“مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد – لبنان” يكشفون التناقضات بين بيان سلامة والواقع

أعلنت جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” (LCACM | DCCL) في بيان لها استغرابها للتناقض بين الموقف الأخير لحاكم المصرف المركزي السيد رياض سلامة وأقوال سابقة له في التقرير السنوي لهيئة التحقيق الخاصة لسنة 2017: حيث قال “..وبالرغم من كل الصعاب، تبقى أولى الأوليّات بالنسبة لنا الحفاظ على الإستقرار النقدي وسلامة القطاعين المصرفي والمالي وصونهما…”.  وتوقّفت  عند هذه التطمينات آسَفة لأنه بالرغم من فشل المسؤولين في مصرف لبنان في تأمين خطة إنتقالية خلال السنوات الثلاثين الماضية لتثبيت سيادة العملة المحلية على أراضيها، جاء حاكم مصرف لبنان مدافعاً عن نفسه بدلاً من وضع استقالته بتصرّف الحكومة اللبنانية، كما كان ليفعل أي مهني على مستوى الحاكمية في أي دولة ديمقراطية.  وأكّدت “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” أن الشعب اللبناني دفع تكاليف باهظة ثمناً لاستقرار سعر الدولار في لبنان بدلاً من إستقرار النقد اللبناني تطبيقاً للقانون!  علماً أن لبنان لم يقصّر في تأمين أعلى الرواتب والملحقات لحاكم مصرف لبنان ونواب الحاكم والمدراء المحظيين!

اليوم وفي مقابل تدهور الليرة وحجز أموال المودعين وصرفها من قبل المصارف بكلفة تتعدى حالياً 50% من قيمتها، استغربت “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” توجُّه الحاكم إلى الشعب اللبناني في 28 نيسان 2020 مدافعاً عن سياسات المصرف المركزي وعن تمويله لنفقات الدولة اللبنانية.  حيث برّأ نفسه من مسؤولياته المهنيّة في تحقيق أعلى مستويات المديونية في العالم حيث تعدّت نسبة الدين العام في لبنان 170% من الناتج المحلّي.

وتفاجأت الجمعية بتأكيد الحاكم إعتماد الشفافية بالحدود القصوى علماً أن هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها لم تتمكن حتى اليوم من الإجابة على طلب نادي القضاة حول “تجميد حسابات والتحقيق بها” المقدّم منذ الأول من تشرين الثاني 2019.  كما لم تتمكّن هيئة التحقيق عينها من معرفة حجم الأموال التي تمّ تحويلها منذ 17 تشرين الأول 2019 بالرغم من طلب المساعدة القضائية الصادر من النائب العام التمييزي منذ الأول من شباط 2020. بل تذرّعت بأنّ الأموال “قيد المتابعة”.  وكانت الهيئة عبر نائب الرئيس قد أكّدت على “خبرة الهيئة المتراكمة في معالجة حالات متّصلة بالفساد وتمويل الإرهاب” التي أوصلت نائب رئيس الهيئة إلى رئاسة “المينافاتف” ولكنها لم توصل لبنان إلى برّ الأمان!

لم يتوقّف حاكم مصرف لبنان عند هذا الحد، بل تمادى بالمبالغة في تصريحه عن مبدأ الشفافية، إذ أقرّ بأنّ المصرف المركزي قد كلّف سنويّاً شركتي تدقيق عالميتين، وذكرهما بالإسم، مؤكدًا تدققيقهما بحسابات المصرف المركزي منذ 1993 أي لمدة 27 عاماً.  وكان ذلك الشرح كافياً ليفقد التدقيق قيمته، لكون هاتين الشركتين اللتين تُوقّعان معاً الرأي نفسه في تقرير واحد، فقدتا شرطاً أساسياً في أخلاقيات المهنة ومعايير التدقيق الدولية، ألا وهو مبدأ الإستقلالية بالفعل والشكل  Principle of Independence in Fact and in Appearance في غياب تطبيق مداورة مدققي الحسابات بحسب القانون طيلة ثلاثة عقود والتي على ما يبدو غاب فيها أيضا استدراج العروض والمناقصات!

ولفتت “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” على أن ما لم يذكره حاكم مصرف لبنان هو أن هاتين الشركتين تُدقّقان أيضاً حسابات جميع الشركات ذات الصّلة بمصرف لبنان كالكازينو وشركة طيران الشرق الأوسط وغيرها منذ عقود، بالإضافة إلى كون هاتين الشركتين محظيتين أيضاً بتدقيق نحو 20 مصرف في لبنان.  كما شرح الحاكم أن المصرف المركزي يطبّق معايير المحاسبة كما المصارف المركزية الأخرى في الولايات المتّحدة الأميركية وفي بريطانيا وفي أوروبا.  ولكن على ما يبدو أنه وبموضوع تصنيف ” أعباء”  في حساب “موجودات أخرى” قد أهمل المادة 6 من المعايير الأوروبية ECB Guidelines Article 6 التي تحدّد شرطين لذلك.  والشرطان المذكوران في المادة 6 غير متوفرين لناحية “تحقيق المنفعة” للمصرف المركزي من هذه الأعباء المصنّفة كموجودات أخرى، ولناحية “تقليص المخاطر” المتعلّقة بها.  بل عكس الشرطين هو المتوفّر، ما يدلّ على أنّ الشّك مستوجب حول تصنيف “الأعباء” في غير محلّها، كي لا تظهر الخسائر الحقيقية في البيانات المالية لمصرف لبنان على مدى سنوات. 

وأسفت الجمعية لتباهي حاكم مصرف لبنان الذي يرأس المصرف المركزي وهيئة التحقيق الخاصّة وهيئة أسواق المال في آن واحد، والذي له تأثير على لجنة الرقابة على المصارف، بأهمية الحوكمة المعتمدة في مصرف لبنان.  علماً أنه في ظل المحاصصة وتوظيف المحسوبيات والتعيينات الطائفية السياسية في مجلس الحوكمة، وبعد مراجعة دراسة حول المصارف المركزية نشرها صندوق النقد الدولي، نجد الممارسة في مصرف لبنان بعيدة كل البعد عن الحوكمة المعتمدة في معظم المصارف المركزية.  ولعلّ أهمّ ما تفتقده الحوكمة التي يفتخر بها الحاكم هو مبدأ تداول السلطة، وفسح المجال لخبرات وكفاءات أخرى لا يخلو منها الشعب اللبناني، وعدم شخصنة المناصب الإدارية أو تملكها ما يفتح باب الفساد على مصراعيه.  فهل تقتضي الحوكمة صرف النفوذ عبر صرف الأموال والهبات في معظم النشاطات شرط أن يكون المصرف أو حاكم المصرف راضٍ عن العباد؟  أم أن الحوكمة هي أن يقرّ المجلس المركزي موازنة يصرفها دون أي رقيب أو حسيب خارجي مستقل عن العمل التنفيذي المناط بالمجلس المركزي أو نواب الحاكم؟ وهل تقتضي الإستقلالية المزعومة  في مصرف لبنان التي شدد عليها حاكم مصرف لبنان الهروب من المسؤولية والمحاسبة؟ والى أين يلجأ المواطن الذي يوثّق مخالفات الشركات المملوكة من المصرف والمنفَّذة بناء على طلب حاكم مصرف لبنان إن أراد تطبيق القانون 44/2015 باللجوء إلى هيئة التحقيق الخاصة؟ أين الحوكمة في نظام يخدم الحاكم ويحميه من المساءلة ولا يحمي الشعب والنقد اللبناني والمال العام ولا تنعم فيه سيادة القانون؟

وهل تخفى هذه الأمور المهنية عن الهيئات الدولية المختصّة التي بدون أدنى شك لفت نظرها ما آل اليه الوضع المالي والسياسات النقدية والهندسات المالية التي يمارسها مصرف لبنان وحالة القطاع المصرفي؟  فإن أي غضّ نظر هو لتأمين مصالح الغريب على أرض الوطن،  وإن لم يُغضّ النظر، فيخسر الوطن فرصة النهوض بدعمها ومساعدتها لكونها غيرأكيدة من الإصلاح ومكافحة الفساد وتأمين مطالب الشعب الذي هو مصدر السلطات.  فـ “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” لا ترى أي دليل على أن القرارات الحكيمة ستؤخذ في مصرف لبنان،  بل إن كثرة التعاميم العشوائية الصادرة عن مصرف لبنان في المدة الأخيرة لا تمتّ للتخطيط بصلة، وإن دلت على شيء فعلى الضياع وفقدان البوصلة.

وختمت “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” بيانها بالسؤال هل تتحمّل الحكومة مسؤولياتها في الإشراف على حماية النقد اللبناني وتطبيق القانون واسترداد مؤسسات الدولة حتى قبل الأموال المنهوبة؟

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أسواق الإمارات تحت ضغط التوترات الجيوسياسية

تحليل السوق التالي عن ميلاد عزار، محلل الأسواق المالية لدى XTB MENA اختتمت أسواق الأسهم الإماراتية ...

أسعار النفط تستأنف التراجع وسط المعنويات الضعيفة في أوروبا مع المخاوف حول الحروب التجارية

بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com تعود أسعار النفط إلى التراجع اليوم وتنخفض ...

توقعات الداوجونز US30: أسواق الأسهم تتجاهل التحديات الاقتصادية وتستعيد الزخم

كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com شهد مؤشر داو جونز (US30) أمس ...