بيننا وبين الصين 50 عاما من الثقة فلماذا لا نطوّر العلاقات؟
بقلم علي محمود العبد الله
رئيس تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني
حلول الذكرى الـ 50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية اللبنانية الصينية هذا العام يمتلك خصوصيات مميّزة تجعلنا نتأمل في أهمية هذه العلاقات وضرورة تطويرها، خصوصا وأن الصين هي جمهورية تقف مع القضايا المُحقة لكل الشعوب، وتشكل مرجعية عالمية في السياسات التنموية وبناء العلاقات الناجحة وتعزيز التعاون وبناء السلام.
على الرغم من تواضع قدرات لبنان مقارنة بالصين، إلا أن علاقاتنا مع الصين ترتفع إلى مستويات مميّزة دوليا، ولطالما أولت القيادة في البلدين أهمية قصوى لتطوير العلاقات منذ إطلاق العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي في العام 1971. ومنذ ذلك التاريخ شهدت العلاقات تطورات كبيرة على جميع الأصعدة لاسيما على الصعيد الثقافي والاقتصادي والتجاري والاجتماعي. كِلا البلدين يتمتعان بعمق التجربة التاريخية والإرث الثقافي الغني، إذ أن الصين تعتبر بلدا ذو جذور تاريخية تعود إلى أكثر من 5 آلاف عام، فيما يتمتع لبنان بتاريخ طويل في المشرق العربي والعالم، وكان موطنا للعديد من الحضارات كالفينيقية والآشورية والفارسية والإغريقية والرومانية والبيزنطية وغيرها.
يجب أن يدفعنا الاحتفال بالذكرى السنوية الـ 50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى بذل المزيد من الجهد لتعميق العلاقات وأخذها إلى مستوى أعلى، خصوصا وأن العلاقات الثنائية تميّزت دائما بالتعاون على كافة الصُعد السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية. وجميعنا يعلم أن الصين لطالما عبرت من خلال سياستها مع لبنان عن حرص تجاه كل ما فيه خير لشعب لبنان وقيادته وقضاياه المُحقة. وهنا لا بد من التركيز على الدور الكبير والهائل الذي لعبته السفارة الصينية في لبنان من أجل تعزيز العلاقات في مختلف المجالات، وهي بالفعل نجحت في نسج علاقات متينة مع مختلف شرائح المجتمع اللبناني.
منذ أشهر عبّر لي سعادة السفير الصيني في لبنان تشيان مينجيان خلال لقاء ثنائي عن مدى اهتمام الصين بتطوير العلاقات الصينية اللبنانية، مؤكدا أنه سيفعل كل ما في وسعه لتعزيز هذه العلاقات التي وصفها بـ “التاريخية”، خصوصا وأننا في أجواء الاحتفال بالذكرى الـ 50 لإقامة العلاقات. ونحن نقدّر النشاط والجهود الكبيرة التي يبذلها سعادة السفير الصيني في لبنان ونتطلع إلى التعاون معه بهدف تحقيق المزيد من الانجازات المشتركة. ولا ننسى أنه في المقابل لطالما عبّر لبنان شعبا وقيادة ومؤسسات عن تقديره الدائم لدور الصين ولمواقفها الشجاعة والمشرّفة إزاء وحدة وسيادة وقوّة لبنان واستقراره، ووقوفها إلى جانب تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
نحن اليوم نحتفل بمناسبة مرور 50 عاما على إقامة العلاقات اللبنانية الصينية فيما الشرق الأوسط يشهد تبدلات تاريخية على مستوى الحضور الدولي والسياسات الدولية في ظل مواجهة اقتصادية عالمية مُقلقة. ولا يجب أن ننسى أننا نعيش في اقتصاد معولم وليس من مصلحة أحد التقوقع وإغلاق أبواب التعاون خصوصا مع دولة عُظمى كالصين بغض النظر عن المعوقات. كما لا يجب أن ننسى أن الصين تسعى إلى علاقات منفتحة على الجميع، ولاسيّما لبنان والبلدان العربية، وهي تتبنّى خطاباً منفتحا يتمثّل بسلوك طريق التنمية، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة، وهي تعمل على حفظ السلام العالمي وتعزيز التنمية وتقف مع القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
في العام الماضي أبلغ الصينيون رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب استعدادهم التعاون في مجال إنتاج الكهرباء بالشراكة مع الشركات الصينية بالإضافة الى ميادين أخرى، مثل: سكك الحديد، معالجة المياه، النفط، ادارة ملف النفايات وتطوير مشاريع صناعية، لكن لبنان لم يحزم أمره بعد. هذا مع العلم أن لبنان يستطيع أن يلعب دورا على صعيد مشروع الحزام والطريق، خصوصا وأننا نقع على نقطة رئيسية في خارطة هذا المشروع. ولهذا يمكنني الجزم أن العلاقات اللبنانية الصينية لم تصل بعد إلى المستوى الذي يعبّر عن عمق العلاقات بين الطرفين.
بهذه المناسبة أُعيد التأكيد أن أمام لبنان فرصة لتطوير علاقاته مع الصين في عدد كبير من المجالات الاقتصادية، ليس أقلها السياحة. للدلالة على أهمية السياحة الصينية، يكفي أن نذكر أن عدد السياح الصينيون الذين يزورون مصر سنويا يبلغ نحو 500 ألف ولبنان يستطيع جذب جزء كبير من السياح الصينيين فيما لو تمت إدارة هذا الملف بشكل صحيح. أما على المستوى العلاقات التجارية، فنجد عندما ننظر إلى الأرقام المسجّلة عام 2019، أن قيمة الاستيراد من الصين كانت بحدود 1.6 مليار دولار بينما الصادرات كانت عند مستوى 12 مليون دولار. أما خلال العام 2020 فسجّل الاستيراد 750 مليون دولار ووصل التصدير إلى 16 مليون دولار وهذه أرقام خجولة نستطيع مضاعفتها بسهولة إذا توفرت الإرادة السياسية. على سبيل المثال لبنان مشهور عالميا في مجال الآلات الصناعية والمجوهرات والمأكولات ويمكن أن نحقق تطورا إيجابيا على هذا الصعيد مع الصين. لهذا علينا المبادرة للاستفادة من التغيرات ورفع قيمة الصادرات لا التركيز فقط على الاستيراد.
وللمقارنة، يمكن إلقاء نظرة على العلاقات العربية الصينية، فقد بلغ حجم التجارة بين الصين والبلدان العربية خلال النصف الأول من العام الجاري 144.27 مليار دولار أمريكي، بزيادة نسبتها 25.7 في المئة على أساس سنوي. وتاريخيا، ارتفعت معدلات التجارة بين الصين والدول العربية من 36.4 مليار دولار في العام 2004 إلى 145.5 مليار دولار في العام 2010، لتصل إلى نحو 190 ملياراً في نهاية العام 2011.
ومن الضروري التوقف هنا قليلا عند الهبات والمساعدات الصينية التي تلقاها لبنان. منذ عشرات السنين، تقدم الصين المساعدات والدعم، وليس آخرها هبة لقاحات كورونا للشعب والجيش اللبناني. وقبلها كان لقوات حفظ السلام الصينية التابعة لليونيفيل دورا في إعادة إعمار المرفأ إلى جانب العديد من الأطراف الدولية. حتى على المستوى الثقافي تحرص الصين على تقديم الدعم في لبنان، ونذكر هنا دعم إنشاء وتجهيز المعهد العالي للموسيقى “الكونسرفتوار الوطني” من خلال هبة بقيمة 30 مليون دولار. وعكار لا تنسى فضل الصين في توفير الدعم لتطوير مهارات الطلاب، إذ تلقت هبة صينية لدعم مختبر المعلوماتية في معهد تكريت الفني الرسمي في عكار. وتطول لائحة المساعدات التي قدمتها الصين ولا تزال في مختلف المناطق اللبنانية.
نحن ننظر بتقدير كبير إلى المواقف الصينية تجاه لبنان سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي. كما نحترم ثبات السياسات الصينية تجاه كل القضايا المحقة سواء في لبنان أو في بلدان المنطقة والعالم. الصين مثال يُحتذى به، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإرادة الشعوب وسيادة الدول ووحدتها وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي والثقافي، وعلينا العمل على تعزيز علاقاتنا معها انطلاقا من مصلحة لبنان الاستراتيجية.