نظّمت مدرسة برمانا العالية مؤتَمر “نموذج الأمم المتّحدة” دولي يومَي السّبت والأحد ٢٧ و٢٨ أيّار في حَرم المدرسة المُمَيَّز من النّاحية العمرانيّة واللّأفت بجماله الهَندَسيّ على اعتبار المدرسة من أقدم المدارس وأجملها؛ هي الواقعة على تَلَّة مُشرِفَة على البحر، تلفُّها أشجارُ الصَّنوبر من كافّة الجهات، وقد حافَظَت على طابعها التّاريخيّ المطبوع بوسمة الحداثة والرُّقِيّ.
وقد شارك بالمؤتمر مُنَسّقة الأمم المتّحدة الخاصّة بلبنان، صاحبة السّعادة السيّدة Joanna Wronecka، وهي السَّفيرة السّابقة لبولندا إلى العديد من الدّول العربيّة، لِتكونَ ضيفةَ شَرَفٍ تُلقي خِطابَا تأثيريًّا أمام الطَّلَاب والحاضرين.
وبما أنّ هذا العام يُصادف الذّكرى المائة والخمسين لتأسيس مدرسة برمّانا العالية، فقد كان لمؤتمر نموذج الأمم المتّحدة وقعٌ خاصّ، إذا تميَّز بمشاركة متعلّمين أجانب قَدِموا من مدرسة “سيدكوت” (Sidcot) في المملكة المتّحدة – الّتي تربطها بمدرسة برمّانا علاقاتٌ وطيدة وبرنامج تبادُل الطّلّاب – ومن مدرسة مسقط العالميّة في سلطنة عمان، بالإضافة إلى عدد كبير من تلامِذَة المدارس المَحَلّيّة اللّبنانيّة الواقعة في مختلف المناطق اللّبنانيّة، نذكر منها على سبيل المِثال لا الحصر: مدرسة الشّانفيل، مدرسة يسوع ومريم، مدرسة حُسام الدّين الحريري، مدرسة الحكمة، مدرسة يغيش مانوكيان وغيرها من المدارس المحليّة، ناهيك عن الإقبال الكثيف من مدرسة برمّانا العالية نفسها، بحيث ناهَزَ العدد الإجمالي للمُشارِكين المائة وخمسين.
في الجلسةٍ الافتتاحيّة، ألقى الأمين العام لبرنامج نموذج الأمم المتَّحدة كارل صادق (وهو أحد طلّاب السّنة الختاميّة ومن ذوي الخبرة الطّويلة في البرنامج) خطابًا قريبا من لغة الشّباب يحمل مضمونا عميقا ومؤثرًا حثّ فيه الطلاب على المشاركة في التّغيير والإنخراط في صناعة القرار.
في خطاب مدير المدرسة رحب السيد David Gray بالحضور وبضيفةَ الشَرَف و شدد على أهمية الثقافة واللغات في الحوارات والنقاشات الديبلوماسية كما أشاد بأهمية برنامج نموذج الأمم المتّحدة في مدرسة برمانا العالية ونجاحه الدائم.
في خطابها، قدمت صاحبة السّعادة إجابة على سؤالٍ حول النَّصيحة الّتي تُقَدّمها لطُلّاب وشباب اليوم؛ إذ جاءت إجابتها كالآتي: “إقرؤوا. إقرؤوا الشّعر.”
عملَ الطّلاب بجهدٍ وقدَّموا الاقتراحات رافِعين التّوصيات، مُلقين الخطب، مصوّتين على القرارات قبولًا أو مُعارَضَةً، مُحتَرِمين الأصول المرعيّة الإجراء.
اختُتِمَ المؤتمر – النّموذج عشيّة يوم الأحد بجلسةٍ ختاميّة وُزَّعَت خلالها الجوائز وهي التّالية:
جائزة الأمين العام، وهي جائزة المرتبة الأولى.
جائزة الدّيبلوماسيّة، وهي تأتي في المرتبة الثّانية.
جائزة الشَّرفيّة، وهي لمن جاء في المرتبة الثّالثة.
وقد أضيفت هذا العام، جائزة هاني أبو الجبين، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة المدرسة وكان قد توفّي منذ بضعة أشهر، وقد قدَّمت عائلته الكريمة جائزة هي عبارة عن مبلغٍ نقديّ تكريمًا لثلاثة من المشاركين الّذين يتميّزون بأدائهم وشخصيَّتهم اللّافتة وبمهاراتهم القياديّة.
كان الحفل نجاحًا كبيرًا، شعر المشاركون فيه بأنّهم قادرين على إحداث التّغيير من خلال الطُّرُق السّلميّة والحوار، وترسَّخَت في نفوسهم قناعةٌ بأنّ العنف والحرب لا يُنتِجان سوى الألم والخسارة لجميع الفرقاء.
فبما أنّ الحرب تبدأ في العقول، لا بُدَّ للعقولِ أن تُنهِيَها.
برنامج نموذج الأمم المتّحدة هو برنامج يُديره المُتَعَلّمون، يهدف إلى تنمية قدراتِهِم القياديّة والفكريّة لإيجاد حلولٍ للنّزاعات والأزمات الدّوليّة، على مثال ما يقوم به ممثّلو الدّول الأعضاء في منظّمة الأمم المتّحدة؛ إذ إنّه تَمَّ تأسيس المنظّمة المَذكورة بهدف حلّ النّزاعات الدّوليّة بالطُّرُق السّلميّة في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثّانيّة لتلافي اندلاع حرب عالميّة جديدة.
برنامج نموذج الأمم المتّحدة لعبة أدوارٍ يتَّخذ فيها كُلٌّ من المشارِكين صفة ممثّل دبلوماسي عن إحدى الدّول الأعضاء في المنظّمة، ويتحدّث باسمها مبديًّا الآراء، مُشارِكًا في المناقشات والحوارات، ومقَدّمًا توصِيات تُرفَع بِهدف إيجاد حلول للنّزاعات أو الأزمات والمشاكل الأُمَمِيَّة والدّوليّة.
لَطالما كان لهذا البرنامج في مدرسة برمّانا العالية مكانةٌ خاصَّةٌ ووقعٌ مُمَيَّزٌ، إذ يندفع المتعلّمون كُلَّ سنةٍ للمُشاركة في صنع القرار وإحداث فرقٍ من خلال إجراء الأبحاث المُعَمَّقَة والعمل دونَ كَلَل على إيجاد حلول سلميّة لنزاعات وتجاذُباتٍ يعجز الكبار أحيانًا عن حَلّها، إن بسبب أنانيّةِ المَصالحِ الضيّقة الّتي تُرَجَّح على حِساب الأحكام القانونيّة ومبادئ العدالة وحكم القانون، أو بسبب فَشَل بعض الدّول في إيصال الصَّوت وإبداء الرّأي على اعتبار أنّ “الدّول الكبرى” وحدها صاحبةُ الحَقّ في تقريرِ المصيرِ والتَّحَكُّم بالسّياسة الدّاخليّة كما الدّوليّة. يكسر النموذج هذه النّمطيّة ويُفسِح المجال أمام الشّباب لإبداء الرّأي والعمل لإحداث فرقٍ إيجابيّ في المستقل.
يُعتَبَر هذا البرنامج إطارًا تطبيقيًّا لِمبادئ الدّيمقراطيّة والعدالة والمساواة وحكم القانون، إذ يواجِهُ فيه المُتَعَلّمون أزماتٍ ونزاعات دوليّة بأساليبَ دبلوماسيّةٍ، ديمقراطيّةٍ لاعنفيّة.
يشارك المتعلّمون الرّاغبون في الانضمام إلى البرنامج في دوراتٍ تدريبيّة على مدارِ السّنة الدّراسيّة، تتمَحوَر حول أصول التّعاطي الدّبلوماسي، حيث يَكتَسِبون مَهاراتٍ متعلّقة بالأصول الإجرائيّة الّتي ترعى الاجتماعات الدّوليّة في منظّمة الأمم المتّحدة، فيتعلّمون كتابة الخِطَب والتَّوصِيات، والأصول المُتَّبَعَة لإبداء الرّأي أو المداخلة في المناقشات القائمة وغيرها من الأصول. كلّ التّدريب المذكور يُنتِج ثمارَه في المؤتمر النّموذَجي الّذي يُنَظَّم في حَرَم المدرسة ويمتدُّ على يَومَين، يعمل خلالهما طُلّاب المدرسة مع طُلّابً من مدارس محلّيّة مختلفة، ضمن لِجان مُختَصَّة مُتَّبِعين مِثال ما يجرى في منظَّمة الأمم المتّحدة.