محاضرة في المجلس الوطني الفرنسي ومحادثات مع مجموعة نواب «الصداقة اللبنانية – الفرنسية» برئاسة النائب لويك كيرفران
زمكحل: «أزمتنا كارثية ومصيرية ولا يستطيع لبنان أن يتخطاها من دون دعم دولي وخصوصاً فرنسي لمواجهتها»
قام رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد زمكحل بزيارة إستثنائية إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث إجتمع مع بعض نواب المجلس الوطني الفرنسي (Assemblée Nationale)، في مقره العام، وأيضاً مع نواب مجموعة الصداقة اللبنانية الفرنسية، برئاسة النائب لويك كيرفران، ونائب رؤساء هذه المجموعة النائبة ناديا إسايان، والنائبة ويندا رويار، وعدد من النواب الفرنسيين.
وتحدث الدكتور زمكحل في عدد من المقابلات الإعلامية أبرزها مع محطة «France 24» و «Monte Carlo Doualiya» و TF1 و RT France وRadio Orient عن الازمة الإقتصادية والإجتماعية والمالية والنقدية التي يمر بها لبنان.
خلال هذه الإجتماعات المتنوعة الهادفة إلى دعم ومساعدة لبنان، في هذه الأوقات الصعبة، شدد رئيس التجمع اللبناني العالمي د. فؤاد زمكحل أمام الرسميين الفرنسيين على «ضرورة مساعدة ومعالجة خطورة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والنقدية، التي يمر فيها لبنان في أقرب وقت»، وأكد لعدد من الشخصيات الرسمية الفرنسية التي إلتقاها «أن أزمتنا كارثية ومصيرية، ولا يستطيع لبنان أن يتخطاها من دون دعم دولي وخصوصاً فرنسي لمواجهتها».
شخّص الدكتور فؤاد زمكحل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية للنواب والمسؤولين الفرنسيين بكل شفافية وموضوعية، على الشكل التالي، قائلاً: «إننا نعيش اليوم «تسونامي» مخيف وعنيف.. أزمة إقتصادية، إجتماعية، نقدية ومالية لم يشهدها لبنان قبلاً. علماً إن الأجواء المحيطة غير إيجابية للغاية، كما أنه لا يوجد سيولة عند أصحاب الشركات، ولا عند الموظفين ولا عند الموردين ولا عند الزبائن، فالحلقة الإقتصادية باتت غير مكتملة وجامدة من كل النواحي، وكل حلقة منها على حافة الهاوية. من جهة أخرى، لا يوجد سيولة بالعملات الأجنبية عند أحد، وحتى لو وُجدت بكميات ضئيلة، فإنه من المستحيل تصديرها من أجل تأمين أدنى الحاجات المستوردة. ليس علينا أن نكون متفائلين أو متشائمين لكن واقعيين، هذا يعني أنه في القريب العاجل، سيتعرض البلد إلى نقص حاد في كل المواد المستوردة. وسيكون هذا النقص كارثياً للقطاعات الصحية، الإستشفائية، الصناعية، التجارية، وغيرها. فإذا بات الوضع الراهن كما هو عليه لسوء الحظ، فإننا نتوقع إقفال وإفلاس شركات عدة وصرف عدد كبير من العمال والموظفين وزيادة البطالة الى أرقام تاريخية، وأزمة إجتماعية ليس لها في لبنان مثيل منذ الحرب العالمية الاولى».
وتابع الرئيس زمكحل خلال إجتماعه مع النواب الفرنسيين في المجلس الوطني الفرنسي قائلاً: «إنني أشدد على أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها البلاد هي: أزمة سيولة بإمتياز وشح بالعملات الأجنبية، وإنخفاض بالتدفق الخارجي، وإنحدار الثقة بين الشعب والدولة، وبين المجتمع الدولي والدولة، وبين المغتربين والدولة. وهذا الإنهيار بالثقة سيكون له مخاطر وإنعكاسات سلبية على المدى القصير المتوسط والبعيد. كيف يُمكن الثقة بسلطة وإدارة أوصلت البلاد الى دين عام كان مقداره نصف مليار دولار، إلى نحو 86 مليار دولار من دون بناء أي بنية تحتية، لا بل تراجعت وأنهارت أصول وموجودات للدولة؟ وكيف يُمكن الثقة بسلطة وإدارة أو سياسة لن تستطيع حل مشاكل النفايات لسنين عديدة، وطمرت اللبنانيين بالميكروبات والأمراض؟ وكيف يُمكن الثقة بسلطة وإدارة لن تستطيع إطفاء الحرائق عندما كان يحترق لبنان، في حين أن طائرات إطفاء الحريق كانت مجمّدة لدواعي الصيانة؟ وكيف يُمكن الثقة بسلطة وادارة صرفت أكثر بكثير من مدخولها لسنين عديدة وتابعت سياسة التسول من المجتمع الدولي، ومن ثم الإتفاق على صفقات وتوزيع الأرباح بين جميع الافرقاء؟
لا شك في أن مشاكلنا الداخلية كبيرة، في الوقت نفسه، لا نستطيع أن نتجاوز هذه الأزمة الإقتصادية الفريدة من نوعها من دون تدخل أو مساعدات مالية دولية على رأسها فرنسا لضخ السيولة والعملات الاجنبية. لكن لا يجوز ضخ السيولة مثل العادات القديمة، وتوزيع الحصص وتكرار الصفقات، لكن الحل الوحيد يكمن عبر تمويل المشاريع فقط، والتدقيق الدولي، ومتابعة وتنفيذ المساعدات الدولية على القليل في المدى القصير».
وطالب د. زمكحل من النواب والمسؤولين الفرنسيين بـ «التدقيق والتحقيق في كل التحويلات من لبنان الى الخارج منذ سنوات عدة، من جميع الأفرقاء والمسؤولين الذين عملوا أو تعاملوا مع الشأن العام، مع مراقبة دقيقة لمصادر الأموال. إن الحل الوحيد يبدأ لإعادة هيكلة لبنان، هو تحقيق دولي شفاف ودقيق عن كل الأموال التابعة لأي شخص كان، عمل في القطاع العام او تعامل معه، ومراقبة وتدقيق لمصادر الأموال التي صُدّرت الى الخارج. ولا نستطيع القيام بهذه العملية داخلياً لأسباب عدة ومعروفة، لكن المجتمع الدولي يستطيع القيام بهذه المهمة، وتجميد أي حسابات مشبوهة، وأموال ليست مؤكدة المصدر وغير مبرهن عنها».
وإقترح د. زمكحل للنواب والمسؤولين الفرنسيين خطوطاً عريضة لخطة إنقاذية للبنان بدعم فرنسا والمجتمع الدولي، وقال: «إننا بحاجة اليوم إلى خطة إنقاذية إستثنائية وحالة طواريء دولية، تترأسها فرنسا لإنقاذ إقتصادنا وبلادنا:
– بناء آلية ولجنة توجيهية إستراتيجية تتضمن المجتمع الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبلدان المانحة، وشركات التدقيق المالي الدولية، والمجتمع المدني اللبناني وقطاع الأعمال ومندوبي السلطتين التشريعية والتنفيذية، لضخ الأموال الموعودة من البلدان المانحة، وإستثمارها في السوق المحلية في أسرع وقت ممكن، لأننا لا نستطيع الإنتظار.
– خلق هيكلية وصندوق دولي بمساعدة وإدارة البنك الدولي، لدعم المستوردين اللبنانيين، والسماح لهم بالتسديد لمورديهم الدوليين بالليرة اللبنانية، حيث يتحمل الصندوق، مسؤولية صرف العملات وتأمينها إلى الشركات الدولية المصدرة.
– إستبدال كل الإستحقاقات المالية على لبنان بقروض طويلة الأجل، بفوائد متدنية جداً، مشروطة بالإصلاحات المرجوة، وخصوصاً بلجنة متابعة وتدقيق لصحة صرف وإستثمار الأموال الممنوحة.
– دعم البنك المركزي بسيولة كبيرة بهدف دعم المصارف التجارية من أجل مساعدة الشركات الخاصة، وإعادة حلقة الإستدانة بفوائد منخفضة ومدعومة. إن تجميد عمليات الديون التجارية والتبادل التجاري والمصرفي يضرب إقتصادنا ضربات قاضية لن يتحملها أحد.
– نطلب مساعدتنا بغية ترشيق حجم الدولة لان إصلاح كلفة القطاع العام هو الإصلاح الأول والأهم. ومن المستحيل إعادة هيكلة الدولة من دون تقليص حجمها وكلفتها الباهطة.
– لم يعد لدينا خيار إلا خصخصة كل مؤسسات الدولة، من أجل إستقطاب إستثمارات وأموال، وتحسين الخدمات للمواطنين، لكن نطلب مساعدة فرنسا والمجتمع الدولي لتنظيم هذه الورشة الضخمة بشفافية تامة وحوكمة رشيدة، لإنجاح هذا المشروع الضخم.
– يجب أن نحاول بأن نكون أكثر إبداعاً، وأن نقترح طريقة لضمان تثبيت العملة وسعر الصرف بطريقة غير مباشرة، أي أن نقوم بتقليل تكلفة إستقرارها. قد يكون الحل ألاّ تقترض الدولة المزيد بالعملة المحلية، ولكن حصرياً بالعملة الأجنبية بدعم من البنك الدولي. نتيجة لذلك، لن يكون لدى المصارف حوافز لجمع الودائع بالليرة اللبنانية. عملياً، إن إحدى وظائف النقد أي «مستودع القيمة»، ستكون قد إختفت تقريباً. إن عواقب مثل هذا التدبير كبيرة جداً. في الواقع، سيؤدي هذا الإجراء إلى القضاء على المضاربة على الليرة اللبنانية والتي، في فترة من الثقة، تضمن للمضارب مكسباً بمئات المئات على حساب الخزينة. أما في فترات عدم الثقة، فإن هكذا إجراء سيُجبر البنك المركزي على إنفاق جزء من إحتياطاته لتجنب إنهيار الليرة اللبنانية.
– نطلب بناء صندوق لدعم عمليات الدمج وإنخراط الشركات لمواجهة الأزمة، ومن بعد مرور العاصفة للنمو والتطور بطريقة مستدامة.
إننا بأمس الحاجة لضخ سيولة في السوق المحلية اليوم قبل الغد، لكن لا نريد أن نقع في الفخ ذاته، ونعيد الأخطاء عينها. نطلب مساعدة فرنسا والمجتمع الدولي لمواجهة وإدارة الأزمة معنا، والتدقيق الدولي في إستثمار الأموال ورسم خطة طواريء، وخصوصاً ملاحقتها وتنفيذها مع فريق من التقنيين اللبنانيين بأدق التفاصيل لأن دولتنا عاجزة عن ذلك في الوقت الحاضر».
من جهة أخرى، إجتمع الدكتور زمكحل مع رجال الأعمال اللبنانيين في فرنسا، وشدد لهم: على «أن الوقت المناسب لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم، من أجل الإستثمار في الشركات اللبنانية، والقطاع الخاص اللبناني، الذي هو بأمس الحاجة إلى رأسمال جديد ليتابع تنميته الإقليمية والدولية».
ونصحهم «بنقل وتحويل بعض مدخراتهم الموجودة في لبنان إلى الشركات الخاصة، حيث سيكون عائداً على إستثماراتهم على المدى المتوسط وتوزيع المخاطر».
وكرر أمامهم أنه «لا يستطيع لبنان ولا اللبنانيون في لبنان مواجهة هذه المخاطر وهذه المرحلة الإقتصادية والإجتماعية لوحدهم. أملنا الوحيد هو العمل يداً بيد مع كل المغتربين اللبنانيين حول العالم، لحماية لبنان من الإنهيار وإعادة بنائه ونهوضه في أسرع وقت ممكن».
وختم د. زمكحل إجتماعاته المتعددة في فرنسا مشدداً على «أن العبرة الأساسية التي نتعلمها من هذه الثورة هي الأزمة الإجتماعية الكارثية التي يعاني منها اللبنانيون، وخصوصاً يأس جيل الشباب وخريجي الجامعات، الذين برهنوا نضجاً ووعياً فائقاً، وهم فخر وأمل بلادنا. إننا بحاجة لهذا الجيل الجديد وأفكاره البنّاءة والريادية. وهم الذين سيُعيدون إعمار لبنان وإقتصاده بأياديهم البيضاء وعلى أسس متينة وسليمة.
إن سنة 2020 ستكون سنة تحد كبير ومرحلة دقيقة جداً، حيال المخاطر المخيفة، كلنا يعلم أشباح الإفلاس والإنهيار وزيادة الفقر، والبطالة وصرف العمال وتدهور نسبة العيش، لكن في الوقت عينه نحن أمام فرصة تاريخية من أجل إعادة بناء إقتصادنا وبلادنا على ركائز متينة وإعادة هيكلية بنيوية، والتركيز على جيل شبابنا الذين هم أملنا وفخرنا».