بقلم: غازي أبو نحل
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات Nest Investments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية
لم تكد تمرّ أسابيع على إنتشار فيروس كورونا، حتى أصدر صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ما سمياه “رسالة تضامن مشتركة” تتضمن إستعدادها لمساعدة “دولنا الأعضاء” عبر “تمويل حالات الطوارئ وتقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة التقنية”.
من جهته، طلب البنك الدولي من الحكومات تجنب السياسات الحمائية وفرض قيود على الصادرات من الأغذية والمنتجات الطبية والضرورية، مشجعاً البلدان النامية على مساندة القطاع الخاص والمصارف المركزية على التحرك لتهدئة إضطرابات الأسواق. يمكن تفسير “النصيحة” الأخيرة بأنها دعوة لدعم الشركات والمؤسسات، فيما الفقراء ينصح لهم بـ “تحويلات نقدية وخدمات مجانية للأشد إحتياجاً”. وأقر البنك الدولي حزمة تحفيز بقيمة 12 مليار دولار أمريكي للبلدان النامية من أجل تقوية الأنظمة الصحية.
أما صندوق النقد الدولي، فقد ركز على تنفيذ إجراءات جوهرية موجهة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية والسوق المالية لمساعدة الأسر ومنشآت الأعمال المتضررة، مشيراً إلى التنشيط النقدي الأوسع نطاقاً، كخفض أسعار الفائدة الأساسية أو شراء الأصول، عارضاً إستعداده لإقراض البلدن الناشئة والمنخفضة الدخل بقيمة 50 مليار دولار.
وباء كورونا يضرب العالم. يتوسع. يحصد مئات الآلاف من الأرواح… والأعين على الإقتصاد.
ما هو واقع الشركات بعد كورونا؟ وما هي تأثيرات هذا الفيروس على عملها وأدائها ومستقبلها؟
استدعت الضغوط السياسية والشعبية المتزايدة تساؤلات حول إعتماد دول الغرب على سلاسل التوريد البعيدة الموجودة في الصين وشرق آسيا. كما على المنتجات المستوردة، لاسيما الصينية منها، خصوصاً بعدما أرغم فيروس كورونا الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدراتها في مواجهة فترات طويلة من العزلة الإقتصادية الذاتية. لهذا من المحتمل، إلى حد كبير، أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي تأسست في أوائل القرن الحالي، لأنه من دون وجود حافز لحماية المكاسب المشتركة من سلبيات الإندماج الإقتصادي العالمي، ستتدهور بسرعة بنية الحوكمة الإقتصادية العالمية التي تأسست في القرن الماضي، وحينئذ سيتطلب الأمر من القادة السياسيين جهداً هائلاً للحفاظ على التعاون الدولي وعدم الإنزلاق من جديد إلى المنافسات الجيوسياسية.
الشركات العابرة للقارات إذاً. المتعددة الجنسيات. المتفاعلة مع العولمة وشروطها ستتعرض لخسائر وستشهد تراجعاً في أعمالها.
بعضها سيتلقى دعماً للإستمرار، بفعل الحاجة، وبعضها الآخر سيُترك لمصيره، بحيث تتراجع أعمالها وقدراتها على التأثير الداخلي والخارجي، كما سنشهد إعادة تموضع لمؤسسات وشركات عالمية مراعاة مع الوقائع الجديدة.
في المقابل، أدى هذا الوباء إلى تقوية نفوذ الدولة وعزز الإتجاهات القومية ودفع نحو تبني الحكومات إجراءات إستتثنائية لإدارة الأزمة منها تعزيز إقتصاداتها الداخلية والدفع في إتجاه توفير المقومات اللازمة لقيام مؤسسات وشركات وقطاعات إنتاجية محلية قادرة على تلبية إحتياجات الأسواق الداخلية، في ظل إقفال الحدود وشلل وسائل النقل العابرة للقارات. هكذا أعلنت الحكومات والمصارف المركزية عن رزم ٍ تحفيزية وقروض ميسرة لقطاعاتها الإقتصادية لمساعدتها على الصمود والعودة إلى الإنتاج. مع التنويه إلى أن بعض أوجه العمل والتنظيم ستتبدل نهائياً عند الخروج من الوضع الحالي، وستُخلى الساح للشركات والمؤسسات المتمتعة بالملاءة المالية والقدرات البشرية المتميزة، كما سنشهد تنمية لقطاعات معينة على حساب قطاعات أخرى، ناهيك عن الحاجة إلى إعادة رسملة شركات وضخ سيولة في أخرى والغَرْفِ من الإحتياطات المتوافرة في عدد منها… بما يرتّب من تحديات على أصحاب الشركات والمساهمين فيها.
وفي كل الأحوال، فإن دور الشركات في دعم الإقتصاد الوطني والتنمية الإجتماعية، وكذلك في إستحداث فرص العمل والتشجيع على الإبتكار وتحفيز مبادرة الأعمال للشباب… بات ملازماً للتطور النوعي في عملها وإستمرارها.
لقد أصبحت المسؤولية الإجتماعية للشركات إحدى المفاهيم الحديثة التي تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الإقتصادية والتكنولوجية والإدارية. هذه المسؤولية ستزداد بعد إنتهاء أزمة كورونا، لاسيما على ضوء نتائجها المدمرة على بنية المجتمع وقدراته. (المسؤولية المجتمعية للشركات ستكون محور مقال نعرضه بالتفصيل لاحقاً).
وبين الحالين، فإن الأمر لن يتغير، هو الطبيعة المتصارعة في السياسة العالمية، إذ أن الأوبئة السابقة التي حلّت بالعالم مثل الإنفلونزا الإسبانية عامي 1918 و1919 لم تُنهِ النزاع بين القوى العالمية المتصارعة ولم تبشّر بعصر جديد من التعاون العالمي. ولن يؤدي فيروس كورونا إلى نمط مختلف في العلاقات الدولية، إذ من المرجح أن يشهد العالم مزيداً من التراجع في العولمة المفرطة، لأن المواطنين سينتظرون حمايتهم من حكوماتهم الوطنية وستسعى الدول والشركات إلى الحد من إمكانية تعرضها لهجوم مماثل أو إنتكاسات مشابهة في المستقبل!
وفي كل الأحوال، سيخلق وباء كورونا عالماً أقل إنفتاحاً وحرية وإزدهارًا. وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن بهذا السوء، فإن الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وإدارات غير كفوءة وضع البشرية على مسار جديد مثير للقلق.