وجّه رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب كلمة بعد جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في القصر الجمهوري في بعبدا، ركّز فيها على الوضع المالي والنقدي في لبنان، وما يعانيه المودعون في تحصيل أموالهم من المصارف، محمّلاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسؤولية توضيح ما يجري من إجراءات اعتبرها في كلمته أداءاً مريباً أزاء تدهور الليرة اللبنانية، كاشفاً أن الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان، تتسارع وتيرتها، وقد ارتفعت 7 مليار دولار منذ بداية هذا العام ولغاية منتصف شهر نيسان الحالي، من بينها 3 مليارات في الأسابيع الأربعة الأخيرة.
وجاء في تفاصيل كلمة دياب الحرفية ما يلي:
اليوم يكون قد مرّ من عمر الحكومة 73 يوماً، منذ نيلها الثقة في مجلس النواب، لكن البعض يحاسب الحكومة وكأنها في الحكم منذ 73 شهراً.
مع ذلك، نحن نقبل المحاسبة الموضوعية، بل نطالب بها، ونحن نتعامل بشفافية وصراحة وصدق ووضوح.
لقد تسلّمنا الحكومة وفي البلد ما يكفي من الملفات المعقّدة، والانهيارات المالية، والتصدّعات الاقتصادية، وتراكم الديون، والأزمات الاجتماعية والمعيشية تتعمّق، وفي ظلّ ضعف الثقة، داخلياً وخارجياً، بالدولة اللبنانية.
وانضمّ وباء كورونا إلى ضفّة جبهة تعطيل الحكومة التي واجهت أصعب امتحان يهدّد حياة الناس، في ظلّ إمكانيات شبه معدومة، وغياب بنية صحيّة في الدولة التي يفترض بها أن تحمي مواطنيها وتؤمّن لهم الرعاية.
البعض خرج ليقول إن وباء كورونا أنقذ الحكومة، التي لم يكن قد مرّ على نيلها الثقة سوى عشرة أيام فقط عندما اندفع الوباء بقوة في البلد. بينما في الواقع، إن مواجهة وباء كورونا استنزفت منّا الكثير من الوقت والجهد والقدرات المالية الضئيلة المتوفّرة، للتعامل مع تداعيات مواجهة هذا الوباء.
لقد أربك هذا الوباء الحكومة، وتبدّلت أجندة العمل، لأن حياة الناس أولويتنا. لكن ذلك لم يمنعنا من الاستمرار في مواجهة وباء الواقع المالي أيضاً، وتعاملنا بواقعية شديدة مع الثقب المالي الأسود في لبنان، وما نزال نعمل على محاصرة هذا الثقب الأسود.
بالتزامن، وللأسف، فإن هناك من يصرّ على تعميق الأزمة المالية، فتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية يتسارع بشكل مريب في السوق السوداء.
وعلى الرغم من السلطة المحدودة للحكومة في التعامل مع هذا التدهور، على اعتبار أن السياسة النقدية منوطة بمصرف لبنان استناداً إلى قانون النقد والتسليف، إلا أننا نبذل جهوداً كبيرة لكبح جماح هذا التدهور.
بواقعية، ثمة معضلة تتمثّل بغموض مريب في أداء حاكم مصرف لبنان إزاء تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، وهذا ما يؤدي إلى تسارع هذا التدهور الذي ينعكس سلباً على كل شيء في البلد، وخصوصاً على المستوى الاجتماعي والمعيشي، حيث تتفاقم الأزمات التي يواجهها اللبنانيون، في حين يبدو دور مصرف لبنان إمّا عاجزاً أو معطّلاً بقرار أو محرّضاً على هذا التدهور الدراماتيكي في سعر العملة الوطنية.
من هنا، لم يعد ممكناً الاستمرار في سياسة المعالجة في الكواليس. يجب أن يكون هناك وضوح ومصارحة مع اللبنانيين. يجب تغيير نمط التعامل مع الناس. لا يجوز أن تبقى هناك معلومات مكتومة عنهم، بينما يدفعون ثمن تداعيات هذه السياسة.
فليخرج حاكم مصرف لبنان وليعلن للبنانيين الحقائق بصراحة. ولماذا يحصل ما يحصل. وما هو أفق المعالجة. وما هو سقف ارتفاع الدولار…
اللبنانيون يعيشون في قلق كبير. قلق على لقمة العيش، وقلق على جنى العمر. وقلق على الرواتب التي تآكلت وخسرت قيمتها. وقلق على المستقبل.
هل ما زال بإمكان حاكم المصرف الاستمرار بتطمينهم على سعر صرف الليرة اللبنانية، كما فعل قبل أشهر، ثم فجأة تبخّرت هذه التطمينات؟
هناك فجوات كبرى في مصرف لبنان. فجوة في الأداء، وفجوة في الاستراتيجيات، وفجوة في الصراحة والوضوح، وفجوة في السياسة النقدية، وفجوة في الحسابات.
إن المعطيات التي بين أيدينا تكشف أن الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان، تتسارع وتيرتها، وقد ارتفعت 7 مليار دولار منذ بداية هذا العام ولغاية منتصف شهر نيسان الحالي، من بينها 3 مليارات في الأسابيع الأربعة الأخيرة.
من هنا تبرز أهمية القرار التاريخي الذي اتخذناه مع فخامة رئيس الجمهورية، بتكليف شركة دولية حيادية التدقيق الحسابي في مصرف لبنان، التزاماً من الحكومة بالشفافية والوضوح في التعامل مع الفجوة في النظام المالي في لبنان.
بالتزامن، فإن السيولة في المصارف اللبنانية بدأت تنضب، ولذلك فإن المطلوب هو اتخاذ مبادرة والتصرف سريعاً. فالأرقام تكشف خروج 5.7 مليار دولار من الودائع من المصارف اللبنانية خلال كانون الثاني وشباط من هذه السنة، ولا ندقّق في حجم الأموال التي خرجت، من مصرف لبنان والقطاع المصرفي، منذ أول آذار حتى اليوم.
لذلك، نناقش مشروع قانون يُلزم جميع مساهمي المصارف من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين وأصحاب الحقوق الاقتصادية الحائزين بصورة مباشرة أو غير مباشرة على ما لا يقلّ عن 5% من رأسمال أي مصرف عامل في لبنان وجميع الأشخاص الذين يشغلون مناصب في الإدارات العليا للمصارف، والأشخاص الذين تبوأوا مراكز سياسيّة أو إداريّة أو قضائيّة أو عسكريّة في الدولة اللبنانية او في الأدارات العامة أوالمصالح العامة التابعة للدولة اللبنانية، إعادة جميع الأموال المحوّلة من قبلهم أو بناءً لطلبهم إلى الخارج بعد تاريخ 17/10/ 2019 والتي تفوق مبلغ 50 ألف دولار، والتي تم تحويلها بواسطة هذه المصارف، تحت طائلة بطلان عمليات التحويل، والملاحقة الجزائية بجرائم تهريب الأموال والأثراء غير المشروع.
إن الإسراع بإقرار الخطة المالية بات ضرورة ملحّة في القريب العاجل، فكلما تأخّرنا في اعتماد هذه الخطة، كلّما زادت صعوبة تحقيق الإنقاذ المالي. هذه الخطة، التي ناقشناها مع ممثّلي مختلف القطاعات التي تمثّل معظم شرائح المجتمع اللبناني.
نسمع أصوات اللبنانيين الذين يطالبوننا بالتغيير، وبالمحاسبة الثورية، وبمصادرة أموال البعض لمصلحة الدولة، وزجّ البعض الآخر بالسجون. لكن هذه الحكومة ليست محكمة ثورة، والتغيير يحصل فعلياً من داخل آليات النظام القائم، والمحاسبة قائمة تحت سقف القانون، والمرتكبون سيدخلون إلى السجن حتماً، بهمّة القضاء اللبناني، الذي نعوّل عليه ليكون عند مستوى تطلّعات اللبنانيين، بتحقيق العدالة ومحاسبة المرتكبين.
مع ذلك، فإن الحكومة حازمة بقرارها حماية البلد، ولن نسمح، تحت أي ظرف، المساس بمصالح اللبنانيين وممتلكاتهم وجنى العمر الذي حصدوه بعرق الجبين ولقمة عيشهم.
إن الحكومة منشغلة اليوم بتأمين الحدّ الأدنى من مقومات الصمود للبنانيين الذين تعطّلت أعمالهم بسبب وباء كورونا وإجراءات مواجهته.
نحن نعلم أن التقديمات التي باشرنا بتوزيعها، متواضعة بالمقارنة مع متطلبات الحياة، لكنها ثقيلة بالمقارنة مع قدرات الدولة المستنزفة في الثقب المالي الأسود.
المهم اليوم هو تضافر جهود الجميع، الدولة والمجتمع والميسورين والجمعيات الأهلية، من أجل عبور هذا الوضع الصعب جداً، الذي يحتاج إلى تكافل اجتماعي وطني. والحكومة ستواصل بذل كل جهد من أجل القيام بواجباتها في حماية المواطنين.
لقد أنجز الجيش اللبناني حتى اليوم توزيع نحو مئة ألف مساعدة من المخصصات المالية التي قرّرتها الحكومة للعائلات الأكثر حاجة في جميع المناطق اللبنانية بسبب إجراءات الحماية من وباء كورونا، ونحن ما زلنا في منتصف الطريق تقريباً، لكننا سنواصل الجهود للتخفيف عن اللبنانيين، على أمل الانتهاء من عملية دفع المساعدات خلال عشرة أيام فقط.
المساعدات يتم دفعها في المدارس على جميع الأراضي اللبنانية، لكن عودة قطع الطرقات سيؤدي إلى عرقلة هذه المهمة، لا سيّما وأن عملية دفع المساعدات ستنتقل إلى المنازل اعتباراً من الأسبوع المقبل.
لقد مددنا التعبئة العامة حتى تاريخ 10 أيار 2020، ولكن لقد حان الوقت لكي نبدأ في إعادة فتح بلدنا. كلنا نريد عودة حياتنا الطبيعية. الناس والشركات يكافحون. هذه فترة غير مسبوقة في تاريخ بلادنا. استراتيجيتنا مع COVID19 كانت فعالة بسبب كل التضحيات التي قمنا بها جميعًا. دعونا لا نضيعها.
نحن غير محصنين ضد الفيروس ولن يكون هناك لقاح في الأشهر المقبلة.
لقد قامت الحكومة بتقييم القطاعات المختلفة على أساس تقييم المخاطر وخطة الأولوية، وقد وضعنا نهجًا مرحليًا لرفع الإغلاق. تقترن هذه الخطة بخطة اختبار ضخمة بقيادة وزارة الصحة لتحديد أولئك الذين يحملون الفيروس وعزلهم.
لكن رفع الحظر يمكن أن يدمر بلادنا مع تفشٍ جديد وموجة ثانية من العدوى. يجب أن نستمر في الانتباه لكيفية تصرفنا لمنع فقدان الأرواح.
قمنا بتسوية المؤشر (flattened the curve) ولكن يجب أن نستمر في أن نكون أذكياء ومنضبطين لضمان بقائه على هذا النحو.
سنفقد نجاحنا في احتواء انتشار وباء كورونا إذا لم نلتزم بتدابير التنفيذ التي وضعتها السلطات. سيكون مؤلماً إذا انتهى بنا المطاف بمشاهد مروعة مماثلة شوهدت في المستشفيات حول العالم. آخر شيء نريده هو أن ننتقل من إغلاق إلى آخر.
ولذلك ستواصل الحكومة واجباتها في حماية اللبنانيين، من الوباء الصحي، وأوبئة الفساد والمالية والمعيشية.
ستكون الحكومة مظلّة متينة لورشة مكافحة الفساد، التي يتحمّل القضاء عبء مواكبتها، بشفافية، واستقلالية، ومن دون أي تردّد أو مواربة أو مسايرة.
أريد أن أوجّه رسالة واضحة، وبلغة مبسّطة، كي تكون مفهومة من أولئك الذين يعتقدون أننا سنتفرّج عليهم وهم يحفرون الكمائن، ويخطّطون للإنقلاب عبر سلب الناس أموالهم مرة ثانية برفع سعر صرف الدولار الأميركي.
فليسمعوني جيداً: لن نسمح… ولن نتهاون… في قمع كل عبث بالاستقرار المالي، لأن هؤلاء العابثين يريدون انهيار البلد، وهزّ استقراره، لحماية أنفسهم ومصالحهم على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين.
فليسمعوني بوضوح: الدولة ستضرب بحزم.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.