أدى ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة إلى انتعاشًا اقتصاديًا سريعًا في دول مجلس التعاون الخليجي حيث يتوقع معظم الدول تحقيق فائض مالي كبير بحلول نهاية العام. ولكن على عكس الدورات الماضية، نتوقّع أن يتمّ ضبط الإنفاق واستخدام الفوائض المالية لسداد الديون والاستثمار محلياً ودولياً. كما أن بعض الاستثمارات في المنطقة يتمّ استخدمها في عملية تحوّل في قطاع الطاقة حيث تؤدي أشعة الشمس الوفيرة في المنطقة والأراضي منخفضة التكلفة إلى ازدهار الطاقة الشمسية وتطوير الهيدروجين كمكون رئيسي للاقتصاد المستقبلي القائم على تدوير الكربون في منطقتنا، وفقا لما ورد في أحدث نشرات بي دبليو سي الاقتصادية للشرق الأوسط للربع الثاني من عام 2022 التي صدرت اليوم تحت عنوان “النفط يزدهر والهيدروجين يبدأ بالظهور“.
في شهر فبراير، أدّى اجتياح أوكرانيا إلى تداعيات عديدة على إثرها تأثرت مختلف أنحاء المنطقة. وكان للارتفاع في أسعار النفط والغاز – الذي يشكّل ثالث أكبر ازدهار تشهده أسعار النفط خلال القرن الواحد والعشرين – أثرًا جذريًا على الآفاق المالية للدول المصدرة النفط (دول مجلس التعاون الخليجي، والعراق، وليبيا)، وهو ما يبشر على الأرجح بتحقيق فوائض مالية خلال العام الجاري. في المقابل، تعاني الدول المستوردة للنفط (مثل مصر، والأردن، ولبنان، وفلسطين) من ارتفاع الأسعار الذي يُعدّ من بين العوامل الرئيسية التي تؤثر سلبًا على مكانتها المالية.
من الصعب تحديد ما إذا كان هذا الازدهار سيدوم طويلًا، أم ستليه موجة انحدار حاد. ومع ذلك، لطالما اتبعت هذه الحكومات في المنطقة نهجاً وسياسات مالية تتوافق مع تقلبات الدورة الاقتصادية. وأشارت أحدث توقّعات صندوق النقد الدولي الصادرة في أبريل 2022 إلى ازدياد الإنفاق بنسبة 5% خلال العام 2022، بوجود كلاَ من قطر والإمارات العربية المتحدة في المقدمة، في حين أظهرت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان ازديادًا أقل بنسبة 4% في الإنفاق على أساس سنوي، وفقًا لنتائج الدولتين المسجلة خلال الربع الأول من هذا العام.
وفي تعليق له على النشرة، قال ريتشارد بوكسشال، الشريك والخبير الاقتصادي الأول في بي دبليو سي الشرق الأوسط : “إننا نعلّق آمالًا كبيرة على مساهمة ارتفاع أسعار النفط في دعم مسيرة تعافي الدول المصدرة للنفط، وتنويع اقتصاديات دول مجلس التعاون، والتشجيع على الاستثمار في مصادر الطاقة الأخرى”.
وأضاف قائلًا: “في حال تمّ ضبط الإنفاق، فإن المنطقة ستحقق فائضًا ضخمًا يمكن توجيهه نحو تحقيق غايات أخرى. وفي هذا الإطار، نجد أن سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية أعربوا بشكل واضح عن نواياهم إزاء كيفية استخدام هذه الأموال. ففي عُمان، تعتزم الحكومة بخفض حجم الديون التي بلغت ذروتها العام الماضي وشكّلت 55 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي. ومن جهتها، وضعت المملكة العربية السعودية خطة وطنية لإدارة الدين، حيث ستكون الأولوية لزيادة الاحتياطيات من جديد على أن يتم توجيه القسم المتبقي من الفائض نحو صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني بهدف تمويل مشاريع التطوير المحلية”.
الهيدروجين أو الهواء الساخن؟
تمّ خلال العامين الماضيين اقتراح العشرات من المشاريع في مختلف أنحاء المنطقة لتطوير إنتاج وتصدير الهيدروجين. وكانت الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان من بين الدول التي اعتمدت الخطط الأكثر طموحًا للارتقاء بمشاريع إنتاج الهيدروجين، ومثال على ذلك مشروع نيوم للهيدروجين في المملكة، ومشروع تحالف أبوظبي للهيدروجين ومحطة إنتاج الهيدروجين الأخضر في دبي، ومجموعة من المشاريع المتنوّعة في عُمان ومن بينها محطة لإنتاج الهيدروجين بطاقة 3.5 غيغاواط في الدقم. أما بالنسبة إلى الدول الأخرى في المنطقة – مثل مصر، والأردن، والكويت، وليبيا – فقد انطلقت في سباق إنتاج الهيدروجين أيضًا، حيث بدأت بالتخطيط أو تطوير مشاريع لإنتاج الهيدروجين.
من جهته، علّق ستيفن أندرسون، شريك ورئيس قسم الاستراتيجية والأسواق في الشرق الأوسط بالقول: “إن المنطقة أصبحت في موقع مميز يمكنها للاستفادة من الوضع الراهن وتسريع عجلة تحوّلها في قطاع الطاقة، لا سيما في ما يخص الهيدروجين. ولقد بدأ المجتمع الدولي بأخذ مسألة تحقيق أهداف صفر انبعاثات الكربون على محمل الجدّ بشكل أكبر، وفي حال تمكّنت منطقة الشرق الأوسط من قيادة دفة هذا التحوّل بصورة استباقية، سيكون العقد القادم هو العقد الذي سيشهد على طفرة الهيدروجين في منطقتنا. هذا وتوقّعت دراسة عالمية أجرتها استراتيجي& مؤخرًا أنه قد يصل الطلب العالمي على الهيدروجين إلى 530 مليون طن/ سنويًا بحلول العام 2050، واعتبرت أن دول مجلس التعاون الخليجي تمثّل المنطقة التي تملك إمكانات التصدير الأكبر.”
وأضاف قائلًا: “إننا نعمل في بي دبليو سي الشرق الأوسط على تحقيق أهداف صفر انبعاثات الكربون لبناء الثقة وحلّ المشاكل المهمة التي يواجهها عملاؤنا والمجتمعات المحلية التي نعمل بها. كما نستثمر في السبل الجديدة لإنجاز التحوّل في البيئة التشغيلية، بما يشمل التغييرات الجذرية التكنولوجية، والتغير المناخي، والانقسامات الجيوسياسية، بما يتماشى مع استراتيجيتنا العالمية “النهج الجديد”.