في ظل الجائحة … هل ما زالت خصوصيتنا في خطر؟

بقلم نيك سافيدس

مدير الحسابات الإستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى “فورس بوينت”.

الخصوصية موضوع معقد بشكل كبير، فهو شيء يجب النظر إليه من خلال عدة زوايا اجتماعية و تكنولوجيا، والتي تتغير بمرور الوقت. في يومنا هذا، يتم إنشاء المزيد من البيانات وتخزينها وفهرستها وتحليلها أكثر من أي وقتٍ مضى، والتي نمت بمعدل تراكمي على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. ولكن جائحة “كوفيد-19” سارعت الوتيرة إلى أبعد من ذلك، حيث دفعت بالعديد من الشركات الصغيرة و العديد من الاجتماعات التي كانت تُعقد بالسابق وجهاً لوجه إلى العالم الافتراضي و الرقمي ما خلق الكثير من البيانات.

ولكن في الواقع إن جائحة “كوفيد-19” جعلت الكثير من الأشخاص يتجاهلون مخاوف الخصوصية التي ربما كانت عالقة في أذهانهم. كون الجميع لجأ إلى التكنولوجيا كنافذة على العالم الخارجي ومنفذ لهم لاستمرار عمليات التواصل مع الأخرين خلال فترات الإغلاق الصارمة. فقد سقطت المخاوف بشأن خصوصية المنصات، بل طالبنا جميعنا باستخدام خدمات جديدة للحفاظ على أواصر التواصل والروابط الاجتماعية. حتى منازلنا، التي تعتبر عادةً مكاناً ذو خصوصية محددة، كانت في مرأى العديد من زملائنا و رؤسائنا و حتى عملائنا الخارجيين. ناهيك بأن العديد من الأشخاص لم يقرأوا الشروط والأحكام وسياسات الخصوصية للخدمات التي اشتركوا فيها أثناء فترة الجائحة، هذه ليست مفاجأة لنا، لأنه تماماً مثل الأمن السيبراني، والمخاطر بشكل عام، سيتجاهلها البشر عموماً، وسيسعون فقط لتحقيق الغاية والنتيجة وهي المضي قدماً في تجربة هذا المنتج أو هذه المنصة. أوافق على جميع الشروط والأحكام دون قرأتها. والذي يجعل الأمر أكثر سوءاً لكلٍ من المستهلكين والمنظمين، هو وتيرة التغيير وزيادة تطور علم البيانات.

معظم الأشخاص يفهمون مصطلح “الصفقة الكبرى” والتي تعني حصولك على خدمة مجانية مقابل تقديم مزود هذه الخدمة للعديد من الإعلانات التجارية أثناء استخدامها. ينطبق هذا المفهوم عادةً على التلفزيون وبرامج ولاء العميل وغير ذلك الكثير. ولكن المشكلة تكمن بأن الأشخاص والمستخدمين لا يفهمون تماماً أهمية و قيمة البيانات التي يقدمونها، و ماهي الطرق التي قد تستخدم فيها و المعلومات التي يمكن استخلاصها منه.

على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بشبكات التواصل الاجتماعي، يسلم المستخدمون المعلومات المتعلقة بهم بحرية لأنهم يشعرون بأنهم يتحكمون في المعلومات التي يشاركونها ولا تعني لهم الكثير، في حين أنهم يقدرون فائدة الشبكة الاجتماعية التي تمنحهم الكثير من الخدمات. كما يقوم العديد من الأشخاص بإجراء مسح وفحص لبطاقات ولاء العملاء في متاجر البيع بالتجزئة من أجل الحصول على أكبر عدد من النقاط ومن الخدمات دون أخذ الحيطة والحذر بكمية البيانات الشخصية التي يشاركونها.

تعتبر هذه البيانات ذات قيمة كبيرة لتلك المؤسسات، حيث تساعدها هذه المؤسسات بمعرفة مستخدميها وعملائها بشكل أفضل مما يعرفون أنفسهم، كما ستعرف مواطنيها أفضل من حكوماتهم. فيمكن لعلم البيانات استخدام هذه البيانات لفهم ليس فقط سلوك مستخدم فردي والتنبؤ بالأشياء المتعلقة به، ولكن أيضاً لمجموعات كاملة من الناس والمدن والضواحي. كل هذا للخدمات التي يعتقد الأشخاص بأنها مخصصة لجمع البيانات عنهم، ولكن في حقيقة الأمر قهناك فئة كاملة من الخدمات التي يعتمدها هؤلاء و لا يدركون حقاً ما هي المعلومات التي يتم جمعها على الإطلاق!

فعند اقتنائك العديد من ملحقات المنزل الذكي و البرامج والمنصات المرتبطة بها، وصولاً إلى أدوات اللياقة البدنية و ألعاب الأطفال و جميع أجهزة إنترنت الأشياء المتصلة، وحتى سماعات الرأس و التلفزيون و الأشياء الأخرى التي لا تتوقعها، يمكنها جمع البيانات و المعلومات و مشاركتها مع الشركات المصنعة لها.  إما الموافقة على الشروط أو أن الجهاز لا يعمل.

كل هذا يرسم صورة قاتمة للغاية للخصوصية ومن المخزي القول بأن “الخصوصية انتهت” لكنني لا أوافق بتاتاً على هذا الأمر، فالخصوصية مختلفة الآن عما كانت عليه قبل 10 سنوات، أو حتى قبل عامين، وهي آخذة في التطور المستمر، فيمكنني القول بأنها لم تنتهِ، ولكنها في ساعاتها الأخيرة.

رغبتنا في الخصوصية حقيقية وموجودة ولا زال بإمكاننا حماية الخصوصية أينما كانت وفي أي مكان تم استخدامها. فلا يمكننا معالجة مخاوف الخصوصية الحقيقية إذا أوهمنا أنفسنا بأن الخصوصية قد انتهت.

لا يزال مقدمو الخدمات بحاجة إلى تغذية خدماتهم ببيانات المستخدم، ولا تزال الشركات بحاجة لفهم عملائها بشكل أفضل، كما أن الحكومات لازالت بحاجة ماسة في خدمة مواطنيها بشكل أفضل من خلال علم البيانات. لذا الخدمات و القدرات الجديدة ستستمر في التطور من خلال استخدامها المزيد والمزيد من البيانات، في حين ستتراجع كلفة وتعقيدات حواجز الدخول لحماية هذه البيانات. لذلك، مثل أي تغيير تكنولوجي واجتماعي آخر، يجب أن نشارك بنشاط لتحقيق أقصى قدر من الفوائد للجميع.

تركز لوائحنا الحالية بشأن الخصوصية على الجوانب الجافة وآليات جمع البيانات وتخزينها والموافقة عليها، بدلاً من الجوانب الشاملة لما تعنيه الخصوصية للمجتمع. هذه هي الجبهة التالية لتطوير سياسة حماية الخصوصية.

أعتقد بأن الخصوصية ترتبط بشكل كبير بالثقة، ومن خلال التركيز على الثقة يمكننا ضمان بقاء الخصوصية، كون الثقة هي أساس أي عمل تفاعلي وملموسة أكثر لدى الأشخاص. لذا يعد الأمن السيبراني المدافع الأول والضامن الوحيد للثقة الرقمية و هو مهم أيضاً للخصوصية، لكنهما ليسا متكافئين، ناهيك عن الخطأ الذي ترتكبه العديد من المؤسسات هو التفكير في الخصوصية فقط من وجهة نظر متعلقة بالأمن السيبراني. في حين أن الأمن السيبراني يُعَد جزءاً كبيراً من ضمان الخصوصية حيث يمكنه تأمين الأنظمة و البيانات واكتشاف وقت فقد البيانات و حمايتها من عمليات الولوج الغير مصرح بها، والتي لا تقتصر الخصوصية فقط على هذه الأشياء بل على العديد غيرها.

لتخطي هذه الأمور وغيرها، أعتقد بأن العديد من الأشخاص الذين يفهمون التكنولوجيا و الخصوصية و علم البيانات ملزمون بضمان بقاء الخصوصية على قيد الحياة و تطورها. في حين يجب على موردي الخدمات الاستجابة بسرعة كبيرة للتغيرات التكنولوجية لضمان أن يكون المشاركون جديرين بالثقة. نحن أيضاً كخبراء أمن سيبراني، تكمن مهمتنا بتثقيف مستخدمينا وإبلاغهم بشكل أفضل بأهمية بياناتهم وكيفية حمايتها.

 

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“ضمان الاستثمار”: 121 مليار دولار قيمة عمليات تأمين التجارة والاستثمار والتمويل في الدول العربية خلال عام 2023

كشفت في نشرتها الفصلية عن ارتفاع حصة الدول العربية من إجمالي الالتزامات الجديدة عالميا إلى ...

“الريجي” ضبطت منتجات تبغية مهربة ومزورة في بيروت

في إطار جهود إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الريجي” المتواصلة لمكافحة التهريب، ضبطت فرقها كميات ...

الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تدعم بلدية جبيل في إطلاق مبادرة فرز النفايات، لتحسين التحديات المتزايدة للنفايات في المدينة

بدعم من الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة (USAID) ، أطلقت بلدية جبيل مبادرة لفرز النفايات بهدف ...