برعاية المنظمة العالمية لدبلوماسية التطوّع والتعليم نظمت جمعية عطاء الدولية يومي 20 و 21 آذار الجاري، المؤتمر العربي الأول للتنمية المستدامة بعنوان “إستدامة التنمية .. إستدامة لحياة كريمة”، وذلك في قاعة المركز الإسلامي في بيروت.
افتتح المؤتمر الدكتور محمد علي الجنّون رئيس جمعية عطاء الدولية، الأمين العام للمنظمة العالمية لدبلوماسية التطوّع والتعليم، بمشاركة نخبة من الخبراء في التنمية المستدامة.
شهد اليوم الأول من المؤتمر محاضرة بعنوان: “التعليم محور التنمية” للدكتورة إيمان كرامة- دكتوراه في علم اجتماع التنمية، تخصص في الصعوبات التعلمية، مسؤولة عن برنامج الخدمة الاجتماعية، وجاء في المحاضرة:
تحت تأثير الاهتمام المتزايد بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية مع التطور المتسارع الذي يشهده العالم ظهر مفهوم التنمية المستدامة، وهي التي تعنى باحتياجات الحاضر دون الضرر باحتياجات جيل المستقبل.
لتحقيق تنمية مستدامة تتوجه الانظار الى اعطاء الاولوية للتربية والتعليم إذ يندرج التعليم في عداد حقوق الانسان الاساسية ويتم وضع القواعد الاساسية لبناء السلام .ولا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر بدون التعليم وهو الهدف الرابع من هذه الاهداف.
بما أن معظم أدبيات التنمية تُجمع على أن التعليم هو قلب التنمية وصلبها وأن نجاح التنمية في أي مجتمع يعتمد كثيرًا على نجاح النظام التعليمي في هذا المجتمع، والتعليم مفتاح التقدم ومصدر القوة في المجتمعات.
كما يعمل على تنمية الموارد البشرية وإعداد العنصر البشري إعدادًا صحيحًا بما يتفق واحتياجات المجتمع، على أساس أنه بزيادة معرفة وقدرة الإنسان يزداد ويتطور استغلاله للموارد الطبيعية.
ويعتبر التعليم والتنمية وجهين لعملة واحدة فمحورهما الإنسان وغايتهما بناء الإنسان وتنمية قدراته وطاقاته من أجل تحقيق تنمية مستدامة بكفاءة وعدالة تتسع فيها خيارات الحياة أمام جميع الناس .
إنّ عملية التعليم والتعلم لهما ارتباط وثيق الصلة بالتنمية المستدامة، وهي استثمار بالبشر وللبشر، وقد ساعدت بحوث اقتصاديات التعليم على تحول جذري في الفكر التنموي التعليمي الذي يركز جلّ اهتمامه على تنمية قدرات البشر، واعتبار التعليم هو محور التنمية الحقيقة وأداة تنمية قدرات البشر.
ويتضح لنا كيف أن التعليم هو الذي دفع بالإنسان إلى صلب العملية التنموية وجعله المكون الأهم في معادلة التنمية ورفع شعار” لا تنمية بلا بشر “، أي إنه لا يمكن ) مع التطور التكنولوجي الحاصل( الاستغناء عن العنصر البشري في الإنتاج وفي النمو الاقتصادي، وإن الاستثمار في رأس المال البشري هو أحد أكثر الوسائل فعالية للحد من الفقر وتشجيع التنمية المستدامة.
تقول حكمة صينية : “إذا أردت الاستثمار لعام واحد فازرع الحنطة وإن أردت الاستثمار لعشر سنوات فازرع شجرة ولكن إن أردت الاستثمار مدى الحياة فازرع في الناس”.
إذًا يعدّ التعليم مطلب أساسي وضروري وذلك عن طريق التعلم والتدريب الكافي بهدف اكتساب المهارات والقدرات اللازمة للنهوض بالعملية التنموية والتي من خلالها يستمد النمو الاقتصادي قوته وحيويته، فالشخص المتعلم لا بد من أن يكون منتجا ويسهم في عملية التنمية. 1 .
ومن هنا المنطلق يجب أن يحظى هذا القطاع باهتمام كبير، كما لا بدّ أن تُوضَعَ أسسٌ وخطط انطلاقة النهضة التعليمية بمعطياتها ونتائجها من حيث النوع والكمّ .
الواقع التعليمي في لبنان
لقد أنتَج الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسية في لبنان تفاوتات واسعة بين اللبنانيين في مجال التربية والتعليم، وفي مجال التنمية البشرية. ترتبط هذه التفاوتات بنوع التعليم المتوزع بين تعليم خاص غير مجاني، الذي تلتحق به فئات اجتماعية ميسورة، وبين تعليم عام، يلتحق به جمهور واسع من الفئات الفقيرة.
هذا التفاوت في مجال التربية والتعليم، المرتكز إلى تفاوت اجتماعي – اقتصادي، أنتج وينتج تفاوتًا في العلاقة بين التربية والتنمية المستدامة؛ فتتحول التربية إلى ” تربيات” منفصلة عن بعضها البعض )تعليم رسمي / تعليم خاص، مناهج لبنانية / مناهج دولية، شهادات لبنانية / شهادات دولية( وذلك بسب غياب الناظم المشترك، أي غياب السياسة التربوية الشاملة والخطة التنموية الشاملة؛ وتؤدي هذه التربيات إلى تفكك اجتماعي، وإلى اصطفاء تربوي لنخب على حساب الأكثرية من السكان .
بالاضافة الى أنه لا يمكن تحقيق الهدف الاساسي للخطة التعليمية دون الأخذ بعين الاعتبار فئة ذوي الصعوبات التعلمية وأصحاب الهمم الصلبة، سبعة في المئة من تلامذة لبنان هم من ذوي الصعوبات التعلمية، والإحصاءات العالمية ل “اليونيسيف” و”منظمة الصحة العالمية” و”البنك الدولي” تقدر أن 5 بالمئة من الأطفال تحت سن 14 يعانون من احتياجات خاصة. بناء على هذه الإحصاءات، يجب أن تحظى هذه الفئات بالرعاية والاهتمام، لأنهم يعانون من رفض الكثير من المدارس استقبالهم، ناهيك عن صعوبة إيجاد مدارس لديها برنامج دمج تكون أقساطها مقبولة وعلى مسافة قريبة من مكان السكن. وإذا وجدت المدارس المتخصّصة يتكبّد الأهل العناء الشديد ويضطرون إلى دفع مبالغ طائلة، لأنَّ معظم الحالات تتطلّب تدخّلًا أكثر من قِبل اختصاصي متمرِّس، وهذا ما يجعل الأقساط مرتفعة بنسبة قد تصل إلى 40 في المئة أكثر من التلاميذ العادين، وهذا ما يؤكد قلة الاهتمام بوضعهم من قبل الوزارة المختصة وقلة الألمام بكيقية التعامل معهم في مجتمع ما زال لا يحترم الى حد التنوع .
التعلُّم من أجل التنمية المستدامة يحث المتعلميّن على اتخاذ قرارات سليمة، وإجراءات مسؤولة عن السلامة البيئية، والمحافظة على الوضع الاقتصادي، والعيش في مجتمع عادل سواء للأجيال الحاضرة أوالمستقبليّة، مع احترام التنوع الثقافي، لذلك يُعتبر التعلُّم من أجل التنمية المستدامة هو تعلُّم طويل الأمد، وهو جزء لا يتجزأ من التعليم الفعّال، وهو تعليم كلي وتحولي، يتناول محتوى التعلُّم ، والتربية وبيئة التعلُّم من خلال النقاط الآتية :
- المحتوى الدراسي: من خلال دمج القضايا الحرجة؛ كتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، والحدُّ من مخاطر الكوارث الطبيعية، والاستهلاك، والإنتاج في المناهج الدراسية .
- بيئة التدريس والتعلُّم: تصميم التعليم والتعلُّم بطريقة تفاعليّة تُركّز على المتعلم والتي تُتيح التعلُّم الاستكشافي والتوجيهي .
- الانتقال إلى المجتمعات الخضراء: من خلال تزويد المتعلمين بالمهارات اللازمة للوظائف الخضراء، وتحفيز الأشخاص على تبني أساليب حياة مستدامة .
- جعل الأشخاص مواطنيين عالميين: من خلال المشاركة بأدوار فعّالة، محليا وعالميا،ً إلى أن يصبحوا مساهمين نشطين في خلق عالم أكثر عدل، وسلام، وتسامُح، وأكثر أمانا واستدامة .
المناهج التربوية في البيئة والتنمية المستدامة
لا توجد طُرق تدريس معينة لتعليم الاستدامة في المدارس، ولكن هناك اتفاق واسع في تتبع أساليب التعلُّم النّشط والتشاركي، التي تُشْرك المتعلم وتُحْدث فرق حقيقي في الفهم، والتفكير، والقدرة على التصرف بشكل صحيح عند المتعلّم، لذلك لقد تمّ تحديد خمسة عناصر تربوية تغطي مجموعة من الأساليب التربوية التي تستخدم في بيئة التعلُّم من أجل الاستدامة :
- التفكير الناقد: من خلال استخدام المجلات التعليمية والمجموعات النقاشيّة .
- التفكير والتحليل المنهجي: عن طريق استخدام دراسات الحالة في العالم الحقيقي والحوادث الحرجة، والتعلُّم القائم على المشاريع، وأنشطة التحفيز وغيرها .
- التعلُّم التشاركي: من خلال التركيز على التعلُّم الجماعي ، وتطوير الحوار، والتعلُّم التجريبي، والتعلُّم القائم على البحث، والتعلُّم من أجل العمل، وتطوير دراسات الحالة مع مجموعات المجتمع المحلي وقطاع الأعمال
- التفكير الإبداعي: عن طريق استخدام تمثيل الأدوار، والاستكشاف في العالم الحقيقي، ورؤية العقود المستقبلية، والتعلُّم القائم على حل المشكلات وغيرها .
- التعلُّم التعاوني: من خلال شرح التعلُّم القائم على العمل، وشرح مفهوم الاستقصاء المشترك .
ولتحقيق كل هذه الاهداف لا بد من إعادة النظر بالمناهج التربوية كلها وتقديم الدعم الكلي للقطاع المهني. أهداف الاساسية للتعليم لتنمية مستدامة:
يسهم التعليم والتعلم مدى الحياة في النمو الاقتصادي في الأجل الطويل
بإمكان التعليم دعم الاندماج الاجتماعي
التعليم يُحسِّن نواتج سوق العمل
بإمكان التعليم أن يساعد في تحويل الزراعة
وإذا عدنا الى الواقع الذي يعيشه العالم اليوم بظل جائحة كورونا وأثرها على قطاع التعليم. معظم المدارس والجامعات تحولت الى التدريس عن بعد وهذا كان له وقع قوي على التلاميذ والطلاب والهيئة التعليمية والاهل معا،ً بسبب الثغرات التي رافقته من انقطاع التيار الكهربائي ضعف شبكة الانترنت عدم توفر الوسائل الالكترونية اللازمة بظل المشاكل الاقتصادية.لكن هنا أود أن أذكر جانب ايجابي لهذا الواقع المرير هو الدورات التدربية التي فرضت على الهيئة التعليمية والتلاميذ معًا والانغماس بالواقع التكنولوجي أكثر وهذا ما يحدث تقدم يتماشى مع التطور المتسارع الذي يشهده العالم ككل.
التوصيات
– العمل على تطوير القطاع المهني وشهاداته.
– الاهتمام بذوي الصعوبات التعلمية وذوي الاحتياجات الخاصة.
– اعطاء الاهمية والأولوية للمدارس الرسمية والجامعات الرسمية.
– اعادة النظر بالمناهج التربوية كافة لجميع المراحل بما يتماشى مع ما يحقق التنمية المستدامة
والتوجه الى الاختصاصات التي يحتاجها البلد.