في عالمنا المتغير: حان الوقت لتغيير التفكير التقليدي في الشرق الأوسط
بقلم أشرف يحيى، المدير العام لشركة “إيتون” الشرق الأوسط
سلطت الأزمة الحالية الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه شبكات الاتصالات وصناعة مراكز المعلومات في الحفاظ على الاتصالات الهامة قيد التشغيل وذلك في مجال نقل البيانات والمعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى تطبيقات الترفيه. لذلك، على الرغم من التحديات، من المرجح أن يشهد سوق مراكز المعلومات العالمي نمواً كبيراً جداً خلال عام 2020 وما بعده. وتشير التقديرات إلى أنه من المرجح أن ينمو سوق مراكز البيانات في الشرق الأوسط بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 7٪ خلال الفترة الممتدة ما بين 2018-2024. في حين يتوقع ازدياد النمو للاعبين الكبار في سوق مراكز البيانات على المستوى العالمي مثل “مايكروسوفت” (Microsoft)، و”أمازون ويب سيرفسيز”(Amazon Web Services)، و”غوغل” (Google)، و”آبل” (Apple). في حين أن التمويل سيستمر أيضاً في التدفق نحو العديد من شركات مراكز المعلومات الصغيرة من خلال المشاركين الجدد الذين يتطلعون إلى وضع حجر الأساس للجيل القادم من مراكز البيانات. وهنا يطرح السؤال المهم نفسه: ما هو الأثر البيئي لهذا النمو، وما هي المزايا والعيوب؟ وهل حان الوقت لتغيير التفكير التقليدي واتباع مسار مختلف؟
وبحلول عام 2022، من المتوقع أن يصل عدد الأجهزة المتصلة إلى ما يقدر بنحو 28.5 مليار جهازاً في جميع أنحاء العالم. حيث إنه في عام 2020 وحده، سيكون هناك أربع مليارات جهاز متصل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط. يتطلب هذا الأمر الحاجة الملحة إلى توسيع مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم. ووفقاً للأبحاث الصادرة عن مجموعة سينرجي (Synergy) للأبحاث، يوجد الآن حالياً 132 مركز بيانات إضافي في طور التخطيط والبناء، مما يرفع العدد الإجمالي للمراكز من 430 مركز إلى 562.
ويتزايد الطلب على مراكز المعلومات والبيانات التي تتميز بالبساطة والكفاءة والفعالية من حيث التكلفة. واعتباراً من سبتمبر 2019، مثل استهلاك مراكز البيانات للطاقة الكهربائية 2% من استهلاك الكهرباء في جميع أنحاء العالم، حيث إنها تستهلك طاقة أكثر من المملكة المتحدة بأكملها، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 8٪ بحلول عام 2030. وعلى المستوى العالمي، تمثل 2٪ من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. في حين تؤثر مراكز البيانات اقليمياً وعالمياً على استهلاك الكهرباء الأمر الذي يدعو إلى الحاجة الماسة بترشيد الطاقة، وقد أعلنت شركة مايكروسوفت (Microsoft) مؤخراً عن أهداف الاستدامة بعيدة المدى لأي شركة تكنولوجية. وهي ألا تتعهد فقط بجعل مستويات انبعاثات الكربون سالبة بحلول عام 2030، وفي عام 2050، ستلغي جميع انبعاثاتها الكربونية التي كانت تبعثها منذ تأسيسها في عام 1975.
وتمتلك الشركات العملاقة مثل “آبل” و”أمازون” و”غوغل” و”فودافون” أهدافها الخاصة بالطاقة الخضراء والاستدامة. ولكن ماذا عن آلاف مراكز البيانات التي لا تمتلك الموارد اللازمة للشروع في مثل هذه البرامج المكثفة؟ وحتى لو كانت جميع مراكز البيانات تعمل بنسبة 100٪ على الطاقة الخضراء، ولكن ماذا عن مجال الطاقة الأوسع والذي مازال يعتمد على الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري (النفط/الفحم/الغاز) والتي يرافقها انبعاثات كربونية.
إذاً، ما الدور الرئيسي الذي تلعبه مراكز البيانات؟ أياً كان حجمها سواءً كانت مركز بيانات محلي صغير أو أكبر مركز بيانات سحابي عالي النطاق؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال في ضرورة السعي الدائم إلى تحويل الفكر التقليدي بشأن جعل مراكز البيانات أكثر استدامة وصديقة للبيئة بل أكثر من ذلك ضرورة تحويل الشبكة كاملةً إلى شبكة مستدامة وصديقة للبيئة على المدى الطويل. قد يبدو هذا الأمر ضرباً من الخيال في حين أن البعض يعتبره أمراً ساذجاً، ولكن في الحقيقة هو أمر قابل للتحقيق أكثر مما يعتقد معظم مصممي مراكز البيانات ومشغليها على المدى القريب.
انخفضت تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة لتكون أقل من تكلفة انتاج الطاقة من الوقود الأحفوري أو حتى من الطاقة النووية على امتداد الشبكات الكهربائية. ومع انتقال العديد من شبكات الكهرباء العالمية إلى اعتماد الطاقات المتجددة، شكل هذا الأمر تحدياً لنظام الشبكة. حيث إن عدم استقرار الشبكة يعد أمر سيئ ليس فقط لمشغلي الشبكة وإنما يشكل مصدر قلق مباشر لمشغلي مراكز البيانات. لذا من أجل معالجة حالة عدم الاستقرار هذه، يجب استخدام مصادر وبنية تحتية ثانوية مساعدة، ويشكل هذا الأمر عائق لبعض مشغلي مراكز البيانات نظراً لتكلفتها المرتفعة.
هناك احتياطيات هائلة من الطاقة الكهربائية والبنى التحتية المرتبطة بعمليات مراكز المعلومات والبيانات. ولكن من خلال استخدامنا لبرنامج (Energy Aware UPS)، نستطيع استخدام الأنظمة الاحتياطية هذه لتزويد الشبكة بالخدمات المساعدة بسبب التقنية المدمجة التي تملكها والتي تسمح بتدفق الطاقة في اتجاهين بين مركز البيانات والشبكة. حيث ستسمح أسواق الطاقة الوطنية بتوفير وتجارة هذه الخدمات (احتواء التردد، الاستجابة السريعة للتردد، الاستجابة للطلب المتزايد)، ويمكن تقديم هذه الخدمات من قبل مراكز البيانات بدون أي تأثير على أحمال مراكز المعلومات الأساسية أو الحرجة. وإن صناعة مراكز البيانات توفر هذه الخدمات، وبالتالي ستزيل حدود النسبة المئوية لمصادر الطاقة المتجددة التي يمكن أن تعتمدها الشبكة. يوضح هذا الأمر كيف لمركز البيانات تسريع اعتماد مصادر الطاقة المتجددة و”حماية الشبكة” على المستوى الوطني وتخفيف المخاطر في إمدادات الكهرباء الأولية الخاصة به. وهذا ما نقصده بالتفكير التحويلي. ومن خلال تطبيق هذه العملية يتم تعويض مراكز البيانات من قبل شركات كهرباء المنطقة وذلك لقاء الخدمات المقدمة، لذا هذا الأمر يعتبر نجاح مزدوج حيث إن النجاح الأول هو عملية استدامة الشبكة، أما الثاني فيكمن باستفادة مشغلي مراكز البيانات من تدفق الإيرادات الجديدة وبالتالي تعويض تكاليف البنى التحتية الحالية.
وفي نهاية الأمر إن عالمنا كان ولايزال عالم متغير، ونحن بحاجة ماسة إلى التحول في تفكيرنا التقليدي لإحداث تغيير إيجابي.