بقلم: هشـام كـركي
أما وقد انتقل العالم إلى عام جديد، يدخل لبنان العام 2023 مثقل بالملفات بدءًا بالفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، في ظل حكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات، وانهيار اقتصادي واجتماعي تجلّت آثاره مع تفكّك القطاع المصرفي، الذي لطالما كان لبنان يتغنّى بكفاءة أدائه وما حققه من إنجازات، ضمن قواعد الامتثال، والالتزام بمتطلبات اتفاقية بازل2 ومعايير بازل3.
بعيدًا عن ما لا يهمّ المواطن اللبناني من مصطلحات، والتوسّع بما يفرضه نظام العولمة، بدءاً من منظمة التجارة العالمية، والقيود والضوابط التي يرسمها ويتحكّم بها النظام العالمي الأقوى، فإن ما يهمّ المواطن حماية حقوقه وأمن مجتمعه الداخلي، الذي من المفترض أن تضعه الحكومات المتعاقبة، ومحاسبتها من خلال الدور الطبيعي لمجلس النواب، الذي اختاره، ليمثله كضامن أول لأداء السلطة التنفيذية تحت سقف القوانين المرعية الإجراء.
لا شك أن ما مرّ به لبنان، ولا يزال، يعيش انعكاسات وآثار ما يسمى بـ ” الربيع العربي”، الذي أطاح بأنظمة واستقرار دول عربية محيطة، وانسحاب دول الخليج واستثماراتها، الرافعة الطبيعية لحركة التجارة البينية العربية، إلا أن التراكمات الداخلية في اداء الحكومات المتعاقبة، وعدم وضع خطة نهوض اقتصادي واقعية، تراعي مصلحة المواطن واسترداد حقوقه المنهوبة، تعيد ثقة المواطن بدولته وقضائه، في ظلّ انفلات الفساد المستشري في مختلف الإدارات والمصالح العامة، والتي باتت مصدرًا للمنتفعين، ناهيك عن المافيات المتحاصصة للقطاعات والمحتكرين للسلع الاستهلاكية التي لا خيار في حاجة المواطن لها، لضمان ديمومة عيشه، وتأمين قوته اليومي، بما تيسّر له مع اشتداد الخناق على موارده.
ولا شك أيضًا، أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الطبقة السياسية المتحكّمة بمسار الأمور، إلا أن المسؤولية الأهم، هي غياب القضاء عن ما دار ويدور في أحلك الظروف التي يحتاجها الوطن والمواطن، ما يترك للمنتفعين من هذا الواقع المزيد من تحقيق الموارد والتوسّع في الاستغلال والاحتكار، بعيدًا عن المحاسبة العادلة، والإمعان في تعميق الهوّة التي يتخبّط فيها اللبنانيون.
يا سادة…
القانون والإدارة والمحاسبة، لا تحتاج إلى متغيرات في الواقع الإقليمي، لترسم تطبيق العدالة الداخلية، والهدر المتنامي على حساب أرزاق المواطن، لا يحتاج إلى مستجدات دولية تفرض حكم القانون، إلا أن من الواضح، أن من اعتاد على انعدام المحاسبة، مستمر في فساده واستغلاله، في ظلّ مراوحة لسلطة تنفيذية لا تضع الإصبع على جراح الوطن والمواطن، واعتكاف للقضاء، وعدم قدرة القضاء النزيه على تطبيق العدالة.