ حاجة الإنسان الماسّة إلى التنوع، تستدعي العبور الاضطراري من التنوع الثقافي إلى التعددية الثقافية. نحن في صدد الدعوة إلى تعزيز حوار الثقافات والإدارة السلمية للتعددية، وسط مجتمعات متنوعة أكثر فأكثر، ومدعوة إلى إرساء عيش مشترك قائم على الالتزام باستيعاب الحق في الاختلاف بفرح وتناغم مسؤولين”.
وشدد على “أننا مدعوون إلى الإيمان بأنّ المواطنة التي تستند إلى مبدأ الوحدة في التنوع، تقودنا إلى تعزيز العبور من الهويات القاتلة إلى الهويات المتصالحة، في تآلف الأضداد الهشّة والقوية في آن…”
ولفت إلى “أن البابا فرنسيس حثّ على نبذ العنف الديني بكل أشكاله، ودعا إلى شجاعة الغيرية، تلك الغيرية التي “إن كنا نؤمن بوجود العائلة الإنسانية” تحيا في الحوار الأخلاقي وتعزز الحرية. ومن أجل أن تتحقق هذه الأخوة الإنسانية فعلياً، فرض قداسة البابا على ممثلي الأديان “واجب إلغاء كلّ إشارة، ولو باطنيّة، إلى الحرب”. وفي إطار توصيات قداسة البابا، يسعى مؤتمرنا إلى الإجابة على عدد من الأسئلة التي تشغل بال المجتمع، فجر الألفية الثالثة المثقل بكمٍّ هائل من الأشكال المَرَضية على أكثر من صعيد، وذلك بهدف الوصول إلى “تغذية أخوّة غير نظريّة، تُترجَم في أخوّة حقيقيّة، كي نجعل دمج الآخر يسود على تهميش باسم انتمائنا الشخصي، وكي تتمكن الأديان من أن تصبح قنوات أخوة بدلاً من أن تكون حواجز إقصاء الآخر”.
السفير أليس
قدم السفير الارجنتيني في لبنان موريسيو أليس المحاضرة العامة بعنوان “التنوع الثقافي في نظر الجنوب”، وأدارتها نائب رئيس الجامعة للعلاقات الدولية، الدكتورة ريما مطر، مشيرة إلى أنّ “السفير أليس يأتي من بلد لطالما كان، عبر التاريخ، نموذجاً عن تنوع الثقافات. وبفضل وظيفته كدبلوماسي، تعرّف على عدد كبير من الثقافات”، مقدمةً لمحة عن مسيرته المهنية والأكاديمية.
ثم تحدث السفير أليس، في مداخلته، عن مفهوم الثقافة المتعدّد الأبعاد، معتبراً أنّ “العولمة قد جعلت العالم مسطّحاً، إلا أنّها قد كشفت خصوصيات بعض الجماعات حول العالم، وسلّطت الضوء على اختلافهم وتنوّعهم الثقافي. وبعد تأسيس الدول القومية، قامت الثورة العالمية وارتبطت بالعولمة، الأمر الذي فرض نشوء مفهومين: الهوية والكوسموبوليتية. واليوم، يتواصل عدد كبير من الأشخاص من أصول مختلفة، من كل أنحاء العالم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تختصر هذه المنصّات الرقمية المسافات، بفضل الثورة التكنولوجية التي لا تزال مستمرة. ويشكّل التحوّل الرقمي ظاهرة عالمية، تخلق فرصاً وتحديات مشتركة، مثل التعامل مع تغيّر المهن والوظائف، والحاجة إلى المهارات، وبالتالي، التأكد من عدم نشوء حالات من اللامساواة. هذا وتساعد الثورة الرقمية على مدّ الجسور بين الدول عبر تفاعلات تتجاوز الحدود الوطنية، الأمر الذي يعزز قضايا تحتاج إلى حلول متعددة الأشكال. كما أدّت التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية إلى تغيير طريقة تفاعلنا مع الآخرين، إن بصورة فردية أم جماعية. وتكمن أهمية مواجهة التحديات العالمية، لاسيما تلك الخاصة بالطبيعة، في أنها تحتاج إلى تعاون جماعي، من مختلف الجهات، بالرغم من الاختلافات الثقافية القائمة بينها”.
كما تطرّق إلى موضوع “التفاوض الدولي العابر للثقافات” معتبرًا “أنّ الحواجز الثقافية من شأنها أن تزيد من فرص فشل التفاوض والمدة الزمنية للوصول إلى اتفاق. وقد يتخلل عملية التفاوض صدمات ثقافية حيث يجد الشخص نفسه وسط معايير وقيم وقواعد تختلف عن ثقافته الأصلية. وهكذا يصبح التفاوض أصعب مع وجود تعقيدات ناتجة عن الاختلاف الثقافي. من هنا، يقع على عاتق المفاوض أن لا يسمح للأفكار النمطية الثقافية أن تحدّد طبيعة العلاقة مع الآخر، لأن الخلفية الثقافية هي قابلة للتغيّر…”
بعدها، تطرق السفير أليس إلى موضوع “التنوع الثقافي في الأرجنتين التي تردّ سبب تطورها إلى مساهمات رجال ونساء قدموا إليها من كافة أنحاء العالم، حاملين معهم هويتهم واختلافهم الثقافي، معلنةً أنّها تفتح أبوابها أمام المهاجرين الراغبين في الاستقرار فيها. وحالياً، يعيش في أميركا اللاتينية عدد من الشعوب المتعددة اللغة والقيم والمبادئ، الأمر الذي عزز هويات ثقافية من شأنها أن تميز بلداً عن الآخر، حتى في المنطقة عينها. ومنذ القرن التاسع عشر، فتحت الأرجنتين حدودها أمام المهاجرين، وتحديداً من أوروبا، بهدف تحقيق التقدّم. وهكذا كان للهجرة إلى الأرجنتين تأثير إيجابي على مستوى النموّ السكاني والثروة الاقتصادية”.
طاولات مستديرة
ثم عُقدت ثلاث طاولات مستديرة شارك فيها عدد من الأكاديميين والباحثين من جامعات لبنانية وأجنبية لطرح عدد من المواضيع التي تدور في فلك التربية على الغيرية واحترام الحق في الاختلاف، وعلى العبور من مفهوم “اعرف نفسك أولاً” إلى مفهوم “اعرف أخاك” بهدف إقامة الهويات المنفتحة وتوفير مناخ اجتماعي إنساني متضامن ورادع للتهميش والانعكاف على الذات”.