وفقًا لآخر تحليلٍ أجرته وكالة الاستشارات العقارية العالمية Knight Frank، ساهمت الزيادة في عدد تراخيص الأعمال التجارية الأجنبية في المملكة العربية السعودية في ارتفاع مستويات إشغال المكاتب في الرياض والمدن الرئيسية الأخرى في المملكة، في حين يعرف قطاع التجزئة أيضًا زيادةً في النشاط، خصوصًا في العاصمة السعودية.
ويوضّح فيصل دوراني الشريك ورئيس أبحاث الشرق الأوسط : “تسعى الشركات من جميع أنحاء العالم بشدةٍ إلى الاستفادة من جزءٍ من التحول الاقتصادي الجاري في المملكة العربية السعودية. فقد ارتفع عدد رخص الأعمال التجارية الدولية بنسبة 358% خلال العام الماضي، وتركّز معظم الطلب على العاصمة الرياض.
ولم يكن من المستغرب ارتفاع مستويات الإشغال عبر مباني المكاتب الرئيسية في المدينة لتصل إلى 96%، وهو أعلى مستوى تشهده خمس سنواتٍ على الأقل. وفي الوقت الذي يُركّز فيه شاغلو العقارات عالميًا على المساحات المكتبية الأفضل في فئتها كوسيلةٍ تساعدهم في حربهم من أجل الفوز بالمواهب وتلبية الاعتبارات الداخلية للممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، تعيش مباني المكاتب الرئيسية في الرياض مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من الطلب. وتعكس الإيجارات ازدهار الطلب، حيث ارتفعت بنسبة 6.5% في الأشهر الاثني عشر الماضية لتصل إلى 1,560 ريال سعودي لكل متر مربع.
وحسب وكالة Knight Frank، بدأ الطلب على المساحات المكتبية في جدة في الارتفاع أيضًا، ولكن بوتيرةٍ أبطأ. ويرجع هذا الانتعاش إلى ظهور هيئاتٍ جديدةٍ في القطاع العام (يرتبط العديد منها بمشاريع عقارية جديدة)، مما أدى إلى ترسيخ حضورها في المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر. وهذا يشمل أمثال روشن و Uptown Jeddah و Al Ballad Development و Jeddah Central، وقد افتتحت جميعها مؤخرًا مكاتب جديدةً في جدة.
وأضاف طلال رقبان، الشريك والمتخصص في التقييمات والاستشارات: “لقد شهدنا انعكاسًا بطيئًا ولكن ثابتًا في قرارات تقليل وجود المكاتب في جدة، والتي تم اتخاذها أثناء الوباء. وخلال انتقالنا البطيء إلى ما بعد مرحلة كوفيد-19، تعود الشركات سريعًا إلى المكاتب على أساس الدوام الكامل، وهو ما يحفّز الطلب المتزايد على المكاتب في جدة”.
ويكشف بحث وكالة Knight Frank أن إيجارات المكاتب الرئيسية في جدة ارتفعت بنسبة 2.5% خلال الربع الأول من العام، في حين عرفت الإيجارات من الدرجة الثانية انخفاضًا بنسبة 0.5% خلال نفس الفترة.
تساعد الطفرة الأخيرة في أسعار النفط على تعزيز النشاط الاقتصادي ومستويات توفير فرص العمل في منطقة الدمام الحضرية. ويتمثل التأثير الناتج عن ذلك في زيادة الطلب على المكاتب، مع التركيز على المساحات من الدرجة الأولى. وقد ساعد الطلب المتزايد على رفع إيجارات الدرجات العليا من السوق، حيث ارتفعت الإيجارات من الدرجة الأولى بنسبة 2% لتصل إلى 920 ريال سعودي لكل متر مربع في الربع الأول من العام. وفي أمكنة أخرى، انخفضت معدلات الإيجار من الدرجة الثانية، في المتوسط، بنسبة 2.8% لتصل إلى 575 ريالًا سعوديًا للمتر المربع، حيث ابتعد شاغلو العقارات عن العقارات الثانوية والأقدم لصالح المباني العصرية والأحدث.
ولم يكن من المفاجئ أن تشهد معدلات شغور العقارات أيضًا ارتفاعا؛ فقد عرفت المساحات الرئيسية في منطقة الدمام الحضرية تحسنًا بنقطة مئوية واحدة في مستويات االشغور إلى 74% في الربع الأول من عام 2021، في حين شهدت مكاتب الدرجة الثانية ارتفاعًا في مستويات الشغور بنقطتين مئويتين لتصل إلى 37%.
قطاع تجارة التجزئة
تقول وكالة Knight Frank إن ثروات قطاع التجزئة توجد على أعتاب الانعكاس. ومن بين 2056 رخصة استثمار أجنبي صدرت في الربع الأخير من عام 2021، كان 44% منها مرتبطًا بقطاعي التجزئة والتجارة الإلكترونية، مما يبرز الإقبال الشديد من تجار التجزئة العالميين والمستثمرين على قطاع التجزئة في المملكة.
قال بيدرو ريبيريو، الشريك ورئيس الخدمات الاستشارية لقطاع تجارة التجزئة: “لقد لاحظنا تدفقًا ثابتًا لمتطلبات تجار التجزئة الدوليين الذين يسعون للدخول إلى المملكة، مع التركيز على الرياض، وقد شكّل ذلك ضغطًا متزايدًا على الإيجارات. وكان الهدف الأساسي بالنسبة لهؤلاء الوافدين الجدد يتمثل في مراكز التسوق، وقد بدأت معدلات إيجار مراكز التسوق الإقليمية والسوبر إقليمية في الارتفاع مع تزايد الاحتياجات الجديدة.”
وحسب وكالة Knight Frank، عرفت مراكز التسوق الكبرى في الرياض زيادةً في الإيجارات بنسبة 1% في المتوسط لتصل إلى 2,716 ريال سعودي للمتر المربع خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، بينما تراجعت أسعار مراكز التسوق المجتمعية بنسبة 1.4% خلال نفس الفترة.
وتلاحظ وكالة Knight Frank أن وضع قطاع البيع بالتجزئة في المملكة العربية السعودية يزداد تنافسية. بالموازاة مع ذلك، يواجه تجار التجزئة التقليديون ظروفًا عصيبة، في ظل زيادة انتشار التجارة الإلكترونية وتحوّل سلوك المستهلك وتوقعاته إلى الإنترنت بشكل متزايد. ويدفع ذلك تجار التجزئة إلى الإسراع بتوسيع عروضهم متعددة القنوات، والعمل في نفس الوقت على تحويل تركيزهم أيضًا إلى البيع بالتجزئة التجريبي.
ويؤكد دوراني “تغيّر رؤية السعودية 2030 مشهد البيع بالتجزئة السعودي بشكلٍ جذري. وبما أن 56% من سكان السعودية تقل أعمارهم عن 35 عامًا، فإن البلاد تتمتع بديموغرافيةٍ شابةٍ وحيوية. فهؤلاء كانوا مطّلعين على العلامات التجارية العالمية وعلامات الموضة وتجارب المطاعم والتعليم الترفيهي في الخارج. وعند وصول تجار التجزئة الدوليين هؤلاء بأعدادٍ كبيرة، فإنه يتم الترحيب بهم بسهولةٍ ويتم استيعابهم في نسيج قطاع التجزئة في المملكة. في الواقع، لقد تم في الرياض وحدها إنهاء تشييد 290 ألف متر مربع من مشاريع البيع بالتجزئة التي تقودها المطاعم، بما في ذلك 275 مطعمًا جديدًا موزعةً على 16 مشروعًا جديدًا للبيع بالتجزئة منذ إطلاق خطة التحول الوطني في عام 2016، مما أدى إلى ازدهار قطاع المطاعم في العاصمة”.
في المقابل، بقي الطلب على مساحات بيع التجزئة الجديدة في جدة ضعيفًا. وقد حافظت التطورات متعددة الاستخدامات التي تتميز بمزيجٍ متنوعٍ من خدمات المأكولات والمشروبات ومكوناتٍ ترفيهيةٍ وترويحيةٍ على نسبة إشغالٍ بلغت 90-95%. وتشير وكالة Knight Frank إلى أن أرباب مراكز التسوق الذين كانوا أبطأ في التكيف مع سلوك المستهلك المتغير شهدوا هروبًا لتجار التجزئة المتجهين إلى التطورات التي توفر تجربة عملاءٍ عالية الجودة ونمط حياةٍ جذابٍ وجوانب ذات طابعٍ عام.
ولم يكن من المستغرب أن تشهد إيجارات تجارة التجزئة في جدة تراجعاً خلال العام الماضي، ولو بشكلٍ هامشي. وعلى مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، انخفضت الإيجارات في مراكز التسوق الكبرى بنسبة 1% لتصل إلى 2,655 ريال سعودي للمتر المربع، في حين انخفضت معدلات إيجارات مراكز التسوق المجتمعية بنسبة 1.7% خلال نفس الفترة.
ويكشف بحث لوكالة Knight Frank أن نسبة الشغور الإجمالية في جدة ارتفعت بنقطتين مئويتين إلى 15%. في حين تواصل مراكز التسوق الكبيرة والتطورات التي تستهدف نمط الحياة تحقيق نتائج أفضل من مراكز التسوق المجتمعية ومراكز البيع بالتجزئة من الدرجة الثانية، لكن كُلاّ منها لا يزال يشهد مستويات شغورٍ متزايدة.