بوسكاي: القطاع يسهم في نهوض لبنان اقتصادياً في حال توافر له اطار ملائم
لاكومب: فرنسا تساعد القطاع الثقافي اللبناني على النهوض ولكن لا بديل من وضع سياسات عامة وإصلاحات بنيوية
بساط: أهمية القطاع لا تقتصر على قيمته الاقتصادية بل لأنه ضامن للقيم وللهوية الثقافية وخط الدفاع الاول عن الحريات
دعت دراسة أعدّها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بتمويل من “المركز الفرنسي” في لبنان وبتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية عن “المساهمة الاقتصادية للصناعات الثقافية والإبداعية في لبنان” وأُطلقت أمس الأربعاء إلى توفير “إطار قانوني ووضع سياسات عامة” في هذا المجال “تحمي حقوق المبدعين وتمنحهم أجراً عادلاً، وتدعم نشر المصنفات واشعاعها”، وتضمنت توصيات أخرى لـ”تعزيز القطاع الثقافي والإبداعي اللبناني” بحيث يكون “يولّد الثروة” ويكون محرّكا للاقتصاد.
وعقد “المعهد الفرنسي” ومعهد باسل فليحان مؤتمرأً بالصيغة الافتراضية لإطلاق نشر الدراسة التشخيصية التي تحمل عنوان “المساهمة الاقتصادية للصناعات الثقافية والإبداعية في لبنان- التشخيص والإمكانات والتوصيات”، والتي كلفت بها سفارة فرنسا بالشراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية معهد باسل فليحان في العام 2019 لتقييم الصناعات الثقافية والإبداعية في لبنان ووزنها الاقتصادي والاستراتيجي .
شارك في إطلاق الدراسة مديرة “المعهد الفرنسي” في لبنان ماري بوسكاي ورئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لمياء المبيّض بساط، وروبير لاكومب، المستشار الثقافي للسفير بيار دوكان المكلف تنسيق مؤتمر الدعم الدولي من اجل لبنان، والباحثة والمستشارة في شؤون الإدارة والتسويق الاستراتيجي محاسن عجم والأستاذ المساعد مدير المرصد الجامعي للاقتصاد الاجتماعي في جامعة القديس يوسف نزار حريري.
واستغرق إعداد هذه الدراسة أكثر من عام بمشاركة عدد من الخبراء، من أبرزهم السيدة محاسن عجم، والدكتور نزار حريري والخبير الاقتصادي رضى حمدان، وهي تقدّم نظرة عامة بالأرقام عن القطاع الثقافي، علماً أنها “المرة الأولى تتناول دراسةٌ واحدة وضع هذه الصناعات في مجملها، متجاوزة الاختلافات بين قطاعاته المتعددة.
وتوضح الدراسة بالتفصيل والأرقام حجم مشاركة القطاع الثقافي في الناتج المحلي الإجمالي، ومساهمته المباشرة وغير المباشرة في توفير فرص العمل أو حتى إمكاناته التصديرية. وتشكّل بالتالي مرجعاً مهماً يبيّن مدى ضعف الأهمية المعطاة لأنشطة إنشاء المحتوى الثقافي ونشره في الاقتصاد الوطني اللبناني.
بوسكاي
وقالت مديرة “المركز الفرنسي” في لبنان ماري بوسكاي إن “السلطات الفرنسية أولت الصناعات الثقافية والإبداعية اهتماماً أكبر منذ العام 2010 سعياً إلى الإفادة من مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد وتوفير سبل نموه”. واشارت إلى أن “دراسات أجريت في فرنسا عن مدى مساهمة هذه الصناعات في توليد الثروات وتوفير فرص العمل”. وشددت على أن “النظرة إلى هذه الصناعات يجب ألا تعتبر أنها قطاع يرتب أكلافاً على الدولة ويحتاج إلى دعم منهأ، بل أنها قطاع يولد ايرادات وفرص عمل”.
وذكّرت بأن “فرنسا شاءت منذ العام 2018، وفي إطار تعاونها الوثيق مع لبنان، أن تتيح للصناعات الثقافية والإبداعية اللبنانية الإفادة من هذه المقاربة”.
ولاحظت أن “وزن الصناعات الثقافية والإبداعية في لبنان كان قائماً أصلاً ورأت فرنسا ضرورة قياس حجم ثراء لبنان الإبداعي ودينامية هذا القطاع والصعوبات التي يعانيها”. وأوضحت أن الهدف يتمثل في “التشخيص ووضع توصيات تحدد العوامل التي تساهم في نموه”.
وابرزت أن “الدراسة مرحلة اولى وبداية لعمل سيتواصل لدعم نمو هذا القطاع”، مشيرة إلى أنها “ليست الوحيدة (…) بل تتكامل مع دراسات اخرى”.
وشرحت أن “دوائر القرار السياسي والسلطات التنفيذية والاشتراعية” هي من بين الفئات التي تتوجه إليها توصيات الدراسة الهادفة إلى “إثبات الامكانات التي يختزنها هذا القطاع لكي يتم دعمه من خلال السياسات العامة وبرامج النهوض التي ستتبناها الحكومة الإصلاحية المأمولة”، مشددة على أنه “قطاع غني بالمواهب وله سمعة عالمية ويمكن ان يسهم في نهوض البلد اقتصادياً في حال توافر له اطار ملائم”.
كذلك رأت أن في إمكان المانحين الدوليين أن “يجدوا في هذه الدراسة عناصر تساهم في نهوض لبنان”. وإذ أكدت أن “فرنسا مستعدة لأداء دور (…) من خلال الدعم الفني للسياسات العامة انطلاقاُ من خبرتها”، أملت في أن تكون الدراسة “اداة لإقامة شراكات ثنائية عدة وليس فقط مع فرنسا بهدف مشاريع دعم مستقبلية”.
بساط
أما رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لمياء المبيض بساط فأبرزت أن إطلاق الدراسة “يتزامن مع السنة 2021 التي خصصتها الأمم المتحدة للاقتصاد الإبداعي”. وأبدت دهشتها “لغياب هذا القطاع عن كل خطط التنمية الاقتصادية للبنان”، معربة عن أسفها “لحال اللامبالاة الرسمية المزمنة تجاه هذا القطاع”. وشددت بدورها على أن الصناعات الثقافية والإبداعية “ليست قطاعاً اضافياً يحتاح إلى دعم حكومي، بل هي، على العكس من ذلك، تولّد قيمة مضافة قوية، وتساهم في توليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وفي تصحيح الميزان التجاري، وتوفر إمكانات نمو ضخمة وتحفّز قطاعات عدة أخرى”.
ولفتت إلى أن “الدراسة تضع الإصبع على الصعوبات وتقترح على أصحاب القرار والمانحين مسارات للعمل”.
وشددت بساط على ضرورة “اعادة بناء نموذج جديد لهذا القطاع”، نظراً إلى كونه “لا يشكّل قيمة اقتصادية كبيرة فحسب، بل لأنه ضامن للقيم وللهوية الثقافية”.
ودعت إلى “التحرك سريعا من أجل الثقافة، خط الدفاع الاول عن الحريات، ولدعم الصناعات الإبداعية كأداة للصمود الاقتصادي والسياسي وللمقاومة الثقافية”.
لاكومب
وقال روبير لاكومب، المستشار الثقافي للسفير بيار دوكان المكلف تنسيق مؤتمر الدعم الدولي من اجل لبنان: ” نعمل مع السفير دوكان الى جانب لبنان ومن اجله في اطار النهوض المبكر، من خلال مساعدات طارئة وإنسانية بسبب الوضع الذي يعيشه لبنان لكنها لا تشكل في أي حال بديلاً من الإصلاحات البنيوية ليس فقط في متا يتعلق بالسياسات التفافية بل بصورة عامة”. وأعلن في هذا الإطار عن “وسائل لدعم الفنانين مباشرة، منها برامج إقامة وصناديق وخطة لإعادة هيكلة قطاع السينما والمهرجانات والمكتبات”.
واضاف: “نحاول مساعدة القطاع الثقافي اللبناني على النهوض ولكن لا شيء يمكن ان يكون بديلا من وضع سياسات عامة لا ضمن ليس فقط دوام ما سنقدمه اليوم ولكن ايضا حرية التعبيرالفنانين، فلا ثقافة ولا ابداع من دون حرية تعبير”.
عجم
وشرحت عجم أن “الدراسة وفرت صورة اقتصادية شاملة للقطاعات الثقافية والإبداعية وحددت المعوقات البنيوية والتنظيمية وتضمنت توصيات واقترحت مسارات للعمل، وتمثّل الغرض منها في إظهار ما تختزنه هذه القطاعات من إمكانات غير مستغلة، ووضع الخطوط العريضة لسياسة عامة وطنية لتنمية هذه القطاعات”.
ركزت الدراسة على ثلاث فئات قطاعية هي الفنون الأدائية والقطاع السمعي البصري والتصميم، تشمل قطاعات كالمسرح والسينما والمهرجانات وألعاب الفيديو والبث التدفقي والأزياء والهوت كوتور والمجوهرات.
واسفت لكون الدراسة كانت قبل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 تهدف إلى تطوير هذه القطاعات وتنميتها ولكن بعد 4 آب اصبح الهدف منها إنقاذ هذه القطاعات، آملة في تحديثها لتقييم اثر الانفجار ولشمول قطاعات مهمة لم تتناولها كالنشر والإعلام والإعلان وسوق الفن. وأوضحت أن “السياسة العامة المقترحة لهذه القطاعات تقوم على عدد من الركائز، بينها تحسين حوكمة هذه القطاعات (إعادة تعريف الوضع القانوني للفنان وإصلاح الإطار الضريبي والجمركي)، وتعزيز المواءمة مع النظام التعليمي وتعزيز الشراكات الاستباقية”.
حريري
أما حريري فتحدث عن الأثر الاقتصادي للقطاعات الثقافية والإبداعية كاشفاً أنها كانت تشكّل حتى 2015 نحو 4,75 في المئة من الناتج المحلي، اي ما يوازي 2,3 مليار دولار.
واشار إلى أن القطاع يوظف وحده 5,8 في المئة من السكان العاملين، اي يعمل فيه نحو مئة ألف شخص على الأقل.
وافاد بأن القطاعات الثقافية والإبداعية تولّد ثروات مرتين أكثر من القطاع الزراعي وبقدر ما يولّد قطاع البناء.
بيان مشترك
وشدد بيان مشترك للطرفين على أن “تحقيق الازدهار يتطلب إطاراً قانونياً ووضع سياسات عامة للإبداع تحمي حقوق المبدعين وتمنحهم أجراً عادلاً، وتدعم نشر الأعمال والمصنفات الفنية والإبداعية واشعاعها، وتشكل منظومة فاعلة يفيد منها الجميع”.
وأضاف: “من هذا المنطلق، وبناءً على كل هذه الحقائق والأرقام المفيدة، تقدم الدراسة توصيات تهدف إلى توفير أفكار ومعطيات تستند عليها السلطات العامة والجهات العاملة في القطاع والأطراف المانحة الدولية في تعزيز القطاع الثقافي والإبداعي اللبناني بحيث يكون قادراً على توليد الثروة ويتسم بالاستدامة ً”.
ولفت البيان إلى أن نص الدراسة بنسختها الكاملة وملخصها أصبح متوافراً اعتباراً من 31 آذار على الرابط الآتي: http://www.institutdesfinances.gov.lb/project/cultural-and-creative-industries/