محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد.
عندما شرع القطاع المصرفي اللبناني إلى إستقبال الودائع بالعملة الأجنبية بمواصفات الودائع بالعملة الوطنية – أي حساب لأجل، حساب جاري، حساب شيكات وبطاقات دفع، ذهب رياض سلامة (حاكم مصرف لبنان السابق) إلى إقناع المجلس المركزي لمصرف لبنان للطلب من المصارف توظيفات إلزامية (بنسبة 15%) مقابل الودائع بالعملة الأجنبية، في الوقت الذي كانت هذه النسبة تصل الى 25% مقابل الودائع بالعملة الوطنية.
وإذا صدق التقرير المبدئي للتدقيق الجنائي الذي أنجزته مؤسسة آلفاريز آند مارسال، إتخذ رياض سلامة قرار بتخفيض التوظيفات الإلزامية من 15 إلى 14%، ولم يكن يأبه لرأي أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان. وفق الشركة المدققه وكل من عرف سلامة، كان إمبراطور! الأهم هو أن هذه ال 1% المحررة إلى المصارف، وهي أموال المودعين، كان يجب أن تُعيد المصارف نسبة 1% لكل من يملك وديعة بالعملة الأجنبية مكونة قبل صدور التعميم الأساسي 150 في 9 نيسان من سنة ال 2020، ولا شأن للتعاميم 151 و 158 في هذا الموضوع – إعادة 1% إلى المودعين.
منذ يومين أعلن مصرف لبنان أنّ قيمة موجوداته الخارجية السائلة 8.49 مليار دولار مقابل مطلوبات خارجية سائلة بنحو 1.29 مليار ليبلغ الصافي 7.2 مليار دولار.
أولاً، إحتياطي مصرف لبنان بالعملة الأجنبية ليس الحل ولن يكون المشكل. عندما إتخذت حكومة حسان دياب قرار التوقف النهائي عن خدمة الدين، كان في جعبة مصرف لبنان مايقارب ال 30 مليار دولار من الإحتياطي بالعملة الأجنبية.
ثانياً، نشر هذه الأرقام على موقع مصرف لبنان الإلكتروني كاف ولا حاجة لإحداث ضجة من خلال نشرها.
ثالثاً، هذه الأرقام لا تُضيف ولا تنتقص من ولا تؤثر على منسوب الثقة المعدومة بين المصارف والمودع. إشتدت الأزمة بين المودعين والمصارف في الوقت الذي كلن فيه مصرف لبنان يحمل مايقارب ال 15 مليار دولار من الإحتياطي الإلزامي.
هذه السيولة الذي يتغنى بها المركزي ليست متوفرة لأصحابها النهائيين – المودعين (the ultimate beneficial owners)؛ والأرقام الأهم بالنسبة للإقتصاد هي صافي موجودات المصارف التجارية الخارجية السائلة. فقط المصارف التي تتوفر عندها السيولة الخارجية هي القادرة على الإستمرار في خدمة الإقتصاد الوطني، وهي تراعي إجراءات الحيطة والحذر في مكافحة تبيض الأموال، وهي المصارف التي تتوفر عندها مقومات الدعم.
كما تجرأت مكونات السلطة النقدية وأخذت قرار ال 15% توظيفات إلزامية في أيام الرخاء الإقتصادي والنقدي، بإستطاعتها إلغاء هذه التوظيفات نهائياً اليوم (كما فعلت في التعميم 150 الذي شرع الحسابات بالدولار “الفريش” المحرر من أيّ قيود، وإعادة الأموال لأصحابها – المودعين. إذا كان الدكتور وسيم منصوري، الحاكم بأمر السلطة النقدية بالإنابة، ملتزم بعدم إستعمال ما تبقى من الإحتياطي الإلزامي، وهذا يعني بأنه ليس بحاجة لها، ورحمة بالمتقاعدين أصحاب الودائع المحتجزة بالمصارف وغيرهم من مواطنين يعانون من الإختناق الإقتصادي بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى ودائعهم، إفرج عن أرصدة الإحتياطي الإلزامي لمصلحة المودعين اليوم قبل الغد. هذا الإجراء هو قرار للمجلس المركزي لمصرف لبنان وليس بحاجة الى قانون؛ فعلها رياض من قبلك لأن السلطة كانت بحاجة الى تمويل؛ اليوم آن الأوان لإعادة الحق لأصحابه والمودع بحاجة لماله.
هناك مجموعة من الحلول اليوم متوفرة بأيدي مصرف لبنان وليست بحاجة لقوانين. يجب تفعيل عمل لجنة الرقابة على المصارف ووضع اليد على المصارف العاجزة عن الإمتثال لأحكام تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 154. يجب أن يكون هذا التعميم نقطة إطلاق لعمل لجنة الرقابة في هذه المرحلة.
هذا كله من صلاحيات مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف ولا داعي لإنتظار الفرج من سلطة سياسية أهلكت البلاد والعباد بفسادها وفشلها ورفضها عمداً لإقرار الإصلاحات الضرورية. دعنا نتخلى عن بدعة التشريع والشروع إلى عمل المستطاع من أجل إنقاذ الوطن والمواطن.