استهل رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي باتريك برناسكوني زيارته الرسمية للبنان بزيارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي حيث التقى رئيسه شارل عربيد، في حضور السفير الفرنسي برونو فوشيه، نائب رئيس المجلس سعد الدين حميدي صقر والمدير العام الدكتور محمد سيف الدين واعضاء الهيئة العامة وحشد من الرسميين
ورجال الاعمال والاعلاميين. وجرى توقيع بروتوكول تعاون بين المجلسين.
عربيد
والقى عربيد كلمة قال فيها عربيد: “يسعدني أن أرحب بكم في مجلسنا خلال هذا اليوم الذي هو برهان صارخ للعلاقة الحيوية التي تجمع بين بلدينا وشعبينا الفرنسي واللبناني.
يسرني أيضا، عزيزي السيد باتريك بيرناسكوني، أن أستضيفكم اليوم في إطار زيارتكم الأولى لبلدنا لبنان. وأتوجه بالشكر أيضا إلى السفير برونو فوشي، وهو صديق عظيم للبنان، على حضوره بيننا اليوم.
من لامارتين ورينان إلى جان دورموسون وأمين معلوف، مرورا بجورج شحادة وأندريه شديد، تحكي كل المراحل التاريخية في لبنان عن رحلة مشتركة حملت في طياتها الكثير من التنوع والابتكار. وهي في تجدد دائم ومستمر، إذ تستند إلى قاعدة مشتركة من القيم، بينها التمسك بالحريات واحترام التعددية والحق في الاختلاف.
وهذا اليوم هو أيضا عنوان لعلاقة راسخة بين مجلسنا ومجلسكم.
فمجلسكم هو “الأخ الأكبر” الذي أنشئ مجلسنا على صورته في العام 1995. ومنذ ذلك الحين، العلاقات المتبادلة مستمرة دائما، وقد توجت في أيار 2002 مع توقيع مذكرة تفاهم، يعود الفضل فيها إلى سلفي السيد روجير نسناس، الذي لم يحضر اليوم بسبب وجوده خارج البلاد”.
وأضاف: “السيد نسناس، الذي كان أول رئيس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، لم يدخر أي جهد كي يجعل من المجلس مؤسسة لا غنى عنها.
أما من ناحيتي، وما إن توليت منصبي في أوائل العام 2018، فقد راهنت على دينامية تسعى إلى تحديث المجلس، للسماح له بأداء دوره الكامل مساحة للحوار الاجتماعي، لا بل المجتمعي، بين ممثلي القطاع الخاص والنقابات العمالية وممثلي مختلف مكونات المجتمع المدني.
ومنذ ذلك الحين، نسعى أنا وزملائي الى تعزيز قدرات المجلس كمؤسسة مستقلة قادرة على تنظيم هذا الحوار. ويدعمنا في مسعانا هذا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وهو على اقتناع بأن التحديث يحتم توضيح دور كل مؤسسة من مؤسسات الدولة. وتمكين المجلس من أداء دوره الكامل هو عملية ضرورية لأنها تسمح باستعادة الثقة، من خلال دعم الشراكات المتينة والشفافة بين القطاعين العام والخاص.
فنحن في نهاية المطاف نعاني أزمة ثقة.
وتابع: “ما من معجزة لحل مشاكل لبنان، ولكننا قادرون على استنباط “جرعة سحرية” تتمثل بالإصلاحا”.
ولدى الحديث عن الإصلاحات، لا بد من التطرق إلى سلسلة مؤتمرات “باريس 1″، و”باريس 2″، و”باريس 3″، وطبعا مؤتمر سيدر “CEDRE”، التي تشهد كلها على الدعم المستمر الذي تقدمه فرنسا، الدولة التي تتصدر مجموعة الدول الصديقة للبنان، وهي مشكورة على ذلك.
وقد برهن النظام اللبناني، الذي هو ضحية التدخلات الأجنبية، أنه متين بما فيه الكفاية كي لا ينهار. لكن، أمام التحديات الكبرى التي لا يستطيع لبنان التصدي لها دائما، وبخاصة قضية اللاجئين السوريين، لا بد من أن يحقق لبنان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ما يعني أن أي عليه إرساء الأمن من خلال العمل الحثيث لمعالجة جوهر المشكلة.
بعبارة أخرى، لا بد من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي ستسمح لنا ببناء أسس الاقتصاد المتوازن على الصعيدين القطاعي والإقليمي، وبالتالي بالتوجه نحو اقتصاد حديث وشامل يكون قادرا على توفير رخاء مستدام ومشترك.
وفي هذا الصدد، أفخر بالقول إن الحكومة الحالية ملتزمة تنفيذ برنامج إصلاحي يعتمد أيضا على مقترحات المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
واستجابة لمؤتمر “سيدر”، فقد شارك مجلسنا في وضع خطة ماكينزي لتنويع الاقتصاد اللبناني من الناحية القطاعية.
حيث يمكن آراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، التي ترفع إلى كل من الحكومة ومجلس النواب، أن تمهد الطريق لوضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية”.
وقال: “أود هنا أن أعرب عن تقديري لجهود زملائي وزميلاتي، من مستشارين ومستشارات، الذين يعملون في هذا الاتجاه من خلال اللجان القطاعية العشر التي يضمها مجلسنا”.
يفترض، في نهاية المطاف، أن تكون كل المشاريع المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في لبنان من مسؤولية المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وتشكل مكافحة الفساد، وهي إحدى الإصلاحات الهيكلية، أولوية لأنها تمهد الطريق في اتجاه إصلاح الإنفاق العام. وتمثل هذه المعركة بالنسبة إلينا مشروعا للنهوض بالوطن، إذ تنطوي على التزام ملموس لتطبيق ترسانة القوانين التي يتمتع بها لبنان، وأولاها قانون حق الوصول إلى المعلومات. ومن المهم أيضا التركيز على أهداف الحوكمة الرشيدة وإعادة توجيه الإنفاق غير المبرر نحو الإنفاق الاجتماعي، حيث يأتي قطاع التعليم في الصدارة.
قال الجنرال شارل ديغول في إحدى المناسبات متوجها إلى الشباب اللبناني: “لا دولة من دون تضحيات: والتضحيات هي التي أدت الى نشوء دولة لبنان”.
في الحصيلة، ما يهم هو إعطاء المجلس الاجتماعي والاقتصادي “هذه الحياة الخاصة، هذه القوة الداخلية التي لولاها لبقيت المؤسسات عقيمة”.
وأضاف: “يهدف المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى تغطية الأبعاد البيئية والثقافية، بالإضافة إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية، مثله مثل أقرانه في العالم.
من هنا الأهمية التي يكتسبها التعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي.
حيث سيسمح تبادل الخبرات بين مجلسينا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني بالافادة من التطور التاريخي الذي حققه نظيره الفرنسي ومن المحاور الرئيسية التي طبعت مساره لدعم التحولات الاجتماعية والمجتمعية ذات الأولوية، أي المشاركة المواطنية، وإعطاء مساحة للشباب وتطلعاتهم وغيرها الكثير.
الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من التزام المجلس الفرنسي في إطار الحملة الإصلاحية الاستثنائية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كثيرة بفضل الدفع الذي أعطاه إياه رئيسه السيد العزيز باتريك برناسكوني”.
وتابع: “في سياق الشراكة والتبادل هذا، لا بد من أن يتألق الشريكان الفرنسي واللبناني على الصعيد الدولي، في إطار كل من الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة، من جهة، واتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات الفرنكوفونية المماثلة، من جهة اخرى.
والأهم من ذلك، نتطلع إلى الافادة من تجربة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأخيرة في مجال المشاركة المواطنية. فلا بد من اتباع نهج يهدف إلى زيادة انخراط المجتمع المدني، الممثل على أوسع نطاق في القرارات العامة.
ندعو حكومتنا إلى دعم هذا النهج من خلال تنظيم جلسات استثنائية خاصة للحوار الاجتماعي على المستوى الوطني، حيث سيضع مجلسنا كل إمكاناته في تصرفها”.
وختم: “نحن عازمون على تعزيز دور مجلسنا مساحة للحوار ومنصة للعمل التشاركي وأداة للتغيير.
فمن خلال توافق الآراء والمشاركة نبني الوطن والمستقبل”.
برناسكوني
وتلاه برناسكوني بمداخلة قال فيها: “إنه لمن دواعي سروري أن أتشرف بوجودي بينكم اليوم في بيروت، بعد مرور قرن تقريبا على إنشاء دولة لبنان الكبير في العام 1920. واسمحوا لي أن أوجه تحية أخوية من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي CESE إلى نظرائه في المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني. وأود أن أتقدم بشكر خاص إلى الرئيس عربيد على حسن ضيافته وصداقته.
عزيزي الرئيس، بعد مرور مدة قصيرة على انتخابكم رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في كانون الأول 2017، ذهبتم إلى باريس وتعارفنا في ربيع العام الماضي”.
وأضاف: “لا بد لي من الإشارة إلى أن سفيرنا الحاضر معنا اليوم، السيد برونو فوشيه، الذي أحييه، قد حرص على مراسلتي بعدما تعارفنا وحضني على استضافتكم ولقائكم. وقد أكد الدور المهم الذي يمكن مؤسستكم أن تؤديه في تقديم المشورة والتوجيه على صعيد السياسة الاقتصادية التي كانت الحكومة اللبنانية عازمة على تنفيذها بعد انتخابات 6 أيار 2018.
كان ذلك في أعقاب مؤتمر “سيدر” CEDRE الخاص بلبنان، الذي عقد بنجاح في العام الماضي في باريس، وقد اختتم أعماله رئيس الجمهورية شخصيا”.
وتابع: “تكتسب هذه المسألة أهمية بالغة، لكن أترك الحديث عنها لآخرين هم أكثر خبرة مني في المجال. وأقصد بذلك طبعا الزيارة الأخيرة التي قام بها بيتر دوكان لبيروت في بداية شهر أيلول، وهو ديبلوماسي صاحب خبرة وطويل الباع، كلفه رئيس الجمهورية الفرنسية متابعة “المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات ومع الشركات”، المعروف باسم “سيدر”.
وفي هذا الصدد، نرحب بالجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية التي تشكلت في بداية العام. فهي تسعى بشكل حثيث الى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية، فضلا عن خطة الاستثمار في البنية التحتية التي تم الإعلان عنها العام الماضي في المؤتمر، ودعا إلى تنفيذها المجتمع الدولي.
ولا شك في أن المستثمرين يقدرون هذه المؤشرات الإيجابية، وأنا على اقتناع بأن لبنان، كلما سار على هذه الدرب حظي بدعم متزايد من شركائه”.
وقال: “أنا متأكد من أن الفرصة سانحة لتبادل الآراء والأفكار حول هذه المسألة وغيرها، خلال المحادثات المقرر عقدها غدا مع رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، الذي سيزور أيضا باريس الجمعة 20 أيلول، ما يعكس التطور الإيجابي الحاصل حاليا على صعيد السياق العام والعلاقة الدينامية بين لبنان وشركائه، وفي مقدمتهم فرنسا طبعا”.
وأضاف: “اسمحوا لي أن أعود إلى لقائنا، منذ أول لقاء بيننا، عبرتم عن رغبتكم في دعوتي رسميا إلى بيروت. وقد اقترحتم آنذاك إقامة عقد شراكة من أجل الافادة من تجربة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي. ها هي رؤيتكم للمجلس الذي ترأسونه، من جهة، وعزمكم على تحقيقها، من جهة أخرى، يؤتيان ثمارهما!
منذ ذلك الحين، توطدت علاقاتنا، ولا سيما في إطار الندوة التي نظمتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والتي سمحت بتنظيم دورة أولى في نيسان الماضي، حضرها الكثير من ممثلي المجالس الاقتصادية والاجتماعية الذين جاؤوا لإطلاعكم على خبراتهم ولتبادل الآراء، ومنها:
– المجلس الاقتصادي والاجتماعي الإسباني،
– والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في ساحل العاج، الذي سيتولى رئيسه وصديقي السيد شارل كوفي ديبي في غضون أيام رئاسة الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة AICESIS،
– وحضر أيضا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي بحيث شارك مستشارنا الديبلوماسي السيد مايكل كريستوف، بصفته الأمين العام لاتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية الناطقة باللغة الفرنسية UCESIF.
وتابع: “بعد ذلك، استقبلنا في باريس، في شهر حزيران، وفدا من أعضاء مجلسكم الذين عملوا مع السيدة كارول كوفير، وهي نائبة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي، والمسؤولة عن التعاون الأوروبي والدولي في الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة AICESIS، والسيدة ماري بياتريس ليفو، المسؤولة عن التواصل في مجال الفرنكوفونية.
لاحظتم أنني تعمدت ذكر الهيئتين الدوليتين اللتين يجتمع فيهما مجلسانا ويعملان ضمنهما مع نظرائهما من جميع أنحاء العالم. في الواقع، ستعقد الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة AICESIS واتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية الناطقة باللغة الفرنسية UCESIF هذا العام جمعية عمومية منتخبة، ما سيفضي إلى تغيرات في رئاستيهما، ولكن أيضا إلى تجدد في إدارتيهما عموما.
في هذا الإطار، أدعوكم إلى ترشيح المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني مجلس إدارة الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة AICESIS وإلى مكتب اتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية الناطقة باللغة الفرنسية UCESIF. فأمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان إذا فرصتان بارزتان للعودة إلى الساحة الدولية!
وقال: “إنني على اقتناع تام بأن عملنا خارج حدود دولتنا، مع بلدان لها مجالس اقتصادية واجتماعية، أو ترغب في إنشاء تلك المجالس لتعزيز النظام الديمقراطي، أمر ضروري. لهذا السبب، وبمجرد انتخابي رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأوروبي، أدرجت في المحاور الاستراتيجية لولايتي التي تمتد بين العامين 2015 و2020 فكرة إحياء المشروع الأوروبي وتنمية التعاون الدولي.
وأود أن أحيي الوكالة الفرنسية للتنمية على الدعم الذي تقدمه، مع الإشارة إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي قد أبرم معها اتفاق شراكة استراتيجية ومالية. وقد طلبت تضمين برنامج هذا الاتفاق للفترة 2019-2020 بند التعاون الذي نقيمه مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، حيث للوكالة الفرنسية للتنمية حضور بارز، كما تعلمون”.
وأضاف: “علاوة على ذلك، لا بد لي من التطرق إلى مسألة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلينا، وهي الترويج للغة الفرنسية. يعلم الجميع أن لبنان بلد ناشط في مجال التعاون المتعدد الأطراف في شأن الفرنكوفونية. فقد انضممتم إلى المنظمة الدولية للفرنكوفونية في العام 2010، وبوسع مجلسكم أن يكون جزءا من هذه الديناميكية الوطنية من خلال المشاركة في أعمال اتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية الناطقة باللغة الفرنسية. والأهم من ذلك هو أن لا وجود لبلد عضو في الاتحاد يمثل الشرق الأوسط اليوم، أي أن أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني فرصة حقيقية للانضمام إليه”.
وتابع: “أرحب بمستوى العلاقات القائمة بيننا، ونحن مجتمعون اليوم للاحتفال بها من خلال توقيع اتفاقية تعاون تعبر عن صداقتنا الفعلية وعن رغبتنا المشتركة في تعزيز الأواصر التي تجمعنا. فنحن قادرون على الاستلهام من بعضنا البعض، إذ إن المشاكل التي نواجهها تشكل في الوقت عينه تحديات مشتركة: مكافحة عدم المساواة، والبطالة، وعدم الاستقرار، والظلم المناخي، كلها نضالات نستطيع أن نخوضها جنبا إلى جنب.
من هذا المنظور، يصبح تبادل الخبرات والتعاون، على مثال التعاون الذي نفتتحه اليوم، أداة لا غنى عنها، ولا سيما أن مجلسكم ينوي إضافة الجوانب البيئية والثقافية إلى اختصاصاته الاقتصادية والاجتماعية، على غرار العديد من المجالس الأخرى في العالم.
أما بالنسبة إلى فرنسا، فإن جدول أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي يزخر بالأنشطة، وأنا أعلم أنكم تتابعونها باهتمام كبير، وهذا شرف لي”.
وقال: “تبرز علة وجود مجلسينا اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولعل حكامنا لم يكونوا يوما في حاجة إليهما كما هم اليوم، لا بل يحتاجون إلينا جميعا لنكون مصدر إلهام لإجراء الإصلاحات والحد من الفجوات الاجتماعية والأقاليمية والرقمية، وللإصغاء إلى صوت المواطنين، وتقريب وجهات النظر.
أصبحت العلاقة التي ننسجها بين مجتمعاتنا وقادتنا السياسيين، هذا الرابط الذي نقيمه بين المواطنين والسلطات العامة التي نمثلها، ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.
إن التوصية بالإصلاحات، وبالتحديد إطلاع قادتنا السياسيين على مدى قبول المواطنين لهم، هي الوظيفة الأولى الملقاة على عاتق أي جمعية استشارية، أو على أي مجلس مجتمع مدني منظم”.
وأضاف: “شهدت فرنسا منذ بضعة أشهر، كما تعلمون، فترة صعبة للغاية أثناء حركة “السترات الصفر”، التي أتت لتعبر، بأساليب عنيفة في بعض الأحيان، عن أزمة تمثيلية بعد مرور سنوات طويلة من عدم إصغاء القادة بما يكفي إلى إخواننا المواطنين، وبعد سنوات من تراكم الاستياء شيئا فشيئا في صفوف الطبقات السكانية الأضعف.
وعليه، إثر اختتام النقاش الوطني الكبير، أعلن رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون عن رغبته في تحويل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي إلى “مجلس المشاركة المواطنية”، فضلا عن تنظيم مؤتمر المواطنية حول المناخ، من دون انتظار الإصلاح الدستوري.
ولا بد من الإشارة إلى أن عملية اختيار 150 مواطنا بالقرعة لتمثيل الشعب الفرنسي قد شارفت نهايتها، وسيفتتح رئيس الجمهورية أعمال مؤتمر المواطنية في بداية شهر تشرين الأول في مقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي.
هذه الخطوة بمثابة ابتكار ديموقراطي عظيم.
في الواقع، التزمت الحكومة علنا الرد على المقترحات التي سيتم صوغها في نهاية مؤتمر المواطنية في أوائل العام 2020″.
وتابع: “إن الديناميكية الحالية التي يشهدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي هي ببساطة انعكاس للتصحيح الديموقراطي الملح الذي لفت إليه شخصيا في وسائل الإعلام، بدعم من 80 منظمة ممثلة في المجلس، لتحقيق مشروع الإصلاح الذي طال انتظاره، وخصوصا ليكون رأي المواطن جزءا لا يتجزأ من القرارات العامة.
أما المحاور الرئيسية لهذا الإصلاح الدستوري فهي الآتية:
تنطوي العملية أولا على إشراك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي في عملية صياغة القوانين، عن طريق إحالة جميع مشاريع القوانين التي تعدها الحكومة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية تلقائيا إلى هذا المجلس.
وبالتالي، سيطلع البرلمانيون والنواب وأعضاء مجلس الشيوخ على آرائنا بشكل أعمق، مما سيكمل أي نقص في المعلومات المتوافرة لديهم ويساهم تعزيز التعاون بين المجالس الثلاثة، بحيث يتحقق التكامل بين الديموقراطية التمثيلية والديموقراطية التشاركية.
وسيتم تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي الجديد مهمة تنظيم النقاش العام، بتفويض من الحكومة، حول مشاريع الإصلاح الكبرى قبل مناقشتها. أرى أن هذه المهمة الجديدة بمثابة تحسن كبير يبرر تغيير اسم المجلس إلى “مجلس المشاركة المواطنية”.
وللتذكير، فنحن قادرون على تسلم أي عريضة يوقعها 500 ألف مواطن.
يجب توسيع الصلاحية لتشمل العرائض الرقمية المنشورة على منصة إلكترونية، علما أننا سنتابع عن كثب العرائض الرقمية المواطنية التي لا تحصل على 500 ألف توقيع، ولكنها تستحق الاهتمام، ما يبرر أحيانا تفويضا ذاتيا من جانبنا للنظر فيها.
وسبق أن أثبتنا استعدادنا للقيام بذلك خلال فترة ولايتنا في موضوع رعاية نهاية الحياة، أو ضعف نسبة المحترفين الطبيين نسبة الى عدد السكان، أو سعر الوقود، وسواها من الأمثلة”.
وأشار الى ان “من المتوقع خفض عدد المستشارين، إلا أن السلطة التنفيذية لن تعين بعد الآن “شخصيات مؤهلة”، وهو الأمر الذي أساء في بعض الأحيان إلى صورة جمعيتنا.
وبالتالي، سيتم تعيين جميع الأعضاء من جانب المنظمات والنقابات والجمعيات التي عليهم تمثيلها”.
وقال: “في النهاية، مشروع الإصلاح هذا يهدف إلى معالجة المسألة الجوهرية، إذ يفترض به أن يمكن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي من الاضطلاع بالدور الذي كلفه به مؤسسو الجمهورية الخامسة، أي أن يمثل الهيئات الوسيطة، إلى جانب إرساء “الديمقراطية المعززة” من خلال الاستماع إلى آراء المواطنين.
تؤدي جمعياتنا دورا استراتيجيا بالنسبة إلى جميع القوى القائمة. فهي في المقام الأول تشكل ضمانا للرابط الذي لا غنى عنه بين من هم مصدر السلطة، من جهة، ومن اكتسبوها نتيجة العملية الديموقراطية.
لذا، دعونا نفخر بما نحن عليه، أي لكوننا صلة الوصل بين المواطنين والمسؤولين، وأداة للحد من التباينات وللابتعاد عن الشعبوية”.
وختم: “في ختام مداخلتي، لا بد لي من ذكر فقرة من الرسالة الجميلة التي بعثتموها لي بعد فوز فريق كرة القدم الفرنسي في نهائي كأس العالم لكرة القدم في تموز/يوليو 2018.
فقد عبرتم لي في هذه الرسالة عن مدى سعادتكم بهذا الحدث، وأن هذا النصر يكتسب معنى خاصا في بلدكم، لشدة تعلق اللبنانيين بفرنسا.
وقد اقتبستم فيها قولا للجنرال ديغول: “أستطيع أن أقول إن مجرد لفظ اسم لبنان يحرك في قلب كل فرنسي أصيل شعورا مميزا”.
لا أفشي سرا إن قلت إن هذه العبارة تصف تماما الشعور الذي ينتابني بوجودي بينكم اليوم”.
فوشيه
وقال السفير فوشيه: “تعكس الزيارة الخاصة جدا لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي أمرين: من ناحية، الديناميكية الحالية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني برئاسة السيد شارل عربيد الذي نجح في غضون عامين في ترسيخ المجلس واحة للحوار وللديموقراطية التشاركية بين القطاعين العام والخاص في لبنان، وآلية تقدم المقترحات والمشورة القيمة الى صانعي القرار اللبنانيين. من ناحية أخرى، ثمة روابط وثيقة ستستمر بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي وشريكه اللبناني. إن توقيع اتفاق التعاون اليوم هو خير مثال على ذلك. يمكننا أن نهنئ أنفسنا”.
وأضاف: “تندرج هذه الزيارة في سياق اقتصادي واجتماعي معقد في لبنان، مما يجعل من الضروري أكثر من أي وقت مضى تعزيز مجالات الديموقراطية التشاركية والحوار كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي. لذلك، أرحب بتوقيع اتفاق التعاون هذا الذي سيكثف تبادل الخبرات بين المجلسين ويزيد من تأثير المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني، بما في ذلك في مجال الفرنكوفونية”.