كتب الصحافي ابراهيم خليل عواضة
لم أَعتَد طوال سنوات مسيرتي المهنية، في عالم الإعلام الاقتصادي، على إستعمال كلمات نابية ونافرة، أو كما يفعل وبكل أسف بعض الإعلاميين على إعتماد هذه المهنة السامية والهادفة كمورد ارتزاق بغرض كسب المال، أو التقرّب من رجال المال والأعمال الذين يديرون ويسيطرون على كل مفاصل الدولة، السياسية والمالية والاقتصادية.
كنت في مهنتي وبعون الله تعالى مستقلاً رغم كل الإغراءات التي يمكن أن يتعرّض لها الإعلامي الإقتصادي مالياً ومعنوياً، لذا، كنت وبنسبة كبيرة، أقارب الحقيقة والموضوعية في المقالات التي كتبتها خلال مسيرتي الإعلامية الطويلة الحافلة بالأحداث وبالأسرار التي لا تعرفها إلا قلّة من أصحاب الشأن.
عالم الأعمال في لبنان له خصوصيته، كما له رموزه، “مجلس الحكماء” . عالم الأعمال في لبنان، هو الذي يدير كل السياسات في لبنان، له حصّة في المراكز السياسية، حصّة في القطاع العام، وله جذوره الراسخة في “الدولة العميقة “.
مجتمع الأعمال في لبنان يدير سياسات الدولة عندنا، قوي، نافذ، له علاقاته وامتداداته الدولية التي تقدّم له الدعم والمساندة عند الضرورة، وتوفّر لأركانه الحماية، وهذا الأمر نتلمّسه اليوم بوضوح بحيث يستعصي على أي حكومة في لبنان محاسبة أم مساءلة أي مرتكب أو مشتبه بتجاوزات أو بارتكابات جرميّة مالية أو خلافه إذا كان المعنيّ من “نخبة محافل رجال الاعمال”.
عرفت وكوّنت خلال مسيرتي المهنية الكبار، الكبار من “صنّاع” القرار في لبنان، أي من كبار رجال الأعمال الذين يرسمون في الظل، سياسات الدولة، ويمنحون الهدايا المالية والسياسية والحصانة لمن يريدون، لمن يتعهد بالمحافظة على مصالحهم وتنفيذ سياساتهم.
عرفت في مسيرتي الكثير من كبار الفعاليات الاقتصادية والمالية من الذين ينبهر الناس بشخصياتهم ويحسبون لهم ألف حساب، و لكن هم في أكثريتهم وفي حقيقتهم على عكس ما يعتقده عامة الناس، نعم، وأنا من دخل عالمهم، كثيراً ما عانيت من الصدمات نتيجة اكتشافي لحقيقة ما يدور في هذا المجتمع “الخفي” الذي يفتقد إلى أدنى مفاهيم التكافل الإجتماعي، وبمعنى أكثر وضوحاً أن هذا المجتمع لا يعمل إلا لمصالحه الخاصة، حتى لو كان ذلك لا يكتمل إلا على حساب المصلحة العامة أو على حساب مصالح الناس. عندنا في عالم رجال الاعمال لا مكان للعاطفة، المصلحة، ابداً دائما محض شخصية.
وللحقيقة، وللإنصاف خبرت وتعايشت خلال مسيرتي في “مهنة ” المتاعب مع العديد من رجال المال والأعمال الناجحين والمبدعين على مستوى مهنيتهم العملية، ومن الذين وصلوا إلى العالمية، فلم يطمعوا بما حصلوا عليه إنما شاركوا وطنهم لبنان فيما أنجزوه، ويستوقفني هنا قلّة من القامات الإقتصادية التي شاركت وطنها لبنان في إنجازاتها، ويأتي هنا على رأس القائمة كبير الإقتصاديين والمصرفيين اللبنانيين عدنان القصار الذي حلّق بالإقتصاد اللبناني عالياً، وفتح له أبواب العالمية.
في مسيرتي المهنية، الكثير من الأحداث والأسرار التي إن كُشفت وظهرت إلى العلن، لسقطت أسماء كبيرة من مجموعة من يرى فيهم البعض قادة ومثالاً يُحتذى به.
قريباً، قد أقدِم على كشف البعض من هذه الأسرار التي كنت قد عاهدت نفسي على المحافظة على سرّيتها، إلا أني ما أراه وما أسمعه اليوم في زمن هذا الإنهيار الذي نعيشه من بعض أصحاب الأعمال لا سيما من الذين يعتبرون أنفسهم من “النخبة” استفزّني إلى أقصى حدّ، وأنا الشاهد على هؤلاء لا سيما عندما يحاضرون “عن العفة”.
نعم، وقاحة البعض، عندما يخلع عنه جلد الثعلب، ليلبس جلد الحمل، يستفزّني..