بقلم إريك تريكسلر، نائب رئيس المبيعات للحكومات العالمية لدى “فورس بوينت“
المعلومات المضللة أمر لا مفر منه في العام القادم والأعوام اللاحقة، حيث يستمر الناس في تصديق ما يقرؤونه في ظاهر الأمور دون التقصي والبحث الإضافي من مصادر هذه الأمور. حيث يدرك معظم الأمريكيين الآن بحقيقة أن الروس من خلال اختراقاتهم المتكررة والمعلومات المضللة التي أطلقوها، حاولوا التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك حالات لا حصر لها من حملات وهجمات التضليل البارزة. ففي عام 2018، ظهرت فضيحة “كامبريدج أناليتيكا” (Cambridge Analytica)، شركة الاستشارات السياسية البريطانية، والتي قامت سراً بجمع بيانات لمستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. وفي الآونة الأخيرة كان هناك عنوان رئيسي بارز في صحيفة الغارديان البريطانية “فيسبوك خارج نطاق السيطرة، ولو كان دولةً لكان ككوريا الشمالية”. وتحدثت العديد من التقارير عن وجود مخططات تضليلية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي تعتبر “أكبر عملية تزوير انتخابي تم ارتكابها في بريطانيا منذ أكثر من قرن”. بالإضافة إلى نشر العديد من مقاطع الفيديو المزية والتي تظهر عدد من الانفجارات وجهود التدخل في الانتخابات والعديد من الاحتجاجات المُفتعلة وغيرها الكثير. حيث يبدو أن وكالة أبحاث الإنترنت (IRA) قد تكون الأفضل في زرع الفتنة وإحداث الارتباك ونشر المعلومات المضللة التي سيستمر الآخرون في متابعتها وتصديقها.
في الوقت الحالي، تُعد المعلومات المُضللة واحدة من أكبر التهديدات التي تواجه الديمقراطية حتى الآن وأكثرها ضبابية. فهي تُعد حرب معلومات ذات مخاطر عالية وعواقب منخفضة، حيث يستغل الأعداء هذه الأمور من أجل تحويل التكنولوجيا والقيم الأساسية ضدنا.
تم إنشاء شبكة الانترنت على مبادئ عدم كشف هوية المستخدم، ما يصعب مكافحة المعلومات المضللة. ونتيجة توفر الإنترنت في كل مكان وسهولة استخدامه سيهل على الأشخاص والناس الرواد لمواقع الإنترنت تصديق الأخبار والأفكار التي تنشرها بما يتماشى مع أفكارهم وعقلياتهم. وفي الوقت نفسه، أصبح من السهل إنشاء برمجيات التزييف العميق والبرمجيات الضارة، حيث تم تطوير هذه البرمجيات بإضافة الطابع الديمقراطي عليها بما يتماشى مع الأدوات والأجندات التي تقف ورائها ونشرها على نطاق واسع. في حين رأينا ظهور بعض المعلومات المضللة ع شكل خدمة والتي يتم تسليحها ضد الشركات ما يسبب بعض البلبلة للشركات ويؤدي بذلك إلى هبوط أسهم الشركات وتكبدها خسائر بالمليارات كما تُكلف بعض الرؤساء التنفيذيين خسارة وظائفهم.
وقد حولت العديد من الحكومات انتباهها مؤخراً نحو شركات التكنولوجيا الكبيرة التي احتكرت العديد من التقنيات في السنوات القليلة الماضية، حيث يدعم غالبية الجمهور ضرورة تنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى ووضعها تحت مراقبة الحكومات، كما هو الحال مع لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية (FCC) والتي تُنظم وتراقب محطات التلفزيون والراديو في الولايات المتحدة، فهناك ضغط متزايد من أجل الإشراف الحكومي على منصات التواصل الاجتماعي لكبح جماح قضايا التضليل المتزايدة. فعلى سبيل المثال، يفرض قانون الإعلانات الصادقة نفس الشفافية فيما يتعلق بالحملات الإعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي والمستخدمة للإعلانات التقليدية، والتي تعتبر من الخطوات الأولى في الاتجاه الصحيح.
ومع ذلك، تأتي المعلومات المضللة بأشكال متعددة ويمكننا القول ببساطة بأنه لا يوجد حل سحري لمعالجة مثل هذا النوع من التهديدات، حيث لا توجد أداة واحدة يمكن أن توجه الناس إلى الحقيقة أو الأمان. بدلاً من ذلك، يجب على كل شخص أن يبقى حريص على ضرورة البحث والتساؤل عن مصدر المعلومات التي يراها عبر الإنترنت، وليس مجرد أخذ المعلومات في ظاهرها دون مزيد من التفكير أو الاستفسار. والخبر السار هو أنه مقارنةً بما كان عليه الحال قبل عدة سنوات، هناك وعي أكبر اليوم بشأن حملات التضليل ونواياها، فضلاً عن الحوار المتزايد مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي حول أهمية هذه القضية وتأثيرها على الرأي العام العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد الشراكات العامة والخاصة في مكافحة حملات التضليل والجهات الفاعلة الخبيثة، حيث يمكن للمعايير والمصادر المفتوحة أن تترك المنظمات أكثر عرضة للهجوم. ومؤخراً، اقترحت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (Carnegie Endowment) اتحاداً يجمع عدد من الأكاديميين والمنصات الاجتماعية الكبيرة وشركات التكنولوجيا التجارية لتكثيف العمل لإيجاد العديد من الأبحاث والحملات المضللة. في حين أن المعلومات المضللة تشكل تهديداً كبيراً ومتزايداً، فمن المثير ضرورة التفكير في تكنولوجيا جديدة يُمكن أن تأتي من مثل هذه المبادرة، أو إمكانية تتطور وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة هذا التحدي المُلح.
وفي نهاية الأمر يمكننا الـتأكيد على أنه في عام 2021 وما بعده، ستستمر حملات التضليل بنشرها للعديد من المعلومات المضللة حيث سنشهد استخدام أسلوب جديد وتوسع نطاق عملياتها والأشخاص المستهدفين. ولما لا؟ فحملات التضليل سهلة ومنخفضة التكلفة، في حين أن المخاطر والعقوبات غير موجودة تقريباً.