كتب: د. محمد فحيلي، الباحث في الإقتصاد وخبير المخاطر المصرفية
حكاية شعب أُهلِكَ بسبب حكامه، وأهلك ذاته . . .
لسنوات عديدة ومديدة أنعمت علينا السلطة السياسية الحاكمة:
– بالتخلي نهائياً عن الحوكمة في إدارة البلاد
– وأفرطت بالفساد
– وإستفحلت بهدر المال العام
ولكن تدهور الوضع الإقتصادي في لبنان خلال أسابيع وأشهر، والبعض يقول حصل ذلك بين ليلة وضحاها!
تتحمل السلطة السياسية مسؤولية التدهور الإقتصادي العام من دون منازع. ولكن كل واحد منا يتحمل جزء من المسؤولية لجهة “السرعة” التي حصل فيها هذا التدهور:
– قبل الإنفجار حاربنا وبشراسة من أجل سلسلة الرتب والرواتب والحصول عليها كان بمثابة إنتصار بارز في مسيرة نضال شعب لبنان العظيم. وبعدها:
١. تخلينا نهائياً عن الإنفاق بمسؤولية. فشل ٩٠% من الشعب اللبناني في إدارة حياتهم الخاصة وفق المثال الشعبي “مد بساطك على قد إجريك” .
٢. أفرطنا في الإستدانة لجهة أننا قدمنا معلومات مزورة في طلب القرض لتحسين حظوظنا في الحصول على تسهيلات مصرفية، وهذا ينطبق على الأفراد والمؤسسات وساهم بعض المصارف في تشجيع طالب القرض على ذلك.
٣. إستفحلنا في السعي وراء أعلى الفوائد (ليس بالضرورة أفضلها) على الودائع وكأنه كان هدفنا الأوحد!
– خلال الإنفجار، وفي الوقت الذي كانت فيه كل المؤشرات تدل على أن المصيبة آتية، وكنا كلنا قد ربطنا راحتنا ورخاء حياتنا بالخدمات التي قدمتها المصارف لنا وقبلناها ولو بكلفة عالية، إتجهنا إلى:
١. رمي الملامة أولاً على المصارف العاملة في لبنان
٢. إطلاق حملة “مش دافعين” وهذا يعني رفضنا لتسديد أموال المودعين التي إقترضناها عبر المصارف التجارية كما فعلت الحكومة في آذار ٢٠٢٠
٣. فروع المصارف طالبين الدولار النقدي، وكنا قبل أيام نتسول من أجل الحصول على بطاقات الإئتمان البلاستيكية
٤. تنفيذ هجوم شرس على فروع المصارف وموظفيها هادفين إلى ما….؟
٥. إقفال الطرقات وترك المصانع والمحلات التجارية (النشاط الإقتصادي) والتجمع في الساحات والطرقات (النشاط الـ لا إقتصادي)
٦. التقاتل، وتحت شعار “كلن يعني كلن”، من أجل حماية الزعيم السياسي تاركين له عرشه وملكوته ومكاسبه الشخصية (تحت غطاء مكاسب الطائفة الكريمة) لينعم بها على حساب الوطن والمواطن.
ولسنتين اليوم، نحن على مسار واضح عنوانه “من سيء إلى أسوأ”:
١. التضخم في مستوياته الأعلى بسبب السياسات الإقتصادية (دعم الإستيراد) والنقدية (تعاميم مصرف لبنان) التي تمسكنا نحنا بها، والإحتكار الذي مارسه القطاع الخاص على الوطن وأهلك المواطن.
٢. البطالة تستفحل وتطال كل عائلة لأننا رفضنا التأقلم مع التغيرات الإقتصادية.
٣. الناتج القومي تدهور إلى دون النصف وكل تبعاته السلبية.
٤. إيرادات الدولة إنتفت بسبب الوضع العام، وهذا يعني أنه تضطر الدولة اليوم إلى طباعة العملة لتمويل الإنفاق وهذا يخلق ضغوطات تضخمية كبيرة وما يعنيه من تدهور في مستوى المعيشة! وأبقت السلطة الحاكمة نفقاتها على حالها وتتطلع إلى المزيد بالحماس في الحديث عن زيادة الأجور وبدل النقل وتتردد في إقرار الإصلاحات وضبط الهدر.
٥. المؤسسات التجارية تقفل الواحدة تلو الأخرى ومن بقي على قيد الحياة يعاني ويحاول جاهداً البقاء من خلال الحد من النفقات التشغيلية (تقليص عداد اليد العاملة والحد من الرواتب والأجور).
٦. الطبقة السياسية تحافظ على مكاسبها بقوة ونحن بطريقة او أخرى نساهم في ذلك، إذ أن كل المعطيات تشير بأن في أحسن الأحوال قد تحصل قوى التغيير على ٢٠ نائباً (من أصل ١٢٨) في الإنتخابات القادمة.
وفي هذا الوضع الإقتصادي المعقد، وتمسك السلطة الحاكمة بعدم مقاربة الإصلاحات البنيوية بشكل جدي لتفادي تداعياتها السلبية وإنعكاساتها في هذا الموسم الإنتخابي الحساس؛ والإستفحال بالمبالغة في بث الأخبار السارة والكاذبة في آن واحد؛ تسعى النقابات والتجمعات العمالية إلى الدفع نحو الحصول على زيادة في الأجور (وهو بمثابة “متحور دلتا المتجدد” من وباء سلسلة الرتب والرواتب). وهذا يبشر بالظلام المؤلم ولا أتكلم هنا عن التيار الكهربائي!
لبنان بحاجة ماسة إلى الإقرار والمباشرة بتنفيذ إصلاحات بنيوية تضعه على سكة الإنقاذ والتعافي والنمو الإقتصادي؛ غير ذلك لن يكون إلا بمثابة تمديد الآلام وتوسيع رقعة إنتشارها.