أفادت شركة نايت فرانك أن سوق العقارات السكنية السعودية قد شهدت ارتفاعًا بنسبة 6% في إجمالي قيمة المعاملات السكنية، وذلك على الرغم من تراجُع عدد الصفقات وانخفاض حجم مبيعات المساكن هذا العام بنسبة 24%.
أوضح فيصل دوراني، الشريك ورئيس أبحاث الشرق الأوسط، قائلاً: “إنَّ الفجوة في القدرة على تحمُّل التكاليف بين توقعات المشترين والزيادات الهائلة في أسعار المساكن المسجَّلة في مختلف مدن المملكة العربية السعودية تقف وراء تراجُع عدد مبيعات المساكن. إلا أن حجم المعاملات آخذ في التزايد، بل قد ارتفع بنسبة 6% بالمقارنة مع هذا الوقت من العام الماضي؛ وهذا يسلِّط الضوء على معدل نمو أسعار المساكن الذي تشهده المملكة العربية السعودية. والواقع أن متوسط قِيَم الشقق في الرياض قد ارتفع بنسبة 30% خلال آخر 12 شهرًا، بل إنه قد وصل إلى نسبة 40% تقريبًا في بعض الضواحي التي يقصدها أكثر السكان في شمال الرياض. وارتفعت كذلك أسعار الفيلات في العاصمة بنسبة 20%”.
“الأمر المهم هو أنه على الرغم من عدد الشقق الهائل البالغ 200,000 شقة المتوقَّع تسليمه في العاصمة بحلول عام 2030، فإن نمو الأسعار ما يزال يشهد ارتفاعًا كبيرًا. وتشير تقديراتنا إلى أنه من المُتوقَّع أن تواجه الرياض عجزًا بالنظر إلى الارتفاع الذي سيشهده عدد السكان، البالغ حاليًا 7.5 مليون نسمة، المُتوقَّع أن يصل إلى 17 مليون نسمة بحلول عام 2030. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن هناك أدلة متناقلة تشير إلى أن بعض البائعين يختارون استئجار ممتلكاتهم للاستفادة من الوافدين المهاجرين المحليين والدوليين الذين تجذبهم المدينة للعمل؛ وهذا يزيد من تناقص المبيعات المعروضة”.
توضح نايت فرانك أن ازدياد أنشطة الأعمال في الرياض وارتفاع إجمالي العمالة فيها، الأمر الذي يُحدِث عجزًا آخر في مساحات المكاتب من الدرجة الأولى، يزيد من الطلب على الوحدات السكنية. وفي واقع الأمر، سترتفع مستويات التوظيف في الرياض بنسبة 5% تقريبًا بحلول نهاية عام 2022، ومن المتوقَّع أن تشهد زيادة أخرى بنسبة 3% خلال عام 2023 (أكسفورد إيكونوميكس).
شهد إجمالي عدد المساكن التي بيعت في الرياض انخفاضًا بنسبة 30% من بداية عام 2022 وحتى الربع الثالث منه، حيث تمت 7,750 معاملة مقارنة بمعاملات العام الماضي التي بلغت 11,074 معاملة. ووفق التحليل الذي أجرتها نايت فرانك، فقد انخفضت القيمة الإجمالية للمعاملات بنسبة 20% لتصل إلى نحو 8 مليارات ريال سعودي نتيجة لهذا الأمر؛ وهذا ما يعكس التغيير الذي يشهده نمو الأسعار.
القدرة على تحمُّل التكاليف عاملٌ أساسي
تُمثِّل القدرة على تحمل التكاليف عاملاً أساسيًا من عوامل الرؤية السكنية السعودية، وتشير نايت فرانك إلى التحركات التي تتخذها وزارة الإسكان للمساعدة على تخفيف العبء المالي الذي يعاني منه المشترون المحتملون.
أضاف هارمن دي يونغ، الشريك ورئيس قسم الاستراتيجيات والاستشارات العقارية، قائلاً: “إنَّ الجهود التي تبذلها وزارة الإسكان لتوفير المساكن بتكاليف يمكن تحمًّلها تشهد تقدمًا على النحو الذي بينَّته رؤية 2030 في بداية الإعلان عنها، ودليل ذلك نجاح المخططات التي أطلقتها شركة روشن وانتشارها في مدينتَي جدة والرياض”.
“لكن حسب الأدلة المتناقلة، فإن تزايد ارتفاع تكاليف الأراضي والبناء يُشكِّل تحديات لبعض المطوِّرين الذين يتطلعون إلى إقامة شراكات مع الحكومة، إلى جانب أن هوامش الربح آخذة في تناقص سريع وقابلية بقاء بعض المشروعات تخضع لإعادة التقييم. ومع ذلك، فإن المشروعات التي بيع فيها أغلب الوحدات قبل الإنشاء تشهد تقدمًا، حيث يجد المطورون دافعًا لإكمال مشروعات التطوير وفق الخطط المقرَّرة، أو حتى قبل وضع الخطط”.
سوق الرهن العقاري
في مختلف أنحاء المملكة، ارتفع إجمالي عدد الرهون العقارية المرتبطة بعمليات شراء الشقق بنسبة 12% من بداية عام 2022 وحتى شهر أغسطس منه في مقابل انخفاض نسبته 45% بالنسبة إلى الفيلات.
إلى جانب العقبة المتمثلة في القدرة على تحمُّل التكاليف، فإن التغير الذي يشهده أسلوب الحياة يسهم هو الآخر في تغيير ديناميكيات الطلب، لا سيما ضمن أوساط الشباب السعودي. ومن المؤكد أن القبول الثقافي والاجتماعي للسكن في الشقق يؤدي دورًا مهمًا في زيادة شعبيتها، إلى جانب المزايا الواضحة المتعلقة بتوفير التكاليف.
أوضح فيصل دوراني “بالإضافة إلى ما سبق، فإن متوسط حجم الأسرة السعودية آخذ في الانخفاض، حيث يفضل المواطنون الشباب الاستقلال والسكن المنفصل عن الأسرة في مرحلة عمرية مبكرة؛ ما يسلِّط الضوء على تراجع شعبية السكن الأسري متعدد الأجيال. وفي دولة يقل فيها عمر 56% من السكان عن 35 عامًا، يشكِّل هذا تغييرًا كبيرًا ومن المرجَّح أن يمثِّل مصدرًا مهمًا للطلب على المساكن الجديدة في المستقبل”.
انخفض العدد الإجمالي للرهون العقارية العامة أو الرهون العقارية السكنية التي أُعلِن عنها منذ الربع الثالث من عام 2021. وتسلِّط نايت فرانك الضوء على أن التحديات المتزايدة المتعلقة بالقدرة على تحمُّل التكاليف قد اضطرت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري (SRC) كذلك إلى تغيير أجل الاستحقاقات المحدَّدة الذي كان يتراوح بين 10 و25 عامًا ليمتد إلى 30 عامًا.
المساكن ذات علامات تجارية مميزة
على الطرف العلوي من طيف الميزانية، يسارع المطورون إلى طرح المساكن الفاخرة في السوق لتلبية الطلبات المتزايدة على السكن في وحدات فاخرة.
يستطرد هارمن دي يونغ قائلاً إن “شعبية الشقق السكنية شهدت زيادة كبيرة في الطلب على مدى الأعوام القليلة الماضية. يسعى كثيرون في المملكة العربية السعودية إلى السكن في شقق فاخرة، خصوصًا في مساكن تحمل علامات تجارية، وهذا منتشر على وجه التحديد بين أصحاب الأرصدة المالية الضخمة (HNWI) ومشتري المساكن من الدرجة الثانية. ويلبي المطورون هذا الطلب المتزايد بالشراكة مع الشركات التي تملك فنادق عالمية، مثل فور سيزونز ورافلز، وكلتاهما، على سبيل المثال، تدمجان مساكن خاصة ضمن المشروعات التي تطورانها مقابل شاطئ البحر في جدة لتلبية هذا الطلب”.
جدة
أوضحت نايت فرناك أنه قد ارتفعت أسعار المساكن في جدة هي الأخرى مثلما حدث في الرياض، وإن كان ذلك بمعدل أبطأ.
ارتفع متوسط أسعار الفيلات بنسبة سنوية بلغت 3% خلال الربع الثالث من عام 2022، بينما ارتفع متوسط أسعار الشقق بنسبة 6 في المائة خلال المدة نفسها.
شهد عدد مبيعات المساكن منذ بداية عام 2022 وحتى الربع الثالث منه انخفاضًا بنسبة 19%، حيث قلّ عدد المعاملات إلى 3,711 معاملة. إلا أنه قد ارتفعت قيمة المعاملات بنسبة 30% خلال المدة نفسها. وهذا يؤكد نمو الاسعار الكبير الذي شهدته المدن الساحلية خلال العام الماضي.
“يتنافس مطورو العقارات في جدة على إكمال مشروعات الشقق السكنية لاقتناص فرصة الاستفادة من الطلب المتزايد على السكن في شقق المجمعات السكنية. وفي واقع الأمر، تستهدف مشروعات التطوير، مثل وسط جدة وجدة داون تاون، أن تركز خططها على السَكن في الشقق، الأمر الذي يلاقي رواجًا إلى حد كبير”، هذا ما أشار إليه فيصل دوراني.
توضح نايت فرانك استنادًا إلى رؤيتها المستقبلية أن الأعمال السكنية المتوقَّع إتمامها قريبًا تسيطر عليها المشروعات ذات الصلة ببرنامج سَكَني، مثل مشروعَي بوفارديا سيتي وفينان الواقعان ضاحية الجوهرة اللذان من المتوقَّع أن يضيفا نحو 4,200 وحدة إلى الوحدات المعروضة في المدينة. وبشكل عام، تتوقع نايت فرانك أن تزداد الوحدات السكنية المعروضة في جدة بنسبة 2% تقريبًا بحلول عام 2023.