كتب: الباحث في الإقتصاد وخبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي.
من البديهي وغير قابل للجدل هو أن المصارف العاملة في لبنان (المصارف):
- المصارف هي التي تُحدد سقوف السحب تحت أحكام التعميم ١٥١، في الوقت الذي حَدَد فيه مصرف لبنان سعر الصرف فقط.
- المصارف قَبِلَت طوعاً أن تلتزم بسقوف السحب التي رسمها مصرف لبنان في التعميم ١٥٨.
- المصارف ليست بحاجة للتعميم ١٥٨ لتسديد الودائع لأصحابها (تدريجياً أو غير ذلك) لأن إعادة الحق لصاحبه هو واجب يحميه القانون، وليست مُلزمة بالتمسك بالسقوف التي وضعها التعميم.
- المصارف بحاجة إلى أن تتحصن بأحكام التعميم ١٥١ لجهة تسديد الودائع بالدولار الأميركي لأصحابها ولكن بالليرة اللبنانية على سعر ٣٩٠٠ ليرة للدولار الواحد لأن قانون النقد والتسليف وقانون العقود والموجبات يحكم بغير ذلك.
- المصارف لن تكون مخالفه لأي قانون إذا قررت توسيع رقعة الإستفادة من أحكام التعاميم ١٥٨ و ١٥١ لتسمح لسحوبات بأكثر من ٤٠٠ دولار شهرياً؛ وأيضاً لتسمح للمودع الواحد بالإستفادة من أحكام التعميمين في آن واحد ومن المصرف نفسه.
- المصارف تلتزم جزئياً وظرفياً وبمزاجية فاضحة بتعاميم مصرف لبنان (وكأن الحاجة للجنة الرقابة على المصارف إنتفت وانتهت…) ولا نرى ولا نسمع عن أي تدابير أتخذت من قبل السلطات الرقابية بحق هذه المصارف.
هناك الكثير من الممارسات التي تبقى ضبابية ولا تساهم في ترميم الثقة بين المصرف والزبائن أصحاب الودائع على وجه خاص. إن غياب الشفافية، وإمتناع المصارف عن التواصل الدائم مع عملائها، وصمت جمعية مصارف لبنان في هذه الأوقات والظروف الذي يمر بها القطاع المصرفي ينعكس سلباً على سلامة القطاع المصرفي المحلي وعلى قدرته على الإستمرار بعافية ولعب دوراً فاعل في مسيرة الإنقاذ والتعافي الإقتصادي.
وفي المقلب الآخر، إن فشل الطبقة السياسية الحاكمة بالتعاطي بجدية مع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ترفع منسوب المسؤولية الملقات على عاتق القطاع الخاص في عملية الإنقاذ والتعافي الإقتصادي ويشكل القطاع المصرفي ركن أساسي من هذا القطاع.
غضت النظر الدول الصديقة للبنان عن فساد الطبقة السياسية وأعطتها فرصة لتشكيل حكومة كاملة ومكتملة المواصفات حتى يتثنى لها مقاربة عملية الإنقاذ والتعافي الإقتصادي بشكل منظم لأنه من المستحيل تنظيم هذه العملية الإقتصادية المتعددة الأطراف والمعقده في ظل غياب سلطة تنفيذية نافذة قادرة على إتخاذ القرارات وتنفيذها. للأسف، الإيجابيات التي رافقت تشكيل الحكومة تبددت كلها بعد:
١. زيارة الرئيس ميقاتي لفرنسا والتي أخفقت في تحقيق أهدافها.
٢. صمت الحكومة إتجاه تدخل أطراف سياسية في العدل والقضاء والتي تجسدت في زيارة السيد وفيق صفا لقصر العدل، وتدخل وزراء بصلاحيات المحقق العدلي – داعما أم رافضا، والمشاكل الأمنية التي رافقت التدخل بالقضاء.
٣. إستيراد المحروقات الإيرانية وإدخالها إلى الداخل اللبناني بطريقة غير شرعية.
٤. صمت الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إتجاه حكومة الرئيس ميقاتي لجهة دعمها أو غير ذلك.
٥. إصرار المجتمع الدولي على المباشرة بالإصلاحات كمدخل أساسي وضروري وأوحد للإفراج عن المساعدات المالية للبنان.
٦. رفض السلطة السياسية الحاكمة ممارسة الشفافية في التعاطي مع الشعب اللبناني لجهة:
- كيفية التصرف بحقوق السحب الخاص التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي وتبلغ مليار و ١٣٩ مليون دولار أميركي.
- “البطاقة التمويلية” وما هو مصيرها.
- قانون (أو قوانين) الكابيتول كونترول (Capital Control).
- تفاصيل خطة الإنقاذ التي تتبناها الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وخصوصاً لجهة الخطوات الإصلاحية التي لها تأثير مباشر على حياة المواطن اللبناني.
- الإسراع، وليس التسرع، في إظهار الحقيقة في تفجير ٤ آب ٢٠٢٠.
- الإنتهاء من قانون الإنتخابات الذي سوف يُعتمد في الإنتخابات القادمة، وبعد أشهر قليلة، وخصوصاً لجهة دور المغتربين اللبنانيين فيها. أهميته بأنه الممر الأساسي للتغير السلمي في لبنان.
بغض النظر عن نوايا الرئيس ميقاتي الطيبة وجديته في حديثه عن الإصلاح والإنقاذ والتعافي، تبقى العبرة بالتنفيذ. هذا ما يريده وبحاجة له المواطن اللبناني، وهذا ما تنتظره الدول الصديقة للبنان.