عقد ظهر اليوم في مقر جمعية تجار بيروت، إجتماع موسع ضم رؤساء الجمعيات والنقابات ولجان الأسواق التجارية في لبنان، نتيجة للإتصالات والمشاورات التي جرت بين كل من جمعية تجار بيروت والجمعيات والنقابات التجارية في لبنان، ولا سيما في المحافظات (صيدا، طرابلس، جبل لبنان، عكار، زحلة والنبطية). وحضره لفيف من أعضائها ومن الفاعليات التجارية والنائبان الدكتور فريد البستاني ونزيه نجم “بصفتهما الإقتصادية”.
وتم في خلال الاجتماع التشاور والتباحث في تداعيات المرحلة المصيرية التي يمر بها الإقتصاد اللبناني، وإتخاذ القرارات الضرورية حفاظا على إستمرارية ما تبقى من القطاع التجاري.
فيما رأى رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس أن ما نسبته 25 في المئة من المحلات والمؤسسات التجارية قد أقفلت حتى اليوم، محذراً من نسبة مماثلة قد تغلق مع نهاية العام الجاري.لافتاً إلى وحدة المسار والدولار.. ووحدة المصير والتغيير.
وفي ختام الإجتماع، صرح شماس بالتالي:
“بإسم القطاع التجاري اللبناني مجتمعا، أود أولا التعبير وبلهجة شديدة عن غضبنا واستنكارنا لكل أعمال الشغب والتكسير والتخريب والحريق التي لحقت في الأيام القليلة الماضية بالممتلكات الخاصة من مؤسسات تجارية ومحال، وفروع لمصارف، ومكاتب، لا حول لها ولا قوة لها سوى تلقي الضربات تلو الأخرى، والتي تتناقض تماما مع الوجه الحضاري والسلمي الذى ميز التحرك الشعبي منذ بدايته، هذا التحرك الذي يعبر عن وجع شعب بأكمله بأسلوب راق لم يشهد مثيله أي بلد آخر في العالم.
لا يخفى على أحد كل ما عاناه هذا القطاع وسواه من مصائب طاولته منذ ما قبل 17 تشرين الأول 2019 حتى اليوم، مما جعله يكابد أعنف أنواع التحديات ليصمد في وجه كل ما تقاسيه الأسواق من كساد كبير، وتدهور خطير، من جراء تقهقر القوة الشرائية وفلتان أسعار الدولار في الأسواق الموازية وشح السيولة بين أيادي المواطنين، في حين لا تزال الملاحقات الضريبية والرسوم تمطر عليه من كل حدب وصوب (وكأن الدنيا بألف خير)، لا بل كان أول من طالب بضرورة معاودة النشاط التجاري إزاء القيود المرهقة من جراء تدابير التعبئة العامة وتداعياتها بسبب جائحة “كورونا”، وذلك حفاظا على إستمرارية الحياة الإقتصادية اللبنانية وديمومة هذا القلب النابض فيها منذ نشأة بلادنا بصورتها الحضارية، وحفاظا على حرية تعاملاتها الإقتصادية من استيراد وتصدير، وعلى الإنفتاح الشمولي الذي كان على الدوام في خدمة كافة مصالح الناس.
نرفض أيضا رفضا تاما ونستنكر الإدعاء المخطىء بأن كل مصائب لبنان الحالية من عجز ودين ناجمة عن نمط تجارتنا الخارجية الحرة، ولن يحاولن أحد إقناع نفسه أولا، والمجتمع المحلي والدولي ثانيا، بأن القطاع التجاري وحجم وارداته وتبادلاته الخارجية هما أساس البلية، متناسين أن هذا الإستيراد كان ولا يزال لتلبية متطلبات شعبين، كما ومتطلبات السوق اللبناني وبعض دول الجوار.
والأهم هو اليقين بأن أساس العجز والدين الذي يحاولون معالجته ليس الميزان التجاري، إنما يكمن في ميزان المدفوعات، وذلك نتيجة للإنخفاض المستمر في التحويلات وانكفاء الإستثمارات الخارجية بسبب تردي عامل الثقة من جهة، بفعل غياب الإستقرار السياسي والإقتصادي والأمني، وبفعل كل ما تشهده بلدان الجوار والعالم من أزمات إقتصادية أو صراعات أمنية، من جهة أخرى.
إنما، وللأسف، لا يزال يصر البعض على نعت قطاعنا، المستهدف ولأسباب مبطنة، “بالريعي”، متجاهلين أن قطاعنا بات الشهيد الحي الذي إستثمر الغالي والنفيس متحديا كل الصعاب، وموفرا مئات الآلاف من فرص العمل للبنانيين، مراهنا بكل شيء، ليصل اليوم الى تحمله أفدح الخسائر الناجمة عن الإنهيار والخراب الموصوف.
إن قطاعنا الذي لطالما شكل المساهم الأدسم في الناتج المحلي، كما المصدر الأساسي لواردات الخزينة، والذي لطالما كان مثالا مرجعيا والواجهة التي يهتدى بها لأسواق المنطقة، كل المنطقة، نراه اليوم يواجه أخطر ما يمكن من نسب إقفالات متتالية ومتسارعة، ينجم عنها بطالة متفاقمة وبشكل صاروخي، مؤكدين أن نسبة البطالة منذ ما قبل 17 تشرين 2019 وحتى اليوم تفاقمت أضعافا، ومن المرجح أن تطال ثلاثة أرباع اليد العاملة مع حلول شهر أيلول المقبل، فضلا عن عودة أعداد كبيرة مرتقبة من العاطلين عن العمل من دول الإغتراب.
من أسف بالغ نقول على سبيل المثال لا الحصر، أن الزملاء التجار أضحوا معرضين ديمغرافيا للإنقراض .. وذلك استنادا الى أرقامنا التي تشير الى أن نسبة الإقفالات منذ 6 أشهر كانت قد بلغت الـ 25%، في بيروت، وتخطت هذا الرقم في المدن الأخرى والمناطق، ومن المرجح أن تكون نسبة المؤسسات التي ستقفل خلال الـ 6 أشهر القادمة مماثلة.
لا يا سادة لا ..إن كل ما نحن فيه اليوم ليس من جراء نمطنا الإقتصادي الموصوف زورا وافتراء بالـ”ريعي”، ونتجاهل فجأة ونتناسى أيام العز والإزدهار… ، إنما ما يرهقنا اليوم، ما هو إلا نتيجة لكل عمليات الهدر والتهريب والنهب والسرقة والمحاصصة، التي، وبأسف بالغ، أفقدتنا وأفقدت العالم أجمع الثقة، وأودت بتدمير كل مقومات النمو، و”طيرت” العملة الصعبة من الحسابات والأسواق.إذا المطلوب منكم أن تبدأوا بلجم كل تلك الأسباب قبل أن تسارعوا في إلقاء الإتهامات جزافا، وفي المضيّ بالإمعان بممارسة سياسة افلاس قطاعنا وإعدامه”…
كل ذلك يبقى غيض من فيض أمام ما يوازيه من خطر وأسى وخجل، ألا وهو ما بتنا نسمعه من أطراف رسمية من تصاريح وأفكار لجهة تغيير هوية لبنان الإقتصادية بميزته وفرادته، وبهدم ما بناه أجدادنا التجار طوال مئة عام بفضل نظامنا الإقتصادي الحر، وإلغاء مجتمع التجار الذي شكل أكثرية الطبقة المتوسطة والذي لطالما كان صمام أمان المجتمع اللبناني، هذه الطبقة التي أسست وبنت دعائم الإقتصاد الوطني، الذي شهد رخاءا واستقرارا وازدهارا… وعزز واردات المالية العامة من خلال ما رفده من ضرائب ورسوم.
وهل التعويل على مساعدة صندوق النقد الدولي في ظل غياب أي إجراءات إصلاحية حتى الآن كفيلة وحدها بإعادة دفع عجلة الإقتصاد، ولا يزال أفق التعاون والمساعدات مسدودا مع الدول العربية الشقيقة، والأوروبية الصديقة، بسبب التباينات الحادة في المواقف السياسية والرؤى الإقتصادية الهشة وغيرها، هذا فضلا عن وطأة قانون قيصر المفروض على سوريا وتداعياته على الإقتصاد اللبناني ؟
إن ما أوردناه آنفا ليس سوى القليل من ماء كثير في أفواهنا، إنما يبقى خير الكلام ما قل ودل.
أخيرا وليس آخرا، نذكر بأن هذه المرحلة الإستثنائية والحرجة من تاريخ الوطن، والتي تلقي بأثقالها على كاهل القطاع التجاري بخاصة، تطال أيضا قطاعات إنتاجية أخرى، ولا سيما تلك التى ترتبط عضويا بالقطاع التجاري، كقطاعات الشحن والتخليص والتوزيع والمصارف والتأمين والإعلام والإعلان وغيرها.
لذا، نعود اليوم ونكرر ونذكر كافة المعنيين بمطالبنا التالية:
– إستحداث آلية ل “الدولار التجاري”، وتحديد “كوتا” لكافة بنود إستيراد القطاع التجاري على غرار السلة الغذائية، وقد يأتي هذا الدعم الإجتماعي كبديل لدعم الدولار الورقي الذي قد يتسرب الى خارج الحدود ويستنزف إحتياط المصرف المركزيّ.
– إعداد وتنفيذ التدابير الإقتصادية العلمية التي ينبغي تطبيقها فورا لمعالجة الأزمة الوجودية الراهنة وتصحيح شوائب خطة النهوض المالي لجهة حماية أرزاق اللبنانيين وحقوقهم، وإستعادة كافة عوامل الثقة، الداخلية والخارجية.
– الحد من تدهور الإقتصاد العام من خلال إصلاح المالية العامة وتنظيم الإعداد الصحيح لحسابات وعجز ومديونية الدولة.
– تخفيض الإنفاق العام وحجم القطاع العام وإعادة الإنتظام فيه، وفي المقابل زيادة الإيرادات من خلال تحسين الجباية.
– وقف التهريب المستشري ولا سيما إقفال المعابر غير الشرعية.
– إلغاء كافة الضرائب المستحقة لسنة 2020، لا سيما ضريبة الدخل ورسوم البلدية، والضمان الإجتماعي.
– تعليق وتأجيل كافة الرسوم المتوجبة في الموانىء لكل البضائع التي لا يزال الموردون يستقدمونها من الخارج الى لبنان و/ أو يصدرونها، بما في ذلك رسوم الأرضيات.
– وضع برنامج تسويات إستثنائية وشاملة تطال كافة الضرائب المستحقة حتى 31 كانون الأول 2019.
– تخفيف القيود على الودائع في المصارف، وزيادة سقف السحوبات الى 3000$ كحد أدنى، وتسهيل آلية التحويلات التجارية الى الخارج.
– تمديد فترة سماح سداد / مهل أقساط المؤسسات الشهرية للمصارف لفترة لا تقل عن 6 أشهر، وإعادة جدولة القروض المتأخرة دون احتساب فوائد اضافية عليها.
– تخفيض نسبة الـ BRR الى مستويات أدنى (3 %).
– السماح للتجار بتسعير البضائع المستوردة بالدولار الأميركي، وذلك إستثنائيا في الفترة الراهنة، تفاديا لتحملهم خسائر فادحة عند تحويل مبيعاتهم من الليرة اللبنانية الى الدولار.
– بلسمة الوضع المعيشي والحد من إنهيار القدرة الشرائية والحد من البطالة.
-الطلب من أصحاب المجمعات التجارية الكبرى (Malls) “ومالكي المحال التجارية المستأجرة” إعادة النظر ببدلات الإيجار الباهظة التى يطلبونها من التجار، والتي لا تتناسب أبدا مع حجم المبيعات، وصولا إلى إلغاء قرارهم بتحميل التجار كلفة الإقفال في الفترات الماضية، فيما يبقى من الأولى على إدارة المجمعات الإتاحة للتجار بمزاولة أعمالهم داخل المجمعات وإستقبال الزبائن.
نحن ذاهبون لإقفال مؤسسات وصرف موظفين وإستحالة دفع الرسوم والضرائب وإتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية اذا لم تتم الإستجابة لهذه المطالب واذا لم تحل الأزمة بشكل يعطي جرعة أوكسجين لهذا القطاع”.