بقلم: “بول دونلي”، مدير التسويق لدى “أسبن تك”
لا تزال ملامح مستقبل قطاع الهندسة والمشتريات والبناء غير واضحة رغم دخولنا العام 2020، إذ تحتضن هذه السوق بعض الشركات التي حققت أداءً جيداً، بينما لا يزال أداء البعض الآخر متراجعاً، وفي كلتا الحالتين هناك العديد من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على هذا القطاع، ومنها الضغوطات الدائمة الناجمة عن التكاليف، وصعوبة العثور على مهندسين متمرسين من ذوي الخبرة، والنتائج المالية المتضاربة الناجمة عن مشاريع المناقصات الثابتة.
وتماشياً مع هذه البيئات المتداخلة والضغوط المتواصلة التي يتعرض لها هذا القطاع، تسعى الكثير من شركات الهندسة والمشتريات والبناء إلى تبني تقنيات متطورة تساعدها في تعزيز معدلات النمو والربحية. لذا، فإن الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي من شأنه إزاحة العقبات التي تقف في مسيرة نمو هذا القطاع. وخلال العام 2020، نتوقع أن نشهد الأثر الأكبر لتقنيات الذكاء الاصطناعي على ثلاث مجالات، وهي زيادة الإنتاجية الهندسية، وتحسين جودة التصاميم، واستقطاب المواهب وسَن الإرشادات التوجيهية.
زيادة الإنتاجية
لا تزال العمليات القائمة على الأعمال الورقية تهيمن على تصاميم وسير الأعمال الهندسية في قطاع الهندسة والمشتريات والبناء، لذا فإن النتائج المتوقعة تتلخص في وقوع الأخطاء، وتكرار العمل، والتدخل اليدوي المكلف والمستنفذ للوقت، وذلك في سبيل معالجة التغييرات والمراجعات التي لا بد منها. فيما يلي شرح لكيفية مساهمة تقنيات الذكاء الاصطناعي في حل هذه المشاكل، فعوضاً عن الاعتماد على العمل الورقي من أجل تصحيح العمل الهندسي، يمكن إدارة هذه المعلومات وتخزينها ضمن قاعدة بيانات مركزية، بل وتحديثها والاستعلام عنها حسب الحاجة، وذلك للحصول على نسخة من المشروع بأحدث المعلومات. وسيتم استثمار الذكاء الاصطناعي في إعداد وتوليد تصاميم المشروع القابلة للتسليم، وذلك انطلاقاً من قاعدة البيانات و/أو تسليم البيانات إلكترونياً إلى الأنظمة الهندسية الأخرى، والتي تستخدم لتطوير وتحسين التصميم. واستناداً على تجارب عملائنا، ترى شركة “آسبن تك” بأن هذا الأمر من شأنه اختصار الجهد المطلوب لإكمال “التصميم الهندسي للواجهة الأمامية” FEED للمشروع بنسبة تتراوح ما بين 30-50 بالمائة.
تحسين جودة التصاميم
كيف بالإمكان قياس جودة التصميم لمُنشأة ما؟ هناك عدة طرق للقيام بذلك، لكن أهمها هو تقدير رأس المال المطلوب لتسليم المُنشأة وفقاً لمتطلبات المالك، ومعرفة كلفة تشغيل المُنشأة، وتوقع عدد مرات توقفها بسبب الأعطال. ويتمثل النهج العصري المتبع حالياً من أجل “إيجاد أفضل التصاميم” في إنشاء حزم من التصاميم استناداً على عدد من نقاط البيانات، التي تمثل بدورها مجموعة من ظروف العمل والتشغيل المحتملة. ومن الأمثلة على ظروف العمل والتشغيل التي تؤخذ بعين الاعتبار: درجات حرارة التشغيل، ودرجات حرارة البيئة المحيطة، وتهيئة المواد الأولية ومواد البناء المختلفة. وتنحصر عدد نقاط البيانات وفقاً للوقت والجهد المطلوبين لتصميم نموذج ظروف فريد من نوعه.
بالمضي قدماً، وعوضاً عن مراعاة عدد قليل من نقاط البيانات لهذه المتغيرات الرئيسية، سيتم الأخذ بعين الاعتبار كافة نطاقات ومجالات التشغيل المحتملة في وقت واحد. وسيستعين هذا النهج “متعدد الحالات” بالذكاء الاصطناعي AI وعمليات الحوسبة عالية القدرة من أجل تشغيل الآلاف من عمليات المحاكاة الافتراضية بسرعة كبيرة، الأمر الذي من شأنه تمكين فريق التصميم من إنشاء تصاميم عالية الجودة تستند على المعايير العالمية. وسيؤدي هذا الأمر بالنتيجة إلى تعزيز مستوى رضا العملاء، وتكرار الأعمال في مجال الهندسة والمشتريات والبناء، ناهيك عن الفائدة التي ستعود على المجتمع من المنشآت التي تعمل بدرجة أكثر أماناً واستدامةً.
استقطاب المواهب وسن الإرشادات التوجيهية
يصعب دائماً استقطاب الخبرات الهندسية المؤهلة، في حين يفتقر المهندسون الشباب إلى الخبرة أو المعرفة الكافية التي تؤهلهم إحداث تأثير ملموس وفوري. لذا، سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل خفض حدة المهام اليومية المرهقة على المهندسين، وتحريرهم منها بهدف التركيز على معالجة التحديات الهندسية والتصميمية. وهذا بدوره سيجعل من هذه الوظائف أكثر استقطاباً للموظفين المحتملين، كما أنه سيساهم بالحفاظ على المهندسين المتمرسين.
كما سيعزز الذكاء الاصطناعي من تنفيذ أعمال التصميم والهندسة بمرونة وسهولة أكبر، وذلك بدعمها بمجموعة غنية من البيانات التي تتضمن متطلبات العملاء، وشفرات البناء المحلية، والتصاميم السابقة، والبيانات التشغيلية الحقيقية. وبالمجمل، ستساهم هذه البيانات مجتمعةً في توجيه وإرشاد المهندسين إلى وضع تصاميم أفضل، وبوتيرة أسرع. لكن الوصول إلى كل هذه البيانات وتدقيقها ضمن جدول زمني معقول يتطلب تطبيق القواعد المنصوص عليها، واستثمار تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
علاوةً على ذلك، سيتيح التوجيه المعرفي المدعوم بالذكاء الاصطناعي للشركات استخلاص خبرات موظفيها، ووضعها في متناول الجميع على امتداد الشركة، وذلك على شكل أفضل الممارسات والمعايير المعتمدة من قبلها. كما سيتمكن المهندسون أثناء قيامهم بوضع وتطوير التصاميم من الحصول على الإرشادات التلقائية، والتنبيهات العملية من أجل تحسين التصميم، أو بالأحرى، سيتم تحذيرهم في حال كانت طرقهم ستؤدي إلى ظروف تشغيل وعمل خطرة.
الخلاصة
لا يزال قطاع الهندسة والمشتريات والبناء منقسماً ما بين الرواد والمتقاعسين، إلا أن الموجة القادمة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ستفتح الباب واسعاً أمام فرص تعزيز الكفاءات، وتحسين جودة التصاميم، وجني نتائج أفضل عبر تحقيق مفهوم التصميم المعزز، الذي يمتلك القدرة على تعزيز الريادة، وفي الوقت ذاته سيقدم دفعةً قوية للمتقاعسين لاحتلال مواقع ريادية. وبإمكانها أيضاً استقطاب المواهب والحفاظ عليها، وهو ما يعد أمراً ضرورياً وحيوياً لضمان التغلب على التحدي الملح والمتمثل بتلبية الاحتياجات والمتطلبات من الطاقة والمواد في وقتنا الراهن، سعياً لتجنيب الأجيال القادمة تقديم تنازلات لا مبرر لها.